أحاديث في الأصولية والسياسة-صحيفة الشرق الأوسط موضوع قديم عن الاردن

الإخوان المسلمون في الأردن والعرش الهاشمي.. صداقة الضرورات!

الملك عبد الله الأول تحالف معهم من أجل الفكر ومن أجل السياسة أيضا

عمان: مشاري الذايدي
الاردن بلد على صغير مقدراته وثرواته، وعلى حراجة وضعه في الوجود بين انظمة تعاديه سياسيا وايدولوجيا وعلى رأسها البعث السوري والحكم الناصري المصري، اضافة الى وجود تيارات يسارية وناصرية وماركسية كانت على عداء مكشوف مع النظام الهاشمي الملكي، خصوصا في ذروة الهيجان الناصري والبعثي، على الرغم من هذا كله حقق البلد نموذجا فريدا في التعايش مع القوى المختلفة، وملك ديناميكية سياسية لافتة في التحول والتغير وفق الظروف المحيطة، وليس ادل على ذلك من كثرة تشكل الحكومات تبعا لمتطلبات المرحلة، داخليا وخارجيا.

الاردن الآن، وفي ما يتعلق بالموضوع الأصولي، موزع بين هموم الزرقاوي، وما بين فاتورة حماس والمساندة الاخوانية الاردنية لأجندة حماس.

جماعات القاعدة الفكرية والعسكرية على الارض الاردنية، لم تقصر هي الاخرى، حيث لا يمر اسبوع تقريبا دون ان يعرض على محكمة امن الدولة قضية على ملاك النشاط العسكري الاصولي، فما قصة تيار الجهادية السلفية؟ ثم ما هو تأثير المشهد العراقي الذي ينشط فيه الزرقاوي ويرسل اسلحته وسياراته المفخخة من مواقعه في العراق هناك الى الاردن من اجل تفجيرها في مبنى المخابرات أو من اجل تفجيرها في مدعي الدولة العام. وما هي قصة الحنق الشيعي العراقي على الاردن؟ وما هي خلفيات تحذيرات الملك عبد الله الثاني من الهلال الشيعي؟ وكيف ملك النظام السياسي الاردني هذه القدرة على تقديم نموذج مميز في التعاطي مع الاسلاميين من موقع التعاون والاندماج في الحياة السياسية وليس الاقصاء أو المحاربة، وتاريخ الاخوان المسلمين مع العرش الهاشمي يقدم قصة مثيرة في هذا العالم العربي، علاقة زواج مصلحي وتحالف سياسي في بعض الاحيان، لا يخلو من خروج على النص في بعض الاحيان، لكن الامور سرعان ما تعود الى المتن وتغادر الهوامش. في السياقات التالية نقدم اطلالة على هذا المشهد، مبتدئين بقصة الاخوان والمسلمين ثم نتبعها بقصة تيار الجهادية السلفية وعرابها ابو محمد المقدسي وجنرالها ابو مصعب الزرقاوي، ثم نختم بتاثيرات الحالة العراقية على الداخل الاردني.

هل صحيح أن المشهد الاردني لا يمكن أن يعطيك رؤية نموذجية للاطلالة على مصائر الاسلام السياسي ومصادره؟.

وجدت نفسي أردد هذا السؤال الذي استلهمته من نصيحة الباحث اللبناني الشهير في الاسلاميات رضوان السيد، وانا احزم حقائبي مغادرا الأردن بعد اكثر من اسبوع امضيته في الأردن محاورا بعض قيادات الحركة الاخوانية وبعض المراقبين لها والخارجين عليها والمحبين لها والناقمين عليها، ومن لا يعنيهم امرها.

الحقيقة ان المشهد كان نموذجيا، ليس بسبب ثقل الحركة الاخوانية الاردنية على حساب نظيراتها في مصر أو في سورية في العراق، فهذا يرجح اخوان مصر وسورية عليهم، بل لسبب آخر هو «فرادة» العلاقة التي ربطت بين العرش الهاشمي والاخوان المسلمين منذ سنة 1945، ومنذ ان دعى الملك عبد الله الاول، مؤسس المملكة، عبد الحكيم عابدين (توفي 1975 في القاهرة) الى تولي الوزارة، ولكن عابدين، صهر المؤسس حسن البنا، اعتذر، كان هذا في النصف الاول من ثلاثينيات القرن المنصرم.

وعبر التاريخ، ظلت هذه العلاقة مميزة بين العرش والاخوان، إما بسبب الخلاف مع الملك فاروق في مصر، الذي دخل في صراع مكشوف مع الاخوان، خصوصا بعد حرب 48، بين العصابات الصهيونية وجماعات المقاومة المتنوعة، والتي اسهم فيها الاخوان المسلمين في مصر، وتحمس لها حسن البنا بنفسه، وتوجس منه الحكم خيفة، إذ كان الملك فاروق يخشى من استخدام هذا السلاح لقلب نظام حكمه، وكما يذكر برنارد لويس في كتابه (الغرب والشرق الاوسط) فإن قرار الملك فاروق بحل جماعة الاخوان جاء بعد ان اكتشف خطة للاخوان تهدف الى ان يقوم مقاتلو الاخوان العائدون من حرب 48 في فلسطين بمحاصرة القاهرة والقيام بانقلاب للاطاحة بفاروق واعلان الجمهورية الاسلامية، ولا ندري عن تفاصيل هذه الخطة التي يشير اليها لويس، وان كان التاريخ يذكر للاخوان دورهم في ثورة يوليو 52، مع الضباط الاحرار ضد الملكية، وهم الحزب الوحيد الذي استثني من قرار الالغاء الذي اتخذه الضباط الاحرار ضد الاحزاب، لكن العلاقة بين الاخوان والضباط، وتحديدا عبد الناصر سرعان ما تحولت الى عداء، لأسباب كثيرة، وعاد الاخوان الى حالة «اللاشرعية» القانونية، بعد بضعة سنوات من قرار الملك فاروق ورئيس وزرائه النقراشي باشا بحل الجماعة.

الإخوان ومصر وملك الأردن

* في ظل هذه الاجواء، سواء ايام فاورق أو عبد الناصر، اندفع النظام الاردني الى تكريس العلاقة مع الاخوان على طريقة «عدوعدوي صديقي». وظلت هذه العلاقة بسبب حاجة الملك الاردني الى ظهير شعبي وايدولوجي يكافح التيارات اليسارية والقومية المعادية للملكية الاردنية، واثبت الاخوان في لحظات الازمات انهم مع الملك ضد خصومه، وبالاحرى ضد خصومهم في العمق.

لكن هذه العلاقة التحالفية لم تخل من اعتراضات اخوانية على النظام خصوصا في ما يتعلق بوجود الانجليز في الجيش الاردني، وسيروا مظاهرات ضد هذا في العام 1954، ولم تخل هذه العلاقة ايضا من شكوك دفينة لدى النظام بالاخوان فكان يمنعهم من فتح بعض الفروع، خصوصا في منطقة الضفة الغربية، تحت ذرائع فنية وما الى ذلك.

لكن العلاقة بين الهاشميين، والاخوان ظلت علاقة استراتيجية وليست تكتيكية طيلة العقود الماضية، كما يقول بعض المراقبين. موسى المعايطة، ناشط سياسي اردني يرأس (حزب اليسار الديموقراطي الاردني)، وهو حزب يجمع تحت مظلته كثيرا من الشيوعيين السابقين واناسا من التيار الوطني الاردني وبعض الاعيان يقول: «الاخوان حلفاء الحكم الاردني، وكنا نطلق على الاخوان في السبعينات لقب (البوليس الثقافي) لانهم كانوا رأس الحربة في مواجهة التيارات التقدمية والقومية». ويضيف: «كنت منتميا للحزب الشيوعي في 1974، وكنت في حالة محاصرة من قبل النظام، جواز سفري مسحوب، وانا مراقب، بينما وفي نفس تلك اللحظة الزمنية كان الاخواني البارز اسحاق الفرحان وزيرا للتربية في الحكومة!».

الإخوان محور الرياض ـ عمان

* إذن هي علاقة معقدة ومركبة، بين سياسي حاذق، هو الملك عبد الله الاول ومن ثم حفيده الملك حسين، وبين حركة اسلامية لم تجد لها في الزمن العربي الناصري والبعثي، وفي زمن الحرب الباردة بين المعسكر الاشتراكي والرأسمالي، سندا من الدول العربية الا في الاردن والسعودية، يقول ابراهيم غرايبة، الباحث الاردني في شؤون الاخوان المسلمين، واحد اعضائهم البارزين في السابق، والذي استقل عنهم وكون موقفا نقديا من التجربة: «كان هناك محور اسمه محور الرياض ـ عمان، لإزاء عبد الناصر ومن يدور في فلكه، وما نشاط الحركة الاخوانية بشكل علني في الاردن أو بشكل غير مباشر في السعودية الا من مفاعيل هذا التحالف ضد الناصرية».

ويتابع: «قدوم السكرتير العام للاخوان المسلمين عبد الحكيم عابدين الى الاردن ولقاؤه الملك عبد الله في منتصف الثلاثينيات لا يمكن تفسيره وفق مظلة الصراع السياسي في المنطقة، بل بسبب شخصي وثقافي بحت للملك، حيث كان عبد الله الاول مهتما بالجوانب الدينية والاصلاحية، ومن هنا يمكن فهم دعوته لعابدين من اجل استيطان الاردن وتولي الوزارة». ويواصل «الاخوان الى نهاية الثلاثينات كانوا حركة اصلاح ديني، نشاطهم السياسي وفورتهم بدأت مع الاربعينات، خصوصا بعد تفاعل القضية الفلسطينية، ونشاط الحاج امين الحسيني في توفير الدعم للقضية وحشد الدعم لقضية القدس، ومن هنا تحالف آل الحسيني، موسى كاظم والحاج امين وغيرهما، ومن خلال المجلس الاسلامي الاعلى، مع بعض الرموز الاسلامية من مصر وخارج مصر وانشأوا المؤتمر الاسلامي في القدس والذي كان المصري سعيد رمضان زوج بنت حسن البنا، هو امينه العام».

سعيد رمضان من اوائل رواد قياديي اخوان مصر الذين تولوا مهمة التوطين للاخوان في ارض الضفة الغربية، وتحديدا في القدس التي انشأ فيها شعبة للاخوان المسلمين في 26 اكتوبر 1945، وبمساعدة الجماعة في مصر جرى افتتاح فروع اخرى في فلسطين، التي كان ظل الملك عبد الله ممدودا عليها بشكل أو بآخر. واستضاف الملك عبد الله الاول سعيد رمضان، يقول ابراهيم غرايبة: «حمل الرجل الشهير بقدراته الخطابية سعيد رمضان الجواز الاردني الذي منحه اياه الملك، واظنه ظل معه الى ان توفاه الله بعدما اقام في سويسرا».

كان سعيد رمضان يخطب في الجامع الحسيني في عمان، الذي كان جامع الملك، ومن شدة تاثيره الخطابي كان يستقطب حتى غير المسلمين، كما يذكر المسيحي الاردني جمال الشاعر في مذكراته، حسبما يشير ابراهيم غرايبة. هذه العلاقة تطورت الى اعتراف رسمي بحركة الاخوان ومنحت ترخيصا للعمل من قبل الملك عبد الله بموافقة مجلس الوزراء سنة 1946.

الإخوان الأردنيون والمشهد الفلسطيني؟

* من البداية، كان من الواضح ان اخوان الاردن ليسوا في جانب كبير، الا افرازا فلسطينيا كما يذكر مؤرخ اخوان الاردن موسى زيد الكيلاني، خصوصا ان الملك عبد الله الاول لم يكن يخفي طموحه الحار الى توحيد فلسطين وسوريا ايضا تحت راية مملكته الهاشمية، وكانت القدس الشرقية تتبع الادارة الهاشمية الى ان حصلت هزيمة 67، ثم انتهى الامر تماما بعد فك الارتباط الرسمي بالضفة الغربية في 1988.

وكان لافتا ان يكون ابرز رموز الاخوان القدماء هم من ابرز قادة القتال الاخواني في فلسطين، فقد كان اول مراقب عام للاخوان الشيخ عبد اللطيف ابوقورة هو من قادة كتائب حرب 48، وكذلك كامل الشريف وزير الاوقاف وعضو مجلس الاعيان، والذي يصنف نفسه باعتباره قريبا من الاخوان ومعجبا قديما بحسن البنا الذي التقاه حينما قدم الى النقب اثناء تلك المواجهات بين عصابات الصهيونية والمتطوعين العرب ومنهم الاخوان المسلمين.

كامل الشريف نموذج لحالة الدخول الاخواني على الساحة الفلسطينية والاردنية، والنشاط فيها، فمنذ البدء كانت القضية الفلسطنية تحتل مكانة مركزية في ادبيات وتحرك الاخوان، بل يذكر كامل الشريف في احد لقاءاته الاعلامية ان البنا اخبره قبل مقتله بايام بأنه سيأتي مع مقاتلين للموت على ارض فلسطين، وكامل الشريف يعود بأصوله الى مدينة العريش المصرية، ترك مصر وعادى عبد الناصر استمرارا لعداوة الاخوان، واحتضنه الملك عبد الله، واصبح نائبا لسعيد رمضان في المؤتمر الاسلامي للقدس، وتولى وزارة الاوقاف وعين سفيرا وعضوا في مجلس الاعيان، وقد كان من أصحاب فكرة انشاء رابطة العالم الاسلامي في مكة، وعرض الفكرة على الملك سعود هو وسعيد رمضان واخرين من قيادات الاخوان فوافق عليها الملك سعود بن عبد العزيز، كما يذكر يوسف القرضاوي في مذكراته.

التحالف ضد انقلاب57

* هذا جزء من حديث التاريخ، والذي يقول ان حركة الاخوان في بداياتها كانت مؤيدة من قبل كثير من الاردنيين سواء من ذوي الاصول الشرق اردنية او من ذوي الاصول المنتمية للضفة الغربية من نهر الاردن. ومن الرموز الاردنية الشرقية المؤسسة كان الزعيم المحلي احمد الطراونة، وعشيرته من مدينة الكرك، وهو والد فايز الطراونة رئيس الحكومة والديوان الملكي السابق، ونائب رئيس مجلس الاعيان حاليا، والذي قال: «والدي كان من ابرز داعمي حركة الاخوان في بدايتها في الاردن، وكان ذلك بسبب عاطفته الدينية ثم بسبب المنافسة والخلاف الحاصل بين الملكين عبد الله وفاروق، لكنه تخلى عنهم لاحقا بسبب خلافات سياسية، حينما بالغوا في التسيس اول الخمسينيات».

