عراق الأمير.. صُور وقصر العبد 1 و 2 فقط

عراق الأمير.. صُور وقصر العبد (1-3)



مفلح العدوان

آتي الى المكان..
أعرف الاسم، والموقع، والناس هناك، غير أنني يسحرني تتبع التفاصيل المحفورة في الصخر، والمعاني المخبوءة في المباني، ومعها صدى أحاديث الأرواح التي واطنت هذه الأرض.
كنت مسحورا بتوقي للمعرفة حين يممت مسيري شطر ''عراق الأمير''، وقد كانت تسكنني قصص، وحكايات، كنت أتخيلها، حول هذه القرية، حين زرتها غير مرة، لكن هذه المرة مختلفة، ولها مذاق آخر، بعيدا عن ترف المرور السياحي بها..نعم كنت قبل هذه الزيارة لا ألحظ من عراق الأمير، ومن تفاصيل المكان هناك إلا بضع أشجار، وكهوف جبلية، وثلة من الزوار المتناثرين جانب الدرب، أو بضع سياح مبهورين بالأسود المنحوتة على حجارة القصر.

النعنع البري

ها قد عقدت النية على المسير إلى هناك، تجاوزت غرب عمان، ودخلت دائرة بيادر وادي السير، ثم تجاوزت حداثة الشوارع، والأسواق، نزولا نحو الوادي العريق الذي تغنى به عرار ذات شجن وشجى، وبعدها كانت متابعة السعي غربا مسافة عشر كيلو مترات الى أن وصلت عراق الأمير.
تلقفني هناك صوت الماء، الصادر من الأقنية التي تروي البساتين، واجتاحتني روائح النعنع البريّ، والطيّون، وتابعت فتنة الزيارة بين العلّيق وأشجار التين والعنب والرمان والصبر والسفرجل، ومع تلك الأشجار كنت أرى أشجارا موازية لها هي نحولة الناس الطيبين الذين لفحتهم الشمس، فصاروا بلون القمح، وبنقاء الحنطة، وعلى محياهم كنت ألمح ابتسامات الرضا، وتلويحات الترحيب بالضيف القادم اليهم.

لانكستر

تخيلت أثناء مسيري نحو عراق الأمير، ومروري من وادي السير والقرى القريبة، ما كان كتبه لانكستر هاردنج في النصف الأول من القرن الماضي ووثقه في كتابه ''آثار الأردن''، حيث مرّ بوادي السير والبصة حتى وصل الى عراق الأمير، وهو يصف الدرب على النحو التالي: ''تسير الدرب من القرية(وادي السير) الى جهة الغرب على الجانب الجنوبي من الوادي، وسرعان ما تبدأ بالانحدار مع المنحنيات، ومنظر الوادي في فصل الربيع جميل جدا حيث تنمو الأشجار الباسقة على جانبي النبع وحيث تكسو الأشجار الباسقة على جانبي النبع وحيث تكسو التلال خمائل الأعشاب الخضراء وعيدان القمح المتوج، ويبدو المنظر أكثر روعة في فصل الصيف عندما يكون كل شيء جافا عاريا بينما تستطيع أن تجلس تحت ظلال الشجر الى جانب الماء الجاري.. ولا تلبث الدرب أن تقطع الجدول الى الجانب الشمالي وتسير قريبا من السيل لمسافة قصيرة. وبعد أن تقطع النبع تستطيع أن ترى منزلا نحت في الصخر على الجانب الجنوبي.. وهنا تبدأ الدرب بالارتفاع قليلا وسرعان ما تكبر الشقة بينها وبين الجدول. وبالقرب من قرية البصة الصغيرة توجد طاحونة مائية هي آخر الطواحين من نوعها التي ما تزال تستعمل في البلاد. وتقطع واديا صغيرا ممتدا من الشمال، ثم تمر بشجرة كبيرة تحيط بها بعض القبور، ولا تلبث أن ترى عراق الأمير تحتك في الوادي''. وبعد ذلك عندما يدخل لانكستر قرية عراق الأمير يبدأ وصف آثارها، ومعالمها، متكئا في بعض تحليلاته حولها على ما كتبه كوندر في عام 1880-1881م.

