ياسين الحسبان المفرقاوي اليتيم الذي وصل العالمية بطب الأسنان






 

 

د. مهند مبيضين

اليتم الذي شهده منذ إطلالته الأولى على الحياة، جعله يمتلك عزيمة قوية، ليتجاوز كل العقبات التي واجهته، ليحقق النجاح الباهر، ويفرح قلب والدته التي وقفت إلى جانبه في جميع مفاصل حياته.

ولد الدكتور ياسين الحسبان العام 1946 في المفرق. وفي بيت والده تشرّب الروح الوطنية القومية، إذ كان الوالد محمد علي الذي عمل بداية أمره معلما، سمع من جده صايل التاجر المتنقل بين بغداد ودمشق والمفرق في الزمن العثماني وأوائل عهد الإمارة، عن سوء الإدارة العثمانية، وعن ملامح النهضة العربية والوعي القومي.

تلك التنشئة انعكست على الأب الذي ارتبط بعلاقات وطيدة مع هزاع المجالي ووصفي التل وشفيق ارشيدات وحمد الفرحان، وكان لتعليمه في ثانوية السلط وتخرجه منها العام 1938 السبب المباشر في تلك النشأة. 

ذات صباح اصطحب الجد صايل ابنه محمد علي لتسجيله بالجيش، "قابل والدي كلوب ورفض أن يسجله بالجيش"، عندها ذهب الجد إلى القدس وقابل المندوب السامي للشكوى على كلوب باشا، الذي وجه له المندوب السامي رسالة مضمونها انه قابل بالقدس شابا متعلما ويتحدث الانجليزية ويطلب إليه تجنيده بالجيش".

دخل محمد علي الجيش مجندا، ثم ترقى بالرتب، وكان على صلة وثيقة بالأمير عبدالله.

لكن العمر لم يمتد به، إذ توفي قبل مولد ياسين بستة أشهر"ترملت أمي الحاجة فاطمة طيفور رحمها الله وعمرها عشرون عاما بعد أن فقدت زوجها وأخاها معا في حادث أثناء أدائهما واجبهما العسكري"، وبذلك أضحى الطفل ياسين  بكرها ووحيدها.

قضى الطفل ياسين معظم طفولته بين أخواله "درست في مدرسة عبين الإعدادية، ثم نُقلت إلى مدرسة عجلون ومن ثم درست في ثانوية اربد ومنها تخرجت العام 1963".

الحياة للطفل اليتيم كانت قاسية، فيما تحاول الأم تدبر نفقة دراسة وحيدها "بيعت قطعة ارض بالمفرق وسط البلد بمبلغ 95 دينارا"، إضافة إلى تقاعد والده.

ويؤكد "كانت تأتيني مساعدة من عمي الرائد إبراهيم صايل الحسبان، وأنا مدين له لأنه جعلني أحس بالمسؤولية".

زمن الرجل كان مليئا بالحراك الفكري، خصوصا في ثانوية إربد، وتأثر فيها بالأستاذين مصطفى زيد الكيلاني، وعبدالمجيد نصير.

 بعد الثانوية سافر الحسبان إلى تركيا بسبب وجود أصدقاء هناك، وفي عالم اسطنبول تعرف إلى زملاء وأصدقاء؛ ممدوح العبادي وفتحي حياصات وصالح وريكات ومهنا ابو غنيمه وعادل الشريدة وسهيل الكايد وحنا قعوار وعصام النبر ومحمد الزعبي وعبدالرزاق طبيشات، وغيرهم.

يؤكد انه تعرض لاستقطاب حزبي "حاول د. عبد الحفيظ المومني استقطابي لحركة الإخوان، في حين كان ممدوح العبادي وفتحي حياصات يستقطبونني إلى الدخول في الحركة الناصرية القومية أو ما أسموه يومها بتنظيم" الوحدويين الاشتراكيين".

