ام الجمال واحة عربية لقوافل الصحراء

ام الجمال واحة عربية لقوافل الصحراء




تقع أم الجمال على بعد ستة وثمانين كيلو متراً من العاصمة عَمَّان ، وهي تعرف باسم "الواحة السوداء" وذلك لما بها من أعداد كبيرة من الأحجار البركانية السوداء. ويرجع تاريخ هذه المدينة إلى العصر الروماني البيزنطي. وقد بُنيت هذه المدينة في إحدى مستوطنات النبطيين القديمة من الطوب البازلتي الأسود المدعم بقوالب مستطيلة من البازلت أيضاً.

وتزخر هذه المدينة بأعداد كبيرة من أحواض المياه للاستخدام الخاص والعام ، ولما كانت مدينة أم الجمال بعيدة عن أي مصدر طبيعي للمياه كان من الصعب التعرف على طرق سكانها الأوائل في الحصول على المياه ، إلا أن وجود بعض القنوات لجر المياه من تحت الأرض يرجح أن هؤلاء الناس كانوا يحصلون على المياه عن طريق سحبها من أماكن بعيدة بواسطة هذه القنوات

وتحتوي القرية على آثار نبطية وبيزنطية ورومانية اهمها بقايا حصون حضنت في داخلها كنائس عديدة بين كبيرة وصغيرة واحواض ماء مسقوفة او مكشوفة ، فضلا عن بقايا موقع عسكري روماني.

وتكشف آثار الكنائس البيزنطية الموجودة في أم الجمال عن فسيفساء قديمة تمثل نهر الاردن وعلى جانبيه المدن والقرى التي ورد ذكرها في الكتاب المقدس. وعلى القرب من أم الجمال آثار مستوطنة بيزنطية في أم الرصاص يقوم في اقصاها برج علوه حوالي خمسة عشر مترا استخدمه الرهبان قديما طلبا للعزلة.

واشتهرت أم الجمال في التاريخ بأنها كانت ملتقى للطرق التي ربطت فلسطين والاردن بسورية والعراق

موقع المدينة

لقد بنيت مدينة أم الجمال الأثرية على طرف أحد الأودية التي تنحدر من جبل الدروز باتجاه الجنوب الغربي ويعد هذا الوادي حدّاً فاصلاً بين الحرّه السورية التي تمتد من الأزرق جنوباً حتى مشارف دمشق ومن وادي مقاط شرقاً حتى أم الجمال غرباً بعمق يتجاوز 200كم.

أهمية الموقع التجاري

وقد جاء بناء هذه المدينة على طرف الوادي لكي يُؤمن لها الميّاه كعامل أساس للاستقرار حيث توجد فيها عشرات البرك وخزانات المياه والآبار المحفورة على أطراف الوادي والتي لا يزال قسم منها صالحا للاستعمال حتى اليوم ، إذ أسس بناة هذه المدينة نظاماً ممتازاً لجمع المياه ، يمكن الاستفادة منه في كثير من البلدات والقرى وصور لخزانات المياه في أم الجمال (خويدة: 199).

ويقع إلى الغرب من مدينة أم الجمال طريق تجاري معروف شيد في العهد الروماني ليصل بصرى بمدينة عمان ، ولا تزال بقايا هذا الطريق الذي يربط بصرى بعمان والبترا وايله ظاهرة للعيان حتى اليوم .

وفي الوقت ذاته فأنها تقع على طريق يربط بين شمال غرب المملكة اليوم منطقة اتحاد المدن العشر الرومانية (الديكابوليس ) وام قيس وبيت رأس وإربد بمنطقة الأزرق التي تعد البوابة الشمالية الغربية لوادي السرحان الذين كانت تجوبه القوافل التجارية لمئات السنين.

سبب التسمية

موقع هذه المدينة المهمة على مشارف الصحراء هو الذي دعا السكان الحاليين لإطلاق هذا الاسم عليها ، خاصة وان وجود العديد من الخانات والساحات الواسعة في وسطها بقيت شاهداً على عظمة المكان ودوره المهم في التجارة والأمن لعدّة قرون ـ وإن كنّا لا نستبعد بأنّ من بين اسباب تسميتها بأم الجمال كثرة الإبل حولها في بداية القرن العشرين وما سبقه نظراً لخصوبة المنطقة المحيطة بها ، واستشهار القبائل القاطنة فيها بتربية الإبل واسطة النقل التجاري والحربي الرئيسة في العصور القديمة.

أمّا الاسم القديم لمدينة أم الجمال فأنّه غير معروف للباحثين حتى اليوم إذ لا نجد اسمها الحديث في ايّ من المصادر التاريخية السابقة ، كما أن الكتابات القديمة التي اكتشفت بين انفاقها لا تورد اسمّاً للمكان يمكن أن يقارن بها ، على الرغم من كثرتها وتنوع خطوطها ولغاتها .