البركة

كما أنه قد كتب عن عراق الأمير كذلك الرحالة الدكتور سيلاه ميرل، في ترحاله في الأردن سنة 1875م حيث قال:'' آثار عراق الأمير مدهشة، وفيه حجارة كبيرة لم أشاهد أضخم منها في البلاد الواقعة في الشرق من نهر الأردن باستثناء بعلبك وبصرى، وهنا بركة من أكبر البرك في المنطقة، بل إنها لاتساعها أقرب لأن تكون بحيرة، أما القصر الذي يواجه الشرق فيمتاز بجماله وقوة بنيانه وبموقعه الفريد، وتبلغ مساحته من الشمال الى الجنوب مائة وأربعة عشر قدما، ومن الشرق الى الغرب أربعة وستين قدما''.

تايروس

أما بالنسبة لتسمية القرية، فإن تتبع اسمها من ذاكرة الناس فيها، ومن الكتب القديمة، يفضي الى استنتاج أن هذه التسمية مرتبطة في جزء منها بتفاصيل المكان، وهنا نشير الى كلمة ''عراق'' وهو جرف ظاهر في القرية، وتتنوع عليه الكهوف، والمدينة القديمة، حيث يرى المتأمل في تلك المساحة وجود طابقين على ذلك الجانب تحتوي تلك الكهوف/المنازل، على ذلك ''العراق''، بينما الشق الثاني فهو مرتبط بتاريخ القرية القديم، وبالأمير الذي كان يحكمها، وهذا مثبت في الكتب القديمة ومرتبط بجزء من تاريخ المنطقة، ولكن عند تتبع تفصيلة الأمير يمكن الدخول الى حكاية تنامت لتصبح بموازاة الأسطورة أطرافها الأمير، وابنة الأمير، والعبد الذي أحب ابنة سيده.
هذه بعض إشارات ودلالات الاسم، ولكل دلالة هناك قصة، وسرد خاص بها، سنمر عليه في مواضع مختلفة من هذه الكتابة.
من جانب آخر، وفي استنتاج مختلف حول الاسم القديم للقرية، نلاحظ إشارة الى ذلك عند قراءة ما كتب الرائد الانجليزي كوندر في كتابه ''أعمال المساحة في شرق الأردن/1880م''، والذي ترجمه الدكتور أحمد عويدي العبادي، حيث نلاحظ أنه أفرد مساحة لوصف عراق الأمير، والحديث عن بنيانها، وتاريخها، وهو في مطلع كتابته يشير الى أن الاسم الأصلي لهذا الموقع هو تايروس، كما في اللغات السامية القديمة، وهذا الاسم يتشابه مع كلمة تايرو، أي صور القديمة الموجودة في جنوب لبنان، والمعنى مشتق من كلمة صخر أو عراق، وهو الاسم الذي يطلق عليها الآن(وهنا يقصد موقع عراق الأمير).

مزرعة

مراحل تاريخية عديدة مرت على هذه القرية، وهنا، وقبل الدخول في التفاصيل الآثارية، والتاريخية لذاكرة الأبنية والمعالم في عراق الأمير، من المفيد الإشارة في سياق هذا البحث التاريخي للمكان بأنه قد ورد ذكر القرية في الوثائق التركية، على أساس أنها مزرعة، ويوثق هذا الباحث المهدي عيد الرواضيه، في ''مدونة النصوص الجغرافية لمدن الأردن وقراه''، مشيرا في كتابه الى ما أفادنا به الدكتور محمد عدنان البخيت في دفتر مفصل لواء عجلون في دفتر الطابو رقم(970) وفيه يذكر بأن ''مزرعة عراق الأمير في شرق الصلت، خاص ميرلو، حاصلها مائة وخمسون آقجة''.. أما في دفتر الطابو رقم(185) فيشار فيه الى أن '' مزرعة عراق الأمير في شرقي الصلت، تابع الصلت، حاصلها ثلاثمائة آقجة''.