قناعة الرجل يومها كانت ترى أنه جاء لتركيا لأجل الدراسة، كي يعود لوالدته، بيد أنه في الأعوام الأخيرة صار ضمن تيار الوحدويين الاشتراكيين مع ممدوح العبادي وفتحي حياصات وغيرهما.

العودة كانت في العام 1969، ومباشرة دخل الجيش "برغم رفض الوالدة"، لكن وصفي التل هو من ادخله الجيش يقول "في رمضان 1969 ذهبت مع ممدوح العبادي لبيت فالح التل في جبل الحسين، وسألت أم هشام عني، فقال لها ممدوح: هذا ياسين ابن محمد الصايل الحسبان. فصاحت هذا ابن صاحب وصفي، واتصلت بوصفي مباشرة، وقال خليني أشوفه بكره في محل عثمان ناصيف بشارع السلط".

صورة وصفي التي رسمها أساتذة المدارس، خصوصا جماعة الإخوان يبدو انها لم تكن ايجابية "الأساتذة غرسوا فينا أن وصفي ليس وطنيا".

مع ممدوح العبادي ذهب الرجل إلى بيت وصفي في الكمالية، ولم يطل اللقاء، فقد كان وصفي حضّر رسالتين واحدة لوزير الصحة الدكتور عبدالسلام المجالي، والثانية لرئيس هيئة الأركان علي الحياري، ولم يطل به الأمر حتى عين في الجيش مطلع السبعينيات.

بداية خدمته كانت في مستشفى الزرقاء العسكري، ثم تنقل من موقع لموقع، في اربد والسلط والكرك والمدينة الطبية، وتدرج بالرتب حتى تقاعد برتبة لواء العام 2000.

العام 1974 كان في اربد، وهناك تعرف إلى السيدة هناء عزت السيوفي وخطبها، وبعد عام سافر إلى لندن للتخصص، وحصل على الماجستير في طب وصناعة الاسنان من جامعة لندن العام 1976.

عاد ياسين، وأصبح رئيسا لقسم الأسنان في مستشفى ايدون، ثم قائدا للكتيبة الطبية الثالثة بالزرقاء، ثم ما لبث أن أرسل إلى جامعة ولاية "نيويورك بافلو" في الولايات المتحدة للحصول على شهادة التخصص العالي في اختصاصه، ومن ثم صار مديرا لمستشفى الأمير علي بالكرك، ثم عضوا في اللجنة التنفيذية لاتحاد أطباء الأسنان العالمي، ثم مديرا لمستشفى الملكة عليا، ومديرا لطب الأسنان بالخدمات الطبية لعشرة أعوام، فمديرا عاما لمدينة الحسين الطبية العام 1999 التي أمضى فيها عاما، قبل يحال على التقاعد برتبة لواء العام 2000 بعد خدمة 30 عاما وستة أشهر، نال خلالها عشرات الأوسمة والميداليات التقديرية، وعلى رأسها وسام الحسين للعطاء المتميز.

الحسبان كان أحد أعضاء الفريق الذي عالج أسنان المغفور له الملك الراحل الحسين بن طلال. ويؤكد "الراحل كان يحيطنا بالمحبة والسؤال عن أحوالنا دائما".

ويروي كيف أن الحسين كان ذات مرة في زيارة لقسم الأسنان، وكان أبناء الحسبان ينتظرون والدهم "كان ابني يزن وقع وجبرت يده بالجبص، ولما دخل الحسين ورأى الصبي جالسا سلم عليه وقال: "سلامتك ولا حدا كاتب على إيدك. فطلب قلما، لكنه لم يكتب على الجبص، ثم طلبوا له قلم "فلوماستر"، ولما جاء كتب له الحمد لله على سلامتك، ووقع الحسين بن طلال.. فطار الولد فرحاً".

