الجفر.. محاكاة القصر والسجن والصقر 1 و 2 و 3

الجفر.. محاكاة القصر والسجن والصقر (1-3)



أي مخطوط هذا الذي يمكن قراءته لحظة الوصول إلى الجفر؟!
وكم من مستوى يمكن أن يرى المتأمل تاريخ هذه القرية؟
كل تلك التداعيات، وأكثر، حضرت في الذهن، حين كان الدرب يفضي إلى اتساع في الرؤية ما إن أخذ الطريق الصحراوي يمهد حوارا خفيا بين المعلومة الغافية منذ سنوات في الذاكرة، وبين ذاك المكان الذي أنا مرتحل إليه، وفي الذهن تومض شرارات صور متباينة تظهر كلما طرق وقع اسم الجفر صوان المحتجب من التاريخ في الذات التي تختزن الكثير من تشكيلات المراحل الماضية، وتحولات المرحلة الحاضرة.

الثالوث

يأتي اسم الجفر..
وتأتي معه قصص عن عشيرة التوايهة (أبو تايه)، والشيخ عودة أبو تايه، وقصره الذي تغفو أطلاله هناك، وحكايات عن تلك الشخصية، صاحب القصر، تصل حد الأساطير التي يتشابك فيها حضوره الاجتماعي والسياسي مع معارك وجيوش الثورة العربية الكبرى.
ولا يحمل اسم الجفر هذه الدلالة فقط، بل يترافق في مساحة أخرى من الوعي مع ما قيل، أو كُتب عن سجن الجفر، وعن أسماء، وشخصيات، مرّت من هناك، محاصرة بجدران هذا البناء في مرحلة من حياتها، وكان لها في تلك المرحلة، أو/و مراحل أخرى سجل في التاريخ السياسي للأردن، والمنطقة بأكملها، وكان أيضا عتبة لكثير من الأسماء في طريقها نحو سدّة الوزارة، والمواقع الحكومية الأخرى.
ومن التفاصيل اللافتة في هذه القرية، أن اسمها قد ارتبط أيضا بمهنة تطورت بعد أن كانت هواية لأهل الجفر، وفيها يتشابك إعجاب أهل القرية بالصقور، مع اعتمادهم في معيشتهم، في السنوات الأخيرة، على اصطياد هذا الطائر، والإتجار به، وبيعه بمبالغ طائلة لهواة اقتناء هذه الطيور من الخليج العربي.

الدرب إليها..

هكذا تصبح الجفر، ليست قرية فقط، بل هي مكان يحمل في مدلولاته إشارات على أبعاد كثيرة، سياسية، واجتماعية، وتاريخية، إضافة إلى ما تحتويه من بعد مكاني وجداني يسكن فيها أيضا، وهنا كان لا بد من قراءتها بشكل مختلف، وقد عزمت النية على ذلك، والطريق الصحراوي يمشي مع أفكاري، وأنا أتبع امتداده حتى أصل محافظة معان، وحين أتوقف عند قرية الحسينية أجد إشارة تحيلني إلى الجهة الشرقية، وعليها اسم قرية الجفر، والمسافة مقدرة بـ48 كيلومترا إلى هناك، فاتبعتها، وسرت مع ذلك الدرب، وأنا أعرف أنه يوجد هناك طرق أخرى توصل إلى الجفر واحد منها من الأزرق التي تبعد عن الجفر 200 كيلو مترا، وآخر من معان التي تبعد حوالي 65 كيلومترا من القرية .

المكان.. الإنسان

دخلت الجفر..
المكان بلون الصحراء، لكن به نبض يضفي حضورا نديا للمكان ما إن يكون الدخول في أجوائه، وكانت القاعدة الجوية فيه أول ما رأيت، فتجاوزتها، وكان دليلي إلى الجفر ينتظرني عند البلدية، وكان منذ البدء سلاما حميميا جمع بيني وبين سعد فيحان أبو تايه، وكأنني أعرفه منذ زمن بعيد.
بدأنا التجوال في المكان قبل لقاء الكبار من أهل القرية، وكنت عند كل مكان أقف وأستعيد بعضا من تاريخه الذي أتذكره، وسعد يضيف إليّ قليلا، بينما أضع ملاحظة حول نقاط معينة لأسأل عنها كبار القرية، أو أرجع إلى الكتب والمراجع لتكون المعلومة مكتملة عن بعض التفاصيل هناك.
ثم بعد تلك الجولة التي شملت قصر عودة أبو تايه، وسجن الجفر سابقا( صار مركزا للتدريب المهني)، وقرية الجفر القديمة، ومخفر الجفر، ومنطقة القاع، والآبار القديمة، وقرية الجفر الحديثة، وقاعدة الملك فيصل بن عبد العزيز، والوحدات السكنية الجديدة، وغيرها من الأماكن التي أعطتني صورة قريبة عن القرية قبل جلوسي، واستماعي إلى كل من علي عبد الله أبو خشيم أبو تايه(أبو أيمن)، وفيحان عدلان أبو تايه(أبو ماجد)، وصالح عودة زعل أبو تايه(أبو نايف)، وفهد عدلان عودة زعل أبو تايه(أبو بدر)، وقد شكل طيب الكلام الذي تقبلته من كل هؤلاء نسيجا قويا، وأوليا لبوح الجفر، وكانت بعد تلك المعلومات القيمة محاولتي هذه لكتابة قصة القرية.

