الرميمين.. نبض المسجد والكنيسة 1 و 2

الرميمين.. نبض المسجد والكنيسة 1-2

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

يمكن اختصار المكان بكلمة شلالات..
هذا ما كان يرد في الذاكرة عند أول بوح باسم الرميمين، حيث كانت هكذا تسكن في الذهن عند الحديث عنها، بمعنى ارتباط أية زيارة لها بالتوجه إلى شلالات الرميمين، وكأن دفق الماء هذا يعطي تصورا موازيا لدفق الحضور الإنساني فيها، واستقرار المجتمع هناك، وذلك التعايش الحقيقي، والتلقائي للمسلمين والمسيحيين، في تلك القرية التي يرى الزائر لها في منتصفها جدار واحد للكنيسة والمسجد في تجاورهما المعنوي والمادي في ذات المكان، ثم يكون من هناك فاتحة البدء، بالقراءة لما تيسر من القصص والحكايات المرتبطة بـ الرميمين ..

سجل الأربعة وعشرين

هناك، غرب منطقة البقعة، وقبل الصعود إلى جهات السلط..
هناك، في المساحة التي يصلها القادم من عمان، عبر الطريق باتجاه اربد، وبعد أن يتعدى مخيم البقعة، سيترتب عليه أن يأخذ الدرب غربا عبر الطريق المار بجانب محطة الأقمار الصناعية، مارا عبر أم الدنانير ومحاذيا ل أم انجاصة قبل أن يصل إلى قرية الرميمين، أما إذا كان القدوم من مدينة السلط، فمرورا بطريق زي، شمالا شرقا حيث مسير حوالي 18 كم قبل أن يكون استقبال الرميمين لضيوفها عبر الطريقين المؤديين إليها، بالخضرة، وبصوت جرس الكنيسة، التي يخالطها أذان المسجد، مترافق مع خرير الماء، وبحة أحاديث كبارها المرحبين بكل قادم، عزيز عليهم، ليصبح واحدا من أهل القرية، ما أن يلقي عصا الترحال عندهم.
وبالعودة إلى كتاب السلط للدكتور هاني العمد، والدكتور محمد خريسات، فإن سجل بلدية السلط للعام 1924م يشير في جدول أسماء القرى ومراكز العشائر المربوطة بالسلط، إلى أن الرميمين تقع إلى جهة الشمال من مركز السلط وعلى بعد ساعتين وسكانها مسيحيون وهذه المعلومات وردت في جزء من الجدول الذي تم تنظيمه في 14 مايو 1924م.

اسم الأميرة

هي الرميمين..
وفي كثير من الكتابات تحذف اللام فتذكر على أنها ارميمين، التي تفسر معناها الذاكرة الشعبية، بأنها اسم لأميرة قديمة سكنت قريبا من مياه الوادي هنا، فنسب المكان إليها، والبعض الآخر يجتهد بـأن يكون هذا الاسم ذو أصول آرامية قديمة، لكن الشيخ سلطي ميخائيل الصايغ أبو هاشم ، وهو من وجهاء قرية الرميمين يرجح ارجاع التسمية إلى ارتباطه بالأميرة التي سكنت هذا المكان، وهو لا يتوقف عند بدئه البوح ببعض ذاكرة الرميمين عند هذا الحد، بل يقوم بمقارنة حد القرية القديم مع حدودها الحديثة حيث يشير إلى أن الرميمين كانت فيما مضى تمتد من السلط، من وادي الخاخة، وتمرق مع الوادي لمزرعة أبو نوار، وإلى جسر نهير، وتطيح عالجال الشرقي، ولأم الدنانير، والحراج، ولحدود السليحي، وتلف من عندها على وادي جلعد، وعلى وادي حناش، ولوادي الحرامية .. أما الحدود الحديثة لها، بعد التنظيم فيحصرها أبو هاشم بقوله إنه يحدها من الغرب الحمامرة، ومن الشرق السليحي وأم الدنانير، ومن الشمال جلعد، ومن الجنوب أم انجاصة، وأحواض القرية هي حوض 5 البلد، وحوض 2 العريم، وحوض 3، وحوض 7 صبحية، وحوض 6 أم تينة .