الأرض المروية

هذا بعض ما تم رصده من الكتابات القديمة قبل دخول القرية، غير أنني حين وصلت عراق الأمير لم أتابع المسير هناك وحيدا، فقد كان بانتظاري المهندس منصور محمد فلاح المهيرات (أبو بشار)، وكنا ذات عمل في مناجم الفوسفات، شركاء في ذاكرة الغبار والصحراء هناك، كما رافقنا في التجوال في عراق الأمير أيضا، فلاح محمد عبد العزيز المهيرات (أبو خضرة)، وكانت القرية تحاول ما استطاعت أن تبوح لنا بأسرارها أثناء في ارتحالنا في ذاكرتها القديمة، وواقعها الحديث.
كان أول استفسار لي هو حول الوادي الأخضر الذي يشق القرية من منتصفها، وهو ما تابعه لانكستر في كتابته السابقة، وقد بادرني الأصدقاء لتوضيح ذلك بأن النبع الرئيس في منطقة عراق الأمير هو نبع الطرابيل، وأما هذا الوادي(وادي عراق الأمير) ففيه سيل عراق الأمير، وهو يمتد من وادي السير، ثم يلتقي بعد ذلك مع سيل وادي الشتا، ويشكلان رافدا واحدا يصب بعد ذلك في سد الكفرين في الغور.
ولأن عراق الأمير أرض زراعية، إضافة الى الآثار الموجودة فيها، فإن للزراعة والماء بوحاً نثبت بعضه في هذا المقال حيث أن الأرض الزراعية فيها مقسومة الى جزءين، الأول هو الأرض المروية، وهي منطقة عراق الأمير القصبة(الوادي)، والتي تتخللها قناة ماء منذ الأربعينات، حيث أنه يرد في ذاكرة كبار القرية أن بعد إفراز الأراضي قامت وزارة المياه والري بصيانة القناة، وحولتها الى قناة إسمنتية، ثم بعد ذلك، وبالتحديد قبل ثلاث سنوات، قامت منظمة إسبانية بهدم القناة القديمة، وأعادوا بناءها بأسلوب حديث، وهذه القناة تمتد من نبع عين الطرابيل، وهو المصدر الرئيسي للماء في عراق الأمير، وبطول 6 كم الى منطقة قصر العبد، وتروي خلال مسيرها 169 ساعة ري أسبوعيا، مقسمة بحسب مساحات الحصص والأرضي، ولكل شخص في أرضه، وهي كذلك مقسمة بحسب جدول حقوق مياه يتضمن ترتيب أرقام القطع المستفيدة من الري، ومساحاتها، وآلية توزيع المياه عليها.. أما الجزء الثاني من الأراضي الزراعية فهي المناطق المحيطة بعراق الأمير وهي بعضها سهلي، وبعضها وعر جبلي، وهي بعيدة عن مجرى المياه، وتعتمد على الأمطار، ويتم زراعتها غالبا بأشجار الزيتون والعنب واللوزيات.

الحدود والمناطق

قبل أن يكون التتبع للآثار، والمعالم القديمة لعراق الأمير، يقوم المهندس منصور المهيرات، ومعه فلاح المهيرات، بوصف سريع لخريطة القرية، حيث يحددان مكانها بأنه يحدها من الشرق وادي السير، ومن الغرب الأغوار، ومن الشمال منطقة بدر الجديدة، ومن الجنوب مرج الحمام.
أما مناطقها التي تمتد عراق الأمير عليها فيرصدانها بالقول أنه يوجد من مناطق عراق الأمير كل من منطقة القصر، ومنطقة البيرة، وحي العباسية، ومنطقة أم حجر، ومنطقة البريد، وحي المحاميد، ومنطقة الفحص، ومنطقة الحامدية، وحي أم المدارس، ويقع الجزء الأساسي من عراق الأمير في حوض العميرية والفحص(3).

ســـيرة قريـــة

تقع عراق الأمير في الجهة الغربية من عمان، على بعد 20 كيلو مترا من مركز العاصمة، على خط الطول 35 درجة و 45 دقيقة شرقا، ودائرة العرض 31 درجة و 55 دقيقة شمالاً، وهي منطقة من مناطق أمانة عمان الكبرى، وهي جزء من منطقة وادي السير، وتتبع إداريا إلى لواء وادي السير من محافظة العاصمة.
الديموغرافيا:
يبلغ عدد سكان عراق الأمير بحسب التعداد العام للسكان والمساكن عام 2004م 1862 نسمة(888 ذكورا و 974 إناثا)، يشكلون 321 أسرة تقيم في 428 مسكنا، ومعظم السكان هم من عشائر بني عباد.
التربية والتعليم:
توجد في عراق الأمير أربع مدارس حكومية هي مدرسة عراق الأمير الثانوية للبنين، ومدرسة عراق الأمير الشاملة للبنات، ومدرسة الحامدية الإعدادية للبنين، ومدرسة عراق الأمير المؤنثة الأساسية للبنين (سميت المؤنثة لأن الهيئة التدريسية فيها كلها معلمات).
الصحة:
يوجد فيها مركز صحي فرعي.
المجتمع المدني:.
توجد في القرية جمعية سيدات عراق الأمير التعاونية، ومحطة معرفية تابعة لمركز الملكة رانيا للتميز.
* يوجد في عراق الأمير 4 مساجد، وأقدم هذه المساجد هو مسجد العباس.