طريق القوافل

يصف الدكتور بكر خازر المجالي الجفر في كتابه (المسارات العسكرية للثورة العربية الكبرى في الأرض الأردنية) بقوله: '' أرض صحراوية شاسعة/ غزيرة في مياهها الجوفية، وتنبت الأشجار الكثيفة فيها، وتبدو كواحة خضراء في صحراء سوداء''.
أما فريدريك ج بيك في كتابه (تاريخ شرقي الأردن وقبائلها) فيشير إلى الجفر عند مروره على وصف الطرق التجارية القديمة في المنطقة، حيث يحدد بأنه '' كان بين بطرا وتدمر طريق قوافل معبدة تمر من معان والجفر وباير والأزرق إلى قصر البرقع..''.

تداعيات الاسم

يبدأ كبار القرية حديثهم عن الجفر بمحاولة النبش عن تداعيات معنى اسم الجفر القديم، حيث يوضحون بأن من الممكن أن يكون معناه ''جورة''، أو ''حفرة/جَفرة/حفر''، حيث أن '' العَجّة كانت تيجي لهذه المنطقة من جهة صحراء سينا، ووادي عربة، وتستقر هان بهذه الجورة/الجفر المنخفضة''.
وهم أيضا يؤكدون هذا التعليل بتحديدهم للجفر بأنه محاط بعدة أودية، مشيرين إلى أنه '' من الغرب هناك الوادي الأسمر، ووادي الدوشق، ووادي أبو الجرذان، ووادي عشوش، ووادي معان. ومن الجنوب وادي أبو ميل، ووادي أبو عمود، ووادي أبو طرفاه، ومن الشرق وادي المناوخ، ووادي الجهدانية، ووادي الغذيويات، ووادي العناب، ووادي العرفه، ووادي العاذريات. أما من الشمال فهناك وادي الغدير، ووادي الشومري، ووادي أبو سراويل، ووادي العبرية، ووادي المديفع''..
كما أنهم يشيرون كذلك إلى أن هذه الوديان كلها تصب مياهها في منطقتهم، محددين بأنه '' كلها تصب مياهها هان، من نقطة رأس النقب، ومن منطقة الاسمنت بالطفيلة، ومن باير، ومن السعودية، ومن كل الوديان هذه، تصب في الجفر''.

البئر الواسعة

والجفر بالفتح ثم السكون، وهو في اللغة؛ الجفر: البئر الواسعة لم تُطْوَ، أو الجَفرة الواسعة المستديرة، هذا كما أصل له ياقوت الحموي وأورده في المجلد الثاني من معجم البلدان. وجمع جفر هو أجفر. والأجفر، منتشرة في بلاد العرب، أغلبها مياه معروفة، ونذكر هنا في السياق قرية الجفر التي تقع في الجهة الشرقية من واحة الإحساء في السعودية، وهنا يمكن إيراد بضعة أبيات من الشعر قالها شاعر أموي في قرية الجفر الموجودة في السعودية، حيث يقول فيها:
أما والذي حج المليون بيته
وعظم أيام الذبائح والنحر.
لقد زادني للجفر حبا وأهله
ليالي أقامتهن لي على الجفر.
فهل يأثمني الله أني ذكرتها
وعللت أصحابي بها ليلة النفر.)

وليلة النفر هنا هي ليلة عيد الأضحى، وكذلك يرد في اللغة أن الجفرة هي الأنثى من ولد الماعز إذا كانت بنت أربعة أشهر، ويسمى الذكر جفراً، ويورد هذا الأصل اللغوي عند تحديد العلماء لأصل عنوان كتاب الجفر المنسوب إلى الخليفة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، ويرد مع هذا التحليل قصص مرتبطة بالأصل اللغوي، وما بني عليها.

الحدود

ولكن عودا إلى قرية الجفر، حيث نلاحظ أن أهل القرية، وبعد أن يجتهدوا في معنى الاسم، هم يعطون حدودا تفصيلية أكثر لمنطقة الجفر، وهي حدود متسعة، وممتدة، حيث أنهم يتبعون خط امتدادها على نحو أنه ''يحد الجفر من الشمال الزرقاء وعمان. ومن الجنوب السعودية(شعثا حاج). ومن الغرب طور، وأبو العظام. ومن الشرق الحدود السعودية(الحفر)، وقديما كانت الحدود الشرقية تصل إلى ميقوع، وصيفور داخل السعودية''.