تكرست علاقة الاخوان أكثر بالنظام بعدما انحازوا الى صفه ضد المحاولة الانقلابية سنة 1957، والتي دبرها بعض الناصريين والقوميين بتواطؤ مع رئيس الحكومة الناصري سليمان النابلسي، وكان الملك حسين يشعر بذلك وينتظر لحظة كشف الاوراق، وقد مهد لذلك، بمزيد من التقارب مع الاخوان، وعقد الاخوان مؤتمرات واجتماعات جماهيرية لحشد الدعم للملك حسين، نصير الاسلام ضد الشيوعية والالحاد، والهجوم على خصومه، وكما يقول الكاتب موسى الكيلاني: «التقت مصالح الاخوان المسلمين في الاردن مع نظام الحكم في مواجهة الخصوم». يقول علي ابو السكر، النائب الاخواني الحالي في البرلمان الاردني، واحد ابرز المتحمسين لمقاومة التطبيع: «من الطبيعي ان الاخوان في السابق تحالفوا مع الانظمة التي كانت تنتمي للمعسكر الغربي ضد المعسكر الشرقي، لأن المعسكر الشرقي الشيوعي وحلفاءه في العالم العربي كانوا هم اعداءنا».

احتكاكات وشكوك .. لا تلغي جوهر الحلف

* واستمر هذا الحلف، رغم بعض الاحتكاكات العابرة بين الاخوان والنظام، والتي كان من جرائها سجن المراقب العام المخضرم محمد عبد الرحمن خليفة (ابو ماجد) اكثر من مرة، خليفة الذي تولى موقع المراقب بعد الثري الاردني عبد اللطيف ابوقورة صاحب المواقف الحادة ضد الوجود الانجليزي في الاردن، (الخليفة) محمد خليفة كان يشد الحبل ويرخيه من النظام، كان يشد اذا رأى ان الحكومة تسير في غير اتجاه أهداف الاخوان الرئيسية المتمثلة بتطبيق الشريعة الاسلامية وفرض الحياة الاخلاقية على المجتمع وفق رؤية الاخوان، خصوصا في ما يتعلق بوضع النساء والترفيه والفن والاختلاط التعليمي، بالاضافة لطبيعة العلاقة مع الغرب واسرائيل.

وبعد أشهر قليلة من مساندة الاخوان للملك حسين ضد حركة 57، وبعد تقارب الملك حسين معهم لدرجة انه كان يزور مقر الاخوان ويتبرع لهم، وبعدما حصلت المواجهة وانتصر النظام على الانقلابيين بمساندة الاخوان، حصل احتكاك جديد بين الحكم والاخوان، فقبل المواجهة بقليل وفي نهاية 1957 ومنتصف 1958 قطعت الدول العربية معوناتها عن الاردن، جراء قمع الحركة الناصرية، فتقدمت امريكا وسدت الفجوة بمساعدات عاجلة للاردن، وهو ما عرف بمبدأ (سد الفراغ) الذي تبناه الرئيس الأميركي آيزنهاور، الأمر الذي اثار غضب الاخوان المسلمين، وعارضوا خطوات الحكم الاردني، وسارت مظاهرت اخوانية، فسجن المراقب العام خليفة، ووضع اعضاء آخرون تحت المراقبة. وفي خريف 1959 تم سجن المراقب العام خليفة بعد توزيع منشوارت اخوانية تتهم النظام بتعمد تأخير حل القضية الفلسطينية، وأتلفت الحركة وثائقها خوفا. وسجن المراقب مرة اخرى في صيف 1960 بعد احتجاجات اخوانية على «التساهل الاخلاقي» من قبل الحكومة والذي تمثل بالسماح بتقديم عروض منافية للاخلاق من قبل شركات اجنبية تجسدت في عروض راقصة على الجليد، ونقلت انباء عن اعتقالات للاخوان بتهمة الهجوم على دور السينما واماكن اللهو الاخرى، على غرار ما صنع اخوان مصر، كما يذكر موسى زيد الكيلاني. وصوت عدد من نواب الاخوان ومنهم يوسف العظم نائب معان وعبد المجيد الشريدة نائب اربد، بحجب الثقة عن حكومة وصفي التل سنة 1963 لانها فشلت في تطبيق احكام الاسلام ولانها لم تقم بالجهاد ضد اسرائيل.

بيد ان كل هذه الاحتكاكات، لم تخرم عروة العلاقة والتحالف الكبير، يقول ممدوح العبادي، وهو نائب رئيس مجلس النواب الاردني، واحد السياسيين البارزين من ذوي الخلفيات العلمانية: «انا لا اتفق مع كثير من افكار الاخوان، لكن هم الحزب الوحيد الذي لم يضرب الدولة الاردنية منذ خمسين عاما مضت».

مروان المعشر نائب رئيس مجلس الوزراء والناطق الرسمي باسم الحكومة قال: «في السابق كانت هناك ظروف دولية واقليمية وكان هناك الحرب الباردة وتحالفاتها، وكنا في الاردن ضد المعسكر الشرقي وامتداداته الحزبية والايدلوجية، ومن هنا كانت خصوصية موقع الاخوان المسلمين في الحياة السياسية الاردنية».

أيلول الأسود والإخوان

* هذه العلاقة التاريخية التي اشار اليها العبادي والمعشر عمدها الدم في بعض اللحظات، كما حصل حينما انحاز الاخوان بشكل سياسي، كما يصف البعض موقف الاخوان حينها، الى صف الحكومة في مواجهتها مع الفصائل الفلسطينية المسلحة بقيادة ياسر عرفات في سبتمبر (ايلول) 1970، أو ما عرف بمواجهات ايلول الاسود، هذه المواجهة التي خضعت لقراءات متعددة لاحقا، فمن يرى ان حركة الاخوان في الاردن ليست الا «تعبيرا فلسطينا محضا» كان يرى ان الدافع الرئيسي لموقف الاخوان بالانحياز الى النظام ضد فتح ومن معها، كان بتأثير العناصر الشرق اردنية داخل الحركة الاخوانية، حمية للدولة الاردنية، لكن مراقبا اردنيا مطلعا قال: «لا أعتقد ان موقف الاخوان في ايلول نابع من خلفية اقليمية بقدر ما انه نابع من خلفية سياسية».

ويتابع: «الفدائيون الفلسطينيون كانوا خليطا من البعث والناصريين وحتى الماركسيين، بالاضافة طبعا للعناصر القريبة من فكر الاخوان، ولا ننس خلفية ابو اياد وعرفات وابو جهاد الاخوانية». ويضيف: «الاخوان دخلوا متأخرين على العمل الفدائي في هذه المرحلة، بعدما سبقتهم تلك التيارات، واتفقوا مع فتح على انشاء معسكر اسمه (معسكر الشيوخ) في منطقة الشلالة شمال شرقي مدينة اربد، وكان يشرف عليه من قبل فتح منذر الدجاني، اصبح سفيرا لفلسطين في الجزائر لاحقا، لكن وبعدما اتضح دعم عبد الناصر ونظام صلاح جديد البعثي في سوريا للفدائيين، واتخاذ هذا الدعم وسيلة لشن حرب عملية على النظام اردني نفسه، بدأ الاخوان بالتراجع، لان البعثيين وعبد الناصر اعداء لهم، والملك حسين اقرب لهم، مع الاخذ بالاعتبار انه في تلك الفترة بطش النظام السوري بالاخوان لديه، واشتهرت في هذا الصدد قضية الشيخ حبنكة «الميداني» الذي نكل به البعثيون في سوريا بعد عودته من الحج».

الإخوان لم ينحازوا إلى أحد

* بسام العموش، الاخواني القيادي المعروف في الاردن، والذي خرج بعد خلاف عاصف مع الاخوان سنة 1997، واصبح مستقلا، يقول: «الاخوان لم ينحازوا لطرف ضد طرف في حرب ايلول، بل لزموا الحياد، مع وجود رغبة دفينة بانتصار النظام الاردني، وكان منطقهم في ذلك انها حرب بين المسلمين لا يجوز الخوض فيها، ثم انهم يعتقدون ان ياسر عرفات قد اخل بالاتفاق الضمني الذي ابرمته فتح مع الاخوان في الاردن، والذي يقضي بأن تتعاون فتح مع الاخوان في شن عمليات عسكرية في فلسطين، تتبناها فتح وينفذها عناصر الاخوان انطلاقا من الاردن». ويتابع بسام العموش: «هناك سبب آخر للحياد، فقد كنا نرى، وانا شاهد على تلك اللحظة، ان فتح اعتدت على حق السلطة الاردنية في السيادة على ارضها، وكانوا دولة داخل دولة، واعلنوا عن قيام (جمهورية الوحدات) وهو مخيم فلسطيني في عمان، ورفعوا شعارات من نوع (كل السلطة للمقاومة). والذي اثار قلق الاخوان ايضا، هو الصبغة الماركسية والبعثية على بعض قوى الفدائيين».

ويتذكر الدكتور بسام في هذا الصدد كيف ان عدنان ابو عودة، وكان مستشارا للملك، وهو من اصل فلسطيني، قال في وصف تلك اللحظة حينها: «لم يبق الا القول (كش ملك) للاعلان عن ازاحة العرش الهاشمي عن الحكم!».

ويتابع العموش: «اذكر ان ياسر عرفات استدعى ثلاثة من قيادات الاخوان في الاردن، ومنهم ذيب انيس (نائب سابق في البرلمان عن الزرقاء)، الى جبل الحسين في عمان واخبرهم بنيته القيام بعمل عسكري ضد الملك حسين بحجة ان النظام ضد المقاومة، فرفض الاخوان وتحديدا ذيب انيس ذلك، واعترضوا عليه قائلين: ليس لك حجة في ذلك، وبندقيتنا موجهة من اجل العمل في فلسطين، فغضب عليهم ابو عمار غضبا شديدا». العموش يقول: «لا يوجد اي خلفية اقليمية في موقف الاخوان من حرب ايلول، وليس صحيحا القول بانه موقف صاغه التيار الشرق اردني داخل الحركة، لقد كان موقفا اجماعيا من الاخوان». فايز الطراونة أشار الى انه قد يكون لبعض العناصر الشرق اردنية تاثير في موقف الاخوان من حرب ايلول، لكنه يؤكد على ان «السبب الرئيسي في الموقف الجيد للاخوان اثناء مواجهات ايلول هو شعور الاخوان ان لا بديل لهم سوى النظام الاردني».

تفاعلات أيلول داخل الإخوان

* لكن لحظة ايلول القت بظلالها على تشكلات وتفاعلات الحركة من داخلها. فحسب مراقب اردني، قال: «كان هناك جزء من شباب الحركة الاخوانية، وأغلبهم من اصول فلسطينية، قد رفضوا انضمام الاخوان الى اول حكومة تشكل بعد مواجهة ايلول، وهي الحكومة التي شارك فيها القيادي الاخواني، اسحاق الفرحان وزيرا للتربية، بحجة ان الحكم قد تلوث بالدم الفلسطني».

ويتابع: «الحكم الاردني ثمن للاخوان هذه المشاركة خصوصا أن الفرحان هو اردني من اصل فلسطيني، ولكن الشباب الرافضين اصبحوا لاحقا هم من يطلق عليهم الشيوخ الصقور في الحركة».

لكن ابراهيم غرايبة قال: «لا أعتقد ان سبب اعتراض بعض شباب الحركة، واغلبهم كان يعمل في دول الخليج، ومنهم الدكتور محمد ابو فارس، على الانضمام للحكومة المشكلة بعيد مواجهات ايلول نابع من خلفية مشهد ايلول وصداماته، بل من خلفية ايدولوجية خصوصا ايدولوجية حزب التحرير القائلة بعدم شرعية كل البنى والأطر الحكومية الجاهلية، هذا موقف المعارضين حينها». ويستدرك الغرايبة: «لاحقا وبعد عدة سنوات علق بعض شباب الاخوان انتقادهم لاسحاق الفرحان على مشجب المشاركة في حكومة ايلول». لكن ما هي ملامح هذه الصقورية، ومن هم الحمائم، ثم كيف انعكس الجدل على الهوية الاردنية الاردنية ام الاردنية الفلسطينة على الاخوان؟ وكيف تعاطى الاخوان مع مبدأ المشاركة في الحكومات، وهل صحيح أن حماس هي المحرك الفعلي لحركة الاخوان الاردنيين، وان العناصر القيادية الشرق اردنية هي مجرد واجهات للديكور... هذه الاسئلة هي محور الحلقة القادمة.

(يتبع)


أحاديث في الأصولية والسياسة (2 ـ 5) ـ الإخوان المسلمون في الأردن.. بين مناقير الصقور وأجنحة الحمائم

سميح المعايطة: حركة حماس «ركبت» على الإخوان المسلمين في الأردن * ابراهيم غرايبة: فكرة حماس لها جذور اردنية لكن جماعة مشعل الآن هي الأبزر > محمد ابو فارس وهمام سعيد يحرمان المشاركة في الحكومات الجاهلية لكنهما عضوان في البرلمان «التشريعي»

عمان: مشاري الذايدي
نستعرض في هذه الحلقة من سلسلة «أوراق اردنية في السياسة والاصولية» جناحي الإخوان المسلمين في الأردن، والتساؤلات التي تثار دائما عن هل الاخوان المسلمون في الأردن مقسومون الى جناحين: صقور وحمائم؟ ومن هم الصقور، ومن هم الحمائم؟ وما هي ملامح هذه الصقورية؟ ومن أبرز الشخصيات في كل جناح والفاعلين والمؤثرين فيه، وما القضايا التي يتفقون عليها أو يختلفون حولها؟ ثم كيف انعكس الجدل على الاخوان حول الهوية الاردنية - الاردنية ام الاردنية -الفلسطينية؟ وكيف تعاطى الاخوان مع مبدأ المشاركة في الحكومات؟ وهل صحيح أن حماس هي المحرك الفعلي لحركة الاخوان الاردنيين، وان العناصر القيادية الشرق اردنية هي مجرد واجهات للديكور. أسئلة كثيرة سنعرف الاجابة عنها من قيادات الاخوان المسلمين في الأردن.

