ضافي الجمعاني: الحياة تبدأ في الثمانين

Dafi Jam3ani.jpg


















خالد أبو الخير
أبصر النور في مضارب عشيرته «الجماعين- بني حميدة» جنوبي مادبا عام الهزة «يوم انهدت الدار على سلامة» وفق رواية والدته وجدته، ما يقارب العام 1927.
توفي والده وهو في الثانية من عمره، فعاش في كنف عميه «سليمان وعبدالله» وجدته مريم العوض التي تتحدر من عشيرة بني حسن، ذات المكانة المرموقة بين البدو وبيت الشعر المستقل.
تلقى علومه الأولى على يد الخطيب يوسف، القادم من قرية سنجل من أعمال نابلس، وهو من أسماه «ضافي». ثم انتقل إلى دار عمه سليمان في مادبا للدراسة في مدرستها الوحيدة، حيث أكمل بضع صفوف ابتدائية، قبل أن ينتقل للدراسة والإقامة في مدرسة المطران التي أسسها في جبل عمان مطران الطائفة الانغليكانية في القدس.
يرجع ضافي الجمعاني، الفضل إلى عميه في حثه ودعمه على مواصلة دراسته.
تفرد البدوي الذي أثار ضحك أبناء العائلات الميسورة غداة انتسابه لمدرسة المطران في دراسته، وغدا من التلاميذ المجتهدين، فضلاً عن ممارسته للعديد من الهوايات الرياضية، وإتقانه اللغة الإنجليزية، لدرجة أنه حاز المركز الثالث في الإنشاء الإنجليزي، وسلمه الجائزة، للمفارقة، قائد الجيش آنذاك كلوب باشا، الذي علق قائلا: «بني حميدة وجائزة باللغة الإنجليزية». لكن اجتهاده لم يلبث أن تراجع في سني المراهقة بتأثير إقباله على ممارسة الرياضة، كما يقول.
يذكر رحلة قام بها بصحبة مدير المدرسة ولفيف من الطلاب إلى فلسطين.
تخرج من مدرسة المطران العام 1947 بعد أن أمضى سبعة أعوام في القسم الداخلي فيها، ولم يتسن لعمه إرساله إلى بيروت لإكمال دراسته الجامعية، نظراً لأن القحط عم البلاد في تلك السنة.
حاول جهده الحصول على عمل في الحكومة فلم يتمكن، كما لم يحز بعثة دراسية.
لكنه عمل في مركز أنشأته الحكومة لتوزيع الحبوب في مادبا لمدة أربعة أشهر، ثم قصد عمان باحثاً عن عمل. فعينته قيادة الجيش معلماً مدنياً في مدرسة لضباط الصف بعلاوة معلم قدرها خمسة دنانير. لكن الوظيفة لم ترق له، فقفل عائداً إلى مادبا دون أن يقدم استقالته.
نتيجة لوساطة عمه مع كلوب باشا أدخل مدرسة المرشحين، وعاد إلى مدرسة ضباط الصف تلميذاً لا معلماً.
تلقى تدريبه العسكري في معسكر التدريب الأمامي في «مركز بوليس النبي صالح» برام الله، تقدم بعدها لدورة مرشحي الضباط وقُبل، وابتعث مع ستة مرشحين إلى كلية ساند هيرست العسكرية ببريطانيا.
فرز بعد عودته إلى الأردن إلى سلاح المدفعية، التي كانت تتكون مطلع العام 1949 «من كتيبة مدفعية ميدان واحدة مؤلفة من بطاريتي ميدان عيار 25 باوند».
فيض من المماحكات مع الضباط الإنجليز يذكرها الجمعاني، الذي كان يمقت سيطرتهم على الجيش.
انتقلت كتيبة مدفعية الميدان الأولى إلى غور فلسطين شمال مدينة أريحا، حيث عقدت دورات التدريب الجدية. وهناك التقى للمرة الأولى شاهر اليوسف «ضابط شاب في سلاح المدفعية المعار إلى لجنة الهدنة الأردنية الإسرائيلية»، الذي كان له «دور وتأثير في بلورة وتحديد توجهاتي السياسية والعقائدية»، بحسب الجمعاني.
انتقلت الكتيبة أوائل الصيف إلى منطقة مدينة الزرقاء، التي أصبحت المعسكرات الثابتة لأسلحة الجيش المساندة.وهناك توثقت علاقته بشاهر اليوسف، الذي صار نقيباً وبالملازم أول محمود المعايطة المعروف «كضابط شجاع قاتل في فلسطين».
اقترن بابنة عمه سليمان العام 1950، وسكن مادبا.