ســـيرة قريـــة


تقع قرية الجفر في محافظة معان، وهي مركز قضاء الجفر، وتتبع إداريا إلى بلدية الجفر.
تبعد حوالي 65 كيلو مترا شمال شرق معان، و 48 كيلو مترا شرق الطريق الصحراوي الدولي.

الديموغرافيا:

يبلغ عدد سكان الجفر حوالي 4699 نسمة (2386 ذكور و 2313 إناث) يشكلون 610 أسرة، تقيم في 718 مسكنا.

التربية والتعليم:

توجد في الجفر أربع مدارس، منها مدرستان تتبعان إلى الثقافة العسكرية، وهما مدرسة الأمير محمد الثانوية للبنين، ومدرسة الأمير محمد الأساسية للبنين، وهناك مدرستان تتبعان لوزارة التربية والتعليم وهما مدرسة بنات الجفر الثانوية، ومدرسة بنات الجفر الأساسية، كما أن هناك مدرسة أساسية للبنات تم الأمر ببنائها.

الصحة

يوجد في القرية مركز صحي أولي.

المجتمع المدني

يوجد في القرية مركز شباب الجفر، ومحطة معرفة/كمبيوتر، ومكتب تنمية اجتماعية.

* يوجد في قرية الجفر مكتب بريد، و3 مساجد، ومركز دفاع مدني، ومبنى البلدية.


الجفر.. محاكاة القصر والسجن والصقر (2-3)



القرية القديمة

سرنا لنرى بيوتها، أو ما تبقى منها، فهي طينية البنيان، ولم يسلم من تلك الدور هناك إلا بضعة جدران، أو بقايا أبواب، والقلة من تلك البيوت المكتملة بعض الشيء صارت حظائر للمواشي، أو مخازن للأعلاف، ومضارب ريح للذاكرة.
وبين تلك البيوت القديمة الراسخة شرقا، على مسافة من القرية الحديثة المسكونة بالحياة الآن، هناك ما زال بعض آبار معروفة لأهل الجفر، وهي قديمة وعميقة وتتفرع منها قنوات، تتشعب من فتحتها العليا، حيث يتم نشل الماء منها، وصبه في تلك القنوات، ليكون مشارب المواشي من هناك.

أول بناء

قلت لدليلي ها أنا أرى بقايا البيوت، والآبار، فماذا عن القصر، وأقصد في سؤالي قصر المرحوم الشيخ عودة أبو تايه، فأشار بيده إلى بناء متهالك، يشي بأنه كان قد مرّ عليه تاريخ حافل بالأحداث والشخصيات، وهو قد كان مكونا من طابق أرضي، وطابق علوي، ومساحته عدة غرف، تساقطت جدرانه، وانهار سقفه، ولم يبق منه إلا بقايا باقية من حجارة، وأتربة، وجدران، وذاكرة مسكونة في هذه الأطلال.
أقترب أكثر من هذا البناء الذي قال عنه كبار أهل القرية أنه أول بناء في الجفر، وقد بني في حوالي عام 1909م، والبناء الذي بناه كان اسمه شوباش المعاني، ولا يتوقف بوحهم في حديثهم عن قصر عودة أبو تايه عند هذه المرحلة بل يضيفون وصفا له قائلين بأنه كان الحوش الدائري عليه أربع قُرن(زوايا)، وكل قرنة على طابقين، وكأنها أبراج حماية، والقصر في تكونه 3 غرف، وفوقهن 3 غرف، والهدم كان على مراحل للقصر، كمان البريطانيين لما شكلوا قوات البادية في عام 1930/1931م استقروا بهالقصر فترة، وبعدين قرروا يبنوا مخفر الأمن، ورسموه، وقدروه في البداية غرب قصر عودة أبو تايه، وقالوا نغيره بعد هيك إلى مكان مختلف، ولكن في النهاية بنوه، ولما خلص المخفر أمر البريطانيين بهد جزء من القصر، وهدموا الواجهة الغربية .

سلطان باشا الأطرش

يتذكر كبار القرية أنه عندما نُفي المجاهد العربي سلطان باشا الأطرش من سوريا إلى الأردن، وسكن فترة في عمان، دعاه محمد عودة أبو تايه للسكن في الجفر، ولما اجا للجفر عزمه محمد أبو تايه، وصارت عزومته بجانب القصر، ويقال أن من اللي التقوا سلطان باشا الاطرش من القرية عوض جدوع أبو خشيم أبو تايه، وصبّ له القهوة. وفي هذيك العزيمة قال سلطان باشا لمحمد أبو تايه ليش ما تجدد القصر، وترممه وتعيد بنائه، وبعد هيك حاول محمد ابو تايه انه يعيد بناء القصر، وطالب بهذا، لكن الانجليز منعوه .

