بسام العموش:عين الرضى كليلة عن اعتداله واجتهاده..

Bassam 3moosh.jpg

















خالد ابو الخير
طيبة أهل البادية فيه ،سمة لا يحاول إخفاءها. وصفة رجل الدين المصلح والمستنير بارزة الى حد سوء الفهم أحيانا. زرقاوي الهوى، رأى النور في شريانها التاجي- شارع السعادة- عام 1954، وإليها عاد بعد ترحال طويل، ليدرس في جامعتها الأهلية، بعد أن خاض غمار السياسة ومعترك الدبلوماسية منطلقا من أساسات إسلامية.
هاجسه الأول وربما موقفه السياسي الأول، كان من العصا.. فقد رفض الالتحاق بالصف الأول الابتدائي في مدرسة المهلب، بسبب الضرب الذي كان سائدا آنذاك ويحظى بموافقة حكومية وأهلية.. فجره ذووه إليها جرا.
في العام 1971، أثناء دراسته الثانوية، انتمى برفقة ثلة من الطلاب من ذوي التوجه الإسلامي للإخوان المسلمين.
بعد إنهاء بسام العموش «التوجيهي» ، لعب وزير الداخلية الأسبق المثير للجدال، نذير رشيد، دوراً في رسم مستقبله دون أن يدري. فقد كان للعموش عم يرتبط بعلاقة مع رشيد الذي كان سفيراً في المغرب، واستطاع أن يحصل على عدة بعثات دراسية كانت إحداها من نصيب الفتى الزرقاوي، فشد الرحال إلى جامعة القرويين في مدينة فاس دارسا للشريعة والقانون.
عاد العموش مجدداً إلى مدينة الزرقاء بعد حصوله على البكالوريوس، وعمل عاماً في مدرسة تابعة للشيخ عبد الباقي جمو، غادر بعدها إلى السعودية دارسا للماجستير والدكتوراه في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية التي تخرج منها عام 1984، وعمل لعامين آخرين هناك مدرساً في جامعة الملك سعود، ليعود مجدداً الى الوطن وينضم الى السلك الاكاديمي في الجامعة الأردنية.
برز العموش نهاية الثمانينات كقيادي إخواني، يحسب على تيار الحمائم تارة وأخرى على الصقور، وسلطت الأضواء عليه أكثر حين انتخب في البرلمان الثاني عشر1993 الذي أقر معاهدة السلام مع إسرائيل ومهر موافقته على أول ضريبة للمبيعات ، وهما القراران اللذان حظيا بمعارضة نيابية و شعبية قوية، وكان نواب الإخوان والعموش على رأسها .
فصل من جماعة الإخوان المسلمين على خلفية موقفه الرافض لمقاطعة انتخابات 1997، رغم أنه كان دعا إلى انسحاب الإخوان من البرلمان احتجاجا على إقرار معاهدة وادي عربة.
مقالته في صحيفة «الرأي» عن تفنيد قرار مقاطعة الانتخابات كانت القشة التي قصمت ظهر البعير بينه وبين الإخوان، إلا إن مقالة أخرى له عن التكفيريين حظي بها باتصال من الملك الراحل الحسين. مثلما حظي بلقائه على مقالة أخرى رحب بها باستقبال الأردن انذاك لعضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق بعد اطلاق سراحه من الولايات المتحدة. وحظي بثناء الحسين، خلافا لموقف كاتب اخر في «الرأي» أيضاً.
حادثة مهمة شكلت مفترقاً في مسيرته، فقد نقل عن أحد البعثيين قوله في اجتماع حزبي شارك به «سنحرق عمان» فرد عليه العموش فوراً : «اللي بده يحرق عمان إحنا بنحرقه!».
هذه الحادثة التي ذاعت نهاية التسعينات كانت سبباً في ايعاز الملك الراحل لعبد السلام المجالي بأن يضمه الى حكومته التي تشكلت في آذار/مارس 1997، وفق العموش نفسه. فتسلم حقيبة التنمية الإدارية. الى جانب «عرابه» اذا جاز التعبير، نذير رشيد الذي شغل حقيبة الداخلية.
يجادل مناوئو العموش بأن تنقله بين موقعي المعارضة والموالاة يعد قفزا إلى أحضان الحكومة، ويراه هو تطوراً طبيعياً في المسيرة، مع ثبات المبادئ.
تقول شخصية إخوانية عرفت العموش مبكرا أنه «كان وطني المنطلقات، يوالي الدولة، ويعتبر أنها أفضل من أنظمة أخرى»، ويلتقي بذلك مع سياسة الاخوان «الذين وقفوا الى جانب الدولة عام 1957 وخلال فتنة ايلول 1970 ولم يستغلوا أزمة تراجع صرف الدينار 1989 وأحداث الخبز1996 لإحراز مكاسب سياسية».
تشرح شخصية سياسية أن اداء العموش الوزاري «كان عادياً، ولم تسجل له مواقف قوية أو يثبت أنه رجل دولة من طراز رفيع، الأمر الذي حال دون عودته مجددا الى مقعد الوزارة»، ويجادل هو بأنه «رجل موقف، عارض الكثير من القرارات، خصوصا تلك التي تعرضت لزيادة الضرائب او القضايا ذات الطابع الربوي، وبيع الأراضي «حتى شرح له رئيس الوزراء قائلا: اذا شفت اسم شمعون بده يشتري أرض فلا توافق»!. ويستشهد بأن «وزير المالية ميشيل مارتو كان يشده من «جاكيته» بسبب كثرة اعتراضاته في مجلس الوزراء».