روافد الوادي

كما أن القرية تقع من ضمن مسار وادي الرميمين، وهذا يلتقي مع وادي الصايغ الذي يعتبر أحد روافده، وقد سمي وادي الصايغ بهذا الاسم نسبه إلى عائلة الصايغ التي تسكن الرميمين، وهو يتكون من التقاء وادي الحور الذي يصب فيه وادي السرو، ووادي سد نحلة، وتلتقي هذه الأودية في قرية المضري، ثم يلتقي معه وادي عين عزرائيل قبل أن يلتقي مع وادي الرميمين، ليسير معه باتجاه شمال شرقي. ويشكل وادي الصايغ، مع وادي السليحي، ووادي أم تينة، ووادي أم الدنانير أهم روافد وادي الرميمين الذي يبدأ جريانه من شرق جبل يوشع، ثم تلتقي معه بقية الأودية، من القرى الأخرى التي يمر بها.

عين الراهب

يتحدث كبار الرميمين أنه كان يوجد في القرية عدة عيون ماء قديمة محفورة في ذاكرتهم وهي عين الصايغ الموجود في رأس وادي الصايغ في الرميمين، وعين الراهب التي أخذت اسمها نسبة إلى راهب كان يهتم بها من البداية( كان الراهب بيجي عليها، ويوسع عليها، ويكشف عن الميه، وطلعت أول شي ضعيفة، بعدين لما وسع عليها طلعت قوية، واتسمّت باسمه)، وإضافة إلى هاتين العينين يوجد هناك عدة نبعات صغيرة يطلقون على الواحدة منها بَصّه ، وهذه النبعات هي بصّة النعيمي، وبصّة أم تينة، وبصّة السوّيده.

رب واحد

لم يكن هناك فارق زمن كبير بين سماعي لأصوات أجراس كنائس الرميمين، وصوت الأذان المنطلق من مساجدها، فكان هذا دافع لتتبع أثر القداسة فيها، خاصة وأن أول ما يرى زائر القرية هو مسجد الرميمين مجاور لكنيسة اللاتين، وهما في تجارهما كأن بناءهما جدار واحد، ومدخلهما باب واحد، ونبض الإيمان أمام المذبح، أو على المنبر، هو نبض واحد لرب واحد، في إطار وطن واحد لكلا الدينين. وعندما يمرّ الشيخ سلطي على هذه الملاحظة، يقول إن المسجد الذي تم بناؤه قبل حوالي 25 سنة، كان قد تعاون في بنائه المسيحيين والمسلمين في القرية، هذا بعد ما صار هناك عائلات مسلمة في القرية من عبابيد وقطيشات وغيرهم، وصارت فكرة الجامع، وتعميره، وكنا مثل عيلة واحدة إسلام ومسيحية، وعمرنا المسجد .
وبالإضافة إلى مسجد الرميمين، فهناك مسجدان آخران هما جامع الأشرفية، وجامع الحنوة، أما الكنائس فهناك كنيستين هما كنيسة اللاتين، وكنيسة الروم الأرثوذكس، وقد ذكر محمد الصويركي في كتابه تاريخ السلط والبلقاء أن كنيسة اللاتين قد بنيت عام 1875م من الحجر الكلسي المشذب والشيد على شكل مستطيل، سقفها يرتكز على ثمانية قواعد..زارها الرحالة ليفي عام 1905م وقال: (في الرميمين كنيسة لطائفة اللاتين تؤدى فيها الصلوات جنبا إلى جنب مع كنيسة الروم الأرثوذكس).
أما عن كنيسة الروم الأرثوذكس فكتب أنها مجهولة سنة بنائها وقد شاهدها الرحالة جورديش فرير سنة 1903م . وعن تداعيات بناء كنيسة اللاتين تفيد ذاكرة كبار القرية أنه لم تبن الكنيسة إلا بعد أن ذهب مجموعة من كبار القرية ومنهم سالم الوهدان إلى البطرك في سوريا، حيث وعدهم خيرا، وقال لهم إنه سيأتي إلى السلط قريبا، ورجعوا، وبعد ذلك عندما جاء إلى السلط، و استقبلوه بالزغاريد، والغناء، وبنوا بيوت الشعر، وقام بدعمهم وبنى كنيسة اللاتين . وتذكر كتب الرحالة أن عدد أبناء رعية هذه الكنيسة كانوا 175 شخصا عند تأسيسها.