الشيخ عودة

ربما هنا، وفي هذه المرحلة من البوح، لا بد من التوقف عند شخصية الشيخ عودة ابو تايه الفارس، والذي أخذ لقب عقيد القوم ، وقد اشتهرت شخصيته عالميا بعد أن تجسدت في فلم لورنس العرب ، وقام بتجسيد شخصيته الممثل العالمي أنتوني كوين.
عند هذه الشخصية من الضرورة التأني وإلقاء بعض ضوء على سيرته، كجزء لا يتجزأ من تاريخ الأردن، والمنطقة، وليس فقط مرتبط بسيرة قرية الجفر، وإن كان هذا البوح، مناسبة لإعطاء مساحة، ولو متواضعة للكتابة عن هذه الشخصية المهمة، والإشكالية في ذات الوقت.
سنقتطف جزءا من سيرة عودة ابو تايه من كتاب (تاريخ شرقي الأردن وقبائلها)، ونضيف عليه ما سمعناه من أهل قرية الجفر، حيث يشير فريدريك إلى عام 1904م، ويبدأ من هناك مع عودة أبو تايه، بعد وفاة حرب أبو تايه، وهنا يقول فريدريك في كتابه: وقد افتتح عودة عهده بشن الغارات على الشرارات، وكسب كثيرا من الغنائم منهم. وسرعان ما أعاد الشرارات الغارة على الحويطات، وطوّقوا مضاربهم لمدة 17 يوما، وأخيرا تمكن عودة من دحرهم، والانتصار عليهم في موقعة حامية الوطيس، سقط فيها نحوا من 300 قتيل من الطرفين. حدث أن غضبان ابن رمال، شيخ عشيرة سنجاره من شمر ومن أكبر وأقوى شيوخ البدو في شمالي الجزيرة حينذاك، طرد من عشيرته وأخذ يتجول بين القبائل مستنجدا بها لاسترجاع مركزه، فلم ينجده أحد، وأخيرا وفد إلى أبي تايه، واستنجد به فأنجده، وأغار على شمر، وأرغمهم على أن يعيدوا شيخهم إلى منصبه، ثم تزوج غضبان ابنة عودة ليظل محتفظا بصداقته، وبذلك اشتهر أمر عودة، وذاع صيته في الجزيرة.
قام النزاع ثانية بين الحكومة والحويطات لأنها طلبت منهم ضرائب سنتين سلفا وأرسلت جنودها لجمعها. ولما أبى الشيخ عودة الدفع رماه جنديان بالرصاص فأخطآه، فأمسكهما، وقتلهما. وبعد هذه الحادثة صار عودة يتجنب الاصطدام مع الحكومة، ومناوئتها، بيد أن ذلك لم يمنعه من القيام ببعض غزوات اشتهر في جميعها، وذهبت شجاعته بعدها مضرب الأمثال. يحكى أنه أغار مرة على جهات حلب ثم عطف صوب العراق فقطع الفرات غازيا، وبعد أن كسب غنائم جمة قفل راجعا إلى شرقي الأردن سالما .

ابن شعلان

بعد هذه المسيرة يشير فريدريك بيك إلى نزاع بين الشيخ عودة ابو تايه والمجتمع المحيط به، وخلافات، ونزاعات، نتج عنها ارتحال عودة أبو تايه باتجاه شيخ مشايخ الرولة الشيخ ابن شعلان، وعن هذه المرحلة وما بعدها يشير كتاب تاريخ شرقي الأردن وقبائلها بأنه صدف أن ابن شعلان غزا في ذلك الحين عربان ابن رشيد في الجوف، فشد عودة أزره في الإيقاع بأعدائه ، ويكمل الكتاب هنا بأن ابن شعلان وبعد مساعدة عودة ابو تايه له، قام برد هذا الجميل، وساند الشيخ عودة، وساعده للعودة إلى شرق الأردن حيث دياره، وسانده في تذليل كل الصعوبات أمامه، يكتمل السرد بعد ذلك حول ثراء الحويطات، وغزواتهم ومعهم عودة ابو تايه، ويضيف فريدريك بيك في مرحلة بعد ذلك حول الشيخ عودة أبو تايه قائلا: وفي الحرب العالمية الغابرة انضم عودة إلى الحلفاء نكاية بأعدائه الأتراك.. وبعد الحرب جعل مركزه في معان، وطورا في الجفر بجوار معان، وقد شيد حصنا في كلا المحلين: أما حصن معان فقد هدم وشيد مكانه مخفر للشرطة ودائرة للبرق والبريد. توفي عودة في زيزياء بالبلقاء عام 1927م . وربما لا بد هنا من التوقف عند مكان الوفاة، والتاريخ، حيث تشير بعض المصادر الأخرى إلى أنه توفي عام 1924م، في منطقة رأس العين في عمان، وأنه ولد تقريبا في عام 1885م. وقد انضم هو وقبيلته إلى جيوش الثورة العربية الكبرى عام 1916م، وكان رأس حربة لقواتها، وقائدا لقبيلته التي أبلت بلاء حسنا في تلك المعارك، وأهمها تحرير العقبة، وجنوب بلاد الشام، وهناك ذكر مفصل بطولاته في كثير من الكتب التي غطت تلك المرحلة، وأعطت سردا مطولا حول حضور الشيخ عودة أبو تايه ومواقفه من كثير من القضايا آنذاك.