من الأشخاص الذين يصنفون صقورا الدكتور همام سعيد، وهو نائب المراقب العام للاخوان حاليا، زرته في مكتبه بجوار المستشفى الاسلامي، أحد أبرز مؤسسات الاخوان الاقتصادية والاجتماعية في عمان، وكان فيما سألته، رأيه في وجود جماعات عنف وتكفير اسلامية، والتصور السائد انها خرجت من عباءة الاخوان المسلمين ومن افكار الرمز الاخواني سيد قطب حول الحاكمية والعزلة الشعورية والجاهلية.. الخ، فقال لي: «قبل الجواب، يجب ان تعرف ان الانظمة العربية هي التي تخلت عن الاسلام كنظام حكم، هذه حقيقة يجب ان نقر بها». ويتابع: «ليس العتب على الاخوان لأنهم تناولوا مفهوم الحاكمية، بل اللوم على الانظمة العربية لانها لم تطبق الاسلام».

فسألته عن الاتهام الموجه للاخوان المسلمين بأنهم هم عرابو تسييس الاسلام، من اجل مبارزة خصومهم السياسيين به، من انظمة حكم أو قوى معارضة مخالفة للفكر الاخواني، فقال وهو يبتسم: «لسنا أول من سيس الاسلام، هل تريد ان اقول لك من أول من سيس الاسلام؟ انه محمد بن عبد الله ، نبي الاسلام، الذي جاء بنظام حكم اسلامي».

فسألته هل تعترف بالدولة القطرية الحديثة، وهل تعتبر حدودها هي المنتهى الذي يعمل في اطاره، وكيف توفق بين طرح الاخوان الاممي ومتطلبات كونكم حركة تنتمي الى قطر معين وتلتزم بقوانينه؟ فقال: «الدولة القطرية (مرض) وليست امرا سليما»، واضاف: «الاجنبي هو الذي صنع الحدود ورسمها ويجب ان تزول هذه الحالة الطارئة، ونحن بهذا الطرح نمثل ضمير الامة».

وماذا عن عملية العقبة التي وقعت في اغسطس الماضي، والتي تم فيها اطلاق صواريخ كاتيوشا على ميناء العقبة واهداف اخرى تسببت بقتل جندي اردني، وقبض بعدها على اشخاص سوريين ومصريين وعراقيين على خلفية العملية، واتهمت السلطات الأردنية الاخواني السوري محمد السهلي، المقيم على اراضيها منذ اكثر من عقدين بالوقوف خلف العملية، واستدعت نائب مراقب الاخوان السوريين للحديث معه بهذا الشأن في منتصف سبتمبر الماضي.

سألته عن هذا، خصوصا بعدما تم انتقاد موقف الاخوان الأردنيين بسبب ما اعتبره بعض الكتاب الأردنيين رخاوة في النقد، وتهميشا للقضية تمثل في «حشر» خبر الهجوم في مكان قصي من صحيفة السبيل الاسبوعية المعبرة عن اخوان الأردن، فقال الدكتور همام سعيد: «لن نبكي على اي مصلحة اميركية او يهودية تضرب، ولا نريد نفوذا اميركيا او يهوديا في بلادنا»، لكنه استدرك: «قتل مواطن اردني او الحاق الضرر ببلدة من بلداتنا، أمر مرفوض من قبلنا».

قد تبدو هذه الاراء متشددة لدى البعض، ومختلفة بشكل كبير مع السياسة الأردنية من الباب الى المحراب، غير أن هذه الآراء لم تمنع الدكتور او «الصقر» همام سعيد من ان يتحلى ببراغماتية الاخوان المعهودة، وأن يشارك في اللعبة السياسية وفق متطلباتها، فهو قد دخل البرلمان في العام 1989 مع رفيقه، الصقر الآخر الدكتور محمد ابو فارس، كما دخل برلمان 1993، ولم يدخل برلمان 1997 بسبب قرار المقاطعة الذي اتخذته جماعة الاخوان، وكان همام وابو فارس من الداعمين له، بسبب موقفهم من قانون الصوت الواحد، رغم ان هذا القانون صدر سنة 1993.

حدثني الدكتور همام، أن والده «الحاج عبد الرحيم» كان شيخا ايضا، وله نهم في تحصيل العلوم الدينية، منذ ان كان في منطقة جنين في فلسطين، وله قصة غريبة وقعت سنة 1936، يخبر همام أن والده كان هو المتدين في عائلته، وكان يرتاد مجالس الشيوخ مثل عز الدين القسام، وكان على علاقة تلمذة به، القسام قتل في احراش يعبد سنة 1935، وبعدها بسنة كان عمر الحاج عبد الرحيم 18 سنة، قرر ان يهاجر من قريته الى مكة لطلب العلم الشرعي، فهاجر دون علم اهله، وخرج مع الفجر حافي القدمين لا يحمل مالا، باتجاه مكة التي وصل اليها برفقة قافلة من عرب الحويطات، ومكث في مكة بضع سنوات وكان في رفقة الشيخ عبد العزيز بن باز، مفتي السعودية السابق، وكان صاحبا للشيخ ابن باز صديقا ورفيقا، بحكم تقارب السن، ودرس الحديث على يد الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة في مكة، وعلى عدد من العلماء، ثم رافق الشيخ ابن باز الى مدينة الخرج جنوب العاصمة الرياض، التي عين فيها بن باز قاضيا، ومكث زمنا هناك وكان، حسب رواية الدكتور همام، من أوائل من اهتم بتخريج الحديث الصحيح في جو علمي متعود على المذهب الحنبلي، يقول همام: «كان والدي يسأل الشيخ ابن باز: يا شيخ ما درجة هذا الحديث يا شيخ... مما أثار عناية الشيخ بن باز في هذه المسألة، مسألة الاحاديث وتصحيحها».

الصقر الثاني البارز هو الدكتور محمد ابو فارس، وقد وصل الى برلمان 2003 الحالي، بعدما اصدر الاخوان قرارا بمنع اعضاء المكتب التنفيذي من الجمع بين العملين: النيابة وتنفيذية الاخوان، مما حرم الدكتور همام سعيد من الترشح، فدفع بنظيره الشيخ ابو فارس. وقد اصبح عضوا في اللجنة القانونية في المجلس. وقد اشتهر مع رفيقه همام سعيد، منذ فترة مبكرة، بتحريم المشاركة في الحكومات وتولي الوزراة، لانها أنظمة جاهلية لا تحكم بالشريعة.

ابراهيم غرايبة، الباحث والاخواني السابق، يرى ان موقف ابو فارس وهمام الرافض لمبدأ المشاركة في الحكومات نابع من تاثير افكار حزب التحرير الذي تاسس على يد الشيخ الفلسطيني الأردني النبهاني في الخمسينيات. ويوافق غرايبة الرأي سميح المعايطة، الصحافي والباحث الأردني، مشيرا في هذا الصدد الى كتاب محمد ابو فارس «المشاركة في الوزارة في الأنظمة الجاهلية».

وبسؤال همام سعيد: هل لاتزال على رأيك في تحريم المشاركة في الحكومات؟ فقال: نعم ما زلت أحرم المشاركة في الحكومات من منطلق مفهوم الحاكمية، ولأن المشاركة في هذه الحكومات الجاهلية يعني اقرارا لهذا المحذور.

هذا الموقف الصارم من المشاركة في الحكومة تأثر بصياغة سيد قطب لمفهوم الحاكمية، تصلب اكثر وتعزز بعد توقيع معاهدة وادي عربة للسلام بين الأردن واسرائيل سنة 1994، فانضاف للموقف العقائدي، تبرير سياسي هو الامتناع عن تشريع هذه المعاهدة من خلال المشاركة في وزارات ما بعد وادي عربة.

لكنه لم يكن موقفا اجماعيا، فمثلا الدكتور عمر الاشقر الذي يمثل ثقلا علميا شرعيا موازيا للصقرين سعيد وابو فارس، اي انه «شيخ»، ومع ذلك فقد كان له موقف مرن من الناحة الفقهية حول المشاركة في الوزارة، ثم ان الدكتور اسحاق الفرحان احد رموز الحمائم داخل الجماعة، ومن اقدم من شارك في الحكومات الأردنية حيث عين وزيراً للتربية والتعليم ووزيراً للأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية في وزارة وصفي التل عام 1970، ثم وزيراً للتربية والأوقاف كذلك في وزراتي احمد اللوزي 1971 و1972، ووزيراً للأوقاف والشؤون الإسلامية في وزارة زيد الرفاعي 1973. الفرحان كان له موقف ناقد من تصلب الصقور ورفضهم لمبدأ المشاركة، واستغرب في مداخلة مكتوبة نشرها سميح المعايطة في بحثه (التجربة السياسية للحركة الاسلامية في الأردن)، ان يرفض البعض المشاركة في الحكومة بحجة مبدأ الحاكمية ثم يقبل في نفس الوقت المشاركة في البرلمان، فالحكومة هي سلطة تنفيذية والبرلمان هو سلطة تشريعية وعليه فـ«المشاركة في البرلمان اكثر خطورة، لان مهمة البرلمان وضع التشريعات والقوانين في حين ان دور السلطة التنفيذية تطبيق هذه التشريعات» كما قال الفرحان. وقد استمر الجدل وما زال...

لكن هناك آراء مخالفة خرجت من داخل الجماعة وتجسدت على شكل مواقف عملية ادت في بعض الاحيان الى حالات اقالة وإخراج من الجماعة.

الدكتور بسام العموش، قيادي سابق في الجماعة، كان له موقف حاد من رفض الجماعة المشاركة في انتخابات 1997 النيابية، حيث صدر لهم حينها بيان شهير ومطول برروا فيه اسباب المنع، وخلاصتها رفض قانون الصوت الواحد الذي رأوا فيه انه يهدف الى تحجيم وجودهم في البرلمان، وعدم منحهم الفرصة لاثبات وجودهم الحقيقي. الذي تجلى في انتخابات 1989، التي جاءت بعد استئناف الحياة البرلمانية المتعطلة منذ 1967. لكن تمرد على ذلك المنع النائب عبد الله العكايلة ونزل للانتخابات في مدينة الطفيلة جنوب الأردن وفاز، لكنه فصل من الجماعة، كما هاجم بسام العموش موقف الرفض، وانتقد بيان الاخوان علنا في الاعلام الأردني، ومنه جريدة الرأي الأردنية أوسع الصحف المحلية انتشارا، الامر الذي ادى الى خروجه من عضوية الاخوان التنظيمية.

يقول بسام العموش: «هم الذين فصلوني، وقد اختلفت معهم في مقاطعة عام 97 لانني ضد التقوقع، ولأنني خفت من تصادم الحركة الاسلامية بالنظام الأردني». ويضيف: «حركة الاخوان في الأردن ليست انقلابية ولا تريد الانقضاض على النظام، فلماذا المقاطعة والخروج من المشاركة في الحياة السياسية؟!».

سميح المعايطة قال: «انا كنت ضد المقاطعة، لكن العموش كان اكثر حدة في النقد، فعوقبت انا بتجميد عضويتي لمدة عام، وهو بالفصل من الجماعة». العموش شارك في حكومة عبد السلام المجالي في ذلك الوقت، محققا اختلافين مع صقور الاخوان، وليس اختلافا واحدا: الأول رفض مقاطعة الانتخابات، والثاني المشاركة في الحكومة. حيث دخل وزارة المجالي في فبراير 1998، بعد التعديل الذي جرى عليها، وزيرا للتنمية الإدارية. وفي اغسطس من تلك السنة شكل فايز الطراونة حكومته فدخلها العموش وزيرا دولة للشؤون البرلمانية ووزيرا للتنمية الإدارية. وتقلد بعد ذلك عدة مواقع في العمل الحكومي داخليا وخارجيا.

العموش ليس الخارج الوحيد على الجماعة او على حزب جبهة العمل الاسلامي، الذراع السياسي للاخوان داخل المعترك السياسي في ديسمبر 1992 وكون كتلة خاصة به داخل البرلمان.

فهناك خارجون آخرون اختلفوا مع خط الجماعة الحركي مواقفها السياسية، ومع ان بسام العموش يقول في وصف موقفه الحالي: «خلافي مع جماعة الاخوان خلاف اداري وتحديد مواقف، وليس خلافا في الخطوط الفكرية الاساسية». الا أن اللافت هو تكون حزب جديد يضم لونا مختلفا للعمل السياسي الاسلامي في الأردن، وهو حزب الوسط الذي اعلن عن نفسه عام 2001. وقد وصف من قبل البعض بأنه يمثل اخوان «السلط» وهي حاضرة امارة شرق الأردن القديمة.

وكان بسام العموش عضو لجنته التحضيرية صرح حينها بأنه «في حال ظهور ظروف سياسية دقيقة وشعور الناس بالإحباط فإن إنشاء حزب وطني يعتمد الإسلام منطلقا يمكن أن يكون فكرة».

لكن العموش، لم يرض عن التجربة لاحقا، وقال لي، بعد مرور حوالي اربع سنوات على الاعلان عن حزب الوسط الاسلامي (الوطني): «انا الآن مستقل تماما، وامارس العمل السياسي خارج اطار اي حزب، ولن انتمي الى أي حزب حتى اجد حزبا مبنيا من جديد على اسس جديدة عن الموجود». حزب الوسط تم النظر اليه من بعض المراقبين بأنه محاولة من الجيل الاخواني الاردني الجديد لاضفاء طابع محلي اردني اكثر على الحركة المتهمة بالمبالغة في الفلسطينية.

اللافت للانتباه في الحديث عن حزب الوسط هذا، هو الاشارة للبعد (الوطني)، وذلك ما كان من نقاط الخلاف الكثيرة بين تيار بسام العموش وفكر الجماعة العتيد، وخصوصا تيار الصقور مثل همام سعيد ومحمد ابو فارس الذي يقول عنهما بسام العموش إنهما من «معيقات التطور في حركة الاخوان».

ويقول: «لا ادري كيف لايرى همام سعيد او ابو فارس شرعية النظام وهم يحظون بفوائد هذا النظام السياسي كله، ومنها الحصانة البرلمانية للنائب».

ابراهيم غرايبة يقول: «همام سعيد متقلب، اذ كيف يؤيد فكر سيد قطب وموقفه المعروف من المشاركة في الانظمة الجاهلية والتشريعا لها، ثم يشارك في البرلمان؟!».