الأب يوسف الجاتي

ولعل البوح حول الذاكرة الدينية في الرميمين يعيد إلى الأذهان أحاديث البدايات حول الكهنة ورجال الدين في القرية، حيث ورد ذكر ما تيسر من تلك السيرة في كتاب الكهنة المؤسسون (من منشورات المعهد الاكليريكي/ 3)، وفيه بعض تطابق مع الذاكرة الشعبية التي يسردها أهل القرية، ولكن الكتاب يركز في صفحاته الخاصة بالرميمين على ما مرت به هذه البلدة من ظروف خلال فترة منتصف القرن التاسع عشر، وذلك بسرد بعضا من أحداث حصلت أثناء خدمة الأب يوسف الجاتي في السلط وضواحيها، حيث يذكر في هذا السياق أن ( ارميمين..قرية على بعد ساعتين شمال شرق السلط، في واد مليء بالمياه، ومعرضة لمرض الملاريا المخيف. كانت الملاريا تجبر الناس خلال فصل الصيف على الهروب من الحشرات الخطيرة إلى الغابة المطلة على القرية. هناك في الجبل زارهم الأب موسى موريتان سنة 1871م، كما زارهم في تشرين الثاني سنة 1872م البطريرك فاليرغا عائدا من دمشق إلى السلط. طالب أهالي ارميمين بكاهن لاتيني، كما كانوا قد فعلوا السنة الماضية مع الأب موسى. أمّن لهم يوسف خدمة متقطعة مع كهنته المعاونين منذ 1875م بعد أن افتتح مدرسة في القرية. لكن في هذا المنخفض غير الصحي كان الجميع يصاب بالحمى، المعلم وكاهن الرعية والكاهن المساعد الذي انتقل إلى الفحيص عام 1877م. كتب الأب يوسف إلى البطريرك قائلا إنه يجب أن يمضي الكاهن ستة أشهر فقط من السنة في القرية، ومن ثم يعود إلى السلط، عندما يذهب الناس إلى المناطق العليا هربا من المرض. في عام 1879م أرسل إلى ارميمين كاهن شاب هو الأب أسعد سوداح ، لكن البطريرك اضطر إلى سحبه من القرية عام 1882م:فقد حصلت وفيات متتابعة جعلت الناس ينظرون إلى هذا الكاهن كأنه وجه نحس، وهو أمر لا يطاق عند أناس بسطاء يؤمنون بالخرافات).

سيرة قرية

تقع قرية الرميمين على بعد حوالي 18 كم شمال شرق السلط، على خط الطول 35 درجة و58 دقيقة شرقا، ودائرة العرض 32 درجة وست دقائق شمالا ، وتتبع إداريا إلى قضاء زي، من لواء قصبة السلط، التابع إلى محافظة البلقاء، وهي من ضمن مناطق بلدية السلط.

الديموغرافيا:

يبلغ عدد سكان القرية 1738 نسمة (916 ذكورا و 822 اناثا)، يشكلون 312 أسرة تقطن في 454 مسكنا. ويتوزع السكان ضمن العائلات التالية: الصايغ، الربضية، الخرابشة، الفواعير، العبابيد، الفلسطينيين، الرحاحلة، غنيمات، قطيشات، ومن بقية عشائر السلط.

التربية والتعليم:

توجد في القرية مدرستين هما مدرسة الرميمين الثانوية للبنات، ومدرسة الرميمين الأساسية للبنين، ويكمل الطلاب دراستهم إما في البقعة أو السلط.

الصحة:

يوجد في الرميمين مركز صحي أولي.

المجتمع المدني:

يوجد في القرية جمعية واحدة هي جمعية المرأة الريفية.

* يوجد في القرية كنيستان وثلاثة مساجد.