فرثان والمجينين

يقول الحاج علي عبد الله أبو خشيم ابو تايه (أبو أيمن)، حول بدايات الحضور لأهالي الجفر إلى هذه المنطقة مشيرا إلى أنهم استقروا بالجفر بحدود عام 1740م، وهذا الجفر بادي كان لابن سويط من شمر، ومن ثمه استولى عليه الشرارات، وبعدين الحويطات، ولما أخذوه الحويطات، وكان في بالجفر بيرين ماء هما فرثان والمجينين، هذول الوحيدات اللي كانن بيه، والبيار الثانيه هذه اجت بعد هيك، واستقروا الحويطات حول هذين البيرين .
وعن الاستقرار الحديث، والتوطين في بداية ستينات القرن الماضي، وجهود الدولة في هذا المضمار، حتى الوقت الحاضر يقول كبار القرية أنه سيدنا(المقصود جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال) افتتح الخط الصحراوي، ومشينا مع موكبه بهذاك الوقت. والآبار الارتوازية انحفرت في الستين(1960م)، وبعدين صار عندنا مشروع توطين البدو التجريبي (من عام 1960م إلى عام 1975م)، وانحفرت آبار، ونجحت الزراعه عندنا، وصاروا يوزعوا على المواطنين خمسين دونم وبيت، وبعدين صار البدوي اللي ودو يعمّر دار يعطوه 10 طن اسمنت مجانا، وجابوا عياده عسكريه بالمنطقة، وصار مركز صحي هان بالسبعينات في الجفر الجديدة، وهسا فيه مستشفى ميداني عسكري ومديرته من دار أبو رمان من السلط، وبالفترة الأخيرة صارت مكرمات الملك عبد الله الثاني ابن الحسين الله يطول عمره، وتم توزيع حوالي 34 وحدة سكنية، وفيه 13 وحدة سكنية تحت الإنشاء الآن .

خريطة اجتماعية

يتحدث علي أبو تايه (أبو أيمن) ، ومعه كل من فيحان عدلان أبو تايه(أبو ماجد)، وصالح عودة زعل أبو تايه(أبو نايف)، وفهد عدلان عودة زعل أبو تايه(أبو بدر)، حول الخريطة الإجتماعية في الجفر، ويبدأون بوحهم هذا على نحو أن: الجفر كآبار هذه للحويطات كلها، وما في عيله تختص عن عيله ثانيه، وسكان الجفر هم من التوايهه(أبو تايه)، وهم 8 عشائر هي عيال صبّاح، والخشمان، وعيال جازي، وعيال قاسم، والفرّاج، وعيال سلامة، وعيال مظحي، وعيال أحمد. ويوجد أيضا في الجفر عشائر أخرى وهم النواصره، والخمسيين، والفتنه، والدمانيه، والمصبحيين، والسميحين . وهنا يضيف كبار قرية الجفر بأن الدمانيه في الحقوق يتبعوا إلى ابن جازي، بينما المصبحيين والسميحين يتبعو بالحقوق لأبو تايه .

التايه

أما عن تسمية تايه، فيتحدث كبار القرية حول واحد من أجدادهم واسمه محمد، وهو الذي لقب ب(تايه)، في مرحلة كان فيها كما تقول الروايات أن فيصل الوهابي(ابن سعود الأول، هذا كان يغزي من بلاد نجد لوادي الحسا(وادي الغدير)، وغزو معه الحويطات، وصارت حادثة حول محمد، وتم السؤال عن سبب تلك الحادثة، فقيل آنذاك أنه عيّل وتاه، فراحت عليه التسمية، وذهبت على أعقابه من بعده ، ولعل القصة كاملة يمكن أخذها بتفصيل أكثر من الموثقين لها من كبار أهل الجفر، وهم يشيرون أيضا إلى أن العشائر الثمانية في الجفر من التوايهة، منهم سبعة هم من أعقاب محمد، بينما العشيرة الثامنة وهم عيال جازي فهم من أخو محمد .