الحديث عن مفهوم الجاهلية، وفق الرؤية القطبية، ومنتجات هذه الجاهلية في التشكيلات السياسية ومنها الدولة القطرية، يقودنا الى السؤال عن طبيعة حركة الاخوان الأردنية: هل هي حركة وطنية اردنية مربوطة بقوانين البلد، ام هي حركة فلسطينية ترتبط بالمجال الفلسطيني بسبب مكانة القضية الفلسطينية الجوهرية في تفكير الاخوان السياسي من جهة، ومن جهة اخرى بسبب غلبة العنصر الفلسطيني على حركة الاخوان، خصوصا بعد دخول حركة «حماس» الفلسطينية على الخط؟. همام سعيد حينما سألته عن كيفية توفيق الاخوان بين مواقفهم المتماهية مع حماس والداعمة لها ومواقفهم الاخرى المتعلقة بالسياسة الخارجية المتضادة مع مصلحة الدولة الأردنية قال: «هل المطلوب ان نتوقف عن التعبير عن رأينا بسبب موضوع السيادة هذا؟!». وأضاف: «كل الانظمة العربية تعترف بالخضوع للضغط الاميركي، فلماذا يريدوننا ان نخضع مثلهم، هل نحن نعاج؟!». ولكن انتم كجماعة تتصادمون مع سياسة الأردن العليا، خصوصا بعد احتضان الجماعة لحماس؟ هكذا سألت همام سعيد، فقال: «الجميع يتدخل في امر الجميع، والدولة الأردنية تدرب الشرطة العراقية، وهذا تدخل، والسعودية تدخلت في امر العراق والكويت سنة 1991، فلماذا لا نتدخل نحن في امر القضية الفلسطينية؟!». ويضيف: «تدخلنا في قضية فلسطين مشروع». وتابع (بالعامية): «القرآن يأمرنا بالتدخل في موضوع فلسطين مش بس حماس». وقال علي ابو السكر، النائب الاخواني في البرلمان الحالي، وهو اردني من اصل فلسطيني مثل همام سعيد: «نحن قانونيا وتنظيميا حركة أردنية، لكن قطعا القضية الفلسطينية تحتل مكانا مركزيا في عمل الجماعة»، ويتابع: «القضية الفلسطينية لها خصوصية لدى اخوان الأردن بسبب الديموغرافيا والجغرافيا والدين».

ويرفض ابو السكر ثنائية: أردني ـ أردني، وأردني ـ فلسطيني، والتي يعتبرها بعض المراقبين منعكسة على توجهات القوى والاحزاب الموجودة في الساحة الأردنية، ويعتقد انه يجب ان يحفظ للاخوان انهم هم الوحيدون القادرون على تحقيق الوحدة الوطنية بشكل عملي من خلال انصهار القسمين الرئيسيين في المجتمع في جسم وقيادة الحركة، وقال: «الحركة لا يوجد فيها شرق وغرب الضفة». وينتقد من يدفع باتجاه ان اخوان الأردن هم تعبير فلسطيني او فلسطينيون في الحقيقة اكثر منهم اردنيون، ويقول: «كيف يكون ذلك، ونحن لدينا في المكتب التنفيذي للاخوان، قلب الجماعة النابض، أغلبية من أصول شرق أردنية، والمراقب العام للجماعة هو عبد المجيد ذنيبات من عشائر الكرك المعروفة، وهناك في المكتب التنفيذي احمد الكفاوين وعبد الحميد القضاة واحمد الكوفحي واحمد الزرقان، وكلهم شرق اردنيون، وهم خمسة باضافة الذنيبات، من اصل سبعة اعضاء، وفقط همام سعيد ويحي شقرا هم الأردنيون من اصل فلسطيني، نحن كاخوان لا يوجد تحسس عندنا من هذه الناحية». غير ان سياسيا اردنيا قال: «كل الوجوه الشرق أردنية هم مجرد واجهات لا تملك التاثير الحقيقي، التأثير هو لجماعة حماس».

بسام العموش قال: «حركة حماس الفلسطينية أثرت على اخوان الأردن، بل انها كانت تستولي على مكتسبات الاخوان، واكشتفنا انها كانت تأخذ شباب الاخوان سواء بعلم الاخوان او بعدم علمهم، وتشغلهم لصالحها».

ويتابع: «حماس كانت تحرج شبابنا بذلك، والدولة تعرف ذلك وتغض الطرف، لكن اذا اشتدت الامور تخرج لهم (الكارت الاحمر) بتعبير الرياضيين، وتقول لهم هناك عضو منكم ينتمي لتنظيم غير شرعي».

واستشهد العموش بقضية الناطق الرسمي باسم حماس ابراهيم غوشة الذي ابعدته حكومة عبد الرؤوف الروابدة أواخر 1999 من اراضيها، هو ورئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل، بعدما اغلقت مكاتبها في عمان، وقال العموش: «غوشة كان يعلن عن عمليات حماس العسكرية داخل القدس من عمان». وقال: «حصل جدل داخل حركة الاخوان حول ذلك وكان السؤال المطروح: هل نحن خاضعون للقانون الأردني أم لا؟!».

سميح المعايطة يتفق مع الرأي القائل بوجود نفوذ قوي وأساسي لحماس على حركة الاخوان الأردنية ويقول: «انهم يعملون الآن على ايجاد مراقب عام مقرب لهم ومن هذه الاسماء التي يشتغلون عليها اسم حمزة منصور (ناطق سابق باسم جبهة العمل الاسلامي) وزكي سعد». ويقول المعايطة: «خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس ومعه محمد نزال هما المايسترو الذي يدير تيار حماس داخل الحركة، باعتبار ان الساحة الأردنية هي حديقة خلفية لاخوان فلسطين». ويعتقد سميح المعايطة ان القول بأن حماس قد «ركبت» على تنظيم الاخوان في الأردن هو تعبير صحيح. ابراهيم غرايبة يعتقد ان تيار حماس هو المسيطر الآن، وتكرست هذه السيطرة منذ النصف الاول من التسعينات، بعد ان كانت السيطرة لتيار الصقور ابو فارس وهمام سعيد منذ عام 1979 وحتى 1990.

ويعتقد غرايبة انه لا يوجد خلاف جوهري بين التيارين، بل هو خلاف على النفوذ والتاثير والمصالح فقط. وقال: «كان التيار المسيطر على الاخوان قبل 1970 هو تيار الدكتور اسحاق الفرحان والخطيب وغيرهما، وهم الذين تعاونوا مع منظمة فتح وفتحوا معسكرات تدريب مشتركة تدرب فيها عبد الله عزام وغيره، لكن همام سعيد ومحمد ابو فارس وغيرهما عارضوا هذا التوجه تأثرا بحزب التحرير الذي يرى اولوية اقامة الخلافة على تحرير فلسطين».

علي ابو السكر يعارض القول بهيمنة تيار حماس ويقول: «ليس صحيحا ان حماس استخدمت مقدرات الاخوان في الأردن وسخرتها لخدمة حركتها، فنحن دعمنا القضية العراقية، فهل سيطر العراقيون علينا؟!». ويتابع: «ثم ان حماس اصبحت اكبر بكثير من تتنظيم الاخوان في الأردن، سياسيا وماليا، وامكانياتها تتجاوز امكانيات التنظيم هنا».

سألت ابو السكر: ما الذي جعل حماس بهذه القوة والتمدد، حتى حدث هذا الجدل حول هل ابتلعت حماس اخوان الأردن ام لا؟ فقال: «الذي بنى حماس حقيقة وصعد بها هم الاخوان الذين جاءوا من الكويت عقب حرب الكويت سنة 1991 وأهمهم خالد مشعل».

لكن الخلاف بين حماس الداخل والخارج، كان معروفا، وأصلا فكرة انشاء حركة اخوانية جهادية تعود الى بداية السبعينات وتحمس لها تيار اسحاق الفرحان، وكان هو والشيخ احمد ياسين على هذا الخط، ويرى ابراهيم غرايبة ان وصفي التل رئيس الوزراء الأردني ذا النزعة الشرق اردنية، او (الوطنية) كان من المتحمسين لتقوية الجانب الفلسطيني من الحركة الاخوانية في الأردن حتى يناهض فتح ويخلق توزانا مكافئا، ويستشهد الغرايبة بطبيعة البعثات العلمية الخارجية التي كانت الدولة الأردنية تقوم بها، إذ كان واضحا تركيز وصفي التل على العناصر الاخوانية المنتمية لاصول فلسطينية.

ويتابع غرايبة: «بالنسبة للوجود القريب لحماس وتيار مشعل وغيره، فالحقيقة ان مشعل صعد فجأة ولعبت الاقدار لعبتها بعد ان تم اعتقال موسى ابو مرزوق رئيس المكتب الخارجي في امريكا من سنة 1995 الى 1997، ورحل بعدها للاردن، هذا الغياب مهد الطريق فتقدم مشعل الذي لم يكن على علاقة جيدة بالشيخ ياسين، حتى أن ياسين لما افرج عنه بعد حادثة محاولة اغتيال مشعل من قبل الموساد في سبتمبر 1997، وجاء ياسين للعلاج في عمان، وجاء مشعل للسلام عليه، قالوا له: هذا خالد مشعل، قال: من خالد مشعل، فقالوا له رئيس المكتب السياسي لحماس، قال وما هو المكتب السياسي هذا؟!. لقد كان الشيخ ياسين لا يعترف به».

لكن، وحسب مراقبين اردنيين، فإن الغلبة دانت لحماس او لتيار حماس على الحركة الاخوانية الأردنية، خصوصا مع وجود حالة توأمة بين الحركتين بسبب التاريخ والاحلام والبدايات، واشياء اخرى... هذا هو المشهد حاليا، رغم موقف حكومة الروابدة الصارم من حماس وقياداتها عام 1999، ورغم ازمة طائرة ابراهيم غوشة التي جلبته من قطر دون سابق اخطار في يونيو 2001، ورفض الأردن نزول غوشة على أرضه حتى يتخلى عن صفته التنظيمية في حماس، وهي الخطوة التي خطط لها مشعل في سوريا قبل ذلك لاحراج الأردن كما قال في حوار صحفي. رغم كل هذه المعطيات، بقي النفوذ الحماسي هو الابرز حسب رأي الخبراء الأردنيين، ومنهم ابراهيم غرايبة.

في الحلقة المقبلة نتوقف عند: موقف اخوان الأردن من حرب الخليج وتحرير الكويت سنة 1991، وكيف ولماذا اختلفوا مع اخوان الكويت؟ وماذا كان موقف اخوان مصر؟ وهل غيروا مواقفهم الان؟ ولماذا يصفون علاقتهم مع الحكم الأردني الان بالفتور؟ وهل افتقدوا حرارة الملك حسين في التعامل معهم؟ وكيف يرون علاقة الملك الجديد بهم؟.

واخيرا: الى اين يسير اخوان الأردن؟ وما هو مستقبل علاقتهم بالنظام، وما هو مصير موقعهم في مستقبل الحياة السياسية الأردنية، خصوصا بعد تغير المعادلات السياسية الدولية والاقليمية من عالم الحرب الباردة الى عالم 11 سبتمبر؟


أوراق أردنية في الأصولية والسياسة (3-5): العلاقة بين «الإخوان المسلمين» والملكية الأردنية بعد قدوم ملك وعى على عالم 11 سبتمبر

حرب تحرير الكويت وتصدع الواحدية الإخوانية

عمان: مشاري الذايدي
نستعرض في هذه الحلقة من سلسلة «أوراق أردنية في السياسة والاصولية» موقف الاخوان المسلمين في الأردن من حرب الخليج وتحرير الكويت سنة 1991، وكيف ولماذا اختلفوا مع اخوان الكويت؟ وماذا كان موقف اخوان مصر؟ وهل غيروا مواقفهم الان؟ ولماذا يصفون علاقتهم مع الحكم الأردني الان بالفتور؟ وهل افتقدوا حرارة الملك حسين في التعامل معهم؟ وكيف يروون علاقة الملك الجديد بهم؟.

ونختتم هذه الحلقة بالسؤال إلى اين يسير اخوان الأردن؟، وما هو مستقبل علاقتهم بالنظام، وما هو مصير موقعهم في مستقبل الحياة السياسية الأردنية، خصوصا بعد تغير المعادلات السياسية الدولية والاقليمية من عالم الحرب الباردة الى عالم 11 سبتمبر؟

* الصدع الكبير... حرب الكويت

* الحق ان لحظة غزو صدام للكويت (اغسطس 1990)، تسببت بخلق صدع كبير داخل الجسد الاخواني العام. وكان لموقف اخوان الأردن الرافض بحدة للاستعانة بقوات أميركية من اجل تحرير الكويت، اثرا بالغا في مشهد الخلاف الاخواني حينها.

اسماعيل الشطي، احد رموز اخوان الكويت، ذكر ان موقف اخوان الأردن كان اشد المواقف المتصلبة في رفض الاستعانة بالقوات الاجنبية، وقال: «إنه أشد من مواقف اخوان فلسطين حتى».

همام سعيد، نائب مراقب الاخوان في الأردن يدافع عن مواقف اخوان الأردن الذين نزلوا الى الشارع وقادوا، مع بعض القوى القومية، مظاهرات الشارع الأردني المناهضة لتحرير الكويت على يد التحالف الدولي، التي ذهب بعضها الى حد تأييد صدام حسين نفسه، فيقول: «موقفنا اننا كنا ضد التدخل الأميركي وكنا نعتبره استعمارا جديدا لمنطقتنا، وهذا ما أثبتته الايام». وسألته: ماهو مقترحكم إذن لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي؟ فقال: «كان خيارنا ان تنشأ حركة اسلامية وعربية تطالب برد العدوان عن الكويت».

وذكر علي ابو السكر ان موقفهم حينها كان موجها ضد وجود القوات الاستعمارية في المنطقة وليس تأييد احتلال الكويت. سألته: هل حدث بينكم وبين اخوان الكويت خلاف بسبب ذلك؟ فقال حصل وتناقشنا وهم كان لهم وجهة نظر ونحن كان لنا وجهة نظر». وأضاف: «نحن اجتهدنا في موقفنا من حرب الكويت، ولم نناصر صدام، وموقفنا كان، ولايزال، محقا».