عراق الامير.. العبد

عراق الأمير.. صُور وقصر العبد (2-3)

عراق الامير.. العبد


سأكمل.. هذا البوح فيه فيض، واسترسال في كتابة تفاصيل المكان، حيث الأزمنة تتداخل، وفي ذات هذا السياق توجد لتلك الملامح أسرارها التي تريد أن تعبر بها عن كينونتها.
وفق هذا فإنه لا بد وأن لعراق الأمير قصتها التي هي بحاجة إلى كتابة، عبر تلك الأزمنة، لذلك فلا بد من نسج خيوط ذلك الماضي على نول الوعي به، ليتم تشكيل بساط الحكاية، فيكون اكتماله.
هنا سأبدأ من عند الدكتور أحمد عويدي العبادي، وهو الذي ترجم كتاب ''أعمال المساحة في شرق الأردن1880 م'' الذي كان كتبه الرائد الانجليزي كوندر، وفي هامش هذا الكتاب يعطي الدكتور العبادي رأيه في قصة عراق الأمير، حيث يقول: ''ثبت أن قصر عراق الأمير قصر عموني عربي''، ويكمل في الهامش إشارته إلى الأمير الذي نسب إليه المكان، بقوله '' إن هيركانوس(الأمير)، كان عمونيا هرب من ظلم اليهود، وعاد إلى موطنه الأصلي منطقة عمون، ومنها عراق الأمير''.

الأمير العجيب

لتكملة سياقات هذه القصة نتتبع بعض تفاصيلها عند فريدريك بيك في كتابه ''تاريخ شرقي الأردن وقبائلها'' مشيرا إلى أنه كان قد ''انعقد الصلح بين الملكين( انتيوخس الثالث وبطليموس) عام 197ق.م، وبموجبه احتفظ انتيخوس بسوريا وفلسطين، ويظهر أنه لم يكترث بجنوبي الأردن وإلا لما تمكن هيركانوس أن ينشىء دولة، وان كانت صغيرة في عراق الأمير بجوار قرية وادي السير الحديثة.
كان هيركانوس ابنا لأحد النبلاء، ويدعى يوسف.. وكان يوسف ملتزما للضرائب إبان السنتين التي حكم بهما بطليموس الرابع فلسطين، وبعد معاهدة عام 197 ق.م، أي في عهد الملك السوري بقي متمتعا بنفس المركز.
ولما ذهب هركانوس إلى مصر موفدا من قبل والده ليهنىء بطليموس بولادة ابن له، أخذ من وكيل والده في الإسكندرية عشرة آلاف وزنة من الدراهم واشترى بها هدايا ثمينة قدمها إلى الملك ورجال بطانته فاشتهر أمره بينهم وعزز مكانته في البلاط الملكي المصري. أساء هذا التصرف اقرباءه ليس فقط على ما ناله من الشهرة في مصر بل لتبذيره هذا المبلغ الجسيم فكادوا له وكمنوا له في الطريق ليغتالوه.. شعر هركانوس بالمكيدة فاستعد لها وبينما كان سائرا في طريقه إلى القدس خرجوا عليه وبعد عراك شديد قتل اثنان من إخوته ونجا هو بفضل دهائه.. بعد هذا الحادث لم يعد هركانوس أمينا على نفسه أن يعيش قريبا من أهله فنزح إلى شرقي الأردن حيث أسس إمارة صغيرة سيطر عليها وشاد لنفسه قلعة حصينة دعاها صور وتعرف بقاياها الآن بعراق الأمير. ولما بلغه عزم ملك سوريا انتيوخس الرابع على غزوه، قتل نفسه عام 175 ق.م بعد أن بسط سلطانه على ما جاوره من البدو في مدة اثني عشر عاما. ووادي السير الحديثة آخر أثر تركه هذا الأمير العجيب''.