الغوانمة.. وتاريخ الأردن

الأستاذ الدكتور يوسف حسن غوانمة، رئيس المنتدى الثقافي في اربد، خص بوح القرى، برسالة فيها إشارة إلى ما نشرناه قبل أسابيع حول قرية القطرانة، مشيدا بما تقدمه هذه الصفحة من اهتمام بتاريخ الأردن، وتركيز على توثيق الذاكرة المكتوبة، بالإضافة إلى التاريخ الشفوي حول تلك الأماكن. وهذه فرصة ننتهزها لشكر الدكتور الغوانمة على تواصله مع بوح القرى، وهو أستاذ معروف ويدرس التاريخ والحضارة بجامعة اليرموك، كما أنه من أوائل من كتبوا عن تاريخ الأردن السياسي والحضاري في العصر الإسلامي، وله في هذا المضمار أكثر من عشرين كتابا منها كتاب إمارة الكرك الأيوبية، والتاريخ السياسي لشرق الأردن في العصر المملوكي، إيلة(العقبة) والبحر الأحمر، صفحات من تاريخ القدس وفلسطين والأردن، والحياة العلمية والثقافية في الأردن في العصر الإسلامي، ومعاهدات الصلح والسلام بين المسلمين والفرنج، والأردن وفلسطين وتحديات المشروع النهضوي، كما أنه لديه مخطوط مهم جديد عنوانه الآثار الإسلامية والمواقع السياحية في الأردن ، مزود بصور، ومكتوب باللغتين العربية الإنجليزية، وفيه معلومات قيمة عن الأردن في العصور المختلفة.

مفلح العدوان




الرميمين.. نبض المسجد والكنيسة (2-2)

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

وتستمر القرية في بوحها..
هذه المرة، أحاديث الرميمين حول ذاكرة الناس ، وتلك الفسيفساء الاجتماعية فيها، والتي تنامت بتدرج تلقائي جعل كل أطراف المجتمع في البلدة يكونون جزءا من نسيج تفاصيل هذا التلاحم العفوي بين أبناء هذه القرية الذين ما زالوا يتذكرون قدومهم إلى هذا المكان، والتصاقهم به.
وعلى هذا الأساس فيمكن الإشارة إلى أن الخريطة الاجتماعية للرميمين تتكون من العشائر والعائلات التالية: عشيرة الصايغ، والربضية، (والمعشر، والفاخوري كما يذكرها جورج طريف في كتابه السلط وجوارها)، والخرابشة، والفواعير، والعبابيد، والرحاحلة، وعائلات من فلسطين، وغنيمات، وقطيشات، وغير هؤلاء من مختلف عائلات السلط. لكن العائلة الأقدم في هذا المكان هي الصايغ، وبعد ذلك هناك عائلات أخرى، وجاء أيضا إلى القرية عائلة الربضية، حيث يتحدث كبار القرية أن الربضية ''عملوا في القرية، واتناسبوا مع الصايغ واستقروا بالبلد، وكان منهم جبور الربضي اللي خلّف ثلاث اولاد، وصار إلهم مقسم بالقرية هان''. أما بالنسبة لعشيرة الصايغ فقد كانت مواقعها قبل ذلك في السلط، ''وكان إلهم دور هناك بالسلط مقابل موقع بنك الإسكان الآن، وكانوا يطيحو للرميمين عشان الطواحين اللي إلهم فيها''.

الشجرة الجدارية

وإن تداعيات إعطاء الصايغ أرض الرميمين، لها قصة قديمة يرويها الشيخ سلطي الصايغ (أبو هاشم)، في كتابه ''أصل العشائر''، الذي يورد فيه شجرة ممتدة لعشائر وعائلات المنطقة، كما أنه رسم ذات الشجرة كجدارية في مضافته في الرميمين، وهو يشير إلى أن هذه الشجرة ''من بلدة لشمونة من لبنان من أصل الغساسنة''، وفي كتابه هذا يفرد صفحة حول الحادثة التي كانت سببا في إعطائهم قرية الرميمين، في أيام المهداوي، ويضع لتلك الحادثة عنوانا هو''قصة مقتل الصايغ الأول''.