اما بسام العموش، القيادي الاخواني السابق الذي خرج من صفوف الجماعة، فقال: «موقف الاخوان من ازمة الخليج الثانية كان موقفا مرعبا، بسبب الانشقاق الكبير وعدم وجود تصور ورؤية اخوانية واضحة للموقف».

ويتحسر اخوان الكويت من موقف الخذلان والعداء الذي لاقوه من اشقائهم الايدولوجيين، خصوصا موقف اخوان الأردن، وفي هذا السياق يتذكر العضو الاخواني البارز مبارك الدويلة تفاصيل زيارة الوفد الشعبي الكويتي، الذي رأسه احمد السقاف وكان الدويلة عضوا فيه، الى الأردن اثناء الغزو لشرح القضية الكويتية، ويصف الدويلة في لقاء صحافي مع جريدة الشرق القطرية في يوليو 2004، وقد سألته شخصيا عن صحة هذا الحوار فأجاب بالايجاب، يصف الدويلة موقف الاخوان المسلمين بالأردن بأنه كان مخزياً، وعبر يوسف العظم، النائب الاخواني الأردني الشهير، عن ذلك بقوله: لقدم عراقية في أرض الكويت خير من قدم أميركية.

ويؤكد الدويلة ان الموقف الاخواني المنحاز لصدام حسين ضد الكويت، لم يكن مقصورا عليهم، فقد كانت الأردن كلها، بشارعها واحزابها وصحفها وحكومتها في موقف مؤيد لصدام مناوئ للكويت. وحسب مبارك الدويلة كان الاستثناء الوحيد في الأردن هو موقف الأمير حسن ولي العهد حينها الذي بدا أكثر تفهما. لكن اخوان الكويت يبدو انهم آثروا، بعد أن عادت البلد، وطرد الجيش العراقي، آثروا نسيان تلك اللحظة المريرة، وإن كان اسماعيل الشطي قال لي اننا اتخذنا موقفا معارضا لحركة الاخوان الدولية، تمثل بتجميد عضويتنا في التنظيم الدولي للاخوان. إلا أن فلاح المديرس، الباحث الكويتي في تاريخ الحركات السياسية في الكويت والخليج، قال بأن موقف الاخوان الكويتين الرسمي اتسم بالتذبذب في أول الأمر، يقول المديرس: «لا اذكر انه كان لهم موقف يمثل وجهة النظر الرسمية إزاء خذلان اخوان الأردن او غيرهم من فروع الاخوان للقضية الكويتية، فلم يوجد بيان رسمي يعبر عن ذلك الموقف الواضح». لكن اسماعيل الشطي أكد انه شخصيا من ابرز من تصدى بالنقد الحاد للاخوان المسلمين الذين خذلوا الكويت، كما تشهد لذلك مقالاته التي تلت الغزو.

موقف اخوان مصر ممثلا بمرشد الاخوان العام مصطفى مشهور، كان افضل من موقف اخوان الأردن بكثير، حسب اسماعيل الشطي ومبارك الدويلة الذي قال في لقائه مع الشرق القطرية: «الاخوان المسلمون في الأردن كانوا أشد فرق الاخوان عنفاً وخلافاً للاخوان المسلمين في مصر الذين كان موقفهم طيباً، إذ كان مرشدهم مصطفى مشهور أول من أبرق لمؤتمر جدة الشعبي مؤيداً الحق الكويتي وقد قرأ الأخ عبدالرحمن الغنيم هذه البرقية على المؤتمر وكانت واضحة لا لبس فيها ولكن إخوان الأردن كانوا على العكس من ذلك تماماً».

ويشير الباحث الكويتي خليل حيدر خليل في مقال له الى غلو بعض اخوان الأردن في مناصرة صدام، وتناسي الموقف الاخواني التقليدي في معاداة البعث والناصرية، للدرجة التي اتخذ فيها بعض نواب الاخوان في البرلمان من تلقاء انفسهم موقفا متطرفا في ذلك، حتى قال احدهم لصدام في خطبته: اذهب انت وربك فقاتلا، انا معكما مقاتلون. حسبما ينقل حيدر عن نشرة العين الحزبية »العدد 25«.

الجدل تفجر من جديد بعدما اتهم الوزير الكويتي وسفير الكويت في واشنطن اثناء الغزو العراقي في الكويت الشيخ سعود الناصر الصباح، وكانت بداية الشرارة في مقابلة مثيرة نشرت في (الشرق الأوسط) في اكتوبر 2001 قال فيها سعود الناصر موجها نقده اللاذع لبعض رموز الاخوان الكويتيين، تذكرا حادثة حصلت اثناء الغزو في 1990 عندما جاء وفد اهلي الى أميركا، وطلبوا مقابلة السفير، بغرض اقناعه بعدم جواز الاستعانة بالاميركان من اجل تحرير الكويت وان البديل لذلك هو قوات اسلامية، وطلبوا منه خمسين مليون دولار من اجل تمويل حملتهم (الهيئة العالمية لمناصرة الكويت)، وسمى سعود الناصر في مقابلة »الشرق الأوسط« اسماعيل الشطي، ثم لما نشر مذكراته لاحقا في جريدة القبس الكويتية ضم معه طارق السويدان وعبد الله العتيقي، والثلاثة من الاخوان، والسويدان كان يدرس في أميركا، يقول سعود الناصر عن هذه المقابلة: «تلك الحادثة التي لا يمكنني أن انساها (...) وأذكر أنني سألتهما عن البديل المناسب في رأيهما للقوات الاجنبية، فقالا يجب أن نستبدل بها قوات اسلامية. فابتسمت لهذا الهراء».

لكن اسماعيل الشطي وطارق السويدان وعبد الله العتيقي نفوا ذلك، وردوا على سعود الناصر، واتهم من قبل قيادات اخوانية كويتية، لاحقا، مثل محمد البصيري بأنه عدو للاسلاميين.

التشظي الاخواني الذي احدثته رضة حرب الخليج الثانية لم يقتصر على اخوان الكويت والأردن، بل تعداه الى اماكن اخرى، فحينما عقدت جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية التي كان يترأسها عبد الله التركي، مؤتمرا مشهودا عن الجهاد في مكة، حشدت له الجامعة بسعي دؤوب من عبد الله التركي الذي يتمتع بصلات مميزة مع كثير من رموز الحركة الاسلامية في العالم مثل كامل الشريف. لدعم الموقف السعودي حول طرد قوات صدام من الكويت من خلال الاستعانة بقوات اجنبية، كان صدام حسين بالمقابل يحاول كسب رموز الحركة الاسلامية والاخوان المسلمين الى صفه.

وفي هذا الصدد عقد صدام، بالتزأمن مع مؤتمر مكة والذي كان اسمه (المؤتمر الاسلامي الشعبي) ما أسماه هو ايضا بـ(المؤتمر الاسلامي الشعبي)!، ونشرت وكالة الانباء العراقية حينها اسماء اعضاء المجلس التنفيذي لهذا المؤتمر، وكان منهم علي الفقير من الأردن، وعدنان سعد الدين من سوريا، والشيخ عبد الفتاح ابو غدة من سوريا.

الاخير كان من قيادات الاخوان في سوريا، الا انه كان مقيما في السعودية لتدريس العلوم الدينية في جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية، وحينما نشر اسمه كان موجودا في السعودية! الامر الذي حدا بجريدة عكاظ في عددها 16 يناير 1991 (29 جمادى الاخرة 1411هـ) الى طلب رأيه في إدراج اسمه على هذه القائمة، فاستغرب ذلك وكذب وكالة الانباء العراقية، لكن الغريب في نفس الوقت ان الشيخ عبد الفتاح، وهو يملك قيمة وثقلا داخل حركة الاخوان السورية، وكذلك وزنا علميا في الجامعات السعودية، لم يدع الى مؤتمر مكة، فما السبب؟.

ولعل جواب الشيخ ابو غدة لسؤال صحيفة عكاظ عن الحل؟ فقال: «يحلها الله سبحانه بفضله وكرمه، لا يحلها الا الله، ماذا نقول نحن في هذه السياسات التي دوخت العالم». لعل في هذا الجواب ما يكشف عن ضجر وضيق الشيخ من تحديد الموقف.

غمامة حرب الخليج القت بظلالها على غالب المواقف الاخوانية، وكما يذكر استاذ الشريعة والكاتب القطري عبد الحميد الانصاري، فإن موقف اغلب الاسلاميين من حرب الخليج الثانية كان «مخزيا»، وسألته التفصيل فبعث لي بورقة عمل قدمها في ندوة مستجدات الفكر الاسلامي التي عقدتها وزارة الاوقاف في الكويت في مارس 2004 بعنوان (الاتجاهات في مفهوم الجهاد واضطراب المصالح في الفتوى في ظل مصالح الامة) في هذه الورقة يذكر الدكتور الانصاري أن «الحماقة» بلغت ببعض رموز وتيارات الحركة الاسلامية الى حد اعتبار العدوان العراقي الكويتي على الكويت مشروعا في سبيل الجهاد وتوحيد الامة، وانهم استماتوا في اتهام من يشارك في تحرير الكويت بالكفر والارتداد. وينقل عن كتاب الدكتور سعود بن سلمان بن محمد ال سعود في كتابه (أزمة الخليج بين المبادىء والاهواء) من هذه الرموز الاسلامية التي وقفت هذه المواقف «المخزية» على حد تعبير الانصاري، كل من: الشيخ اسعد بيومي التميمي، ونادر التميمي (نائب مفتي الجيش الفلسطيني)، والأردني الدكتور ابراهيم زيد الكيلاني، عميد الشريعة سابقا في الأردن، وعباسي مدني وراشد الغنوشي وحسن الترابي.

لعلنا أسهبنا في استجلاء مظاهر التشقق الاخواني من حرب تحرير الكويت، والغرض وضع موقف الاخوان الأردني في اطاره الواسع، واذا عدنا الى الاطار الأردني البحت، فإننا نتساءل، بعد مرور حوالي 15 سنة على انتهاء حرب تحرير الكويت، وتولي الملك الجديد عبد الله الثاني مقاليد الملك سنة 1999، وهو الملك الذي جاء متحررا من عقد هذه الحرب، ومن كثير من عقد الماضي وظروفه التي حكمت المعادلة السياسية الأردنية الداخلية والخارجية، نتساءل عن ما تغير في علاقة الاخوان بالعرش؟ وهل ظلت معادلة العلاقة بين العرش الهاشمي والاخوان المسلمين سالمة من عوادي التغييرات ورياح السياسة الاقليمية ام انها تأثرت كما تأثر غيرها؟.

همام سعيد، نائب المراقب العام لاخوان الأردن، يقول حينما سألته: ما لذي تغير في علاقتكم بالحكم؟ فقال: «نحن لم نتغير، منذ نشأة الاخوان في 1945 (الموافقة الرسمية على الاخوان تمت في 1946)».

ويتابع: «على من يتعامل معنا ان يستوعبنا كما نحن، ونحن لم نغير مواقفنا، والتغيير ليس في شعاراتنا، التغيير فيمن حولنا، ونحن سنبقى نقول الجهاد في سبيل الله اسمى امانينا».

موسى المعايطة، امين عام حزب اليسار الديموقراطي، يعتقد ان هناك تغيرا طرأ على العلاقة التقليدية بين العرش والاخوان، يقول: «الملك الجديد لم يلتق اي زعيم من زعماء الاخوان بشكل خاص، نعم هناك استثناءات مثل لقاء الملك بعبد المجيد ذنيبات مراقب الاخوان، لكنها جاءت في اطار لقائه بوجهاء محافظة الكرك، وليس في اطار كونه مراقبا للاخوان». ويتابع: «بينما الملك الراحل حسين كان يلتقي بهم بشكل مستمر». ويعتقد علي ابو السكر، النائب الاخواني في البرلمان، ان العلاقة بين الحكم والاخوان الان يمكن وصفها بـ «الفاترة» او «بين بين». ويقول ابو السكر مفسرا عدم حرص الملك الجديد على مقابلة قيادات الاخوان ومراقبهم، عكس الملك الراحل بقوله: «اعتقد ان خبرة الملك العهد الحالي ليست كافية كخبرة العهد الراحل». ويضيف: «الاخوان هم من ثبتوا النظام في لحظات الاهتزاز، نعم كان للاخوان مصالحهم الخاصة في تلك التحالفات، ولكنهم حلفاء للنظام». ويمضي ابو السكر قدما فيقول: «اعتقد ان في الدولة الأردنية من يريد اشعال الفتنة، والحق ان الاخوان هم عامل ضبط». ويحذر النائب الاخواني من فرط التحالف واضعاف الاخوان معتقدا ان اضعاف الاخوان سيؤدي الى بروز العنف و«الفتن»، لأن الناس تريد رؤية مظاهر اسلامية، وهذا ما يوفره وجود وفعالية الحضور الاخواني.

ويلخص ابو السكر الحالة بالقول: «على كل حال النظام لا يستطيع الاستغناء عن الاخوان، ولا الاخوان يستطيعون الاستغناء عن النظام، فالنظام الأردني يريد تقديم نموذج ناجح للتعايش السياسي مع الاسلاميين، والاسلاميون يريدون الحفاظ على النظام من اجل بقائهم».

ويقول ممدوح العبادي، نائب رئيس البرلمان الأردني، وأحد النشطاء السياسيين من ذوي الخلفيات العلمانية: «اعتقد ان علاقة النظام بالاخوان فيها الكثر من الاستقرار، ولا يوجد (كسر عظم) بين النظام والاخوان». ويستشهد العبادي على بقاء تلك العلاقة بلقاء عقده الملك وحضره العبادي مع نواب كتلة جبهة العمل الاسلامي في 9 سبتمبر الماضي.