«في أواسط العام 1951 كان لي صديقان من بين أصدقائي هما : النقيب شاهر اليوسف، والملازم أول بطرس الحمارنة، كان الأول ينتمي إلى حزب البعث العربي الاشتراكي، والثاني للحزب القومي الاجتماعي السوري، وقد أطلق بطرس على ابنه البكر اسم مصطفى تيمناً باسم مصطفى ارشيد الأمين العام للحزب القومي السوري آنذاك». يقول الجمعاني في مذكراته، ثم يشير «إلى ميله إلى «البعث» نظراً لعشقه للحرية».
أوفد إلى بريطانيا العام 1952 لمتابعة دورة قائد موقع في مدرسة المدفعية.
تسلّم قيادة بطارية مدفعية العام 1953.
التزم رسمياً بحزب البعث منذ منتصف 1956 وأقسم يمين الولاء أمام رئيس الحزب عبدالله الريماوي. وكان أحد مؤسسي تنظيم «الضباط الأحرار» في الجيش بعد شاهر اليوسف ومحمود المعايطة.
عين أواخر العام 1956 قائداً لكتيبة مدفعية الميدان الخامسة.
يرى بحكمة السنين بأن قيادة حزب البعث التاريخية حتى صدام حسين «لم تعرف كيفية تطبيق فكر حزب البعث على الواقع»، مؤكداً «أن الفكر وحده لا يوصل إلى هدف، بل أنه قد يشكل مصيدة لكثير من المناضلين المؤمنين والجماهير، إذا تولته قيادة ليست لها علاقة بهذا الفكر بل قد تكون عبئاً عليه».
اعتقل وقيادات التنظيم إثر أحداث العام 1957. وحكم بالسجن عشر سنوات أمضى شطراً منها في سجن الجفر الصحراوي.
أفرج عنه بموجب العفو الذي أصدرته حكومة وصفي التل الأولى 1962، بعد 58 شهراً أمضاها في الاعتقال.
أمضى ردحاً من الزمن في بيته، قبل أن يعيد اتصاله بالحزب كعضو عادي في فرقة مادبا الحزبية، مع حصوله على وظيفة مساعد للإدارة في قسم المشاريع في مجلس الإعمار.
اعتقل مجدداً من منزله في مادبا العام 1963 إثر حركة الثامن من شباط/ فبراير في العراق التي تسلم بموجبها حزب البعث السلطة في العراق، وحركة 8 آذار/مارس في سورية، وبقي رهن الاعتقال 14 شهراً.
التحق بحركة الثالث والعشرين من شباط التي استهدفت «التخلص من القيادة التاريخية للحزب» وعيّن عضواً في لجنة تنظيم القُطر ثم رئيساً للجنة، ليتولى أمانة سر قيادة قطر الأردن لحزب البعث «الجناح السوري».
انتخب عضواً في القيادة القومية في سورية في المؤتمر القومي العاشر، وتولى إدارة العمل الفدائي الذي كان حديث الولادة آنذاك، لفترة قصيرة عاد إثرها إلى الأردن «لأن العمل هناك أشرف وأجدى» وفق رأيه.
تولى بعد هزيمة 1967 قيادة تنظيم «طلائع حرب التحرير الشعبية ـ قوات الصاعقة» التي شكلها فرع فلسطين للحزب في دمشق. وكان له دور فاعل في تحالف حركتي فتح والصاعقة، وإيصال الحركة إلى قيادة منظمة التحرير الفلسطينية.
نشاطه الفلسطيني جعله في مقدمة قيادات المقاومة.
تولى التفاوض مع حكومة بهجت التلهوني العام 1970، وأدت دعوته لتوحيد الفصائل الفلسطينية التي أطلقها من موسكو، إلى انبثاق المجلس المركزي لمنظمة التحرير.
بوصول نور الدين الأتاسي، الأمين العام للحزب إلى سدة الحكم في سورية، بدأت قبضة الحزب تفتر عن الجيش السوري، ما أدى إلى حركة وزير الدفاع الفريق حافظ الأسد 1971 التي أطلق عليها اسم «الحركة التصحيحية» ولا يرى الجمعاني مبرراً لها.
اعتقله النظام السوري الجديد في حزيران 1971 ،وزج به في سجن المزة الشهير دون محاكمة. أفرج عنه يوم 30/10/1994، فعاد بعد انقضاء أكثر من 23 عاماً وراء القضبان، إلى بيته في مادبا.
اتصف منذ شبابه بالجنوح إلى التمرد، وما زال، بعد أن جاوز الثمانين.. لم يسأم.


صحيفة السجل

الخميس 27 تشرين الثاني 2008 /العدد 53 السنه الاولى 

تعليقات