مقتل الجد الأول

يقول أبو هاشم حول قصة الجد الأول التفاصيل التالية: ''الصياغ كانوا يسكنون في السلط، ويعزبوا في أرض السرو في جبال السلط، وكان يحكم في ذلك الوقت الأمير المهداوي من العراق، وفي يوم من الأيام نزلت حرم المهداوي إلى السلط لشراء حاجياتها، لكن وهي راجعة من السلط ومعها العبيد والخدم، تلقاها الصايغ، وعزم عليها، وأدخلها بيته إكراما للمهداوي، وأكرمها، ولبسها حلي زوجته، وبعدين ذهبت إلى بيتها في مشاريف عمان.. وبعد مدة تشاجرت زوجة المهداوي مع زوجها، وعيرته بكرم الصايغ، وأنه ألبسها حلي زوجته، فقال المهداوي لها إن الذي عيرتيني فيه غير أقطع راسه، وقام ومعه أربعين فارس، وأتوا لعند الصايغ في السرو في الشق (بيت الشعر) هناك، ولاقاهم الصايغ ورحب بيهم وذبح الهم الذبايح. ولما نظر الصايغ إلى الخيل ولم يجد علايق على الخيل، قال لزوجته والخدم هذه تجربه من المهداوي، فقامت زوجته، معها أولادها الثلاثة (ناصر ومروان وماهر)، ومعهم الخدم، وشقت البسط والمفارش، وعملت أربعين عليقة، وعلقوها على الخيل، فلما نظر المهداوي وشاف العلايق انصرع، وقال ارخصلنا يا معزب الرحمان، وقام الصايغ وقدم فرس المهداوي له، لكن المهداوي لما ركب، سحب سيفه وضرب الصايغ، وقطع راسه، وفي الحال طلعت زوجة الصايغ وقالت له شوف يا مهداوي يا خاين العيش والملح إذا ولاده صاروا زلام لأخليهم يقصوا شاربك..وفي الحال طوت البيت ورحلت إلى عنجرة على بيادر اسمها الى الآن بيادر الصايغ، وسكنت هناك عشرين سنة، ولما كبروا الصغار، وصاروا رجال..وفي يوم تشاجر ماهر ابن الصايغ مع واحد من الجيران، فخرجت أم المضروب وقالت إذا كنتم رجال روحوا استدوا ثار أبوكم، فلما سمعو الكلام سألوا أمهم، وقالت إلهم أبوكم ذبحه المهداوي، وهذا سيف أبوكم، وهذا درعه، وهذا ترسه، وهذه شبريته، وفي الحال شدو على الخيل، ووجهتهم المهداوي في جبال الفحيص، وفي أثناء الطريق مروا على بيت للعدوان، وقال العدواني لهم انتم جماعة أقلية ، لكن عَلْموا عليه أول مرة، وثاني مرة، والثالثة إحنا وإياكم عليهم، فقال ماهر ابن الصايغ أنا أمزع الصيوان، وأحط شبرية أبوي في المخدة مع حبة ملح بارود ورصاصة، ولما عملوها ونجحوا وعَلّموا على المهداوي، قال أخوهم الكبير ناصر اسدروا ظهر الخيل، وبعدين مرقوا على العدواني. ولما شاف المهداوي العلامات، قام بالحال وضرب الخبر للعربان، واجتمعوا عنده، وقال أنا البارح انذبحت غير الله ما ذبح، واللي وصل الموصل كف، وعف.. من منكم يعرف الشبرية هذه، فما عرفها حدا إلا لما وصلت لعند رجل طاعن في السن، وطق إصبعه، وقال هذه شبرية الصايغ اللي ذبحته ظلم، فقال المهداوي احسبولي أولاده، فوجدوا الصغير عمره عشرين سنة، فنادى المهداوي على ربعه، وذهب هو ورجاله عند العدوان، والخزاعي، والصمادي، والمومني، وهناك صارت صلحة الزمان، وقال المهداوي:بدكو السلط، بدكو الجبيهة عمان، بدكو ارميمين، حنا اجمالكم وحملونا، فقال إلهم الأخ الكبير ناصر: بدنا ارميمين، نعمل عليها طواحين، ونعيش، لأن سبيل الرميمين عليها مياه متوفرة. وزعل الأخ ماهر، وقال ليش ما طلب عمان، فيها سهل، ليش ما طلب الجبيهة..وبعد هيك، ماهر سكن جبل العرب، ومروان سكن غزة، وناصر الصايغ سكن السلط وعملوا في الرميمين الطواحين، وظلوا بيها للآن''.