الكهوف

يتحدث الرائد كوندر عن الأثر الأكبر لهيركانوس في المنطقة، وهو القصر الذي يعطي وصفا له في فترة الزيارة التي قام بها للمكان في عام 11880م حيث يقول'' أشاد(هيركانوس) قلعة قوية من الحجر الأبيض كلية حتى السقف، كما زين الجدران بنحت للحيوانات المفترسة الضخمة، ورسم حول القلعة خندقا عميقا مليئا بالمياه. وذلك مضافا إلى انه حفر الكهوف لتكون ذات أعماق بعيدة، وذلك بواسطة تجويف حفرة في الصخر الذي كان يهيمن ويطل على القصر، ثم حفر غرفا داخل هذه الطاقات، وصنفها لعدة أغراض منها ما هو لإقامة الحفلات، وأخرى للنوم، وأخرى للأغراض الحياتية الأخرى. ولم يقتصر الأمر على هذا، بل انه زود هذه الكهوف بكميات كبيرة من الماء الذي يجري بقنوات داخل هذه الأعماق، والتي بدت سلسبيلا جميلا عندما شاهدنا انسيابها في قاعة المحكمة، حيث تضفي بعدا جماليا جديدا وحلية مفرحة للنفس في أعماق هذا الصخر المعلق، وكان من الملفت للنظر حقا أن أبواب مداخل الكهوف كانت ضيقة بحيث يتعذر الدخول لأكثر من شخص واحد من خلالها في وقت واحد، ولا شك أن هذا النمط البنائي الفريد كان له ما يبرره لمن ينشد الأمن والحماية خشية أي هجوم عليه من إخوانه الذين يتربصون به الدوائر، وقد يحاصرونه في أية لحظة، ويلقون القبض عليه إذا ما خاضوا غمار مخاطرة الهجوم عليه. من هنا كانت هذه الكهوف المترابطة من وراء الصخر العنيد العتيد ملجأ خاصا وأخيرا لهيركانوس''.

طوبيا

وبالنسبة للقصر فقد أشار لانكستر إلى أن زمن بنائه، بحسب آراء العلماء، بين القرن الثالث ق.م والقرن الأول ب.م، وأما بشأن الغاية منه فيتراوح القول بين القصر والضريح والهيكل، ''ولا يدل مخطط البناء والشكل الهندسي على تاريخ الإنشاء، لأنه لا يشبه أي طراز من الأبنية المعروفة''.
بينما يؤكد المؤرخ الكلاسيكي يوسيفوس في كتاباته أن شخصا يدعى هركانوس في عهد سلوقس الرابع (175-187ق.م) قد بنى في هذه الجهات قلعة حصينة من الحجر الأبيض، وأحاطها بحدائق غناء، وبحيرة، ونقش على جدرانها نقوشا تمثل حيوانات هائلة عظيمة، وقد نحت في الصخرة الكبيرة فوق القلعة مغائر كثيرة متطاولة كانت تستعمل قاعات للطعام، ومنازل للسكن، ويبدو أنها كانت مزودة بالماء''.
ويوضح لانكستر تعليقا على هذا الكلام بأن ''هذا الوصف كله ينطبق على موقع عراق الأمير، مطابقة كاملة، أضف إلى هذا أن الاسم القديم صور)يطابق الاسم الحديث للوادي (سير).. ويقول بعض العلماء أن الأسماء المنقوشة على المغائر (طوبيا) تشير أنها كانت مركز قيادة الطوبيين، وهم أفراد العائلة التي ذكرت سابقا، والذين كانوا أقوياء جدا في شرقي الأردن خلال القرنين الأول والثاني قبل الميلاد''.