المسوحات الأثرية

بقيت المدينة في طيّ النسيان لسنوات طويلة إلى أن قامت بعثة جامعة برنيستون الإمريكية بعمل مسح أثري لمنطقة جبل الدروز وجنوب حوران فيما بين 1891 و م1903 ، إذ أشرف عالم الآثار الأمريكي G.Bettler وعالم النقوش واللغات السامية E.Littmann على ذلك العمل وقاما بنشر العديد من المقالات والكتب التي لا تزال مرجعاً مهماً عن المنطقة عموماً وأم الجمال بشكل خاص (Bettler...)حيث أفرد أنو ليتمان كتاباً خاصاً للنقوش السامية والتي اكتشفها البعثة وأفرد فيه جزءاً مهماً عن ام الجمال E.littmann 91 ولعل من الجدير ذكره هنا بأنّ النقوش التي اكتشفت في أم الجمال تزيد عدداً عن تلك التي تمّ اكتشافها في مدينة بصرى التي كانت عاصمة للمقاطعة العربية لفترة طويلة وذلك منذ ضمت الدول النبطيّة إلى الامبراطورية الرومانية في عام م106 .

النقوش و أهم الآثار المكتشفة

إن تنوّع لغة النقوش المكتشفة في أم الجمال من نبطية إلى يونانية ولاتينية وصفوية وعربية شمالية ووجود نقوش ثنائية اللغة في ذات المكان زيادة على إن بعض أبناء القبائل العربية الذين عاشوا في ام الجمال ابّان القرون الميلادية الاولى كما يظهر من كتاباتهم ، قد كتبوا بأكثر من خط ولغة وكتبوا نقوشا ثنائية أيضا . وهذا يؤكد بان أبناء المنطقة والمدينة كانوا يتقنون أكثر من لغة خلال تلك الفترة الأمر الذي يعكس مدى ارتفاع مستوى ثقافتهم ويؤكد عمق اتصالهم بالحضارات المجاورة كما يؤكد تفاعلهم مع عصرهم ، ويزيدنا اليوم يقيناً بان المدينة كانت مركزا مهما للتجارة التي تتطلب أمرين هامين هما معرفة اللغات والثقافات الأخرى ، وتوفر وسائط النقل التي كان الجمل يشكل عمودها الرئيس فيما سبق وذلك إضافة إنشائها في مكان يوفر للقوافل الأمن والغذاء والماء في محطة من محطات القوافل وهي الأمور التي تتوافر كلها في مدينة ام الجمال.

ويبدو بان تعّلم اللغات وما يتبع ذلك من مهارة الكتابة والحساب اللذان يساعدان التجار في ضبط تجارتهم قد كان جزءاً مهماً من حياة أهل المدينة منذ القرن الثالث الميلادي ، إذ يستدل منه نقش فهد بن سلمى المكتوب بالخطين النبطي واليوناني بان فهراً كان مربياً ومعلماً لجذيمة وأنّ مهنة التعليم قد كانت معروفة في المنطقة عموماً وفي ام الجمال بشكل خاص.

ويعد هذا النقش الذي يمثل شاهد قبر لفهر مع نقش ام الجمال الثاني من اهم النقوش التي تبرز تطور اللغة العربية وتثبت بأن الخط العربي الذي نكتب به اليوم متخذ من النبطي القديم ولا يفوق هذين النقشين اهمية للاستدلال على اصول الخط العربي سوى نقش النمارة الذي وجد على مسافة غير بعيدة من ام الجمال ايضا ويبدو من الكتابات واللقى الأثرية القليلة بان مدينة ام الجمال الاثرية المعروفة اليوم ليست هي المكان الذي اقامه الانباط اذ يقول B.de Vries بيرت ديفريز بان تاريخ المدينة المبكر القرن الاول حتى القرن الرابع الميلاد ، يقع على بعد م200 الى الشرق من البلدة الحالية. ( B.de Veries 8991:922).ولكن الحفريات التي أجرتها دائرة الاثار العامة الأردنية الى الشمال من كنيسة جوليان ، تؤكد وجود مبان نبطية وقطع أثرية نبطية في وسط البلدة القديمة ايضاً (خالد الجبور 2001 ، تقرير غير منشور) .

كما تؤكد الحفريات الاثرية التي أجريت في المنطقة المنطقة الواقعة الى الجنوب الشرقي من البوابة الجنوبية والمعروفة لدى السكان المحليين باسم الهدى أي الخربة الاثرية تؤكد بان البلدة النبطية القديمة انشئت في ذلك الجزء إبان القرن الاول قبل الميلاد.

وبهدف تنشيط السياحة ، تعمل دائرة الآثار العامة حالياً على إنشاء متحف يحتضن آثار وكنوز منطقة أم الجمال في محافظة المفرق التي تضم العديد من المواقع الآثرية.

ومن جانبه قال مدير مكتب آثار المفرق ناصر الخصاونة أن المكتب باشر بتنفيذ المرحلة الرابعة من مشروع ترميم وصيانة الآثار ويعمل عل إنشاء متحف للنقوش والقطع الآثرية التي اكتشفت أثناء التنقيبات وأعمال الحفريات.

وبين الخصاونة انه سيصار حال الانتهاء من المشروع الى تنظيم مهرجان بالتعاون مع بلدية ام الجمال ومديرية ثقافة المفرق للتعريف بكنوز منطقة ام الجمال التي تضم 15 كنيسة على مساحة 997 دونما مسجلة باسم دائرة الآثار العامة ، مشيرا انه تم وضع خطة لتأهيل الموقع بشكل عام عبر صيانة الابنية والممرات والطرق الداخلية وتركيب لوحات ارشادية اضافة الى انارة الموقع وتجهيز الساحات الموجودة داخل المدينة الاثرية.

مصدر الخبر : الدستور-26/6/2009 الكاتب : الدستور عمان

تعليقات