السجلات الفيصلية

وتورد الكتب والوثائق القديمة تفاصيل أخرى عن سكان القرية، وواقعها القديم حيث تذكر الدكتورة هند أبو الشعر، في كتابها ''تاريخ شرقي الأردن في العهد العثماني''(1516م-1918م)، أن الرميمين كان فيها 4 عيون ماء، وأنها في بداية القرن التاسع عشر كان فيها 300 نسمة وكانت تابعة للسلط، وتحتوي على طاحونة وفيها مدرسة لطائفة اللاتين تأسست عام 1873م. أما الدكتور جورج طريف في كتابه السلط وجوارها فهو يشير إلى أن الرميمين وردت في السجلات الفيصلية(السجلات التي تم تدوينها خلال العهد الفيصلي 1918م-1920م)، المحفوظة في دائرة أحوال مدنية السلط، وفيها أول إحصاء رسمي لسكان السلط وعدد من القرى المجاورة ومنها الرميمين حيث يرد في السجل رقم 1 أن الرميمين يوجد فيها 25 أسرة روم أرثوذكس، بمعدل 5 أفراد للأسرة الواحدة، فيكون تعدادهم 125 نسمة، أما اللاتين فكان هناك 16 أسرة، وبمعدل 5 أفراد للأسرة، فيكون التعداد للاتين 130 نسمة، وبذلك يكون تعداد القرية 255 نسمة في تلك الفترة. كما أنه وبالرجوع إلى جداول التسوية، ملف حقوق الرميمين 1360هـ/1941م، يشير الدكتور طريف إلى أن العشائر التي استقرت في الرميمين هم الصايغ، والمعشر، وفاخوري.

حوض البلد 5

أما التفاصيل المجتمعية الأخرى، فتشير الوثائق إلى أنه قد ورد في السجل الفيصلي رقم 3 أنه كان مختار الرميمين في الفترة بين 1918 -1920م كان سليمان بن سالم. وورد في صحيفة البشير الصادرة في بيروت في عددها الصادر في 28 شباط 1920م أنه كان في الرميمين مدرستان واحد للذكور وأخرى للإناث وهي مدارس طائفية. بينما كانت مقبرة المسلمين تقع في ''حوض البلد 5'' ومساحتها دونم واحد ومئتين وسبعة وعشرين مترا، أما مقبرة الأرثوثكس فتوجد أيضا في ''حوض البلد ''5، ومساحتها أربعة دونمات ومئة وأربعة وتسعين مترا.

الطواحين

ذاكرة الناس حافلة بمواقع ما زالوا يتذكرونها بحميمية ما ان تتم فتح سيرة ماضي القرية، حيث يشيرون إلى وجود ثلاثة طواحين ما زالت آثارها في وادي الصايغ، وأسماؤها هي: طاحونة التوم، وطاحونة الصايغ، وطاحونة الحنينية، وقد كان فيما مضى هناك طاحونة رابعة تم هدمها هي طاحونة الشحادية. كما أنه كان فيها معاصر زيتون قديمة باستخدام الدواب، وكانوا يستخدمون معاصر الحجر، ويسمونها البَد، ويتذكرون منها ''بّد الدهابين''، و''بَد غطاس الساحوي''، و''بَد ميخائيل عنابي''. وكان في القرية بوابير طحين عدد اثنين وهما ''بابور الطرمان''، و''بابور الحصاو''، وقديما كان هناك مدرسة للاتين وهي الأقدم، ومدرسة أخرى للروم، وكان أول مجلس قروي للرميمين في عام 1961م وكان رئيسه سليم الوهبان الصايغ، وكانوا يصنعون البارود في بيوتهم، حيث وجدنا في بيت الشيخ أبو شاهر مدق بارود ما زال يحتفظ به في بيته، كما أنه كان هناك تصنيع للفخار على دواليب داخل البيوت، وكان الشاهد على ذلك صورة مجسدة على فخارة ضخمة صنعتها صاحبة الصورة وهي أم سلطي، وموجودة في ذات المضافة..