أسد ولبؤة

كما أنه ''قد دلت الحفريات التي أجريت في قصر الأمير، أنه كان مأهولا في القرنين الرابع والخامس بعد الميلاد، من قبل جماعات من المشردين البيزنطيين الذين أجروا تعديلات وأدخلوا إضافات على داخلية البناء، مما أدى إلى تدمير كل ما من شأنه أن يدل على تاريخ إنشاء البناء'' ويزيد لانكستر في كتابه آثار الأردن بأن '' أعمال الحفريات التي أجريت خارج الجدران فقد كشفت عن مستوى الأرض الحقيقي وأسفرت عن اكتشاف تمثال أسد رائع الصنعة، وكان هذا التمثال قد نحت من حجر أبيض ذي خطوط قرمزية، ثم وضع في صميم البناء على يمين الباب الجنوبي''.
وهذا الوصف كان في النصف الأول من القرن الماضي، وقد جرت بعد ذلك تنقيبات، واكتشافات لعراق الأمير، أوضحت كثيرا من الملامح التي كانت سابقا، وهيأت الموقع ليكون كما هو الآن، وقد تنبه إلى ذلك مترجم الكتاب وهو المرحوم الأستاذ سليمان موسى، حيث أشار إلى أن '' أعمال التنقيب والترميم التي تقوم بها دائرة الآثار منذ عام 1976، بالتعاون مع المعهد الفرنسي للآثار، قد أسفرت عن اكتشافات جديدة تغيّر المخططات المعروفة عن قصر العبد منذ أواخر القرن الماضي. وقد أعيد بناء الواجهتين الشرقية والغربية للبناء، وظهر أسد عند الزاوية الشمالية الغربية كان يقوم بدور نافورة الماء، مثل الأسد الذي وجد سابقا عند الزاوية الشمالية الشرقية. وفي الموقع ذاته عثر على لبؤة وشبلها يلحقان أسدا، وكانت في الأصل تزين الشرفة في الطابق العلوي. أما الطابق السفلي فقد أظهر التنقيب أنه يتألف من أربع حجرات يحيط بها ممر وتنيرها النوافذ السبع المفتوحة في الجدارين الشرقي والغربي. وهذا المخطط الجديد يختلف تماما عن المخطط الذي وضعه بتلر قديما، وبالإضافة إلى الأبنية التي اكتشفها الأب لابي بالقرب من الجامع والتي ترجع إلى العصر الهلنستي، وجد سوراً ضخماً له بابان، وكان يحيط بالمستوطنة الزراعية التي أنشأها طوبيا منذ بداية القرن الثالث ق.م''.
ولكن الزيارة الحديثة للمكان، وعلى أرض الواقع تعطي صورة أكثر، وأوضح، عن حجم التغيرات على المكان، وعن الجهود المبذولة في محاولة إكمال بناء القصر، في الصورة الأقرب إلى ما كان عليه في الأصل، ورغم نهوض الجدران الأربعة، وإعادة التماثيل إلى مواقعها، إلا أن الحجارة الضخمة المتناثرة حول القصر، تعطي انطباعا أوليا حول حجم النقص، والجهد المطلوب، للوصول إلى تلك الصورة المكتملة والمطلوبة للمكان، هذا برغم كل تلك الجهود المتراكمة لإعادة تركيب البنيان كما كان في الأصل.

مطل الحصان

وأسطورة القصر، يمكن تتبعها من اسمه، قصر العبد، حيث تشير الرواية الشعبية، إلى أن أمير المنطقة في العصور القديمة، كان له ابنة، تركها في رعاية عبد أسود، وغادر المكان في رحلة طويلة، ولكن العبد وقع في حب الفتاة التي ملكت عليه شغاف قلبه، ووعدته بالموافقة على الزواج منه، في خطوة ذكية منها لكسب الوقت حتى عودة والدها، بشرط أن يبني لها قصرا، وبدأ العبد بناء هذا القصر من الحجارة الضخمة، وما أن أتم البناء بأبهى صوره حتى أطل الأمير بحصانه من على التلة الشرقية للقصر، وعندما علم الأمير بما حدث لابنته أحرق العبد بالنار ثم دفنه تحت أحد الحجارة، وسمي بعد ذلك هذا البناء بقصر العبد، وتلك التلة التي أطل منها الأمير بحصانه ''مطل الحصان''، وهذا ما زال حاضرا في الذاكرة الشعبية لأهل المنطقة.

الملك جورج الخامس

هناك زيارة للملك جورج الخامس قام بها إلى عراق الأمير، وهي تعطي انطباعا حول أهمية المكان، وتاريخيته، ولا بد من المرور ببعض تفاصيلها عند البوح حول هذه القرية، ويشير إلى تلك الزيارة فريدريك بيك في كتابه تاريخ شرقي الأردن بقوله: '' وصل الأميران البرت فكتور وجورج برنس اف ويلز- الملك جورج الخامس الحالي- إلى ميناء يافا في 28 آذار عام 1882 وقضيا متجولين في فلسطين اثنى عشر يوما. وفي اليوم العاشر من نيسان دخلا شرقي الأردن وقصدا رأسا عراق الأمير بجوار وادي السير ومنه ذهبا إلى عمان بعد أن تجولا بين عادياتها وآثارها رحلا إلى الصلت بطريق صويلح. ثم صعدا إلى جبل يوشع وخرجا منه إلى جرش. وفي 14 نيسان قفلا راجعين إلى فلسطين بطريق راطب ومخاضة دامية. فيكونا قد استغرقا في رحلتهما أربعة أيام فقط قطعا اثناءها ما يقارب 151 ميلا. لم يقطع الأردن قبلهما منذ عام 1158م عندما قدم بلدوين الرابع إلى شرقي الأردن وأقام في الكرك، لكن جرش لم يزرها أمير أو ملك منذ أن دخلها الملك الصليبي بلدوين الثاني في عام 1121م.


تعليقات