مروان المعشر، وهو بالاضافة لموقعه نائبا لرئيس الحكومة وناطقا باسمها، هو رئيس الاجندة الوطنية، او تخطيط السياسات الداخلية والخارجية، اشار الى ان الظروف التي حكمت السياسة الأردنية الداخلية وطبيعة العلاقات مع القوى السياسة، قد تغيرت، وبالتالي فان من الطبيعي ان تتغير السياسة التي بنيت على تلك الظروف التي تغيرت. لكن موسى المعايطة يرى أن «شهر العسل» بين الاخوان والحكم الأردني لا يزال قائما بسبب طبيعة العلاقة الخاصة بالحكم، يقول: «الاخوان يراد لهم ان يكونوا صمام امان لكبح جماح السلفية الجهادية والاخوان يقومون بهذا الدور، وهم واعون تماما به». المعايطة، مع ذلك، يعتقد ان العلاقة ليست بنفس الازدهار الماضي. وربما يكون وعي 11 سبتمبر، الذي هيمن على العالم منذ عدة سنوات، هو الوعي الذي يهيمن على ذهنية الحكم الأردني، الذي دائما ما يكون من المبكرين الى شم رياح التغيير قبل غيره، ويملك مرونة عالية في التحرك وتبديل ناقل السرعة في السياسة الأردنية وتوجيه الاشرعة بحسب هبوب الرياح، ومن هنا فإن الخطر الذي كان في الماضي ياتي من اليسار، اصبح في الحاضر يأتي من اليمين، ومن المؤكد ان الاخوان يقعون في مربع اليمين، الذي كان دوما هو الغانم من حالة العداء بين العرش واليسار.. هكذا تبدو مواقع المسافات الان بين حضن الحكم وعصافير الاخوان.

السؤال: هل انتهى الحلف العميق بين العرش الهاشمي والاخوان المسلمين، هذا الحلف الذي مر بمحطات خطيرة منذ حركة الناصريين وسليمان النابلسي في 1957، ضد الملك حسين، واصطفاف الاخوان الى جنب النظام، ومنذ حرب ايلول الاسود مع الفدائيين الفلسطنيين والحياد، الذي يشبه الانحياز، الى صف النظام، ومحطات اخرى، فهل تغيرت الرياح، واصبحت رياح السياسة الاقليمية لا تأتي على ما تشتهي السفن الاخوانية؟، البعض يقول ذلك، واخرون يرون انها الآن «في الثلاجة» وليست ميتة، لكنها باردة، كما صارحني قيادي اخواني أردني. هذا عن ماضي العلاقة وحاضرها بين الاخوان والحكم في الأردن. فماذا عن مستقبل هذه العلاقة؟! والى أين يسير اخوان الأردن؟

موسى المعايطة، يعتقد انه قد بولغ في تقدير حجم الاخوان، مع ان لهم قوة حقيقية على الارض، اتت، كما يرى المعايطة، بسبب تعثر الانظمة العربية التقدمية وانحباس الديمقراطية في العالم العربي عن الجميع، يمينا ويسارا، كل ذلك يوفر بيئة لنمو الاسلاميين بسبب غياب الثقافة الحقيقية. وفي تقدير المعايطة انه لو اجريت انتخابات حقيقية فإن حصة الاخوان لن تتجاوز 25 في المائة.

علي أبو السكر نائب الاخوان يذهب في اتجاه معاكس، ويعتقد أن الاخوان هم الحزب الحقيقي في البلد، وانهم الوحيدون الذين يتحركون وفق رؤية معينة، من خلال كتلة نواب جبهة العمل الاسلامي.

ويقول: «عدم وجود قوى سياسية اخرى في البرلمان هو الذي جعل نواب الحركة الاسلامية هم الاعلى صوتا، لأن اغلبية النواب المتبقين هم نواب خدمات، بسبب قانون الصوت الواحد». قانون الصوت الواحد الذي اشار اليه ابو السكر، والذي يعتقد الاخوان انه يهدف الى تحجيم وجود الاخوان وتمثيلهم بشكل حقيقي، كما في بيان المقاطعة الشهير الذي اصدروه سنة 1997 لتفسير مقاطعتهم الانتخابات النيابية، هذا القانون لم يقتصر رفضه على الاخوان، فتقريبا اغلب القوى السياسية تقف منه موقفا سلبيا.

قانون الصوات الواحد الذي يخصص لكل ناخب صوتا واحدا يذهب لمرشح واحد في دائرته الانتخابية، وعدم تشريع التصويت للقائمة، يعرقل وصول النائب المسيس وبالتالي، يقل مستوى النائب واداؤه السياسي، لانه لا يصل من خلال هذا القانون الا مرشحان على اسس عشائرية او قروية بحتة، او كما قال احد الساسة الأردنيين «نواب مخاتير». هذا هو التقويم العام الذي سمعته من جل الصحافيين والسياسيين الأردنيين الذين سألتهم رأيهم عن قانون الصوت الواحد.

يقول الكاتب الأردني ناهض حتر في مقالة له نشرها في جريدة العرب اليوم الأردنية بتاريخ 21 فبراير 2001: «الحركة الاسلامية تريد قانونا يترجم، ولو نسبيا، قوتها على الارض برلمانيا، النخب الأردنية تريد الحفاظ على الطابع الأردني للبرلمان، وهي تتأرجح بين القانون الحالي وبين تعديلات تحسن فرص بعض العائلات والشخصيات... الخ، بينما النخب الأردنية من اصل فلسطيني تريد من القانون الانتخابي (انصافها)، وهكذا، فإن كل اقتراح للقانون الانتخابي الذي نريد يمكن فحصه لاكتشاف الضمير المستتر (نحن!)». إذن فمستقبل الاخوان السياسي مرهون، الى حد كبير، بتعديل قانون الانتخابات حتى يتيح مجالا اكبر للتمثيل السياسي وعدم تفصيله على قائمة مرشح العشيرة أو القرية فقط.

لكن المخاوف من الغاء قانون الصوت الواحد، ليس بسبب التوجس من تضخم الاخوان على حساب غيرهم، بل بسبب الحذر من الاخلال بالتركيبة السكانية، باعتبار ان الأردنيين من اصل فلسطيني يشكلون خمسين بالمائة او ستين بالمائة او اقل قليلا او اكثر قليلا، المسألة لم تحسم، وهذا ما يحقق عمليا نظرية: الوطن البديل كما يقول موسى المعايطة... والى حين حل هذه الاشكالية فان هناك العديد من المقترحات للمزج بين فوائد قانون الصوت الواحد وقانون القائمة الانتخابية، وهذه القضية تعتبر موطن جدل ونقاش كبير بين القوى السياسية الأردنية، من طرف وبين الحكومة من طرف اخر.

مروان المعشر يقول: «نحن في الاجندة الوطنية معنيون بإنعاش الحياة السياسية، ومنح القوى الاخرى مكانا، من خلال تعديل قانون الصوت الواحد، وقانون الاحزاب، وبالنسبة لقانون الصوت الواحد فاننا سنذهب باتجاه قانون مختلط بين الصوت الواحد والقائمة النسبية، من اجل اعطاء (كوتا) للاحزاب الاخرى». ويضيف: «هذا هو التوجه في الاجندة الوطنية، وفي الدولة الأردنية بشكل عام».

لكن الاهم هو مستقبل التطور والحراك داخل الرؤية الاخوانية، السياسية والاجتماعية، خصوصا ان من مطالب الاخوان الاساسية ضبط الاخلاق وفق معايير دينية، ومن ذلك اعتراضهم المتكرر على الحفلات الغنائية والاختلاط في التعليم... الخ منذ الخمسينات، حتى اليوم، كما في طرح الثقة على حكومة عدنان بدران الحالية، فقد تحدث نواب الاخوان عن مثل هذه المطالب الاخلاقية وتحدثوا عن تطبيق الشريعة، كما يشير موسى معايطة.

ويقول علي ابو السكر: «نحن حزب سياسي ولدينا برنامج، ولانتعالى على الواقع، نحن حركة ضمن الواقع». ويتابع: «اما موضوع الاختلاط في التعليم او الربا في الاقتصاد، فكل ذلك وغيره، ليس الا جزءا صغيرا من برنامجنا السياسي، ومن المستحيل تقزيم كل برنامجنا في مثل هذه الامثلة». ويلفت ابو السكر الى ان من ضمن كتلة الاخوان البرلمانية هناك امرأة هي الدكتورة حياة المسيمي، يقول: «هذا رد عملي على من يشكك بموقفنا». سألته عن رأي الجماعة بشكل صريح في موضوع الاختلاط، مثلا، فقال: «نحن لانفرض على المجتمع شيئا، بل نترك الخيار له، المجتمع هو الذي يختار ذلك (عدم الاختلاط)». وبعيدا عن هذه الامثلة المفصلة، يعتقد بسام العموش القيادي الاخواني السابق، الذي خرج من صفوف الجماعة، ان مشكلة الاخوان، ان جل تفكيرهم هو اممي وليس وطنيا، وقال: «انا من دعاة ان يستولي الهم المحلي على 70 في المائة من الشغل السياسي والحراك على الارض، ولكن الواقع ان الاخوان في الأردن لا يشتغلون على الشأن المحلي الا بما يقارب 10 في المائة، وهذا العشر ربما اغلبها مناكفة للنظام والحكم!». وقال:«على كل حال يجب ان تعلم ان حركة الاخوان هي حركة في المدن وليست في العشائر والعمق الأردني». سألته: هل يمكن حدوث انقلاب داخل الحركة الاخوانية وثورة فكرية؟ فقال: «مايحدث داخل الاخوان ليس انقلابا ولكنه عزوف من بعض الشخصيات دافعه اليأس من الحالة». ويواصل العموش: «مشكلة الاخوان انهم يعرفون كيف يكونون دعوة ولكنهم لايعرفون ابدا كيف يكونون دولة، فكر الدولة غير حاضر ابدا في طريقة تعاطيهم وفهمهم، وهم لايعرفون ابدا عقلية المسؤول عن دولة». وقال: «هناك اوهام كثيرة تكتنف مايطرح الان في الخطاب السياسي الاسلامي، ومن ذلك التعلق الحالم بالدولة العثمانية، مع ان الدولة العثمانية حينما خرجت من بلادنا خلفت لنا تعليما متخلفا وتصحيرا علميا».

سألته اخيرا ماذا تتوقع لمستقبل الاخوان؟ فقال: «امور الاخوان لا تسير في الاتجاه الصحيح، ومنحاها في حالة هبوط، ورغم ذلك اتمنى لهم الخير، كل الخير....».


أوراق أردنية في الأصولية والسياسة (4-5): فتوة حي معصوم الذي تحول إلى عدو أميركا الأول في العراق؟

الزرقاوي والسلفية الجهادية.. الولادة والمراهقة والمسير

عمان: مشاري الذايدي
نستعرض في هذه الحلقة من سلسلة «أوراق أردنية في الأصولية والسياسة»، التيار الاصولي العسكري في الاردن، ونتطرق إلى شخصية ابي مصعب الزرقاوي وحارة الكسارات في حي معصوم، حيث نشأ وتربى هناك، وكيف ينظر له أبناء حارته، وكيف تحول الفتى الهادئ الوديع إلى شخصية دموية. وهل حقيقي أن شخصية الزرقاوي الحقيقية خلقت في السجن. ونتطرق خلال هذه الحلقة إلى هجرة الزرقاوي الثانية لافغانستان، وحقيقة الخلاف الذي نشب بينه وبين أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، ودور سيف العدل في المفاوضات بين الطرفين، وكيف استطاع اقناع الزرقاوي بالتوجه إلى مدينة هيرات، وانشأه معسكرا «جند الشام» الخاص باستقبال المتطوعين من الاردن وسوريا ولبنان والعراق.

ونختتم هذا الجزء بتسليط الضوء على ظاهرة الزرقاوي وهل هي عشائرية ام دينية ام اقتصادية ام سياسية؟ وهل الجهادية السلفية في الاردن انعكاس للوضع في العراق أم أنها نتاج مرحلة افغانستان، وما حجم هذه الجماعة وعلاقتها بالسلفية، وهل هناك صراع سلفي ـ سلفي؟.

لا تستطيع الحديث عن التيار الاصولي العسكري في الاردن، دون ان تتحدث عن شخصية ابي مصعب الزرقاوي، فهما جادتان في مسارب المدينة الاصولية يفضيان الى بعضهما.

حينما ذهبنا الى مدينة الزرقاء، شرق عمان، تلك المدينة الممتدة بشكل افقي، اخذتنا الطرقات المتشابهة، ونحن نسأل السكان عن حارة الكسارات في حي معصوم. نلحظ في وجوه بعض السكان نظرات، ترجمتها: نعرف ماذا تريدون.. تبحثون عن منزل الزرقاوي. وبالفعل كانت هذه وجهتنا، وصلنا الى شارع عماد الدين زنكي في الكسارات بحي معصوم، وقد سميت بالكسارات نسبة الى مصنع لتكسير الحصى وانتاج البحصة في الحارة التي تلتصق بحضن جبل صغير، وبجوراها مقبرة، لاحظت في حارة الزرقاوي ان الطابع الغالب عليها هو المساكن الشعبية، لكنها ليست بحالة سيئة، وكذلك هناك فسحة في الطرقات اضافة الى كثرة المساجد.

وصلنا الى الحارة والى منزل ابو صايل، والد الزرقاوي المتوفى منذ فترة، المنزل بسيط ولكنه أجود من المنازل الاخرى التي بجواره، يوجد فسحة في مقدمة المنزل، وشجيرتان مغروستان أمام الباب، وفوق الباب مصباح نيون، وصولنا كان بعد غروب الشمس. فسألنا صبية يلعبون امام الدار، هل هذا منزل الزرقاوي؟ فقال لنا فتى منهم اسمه حمزة، بدون تردد، ومع ابتسامة: نعم هذا منزله، الفتى كان يلبس ملابس رياضية، ويحلق شعره على الموضة.

واضاف الفتى ومعه رفاقه، وهو يشير الى منزل الحاج ابو صايل الخلايلة: «هذه عائلة طيبة، وهذه الارض كلها كانت ملكا للحاج ابو صايل، وهو الذي باعها على السكان».

سألته: ماذا تتذكر من ابي مصعب الزرقاوي او (الزرقاوي) كما يعرف اختصارا في المدينة؟ فقال: «اهل الحي يقولون انه كان شابا طائشا (أزعر) وله مشاكل كثيرة. لكن نحن منذ ان عرفناه ورأيناه وهو متدين، يذهب الى مسجد الحي، وكان لطيفا معنا». ثم اشار الى منزل قريب، وقال «هذا منزل ابو قدامة، وهو صهر الزرقاوي، زوج اخته، وقد كان يعرج من اصابة في رجله، اما ابو مصعب فلم نره ابدا يعرج او يشكو من شيء في قدمه، كما تقول بعض الاخبار». وبالفعل كان الزرقاوي حتى خروجه من الاردن سنة 1999 صحيح القدمين كما اخبرني الجميع في الاردن.