الجفر.. محاكاة القصر والسجن والصقر (3-3)



كتابة وتصوير مفلح العدوان .. سيكون الاستمرار في تتبع نبض البشر، وذاكرة الرمل والحجر..
وهنا بوح قد تغير من زمن إلى آخر، والفرق كبير، لذا سيكون البدء من سجن الجفر، قبل الدخول إلى ما تبقى من ذاكرة القرية، وهذا تاريخ لا بد من المرور به، لتوثيق جانب من سيرة أخرى، مغايرة للجفر، يشترك فيها الآخرون من الذين مرّوا بالقرية نزلاء سجنها، وليس ضيوف بيوتها.

قرار الملك: إغلاق السجن

سجن الجفر.. ذاكرة أخرى..
تم إغلاق هذا السجن بقرار حضاري من الملك عبد الثاني ابن الحسين في 17/12/2006م، وقد عزز الملك هذا التوجه بأمر منه في أن يتم تحويل هذا السجن إلى مدرسة ومركز للتدريب المهني، وبذلك يسجل الملك سابقة في المنطقة، ويطوي بقراره هذا ملف تاريخ السجن الذي أنشىء في عام 1953م للمعتقلين السياسيين في فترة الخمسينات والستينات وحتى منتصف السبعينات، وخاصة النشطاء الشيوعيين والقوميين، وقد كان يعرف بسجن الجفر الصحراوي، بينما كان عند تأسيسه يطلق عليه سجن الجيش العربي .

مركز التدريب المهني

زرت المكان: مركز التدريب المهني حديثا/سجن الجفر سابقا.. دخلت ردهاته، وساحاته، وغرفه، ومداخله، ولم أشعر أنني أطوف في مكان كان فيما مضى تُحاك حوله قصص وحكايات من الممكن أن تؤلّف حولها الكتب، بل ويتعدى ذلك إلى تفاصيل كانت تحدث فيه تروى بدرجة عالية من الأسطرة، مع إضفاء قوالب رهيبة حول هذا المكان.
أقول كل ذلك وأنا تغمرني الدهشة مما رأيت من تغيرات واضحة على تفاصيل معمار السجن، والفضاء المحيط به، حيث أن الساحة الأمامية للسجن، صارت متنزها، وزرعت فيها مشاتل خضراء، وزهور، وتوزعت فيها نوافير الماء، بينما تم تشييد إطلالة رائعة عند المدخل وتمت هندستها لتكون على هيئة جسر مشرف على المدرسة ومركز التدريب المهني، وعلى جانب من قرية الجفر، وبذلك صارت ساحة السجن متنفسا للطلاب، ولأهالي القرية أيضا.
أما داخل المركز/ السجن فقد تمت إعادة هندسته، وتجديد أجزاء كبيرة منه، حيث تحولت مهاجع وعنابر السجناء إلى مشاغل فنية، أو قاعات لتدريس الطلبة، بينما صارت الزنازن مكاتب للإداريين والفنيين والمعلمين، وتم تحويل الساحات الصغيرة إلى ملاعب واستراحات، واستحدثت أماكن لتكون مطاعم، وقاعات جلوس، وسكنا داخليا، ودورات مياه، ومراكز للحاسوب، وغيرها، لتتبتعد بعد هذا ذاكرة السجن، في أعماق الماضي، ويحلّ مكانها في الحاضر والمستقبل، واقع مرهون بالإرادة الجادة، والحقيقية في الإصلاح، والحرية، وحقوق الإنسان، والتعليم، والتجديد.

يعقوب زيادين.. يتذكر

وأنا أتأمل حال السجن الذي صار بقوة واعية مركزا للتدريب المهني، كنت أستعيد صورة من ذلك الماضي، لأعقد مقارنة سريعة بين الحالين، فأستحضر فقرات من كتاب (البدايات/ سيرة ذاتية.. أربعون سنة في الحركة الوطنية الأردنية)، للدكتور يعقوب زيادين (أبو خليل)، وأتابع قلمه وهو يصف في تلك الصفحات، كيف تم نقله ومعه رفاق من الحركة الوطنية، في شهر شباط عام 1953م، من سجن عمان إلى سجن الجفر، وهو في تلك الفقرات يعطي نبذة عن واقع عاشه في سجن الجفر آنذاك، حيث يقول: بقينا في سجن عمان عدة أيام. وذات صباح اقتادونا إلى مدخل السجن، وكانت في انتظارنا سيارة جيب عسكرية، وبعض جنود البادية. وضعوا القيود في أيدينا، قاومنا ذلك لأننا لسنا مجرمين ولا مهربين. ولا أعلم كيف استجابوا لرفضنا القاطع. ركبنا في السيارة: حسن النابلسي، وأسد محمد قاسم، وآخرون. وبعد ساعات من السفر على طريق غير معبد في سيارة مكشوفة في أواخر أيام شباط عام 1953م، وصلنا إلى معتقل الجفر .