بعد التقاعد استقر الحسبان في عيادته بجبل عمان، بيد أن نشاطه وفاعليته تبدت في العديد من المؤسسات، فقد عمل محاضرا غير متفرغ في كلية طب الأسنان في الجامعة الأردنية، وعضوا فاعلا في مجلس النقابة، وعضوا لمجالس أمناء عدة جامعات، وهو اليوم نائب رئيس مجلس إدارة المستشفى الإسلامي.

الحسبان واحد من الأطباء العرب القلائل المشهود لهم بالخبرة الدقيقة في صناعة الأسنان، وقد توجت جهوده بأن أصبح عضوا مشاركا في الكلية الأميركية لأطباء صناعة الأسنان، ومن ثم عضوا مشاركا في الكلية العالمية لأطباء صناعة الأسنان.

يرى أن "واقع القطاع الصحي الأردني في أزمة"، ويقول "عندي قناعة أن بلدا يشكل هيئة لتنظيم قطاع الاتصالات والكهرباء، ولا يفعل الأمر ذاته مع القطاع الصحي هو غافل عن أهمية هذا القطاع".

الحسبان يطالب بالعودة لفكرة المؤسسة الطبية العلاجية التي في رأيه كانت "أجهضت لأسباب ومناكفات شخصية".

تجربته في المستشفى الإسلامي يراها "جيدة". يؤكد أنه "لا يوجد فساد بقدر ما كان هناك سوء إدارة"، ويجزم بأن الإدارة الحالية حسّنت الوضع، ولأن "كل ما يقال في الصحافة هو لاستغلال المستشفى في المعركة بين الإخوان والحكومة".

حبه لوالدته ووفاؤه لها كبير. ويؤكدون مقربون أنها حين مرضت، ترك عمان وتفرغ إلى جانبها، ويقول في هذا السياق "لم يكن لدي وسيلة للتعويض على أمي التي ضحت بشبابها لأجل أن تربيني، إلا بردّ الجميل، فبنيت لها مسجدا باسمها في مسقط رأسها لأنال رضا الله ورضاها".

أولاده تنوعوا في دراساتهم؛ الكبرى بانة درست ماجستير القانون في سكوتلندا، ومحمد درس طب الأسنان وتخصص في لندن، وهو طالب وباحث في ايرلندا، والثالث يزن درس التجارة ويعمل الآن في هيئة المناطق التنموية، والرابع زيد انهى دراسته من جامعة كينت في هندسة اتصالات.

أما هواية الحسبان فكانت الموسيقى، إذ تعلم عزف الجيتار على يد أحد الأتراك إبان دراسته هناك، غير أنه الهواية لم تستمر طويلا، بعد أن تحطم "جيتاره الأثير" على يد ممدوح العبادي.

Mohannad.almubidin@alghad.jo


تعليقات

‏قال Unknown
جريدة بريد الاردن
جريدة بريد الاردن-محليات
جريدة بريد الاردن-عربي ودولي
جريدة بريد الاردن-منوعات
جريدة بريد الاردن-الارشيف


http://postjordan.com
http://postjordan.com/index.php?section=1
http://postjordan.com/index.php?section=2
http://postjordan.com/index.php?section=3
http://postjordan.com/archive.html
http://postjordan.com/about.html
‏قال Unknown
http://postjordan.com the best newspaper in the world
http://postjordan.com/index.php?section=1
http://postjordan.com/index.php?section=2
http://postjordan.com/index.php?section=3
http://postjordan.com/profile.php
http://postjordan.com/rprofile.php
http://postjordan.com/archive.php
http://postjordan.com/about.html
‏قال Unknown
postjordan the best newspaper in the world
postjordan the best newspaper in the world
postjordan the best newspaper in the world
postjordan the best newspaper in the world
postjordan the best newspaper in the world
postjordan the best newspaper in the world
postjordan the best newspaper in the world
postjordan the best newspaper in the world
postjordan the best newspaper in the world
postjordan the best web hosting in the world