الشباب كلهم قالوا: الحي هادئ جدا ولا يتغير هذا الهدوء الا اذا جاءت الصحافة لرؤية منزل الزرقاوي.. حتى بائع البقالة الذي في الحي قال ذلك، وقال ايضا: ان عائلة الزرقاوي عائلة طيبة، مؤكدا انه لا يعرف الزرقاوي شخصيا، لكنه يعرف شقيقه عمر (ابو صايل) وهو موظف في بلدية المدينة وانسان عادي.

خرجت من الحي بهذه المشاهدات، وانا اسأل هل يعتبر الزرقاوي (بطلا) لدى بعض السكان هنا على الاقل؟ ماهي صورته بالضبط؟ واثناء الخروج، لمحت وانا في السيارة محل جزارة كتب عليه (ملحمة الخلايلة)، فدفعني الفضول للوقوف امامه، وخرج لي صاحب المحل متسائلا، قلت هل انت من عشيرة الخلايلة؟ فقال نعم. قلت اذن انت من عشيرة الزرقاوي؟ فقال نعم انا منها، ولكن كما تعرف نحن عشيرة كبيرة جدا. فقلت له: مارأيك في الزرقاوي بصراحة؟ فقال: الرجل كان (ازعر) ثم تدين، وانطباع الناس عنه انهم يعتبرونه منهم وهم معجبون بمقاومته للأميركان في العراق، واما الذين يقولون انه يقتل الابرياء او يرتكب الفظائع، فهذا من تشويه اليهود والأميركان لصورته.

ولد احمد فضيل نزال الخلايلة في 30 اكتوبر 1966 في الزرقاء (25 كلم شرق عمان العاصمة) وقد ولد لاسرة محافظة تنتمي الى عشيرة الخلايلة من الخوالدة من بني هليل من بني حسن، كبرى العشائر الاردنية. وقد أثر في شخصيته، لاحقا هذا البعد العشائري، ثم نشأته في مدينة الزرقاء المختلطة ما بين الفلسطينيين والشركس والشيشان، اضافة الى عوائل الجنود الذي كانوا يعسكرون في معسكر الزرقاء للجيش الاردني منذ ايام كلوب باشا.

درس الزرقاوي حتى الصف الثاني ثانوي وكان ذا معدلات مرتفعة، عمل لمدة قصيرة في بلدية الزرقاء في قسم الصيانة. ويبدو ان طموح الزرقاوي الى الجهاد بدأ منذ فترة مبكرة من حياته، فقد تردد على افغانستان منذ أواخر الثمانينات، وغير معروف اللحظة التي تحول فيها الزرقاوي الى شخص متدين وقرر الجهاد في افغانستان، وبحسب مسؤول في الأمن الاردني، فإن السلطات الأمنية تملك ملفا حافلا للزرقاوي حول قضاياه السابقة المتعلقة بالخناقات او السكر.

ولكنه تحول الى شخص وديع خلوق بعد تدينه، كما قال كثيرون، وصورته الثابتة له وهو يتردد على مسجد عبد الله بن عباس، مسجد الحي، ما زالت عالقة في اذهان السكان. في افغانستان، التي ذهب اليها آخر الثمانينات، كان شخصا عاديا غير لافت للنظر، وكان يلقب بلقب ابو محمد الغريب، وذكر شخص سعودي ممن كان يتردد على افغانستان للجهاد في تلك الفترة انه شاهد الزرقاوي في بيشاور، في مضافات العرب، إذ يقول عنه: «كان شخصا صموتا وخلوقا، لم الحظ عليه شيئا معينا». وفي عام 1989 التقى المقدسي بالزرقاوي في بيشاور في بيت ابو الوليد الانصاري، وهناك كما يقول المقدسي عرف فيه شخصا متحرقا للجهاد، هذه الفترة التي يقول عنها الباحث الاردني ابراهيم غرايبة: «اعتقد ان ولادة الجهادية السلفية في الاردن تمت في هذه اللحظة». وعاد الزرقاوي من افغانستان إلى الأردن، كما يقول انصاره بسبب الخلافات او (الفتنة) التي دبت بين قيادات المجاهدين الافغان.

عاد وقد نضجت افكار المقدسي في ذهن التلميذ الزرقاوي، هذه الافكار القائمة على تكفير الحكام والحكومات بسبب تحكيم القوانين الوضعية، وتضليل الجماعات الاسلامية التي تنخرط في اللعبة السياسية، مثل الدخول للبرلمان، وانشأ مع شيخه تنظيم او جماعة التوحيد، التي سميت لاحقا تنظيم بيعة الامام في عام 1994 في مدينة الزرقاء (وسط الأردن) التي تعد معقلاً للتيار السلفي الجهادي، بالاضافة لمدين السلط طبعا، قبل ان يُعتقل في العام نفسه ويُحكم عليه بالسجن 15 عاماً، أمضى منها أربع سنوات واستفاد من عفو ملكي في العام 1999، وغادر الأردن في ذلك العام الى أفغانستان.

رغم ان المقدسي في رسائله، وكذلك انصار السلفية الجهادية، يتهمون السلطات الاردنية بتلفيق تهمة تنظيم بيعة الامام، الا ان مسؤولا اردنيا أمنيا قال: «لقد ضبطنا اسلحة ومتفجرات في منزل المقدسي في تلك القضية، اسلحة مجلوبة من الكويت اثناء فترة الفوضى التي اعقبت خروج الجيش العراقي من الكويت». واضاف: «تبين لنا انه كان لهم خطة لضرب اهداف حيوية واجنبية».

وفي السجن خلقت شخصية الزرقاوي الحقيقية، شخصية الصلب العنيد، كما يصفه ضابط اردني: «لقد كان الرجل جاهلا ومحبا للظهور، ولكنه في نفس الوقت كان صلبا وعنيدا». وهكذا يصفه اتباعه ومحبوه مثل الشيخ جراح قداح.

اثناء المرافعات الشهيرة والمحاكمات المثيرة في عمان في قضية بيعة الامام، كان المقدسي يخطب ويبشر بافكاره حول الحاكمية، وكان الزرقاوي يناكف المحكمة وقاضيها ويصفهم بالكفر. الامر الذي اثار اعجاب بن لادن والظواهري شخصيا، كما يذكر قيادي القاعدة سيف العدل في شهادته عن الزرقاوي.

بل وحتى من كان معه في سجن (سواقة) الشهيرة من السجناء السياسيين الاخرين وبعضهم من الاسلاميين، كان يصفهم والعسكر بالكفر لانهم رضوا بشريعة الطاغوت، كما يذكر ليث شبيلات في أحد احاديثه الصحافية عنه، إذ قال انه قال للملك حسين بعدما خرج بعفو: «لقد وجدت اناسا لايكفرونك انت فقط، بل يكفرون الجميع بما فيهم انا».

ويقول محمد الدويك، المحامي الذي ترافع عن الزرقاوي في قضية بيعة الامام سنة 1994 «توكلت بالدفاع عنه في تلك السنة بعدما اتهم بحيازة قنبلة يدوية ورشاش»، يقول عنه: «كان شابا مؤدبا وخدوما، وكان يعمل في بلدية الزرقاء، وقبل ذلك في محل بنشر»، ويتابع: «اذكر ان يديه كانتا مليئتين بالأوشام».

خرج الزرقاوي اذن سنة 1999 بعفو عام بعد تولي الملك الجديد، ثم ماذا فعل؟ هاجر الى افغانستان مجددا، وتعد هذه الهجرة الى افغانستان هي الهجرة الثانية، بحيث لم يمكث خارج السجن الا بضعة اشهر. يقول المحامي محمد الدويك: «اعتقد انه لم يكن ينوي الخروج لو استطاع العمل هنا، وقد جاءني في مكتبي بعد خروجه وجلس امامي، مرتديا زيا افغانيا، ولم يذكر لي شيئا عن افغانستان، كان حديثا عن الزوجة والاولاد». لكن الزرقاوي خرج، ومكث هناك، وكان على خلاف مع بن لادن والظواهري، وحسبما يذكر ضابط اللجنة الأمنية في القاعدة المصري سيف العدل، فإنه هو الذي استقدم الزرقاوي الى قندهار معقل طالبان وبن لادن، بعدما طلبت منه الحكومة الباكستانية مغادرة أراضيها، وتفاوض سيف العدل معه بخصوص التعاون مع القاعدة، بعد ان رفض الزرقاوي تقديم البيعة لابن لادن، البعض فسر ذلك الخلاف بأن بن لادن رفض تدريس كتب المقدسي على شباب القاعدة، وقد ذكر المقدسي في رسالته الشهيرة الى الزرقاوي ذلك، ثم في مقابلته مع قناة الجزيرة، لكن بيانا نسب الى الزرقاوي، نفى ان يكون قد عرض على قيادة القاعدة تدريس كتب المقدسي.

نجحت مفاوضات سيف العدل، واستطاع الوصول الى حل مع الزرقاوي، واتجه الاخير الى مدينة هيرات غرب افغانستان على الحدود الايرانية، وانشأ هناك معسكرا خاصا بـ «جند الشام» او المتطوعين القادمين من الاردن وسوريا ولبنان والعراق، حيث كان يركز على هذه الجنسيات، وكان معه رفيق دربه، الذي قتل لاحقا في العراق، عبد الهادي دغلس، ووالد زوجته الثانية ياسين جراد، التي تزوجها اثناء معسكر هيرات، وقد ذكر أن صهره الفلسطيني جراد هو من نفذ عملية اغتيال باقر الحكيم الانتحارية.

وبعد هزيمة طالبان انهار معسكر هيرات، ولكن بقيت العصبة التي احاطت بالزرقاوي معه، فدخل الى ايران، ومن ثم تسلل الى كردستان العراق، التي كان قد سبقه اليها احد رموز الحركة الجهادية السلفية في مدينة السلط (رائد خريسات) والذي يمثل مع لؤي الكايد ومحمود النسور ومعتصم درابكة، شخصيات «إلهامية» لمن يريد القتال في العراق من شباب السلط بالدرجة الاولى.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن، هل ظاهرة الزرقاوي نابعة من خلفية دينية محضة، كما قال بعض المهتمين بالتاريخ الاردني، أن جزءا من عشيرة الخلايلة قديم التأثر بالوهابية، وكان كثير من رجالات هذا الجزء من العشيرة لايلبس العقال ولا يشرب الدخان مثلا؟ ام ان هذه الظاهرة بشكل عام نابعة من خلفيات اقتصادية بالدرجة الاولى، ام ان السبب الاول في وجود الظاهرة هو سبب سياسي خارجي يكمن في وضع العراق وفلسطين وقبل ذلك الشيشان وغيرها؟.

بالنسبة للمسألة الوهابية، يقول المؤرخ الاردني احمد عويدي العبادي، وهو ايضا رئيس الحركة الوطنية عن ذلك، ان البعد الوطني القائم على رفض الاجنبي موجود لدى عشائر الاردن منذ الزمن القديم. ويضيف: «قبيلة بني حسن تعود الى الاودميين وهؤلاء يعودون الى الاموريين وكان لهم مملكة عاصمتها بصيرة قرب محافظة الطفيلة جنوب الاردن، هذه الجماعة القديمة ظهر منها الملك (حدد) وقبره معروف لدى بني حسن، هذا الملك قاوم الهجرة اليهودية التي جاءت من اجل الدخول الى بيت المقدس حينما قدموا مع موسى».

ثم ينتقل المؤرخ الاردني الى لحظة من زماننا فيقول: «في عام 1872 و1873، حصلت اول حركة استطيان يهودي في مدينة جرش بالادرن، وكانت مستوطنتان انشيءتا على الضفة الشمالية لنهر الزرقاء، فاحرق بنو حسن المستوطنات وطردوا المستوطنين»، وقال ايضا: «كلوب باشا ادار الجيش الاردني من سنة 1930 الى 1956، وطيلة هذه الفترة كان تجنيد بني حسن ممنوعا في الجيش».

واضاف: «منطلق وطني استطيع ان اقول ان بني حسن قد تأثروا بالدعوة الوهابية، لانهم كانوا يرفضون سلطة الاتراك الاجنبية، فهم لايهمهم كون المحتل مسلما مادام اجنبيا، وكذلك منطلق ديني بحكم العاطفة الدينية، واخيرا بسبب النزوع الى الاستقرار والملل من الغزو».

واشار العبدي الى ماذكره الرحالة السويسري بوركهارت في كتابه (رحالات الى سورية والاراضي المقدسة) الى ان ابناء شرق الاردن قد اعتنقوا الوهابية في مطلع القرن 19 وبوركهارت زار الاردن وتجول في بادية الشام من 1808 الى 1812.

بيد ان اغرب ما أشار اليه المؤرخ العبادي ان هذا السلوك من الزرقاوي، اي سلوك رفض الاجنبي ومقاومته، بالاضافة الى انه منسجم مع الموروث الاجتماعي للزرقاوي، هو ايضا غاية مطلوبة يتمنى كثير من ابناء العشائر الاردنية ان يقوم بمقاومة الاجنبي مثل ابن العشيرة الزرقاوي.

يشار الى ان الزرقاوي ذكر في إحدى رسائله الى اهله حاضا اياهم على الجهاد ومذكرا باصول بني حسن التي تعود الى بيت المقدس، وسبق ان قاتلت الصليبين ايام صلاح الدين. كما يذكر فؤادي حسين في كتابه عن الزرقاوي.

هناك من يرى الموضوع من زواية اخرى وهي زاوية الاختلال الاقتصادي، والفقر، وسوء تخطيط الدولة في التنمية، موفق محادين الكاتب في صحيفة العرب اليوم، المهتم بظاهرة الزرقاوي والجهادية السلفية في الاردن يقول: «مدينة معان الجنوبية، هي مدينة محافظة و عشائرية، لماذا خرج منها شباب من الجهادية السلفية، وحدثت فيها قضية ابو سياف الشلبي امام المسجد الذي ناطح الحكومة عسكريا؟.. انا اقول ان ذلك، راجع من ضمن اسباب اخرى طبعا، الى حرمان اهل معان من الفرص الاقتصادية، فمثلا كثير من الاهالي هناك اقترضوا من البنوك الاردنية من اجل شراء شاحنات للنقل من خط العقبة الى العراق، وجاءت الاموال الاكثر من تجار عمان، فاشتروا شاحنات افضل واكفأ، فتبخرت احلام المقترضين وتورطوا بشاحناتهم وقروضهم».