العاصفة

يكمل الدكتور يعقوب زيادين وصفه: كان المنظر رهيبا. قلعة شبه أثرية تستخدم مركزا للجنود، وثمة أسلاك شائكة تحيط ببضع خيام ممزقة. استقبلنا الرفاق عند المغيب بترحاب وهتاف، خاصة وأننا أعضاء أول وفد يخرج للعالم للمشاركة في أحد المؤتمرات الدولية الكبرى. نمت ليلتي هناك في فراش من الأبراش الليفية والأغطية الممزقة بين اثنين من رفاق السجن.. ذلك الصباح كان الطقس جميلا ودافئا. وفي المساء كان القمر بدرا. وهدوء الصحراء الواسعة يلفنا ونحن نجلس على الرمل الناعم نسترسل في الحديث. قلت للرفاق: (إنكم تنعمون بطقس رائع هنا، فلماذا الصراخ من سوء الأوضاع). رد أحدهم: (انتظر قليلا وسترى). لم يطل انتظاري بالفعل، ففي صبيحة اليوم التالي، كان الجو مكفهرا مغبرا، ينذر بعواقب غير سارة. استعد الرفاق جميعا وأنا لا أفهم ما يدور حولي. وفي حوالي العاشرة بدأت العاصفة الهوجاء. وما هي إلا دقائق حتى ظهرت الحوامات تتصاعد في السماء، حاملة معها الحصى بحجم حبة الجوز تصفع بها وجوهنا لتنثني على خيامنا الممزقة. وعند الظهيرة حملت العاصفة الخيام بما فيها من فراش وثياب وأوان إلى مسافات بعيدة. كنا وقوفا لا نستطيع أن نفتح أعيننا وزخات الحصى تخبط في كل بقعة من أجسادنا. بقينا على هذه الحالة، لا نأكل، ولا نشرب، ولا نجلس، مغمضي الأعين حتى المساء. هدأت العاصفة، وقررت الإدارة نقلنا إلى (بركس) لم ينته العمل فيه بعد، حشرونا هناك، وكنا أكثر من 40 معتقلا في عنبر لا يتسع لأكثر من 12 شخصا، وفي غرفة صغيرة أخرى خصصت لتكون عيادة، وضعوا الرفيق أبا خالد(قائد الحزب)، وأربعة من مجموعته. وهكذا استقر الوضع نسبيا .

أول مدرسة

وتبقى القرية، بكل ذاكرتها، وتاريخها، تقلب تفاصيل الذين مروا بها، ولكنها تظلّ مخلصة لتاريخها المحفوظ في صدور كبارها الذين يقولون بأنه من أوائل الأبنية القديمة التي شيدت هنا كان مركز أمن مقاطعة الجفر، مركز البادية، في عام 1935م، وهذا محاذ لسجن الجفر، وقد أشار إليه الدكتور زيادين في معرض كتابته عن الجفر.
كما أن أول مدرسة في الجفر كانت عام 1921م، وقد تمت الدراسة فيها عام 1924م، وكان موقعها غرب الموقع الذي بُني فيه قصر عودة ابو تايه، وكانت غرفتين.
ويقول كبار القرية الذين التقيناهم وهم: فيحان عدلان ابو تايه(أبو ماجد)، وصالح عودة زعل أبو تايه(أبو نايف)، وفهد عدلان زعل أبو تايه(أبو بدر)، وعلي عبد الله أبو خشيم أبو تايه(أبو أيمن).. يقولون هؤلاء بأن المدرسة كانت لزعل أبو تايه، وتخرّج منها نايف أبو تايه، وفيصل بن جازي، وعدلان أبو تايه، ومشهور حديثه، وسلامة حماد، ودهيمان الزبن، وهذا في مدرسة الجفر القديمة، وكل فيها صار بفترات متفاوتة، وقسم منه صار بالأربعينات، وآخر تخريج هذا كان بالسبعة وأربعين، وكان المدير محمد سالم عليوه من معان .
هذه التفاصيل بحسب ما يشير أهل القرية الذين يضيفون بأنه في عام 1959م عملوا مدرسة جديدة، وهي مدرسة تابعه للثقافة العسكرية، وكان مدير المدرسة عثمان بدران، ومن المعلمين واحد نتذكره انه سلطي صالح القادري، والثاني اسمه محمد الحايك،وبعد هيك اجاهم واحد من عيلة الشاويش . و بالنسبة للطبابة فكان في بالقرية تمرجي من عام 1958م، وهو من معان .
وكان في بالقرية دكان من طين لمحمد الجازي، وكان بيها حلاوة وكعك وكعيكبان، يعني من الأغراض اللي بالدكاكين الثانية .