الاختطاف

لكل قرية قصة..
وهناك قصة يعاد سردها في الرميمين، حول حادثة أثرت على القرية، والمناطق حولها، ويمكن تلمس بعض تفاصيلها عند تصفح كتاب ''الكهنة المؤسسون''، وهي حول اختطاف فتاة من القرية، يقول أهل الرميمين أن أصلها من سوريا وأخوالها من الصايغ، ويعرج على حيثيات هذه القصة أيضا أبو هاشم ''بقوله أنه خطفها واحد حراث وراح بيها لمادبا''. ومن صفحات الكتاب، وتداعيات الذاكرة الشفوية لأهل القرية يمكن إيراد القصة على النحو التالي: كتاب الكهنة المؤسسون يذكر أنه (قد شكل اختطاف فتاة مسيحية من ارميمين على يد شاب مسلم مأساة للقرية نفسها، ولمسيحيي السلط. وحسب قانون البدو القاسي، بحث عنها أهلها، وعندما وجدوها قرب مأدبا، قتلها أبوها وقطع رأسها ويديها وأحضرهما معه. وقد أجبر هذا الحادث قبيلة الخاطف على انزال العقاب بالشاب، إلا أن القاضي التركي في السلط انتهز الفرصة لمضايقة المسيحيين، فطلب رأس الفتاة القتيلة، وحرّض الحاكم على معاملة ارميمين بقسوة، وسجن أهل الفتاة، وألّب مسلمي السلط. تصرف الأب يوسف جاتي عندئذ بشدة حيث استطاع أن يذهب إلى الحاكم مع الكاهن الأرثوذكسي، والراعي البروتستانتي، لأن التهديد شمل جميع المسيحيين، وحمّله مسؤولية الأحداث. خاف القائم مقام وعمل على إسكات القاضي وحرر المساجين، وأعاد الأمور إلى هدوئها السابق.ثم أعلم أبونا البطريرك بتفاصيل المأساة:'' إن مسلمي هذا البلد لم يكونوا متعصبين، ولم يكرهوا المسيحيين من قبل، إنما تعليمات القائم مقام والقاضي حملتهم على أن ينظروا إليهم كمشركين غير مستحقين الاحترام والاعتبار'')..

عند ابن قلاب

أما القصة الشعبية، لهذه الحادثة، وكما ترد على لسان سلطي الصايغ (أبو هاشم) فهي أنه '' ذهب من القرية إلى مأدبا ثلاثة رجال هم سليمان الهويمل، ووهيان الصايغ، وخليفة الصايغ، ووصلوا لعند أبو الغنم، وقالوا له إلنا عندك شاة ذبح ما هي شاة مرعى، فقال إلهم حطو وجه وخذوها، وفقالوا بوجه حسين الصبح، ولما خذوها، ووصلوا عند الجبيهة، وكان ابوها معهم، وذبحها، وجابوا جدايلها، وحطوها على باب سرايا السلط، وكانن السلطيات يطلن من بيوتهن القديمة ويزغردن، ولما سمع حسين الصبح، قال انتوا قطعتوا وجهي، والحق بيني وبينكم عند ابن قلاب، وراحوا هناك، وراح معهم الفحيصية والعدوان، ووقفوا عند ابن قلاب المسيحية والفواعير. ولما بدا الصايغ يعرض حجته قال هذه قضية عرض ودين، فلما صار هذا الكلام مررت بنت ابن قلاب السيف من ورا المحرم، وقالت لبوها عدّل حجة الصايغ، ترى السيف ما انحنى إلا إلنا، في دلالة إلى أن الحجّة هي عرض فقط، وليس عرض ودين..وبعد ما اتعدلت الحجة اتصالحوا، وانتهت القضية، ورجع الجميع راضيين''.

كتابة وتصوير مفلح العدوان

تعليقات