أهم إنجازاته كوزير عقده لمؤتمر البطالة الذي حرص أن تحضره ألوان الطيف السياسي كافة فضلاً عن الحكومة، وتمخضت عنه استراتيجية مكافحة البطالة، ومن ضمنها متابعة الوافدين وتنظيم سوق العمل وصرف تراخيص لهم، وهو ما هو معمول به حتى اليوم.
عند تشكيل عبد الرؤوف الروابدة لحكومته في آذار/ مارس 1999اتصل بالعموش عارضا عليه تسلم ديوان الخدمة المدنية، فقال له: لماذا اخترتني للديوان الذي أعرف أنه «وجعة راس على الفاضي». فأجابه: لكي تضبطه. وجادل العموش الروابدة زميله السابق في مجلس النواب، بأنه اذا كان يريد راحته فليعينه سفيراً، غير أن الروابدة اقترح مازحاً تعيينه سفيراً في إسرائيل. فقال العموش: لا الإسرائيليين يقبلوني، ولا الدولة تقبل، ولا أنا اقبل. وعليه قبل بالعمل في ديوان الخدمة.
يرى مقرب من العموش في تلك الفترة أنه كان شفافا، ألغى نظام المقابلة الشخصية للذين حان دورهم في التوظيف، ووضع شاشة محوسبة تظهر للجميع أرقامهم التسلسلية، وأمام الملأ وعلى المتضرر مراجعته شخصيا».. غير أن موظفا آخر قال إن «الديوان في عهد العموش كان عرضة، كغيره من المؤسسات، لطلبات الوزراء والنواب والأعيان التي تؤخذ بعين الرعاية».
غير أن حلم السفارة تحقق إبان حكومة فايز الطراونة التي تشكلت في آب /اغسطس 1998، ليس الى إسرائيل ولا إلى المغرب التي أحبها وأحب أن يعيد أيامه بها، وإنما إلى إيران، التي رفضها أولا نظرا لحساسية كونه سفيراً وأستاذاً في العقيدة في آن، في دولة ينص دستورها على اعتماد المذهب الجعفري. ثم عاد وقبل العرض.
يقر العموش بأن «العلاقة الأردنية الإيرانية لم تخط يوماً أبعد من المجاملات، وظلت في الغالب تراوح مكانها، ليس لأن الأردن يريد، لا سمح الله السوء بإيران، وانما لأن إيران تريد التمدد في المنطقة». وربما لهذا السبب لم تكن أيامه في طهران عسلا، اذ سرعان ما اصطدم مع الايرانيين، خصوصاً بعد أن تبين حجم التدخلات الايرانية في العراق والخليج، ومحاولة سفير إيراني سابق في عمان تنظيم نشاطات مسلحة، والقبض على أعضاء من حزب الله حاولوا تهريب أسلحة إلى فلسطين، ما دعاه الى شرح الصورة الى المسؤولين الإيرانيين، «بأن من مصلحة إيران دعم الأردن ومصر والسعودية لا هز الاستقرار فيها، انطلاقا من مقولة الخميني بأن اسرائيل ورم سرطاني تجب محاصرته، وهذه الدول تحاصر هذا الورم». ، يقول إنه «كان يلقى آذاناً صاغية من بعض العقلاء في ايران كالرئيس السابق «محمد خاتمي» ورئيس مجلس الشورى «مهدي كروبي»، الا أن المحافظين المتشددين منهم ناصبوه العداء بسبب آرائه تلك».
ينقل عن مسؤول إيراني قوله إن «العموش كان يتحدث عندما يقوم بزيارات الى المسؤولين الإيرانيين عن الإرهاب ، وضرورة تحسين صورة الاسلام، بدل أن يتحدث في القضايا ذات اهتمام أولئك المسؤولين»، غير أن العموش ينكر ذلك، ويعتبر أن «زياراته للمسؤولين الإيرانيين في شتى مواقعهم كانت بغرض المجاملة فقط، والتعبير عن احترام ايران التي يحب أن تكون قوية ولكن ليس على حساب الآخرين».
سوء الفهم لأستاذ العقيدة ورجل الدين المستنير أدى الى تعقيد الأمور، فقد وضع هاتفه تحت المراقبة كما روقبت تحركاته، وكف المسؤولون الإيرانيون عن استقباله، ما دعاه الى الطلب من وزارة الخارجية اعفاءه من منصبه. والغريب أن أحداً من «خارجيتنا» لم يسأله عندما عاد «شو صار معك»! وكأنه كان عبئاً على الوزارة، التي «ما صدقت»، كونه جاء من خارج سلكها الدبلوماسي.
أبو عبدالله، لقب العموش، الأب لثلاثة أبناء وثلاث بنات، والجد أيضاً، يمضي وقته حالياً بين التدريس وعمله كرئيس للمرصد السياسي الأردني «مؤسسة خاصة أنشأها مؤخراً». حين يخلع كوفيته، وينظر وراءه لا شك يتساءل: هل المسافة بين رجل الدين الذي يحمل برنامجاً ورؤية، والسياسي المحترف غير قابلة للتجسير..؟.


صحيفة السجل

الاثنين 1 آب 2007 /العدد 1 السنه الاولى 

تعليقات