صيد الصقور

قبل الحديث عن الصقور، كان هناك جولة إلى منطقة قاع الجفر، رأيناها فكانت كما وصفها أهل قرية الجفر؛ منبسطة، وممتدة، وهي حوض مائي أيضا، بينما هناك عدة أشجار رتم معروفة في أماكن مختلفة فيها، وعلى امتداد هذا القاع تكون مساحات الصيد للصقور التي يخيمون هناك في سبيل صيدها والإتجار بها.
وقرية الجفر مشهورة منذ قديم الأزمنة، بأهلها الذين عندهم هواية الصيد، قبل أن تتحول الهواية إلى مهنة، ومصدر رزق، فقد كانت معروفة بصيد الغزلان والصقور، لكن صيد الغزلان انقرض من هذه المناطق، ويعلل هذه الحالة كبار قرية الجفر بأنه انقرضت الغزلان بالفترة الأخيرة، وهذه كانت موجودة بكثرة قبل الستينات، لأنه كانت السيارات قليلة، ولما كثرت السيارات بطلنا نشوف الغزلان، كمان سبب ثاني هو قناة السويس، حيث انه القناة قطعت هجرة الغزلان من هذيك الجهات بالبر لهذه المناطق .
أما الصيد الذي يعتمد عليه أهل الجفر في معيشتهم في هذه الفترة، فهو صيد الصقور، وهذا يوفر لهم رأسمال، ومعيشة، ويبدأ الموسم من شهر أيلول إلى شهر تشرين ثان، ويمتد بحسب ما يقول أهل القرية في مناطق واسعة تمتد من رويشد للجفر للأزرق، حيث يعتبر الجفر استراحة للصقور، لأنها منطقة سهل، وما فيها غابات، وهواها شمالي، وجوها بالليل يختلف عن النهار، وعلشان هيك يحبها الصقر، كمان كل اهل الجفر صار عندهم خبره ومعرفه بنوعيات الصقور، حيث انه أول كانوا يصيدون الصقر مثل هواية، وللبيت، ولكن بهالوقت صار صيد الصقور مهنة، وفيه مربح، ويشتريه الأمراء من الخليج العربي، وهذول يجوا علشان الصقر، عالتلفون، بعد ما يعرفون، ويستفسرون عن نوعه ومواصفاته، ويدفعون مبالغ مالية كبيرة اذا كان نوع الصقر من اللي ودهم اياه، ويرغبونه .


دعوة للمشاركة

هذه الصفحة تؤسس لكتابة متكاملة حول القرى الأردنية، وتطمح لتأسيس موسوعة جادة شاملة. ولن يتأتى هذا بجهد من طرف واحد، فما يكتب قد يحتاج إلى معلومات للإكتمال، أو قصص أخرى لم يلتقطها الكاتب في زيارة واحدة، وهي مفتوحة للإضافة والتعديل قبل أن ترتسم بشكلها النهائي لتكون وثيقة لكل قرية، والأمل بأن تأتي أية إضافات أو تصويبات أو معلومات أخرى من أهل القرى والمهتمين مع اقتراحاتهم، وعلى هذا العنوان:
بوح القرى
ص. ب - 6710 - عمان -11118
فاكس- 5600814
بريد الكتروني
alqora@jpf.com.jo




تعليقات

‏قال غير معرف…
مصيبة عندما يتحدث الرويبضة في امور العامة
الجفر ليس للتوايهه فقط ( مذكر هي افخاذ من عشيرة التوايهه)
نسي المتحدث حماة الصفحة الدمانية
ونسيالنواصرة والدراوشة
اقول رحم الله الشيخ محمدباشا ابوتاية فقد كانت الالسن منخرسة بل مقطوعة والان ينطق الارويبضة؟
‏قال غير معرف…
والله كل كلام شيوخ صحيح غير ابوتايه مافيه
‏قال غير معرف…
كل كلام شيوخ صحيح عشيرةااائا اكبر عشيره في الجفر تمثلمعظم المنطقه بنت الجفر
‏قال غير معرف…
وانتي كلامك صحيح يا شيخه
‏قال غير معرف…
والله ونعم في ابوتايه
‏قال غير معرف…
ونعم بحماه الصفحه الدمانيه راعين الهدلا
‏قال غير معرف…
والنعم بحالم
‏قال غير معرف…
الله يرحم الشيخ عوده ابوتايه......
‏قال غير معرف…
M
‏قال غير معرف…
لاتقل أصلي وفصلي انما اصل الفتى محصل صفوة خلق الله ابتعد عن القبليه والحويطات والبداوه عامه كلهم قطاعين طرق وغزو والله وصف الاعراب بالكفر وألنفاق