ويضيف: «يجب عدم اهمال الجانب الاقتصادي في الموضوع، الزرقاء مدينة سيئة التخطيط، ويوجد فيها مستوى فقر عال، وكذلك مستوى جريمة، وكنا نسميها (شيكاغو الاردن)». ويقول: «ان تركز وجود تيار الجهادية السلفية في السلط او معان وهي مدن اردنية صافية، او الزرقاء المختلطة، يحتاج الى دراسة اجتماعية معمقة». ويتابع: «خصوصا ان الزرقاء التي يمتزج فيها الشيشاني بالفلسطيني بالاردني، تقدم نموذجا مميزا في هذا الصدد، وانا اعتقد ان قضية الشيشان سابقة في تجييش العاطفة الجهادية لدى شباب الزرقاء، سابقة على قضية افغانستان، ويكفي ان نعلم أن القائد خطاب الذي قاد حركة المقاتلين العرب في الشيشان عاش في الزرقاء وسط هذا الجو الشيشاني، ولاتنس الجالية الشيشانية في الاردن مع انهم يسكنون وادي السير الا ان جزءا كبيرا منهم كان في الزرقاء».

وهناك من يقدم سببا يكمن في الظروف الاقليمية التي تحيط بالاردن، وحسبما يقول مسؤول اردني أمني فإن الجهادية السلفية في الاردن ليس الا انعكاسا للوضع في العراق، وقبل ذلك هي من نتاج مرحلة افغانستان، اي انه لايوجد سبب داخلي جوهري لوجود هذا التيار.

السؤال المطروح اردنيا هو حجم هذا التيار، خصوصا ان هناك قضايا كثيرة على ملاك الجهادية السلفية او التكفيريين مطروحة امام القضاء، مثل قضية الجيوسي الذي اراد تفجير المخابرات وقتل المدعي العام بتكليف من الزرقاوي، وقضية الفهيقي الذي اراد تفجير مركز الكرامة الحدودي الاردني، وقضية الطحاوي، والرياطي... الخ. وغيرها من القضايا التي للزرقاوي اصبع فيها، بداية من قضية اغتيال الدبلوماسي الأميركي فولي في عمان اكتوبر (تشرين الأول) 2002، الى هجوم العقبة الاخير. يقول ابراهيم غرايبة: «اعتقد ان سبب بروز الزرقاوي هو القضية العراقية، بدليل انه حينما كان في الاردن لم يكن احد يعرفه، وعموما انا اعتقد انها جماعة محدودة، وغير منظمة، والذين اعتقلوا كلهم الى الان على حساب قضايا ارهابية لم يتجاوزوا المائة، نعم يوجد علميات ارهابية، ولكن لا يوجد رابط تنظيمي بينها». وقال مروان المعشر، نائب رئيس الوزارء: «نعم لدينا آراء متشددة لدى الاسلاميين بخصوص العملية السياسية، ولكن هذا شيء مختلف عن الارهابيين». وفي تقدير المسؤول الاردني الأمني فإن أتباع الزرقاوي محدودون جدا، وسبق توقيفهم.

لكن جراح قداح، أحد رموز السلفية الجهادية في الاردن، قال: نحن كثيرون جدا، ولسنا محدودين، نحن بالآلاف. وقال موفق محادين: «لا اعتقد انهم بالقلة التي تصورها السلطات، ولكنني لا اعتقد ايضا انهم بالآلاف، ويمكن قياس حجمهم من خلال الحفلات التي يقيمونها اذا قتل احدهم في العراق، مع الاخذ بالاعتبار انه ليس بالضرورة ان كل الحضور اعضاء في جماعات الجهاد السلفية، ربما كانوا من المتعاطفين».

ماذا عن التسمية لهم بالسلفية، وهل هم الممثلون الاحتكاريون للسلفية في الاردن؟. البعض يفضل اطلاق اسم «الجهادية السلفية» او «الجهادية القتالية» او المقاتلة، لوصف هذا التيار، الحديث النشأة على المسرح الاصولي الاردني الذي استبد به طيلة اكثر من نصف قرن الاخوان المسلمين.

غير ان الاخوان المسلمين لم يكونوا الوحيدين اللاعبين على هذا المسرح، حتى من البدايات، وما قصة العداء الشرس بين حزب التحرير، الذي ترعرع في الاردن على يد الشيخ تقي الدين النبهاني في الخمسينات الماضية، الا مثالا على هذه المزاحمة على المسرح الاسلامي. بل ان السلفية نفسها، التي ينسب اليها تيار السلفية الجهادية، وعلى رأسه الزرقاوي وشيخه ابومحمد المقدسي، ليست في تاريخ وجودها حديثة الولادة، خصوصا اذا ما اتفقنا مع تصوير المؤرخ الاردني للحركة الاسلامية موسى الكيلاني للمناخ السلفي في بلاد الشام، والاردن جزء منها، وأن هذا المناخ تأثر بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وبالدعوات الظاهرية ونزعات اهل الحديث والاثر، والتي تمثلت في شيوخ شاميين مشاهير من امثال جمال الدين القاسمي او الشيخ طاهر الجزائري، والشيخ عبد الرزاق البيطار، لكنهم، وحسب الكيلاني، لم يكونوا يصرحون بالنسبة الى الوهابية او حتى بالاتكاء على نصوص ابن تيمية. لكن هذا المناخ الحذر، زال بعد الحرب العالمية الاولى، وتحديدا بعد زوال الحكم الفيصلي عن سوريا وهزيمة ميسلون، فكان مجيء الشريف عبد الله بن الحسين (الملك عبد الله الاول) الى الاردن تمهيدا لاستعادة سوريا من فرنسا، ولذلك كما يقول الكيلاني استقطب عبد الله بن الحسين رجالات الجهاد من سوريا ولبنان والاردن، وبقايا رجالات الثورة العربية الكبرى، ومنهم بعض المتنورين من تلاميذ الشيخ السلفي طاهر الجزائري. بل إن الشريف عون، عم الحسين بن علي، والد الملك عبد الله الاول، كما يذكر الكيلاني معروف بميوله السلفية، ولم يكن ممن يهتمون بمظاهر التدين الشعبي من تعلق بالقبور او الاولياء، وكذلك الشريف حسين. وكان السلفيون من امثال رشيد رضا وكامل القصاب مع الحسين، كما وفد الى عمان بعدما استقر بها الملك عبد الله الاول، تلاميذ هذا الخط السلفي الاصلاحي من امثال الشيخ محمد الخضر الشنقيطي.

محمد الخضر الشنقيطي له قصة مثيرة مع الملك عبد الله الاول، فقد كان كما السلفيين، ضد التدين الصوفي الشعبي، فقد كان الشنقيطي شديد الحملة على الطريقة الصوفية التجانية، التي كان لها انصار وشيوخ ومريدون كثر. وعندما وفد الى عمان من دمشق احد الخطباء المتحمسين للتجانية، وهو احمد الصابوني، من اجل اجراء مناظرة مع محمد الخضر الشنقيطي حول هذه المسألة ومسائل المعتقد السلفي التقليدية. وبالفعل خطب في الجامع الحسيني، بحضور الملك عبد الله الاول، مهاجما السلفيين، فلما انتهت الصلاة والخطبة دعاه الملك الى قصره وناقشه في افكاره ورد عليه منتصرا لافكار الشيخ الشنقيطي، ولم يمكنه مناظرة محمد الخضر الشنقيطي، ونصحه بالاهتمام بالوعظ في الجوانب الاخلاقية وترك المسائل المثيرة للخلاف.

يذكر الكيلاني ان عبد الله الاول كان ذا ميول سلفية بهذا المعنى السالف، ولكنه لم يقدر على مناهضة بعض الثقافة الشعبية لدى رعيته.

مسألة الحديث عن نشأة تيار سلفي في الاردن ليست بالسهولة المتصورة، اذ ان السلفية وعاء واسع يشمل سلفية الشيخ الالباني وتلميذه محمد ابراهيم شقرة الذي كتب المقدسي ضده وهاجمه، وقال الشيخ شقرة: «سلفيتنا ضد امثال جهيمان العتيبي او المقدسي او الزرقاوي، وقال: «لا المقدسي ولا الزرقاوي من اهل العلم الشرعي». واضاف الشيخ شقرة زعيم السلفيين السلميين او الالبانيين في الاردن: «المقدسي كاد ان يكفرني وسماني مرجئا». جراح قداح هو داعية السلفية الجهادية في الاردن، خصوصا في مدينة السلط ذات الكثافة العشائرية الاردنية، قال حينما سألته عن رأيه في السلفية السلمية والشيخ ابو شقرة وتلاميذ الالباني: «هؤلاء محرفون وليسوا سلفيين، وانا اعتبرهم من المنافقين المخذلين عن طريق الهدى، ومثلهم الاخوان المسلمين». ويضيف جراح الذي يخضع لمراقبة أمنية صارمة من الاجهزة الاردنية الى درجة انه تردد كثيرا في الحديث معي بحجة انه مراقب ومرصود، يضيف قائلا: «انا اعتبر الشيخ ابو مصعب هو المجدد الحقيقي للدين في هذا الزمان، وانا ادعو له دوما بالتوفيق، واتمنى ان يحفظه الله لنا». قلت له: «هل تعتبر ابا محمد المقدسي هو مؤسس او (مجدد) الدعوة الجهادية السلفية في الاردن ام الزرقاوي؟ فقال: «الاثنان مجددان». وسألته عن حقيقة الخلاف الذي ذكر بين المقدسي والزرقاوي، خصوصا بعد الملاحظات التي ذكرها المقدسي صراحة بعد قليل من الافراج عنه، وقالها على شاشة قناة الجزيرة القطرية وخلاصتها نهي الزرقاوي عن استهداف الشيعة او كنائس النصارى، وتركيز المعركة على القوات الأميركية والعراقية، وقبل ذلك رسالته الشهيرة التي ارسلها من سجنه في (قفقفا) فقال: «هذا اختلاف طفيف بين الشيخين في مسائل من فقه الجهاد، وهذا امر عادي ومقبول، ولكن من هم ضد الدعوة الجهادية ارادوا تضخيم المسالة». الى اين تسير الجهادية السلفية في الاردن، وهل باتت الاوراق كلها مكشوفة ؟ يقول المسؤول الاردني الأمني: «كل عناصر القاعدة والزرقاوي في الاردن تحت السيطرة، كلهم مرصودون من قبلنا، وهم قلة كما قلت لك».

لكن هناك من يتحدث عن عناصر تتجند او تتحمس بشكل سريع وتنخرط مع جماعات الزرقاوي بشكل يباغت الاهل، كما حصل مع الشاب نضال عرببات من السلط. ربما اذا توقفت الرياح الداخلية والخارجية، رياح الفكر والثقافة ورياح السياسة والاقتصاد عن الهبوب، تتوقف عندها طواحين القتال ومراوح العنف عن الدوران.


أوراق أردنية في الأصولية والسياسة (5ـ5) ـ إذا عطس العراق لا بد أن يزكم الأردن

لماذا حذر ملك الأردن من الهلال الشيعي؟ وكيف كان رد شيعة العراق؟ وهل نجح الحكيم في تطمين الأردنيين؟

عمان: مشاري الذايدي
نستعرض في هذه الحلقة من سلسلة «أوراق اردنية في الاصولية والسياسة» علاقة الاردن بالعراق، وتأثره به، منذ ايام حلف بغداد ونوري السعيد، وعلاقة العائلة الهاشمية المشتركة إلى هذه اللحظة، وبقاء الاردن رقما مهما في مسرح العراق، وكذلك حجم الوجود والتأثير العراقي على الساحة الاردنية في شتى المجالات، الاقتصادي منها أو الاجتماعي، ومدلولات هذا الحضور. ونتطرق في هذا الجزء إلى اهتمام الاردن باستقرار العراق، وتحذيره من تصاعد النزعة الطائفية، خصوصا بعد الحديث عن التدخل الايراني، والحذر من قيام هلال شيعي، والقلق من قيام حركة دولة أصولية مشرذمة للعراق، ما أدى إلى سوء العلاقة مع إيران. ونختتم هذا الجزء بالسؤال عن الحلم الهاشمي، وهل يطمح الاردن في دور أكبر من مجرد السعي للحفاظ على وحدة العراق وعروبته، ومكافحة النفوذ الايراني، مثل إدارة العراق نفسه وحكمه، خصوصا ان العائلة العراقية الهاشمية المالكة سابقا، هي من نفس اسرة العائلة الأردنية المالكة الحالية.

حينما تجولت في الساحة الهاشمية، وسط العاصمة عمان، عدت بذاكرتي إلى حوالي ثماني سنوات حينما كان العراقيون يملأون الساحة حركة وجلبة، من العجائز بائعات الخردوات أو السجاير على البسطات، إلى العراقيين الذين كانوا يعملون في اكشاك الهاتف ومكاتب الهاتف العمومية... كانوا منقوعين بالتعب... لكن الآن، لم اشاهد تلك المناظر، ليس لأن العراقيين غادروا البلد، على العكس ربما انهم زادوا.

ومن الاحاديث المعتادة التي تسمعها في عمان، الحديث عن الاجتياح العراقي لعمان، هذه المرة انتقلوا من الساحات الشعبية إلى عمان الغربية الراقية، ولعل فندق (رويال عمان) الفخم الباذخ، التابع للملياردير العراقي نظمي اوجي، والمبني على هيئة ملوية سامراء الشهيرة، في احد افخم احياء عمان الغربية شاهد على مدى تأثير المال العراقي المهاجر على الاردن.

علاقة الاردن بالعراق، وتأثره به أيضا، معقدان ومتشابكان، منذ ايام حلف بغداد ونوري السعيد، وعلاقة العائلة الهاشمية المشتركة، الى هذه اللحظة. وبقاء الاردن رقما مهما في مسرح العراق، سواء من خلال توفير الممر الأمن لبشر وتجارة العراق، أو حتى، ويالسخرية القدر، من خلال كون زعيم الارهابيين، كما يسميه اغلب العراقيين، أو المقاتلين كما يسميهم اغلب الاردنيين، من خلال كون زعيم هؤلاء اردنيا صميما هو احمد فضيل نزال الخلايلة، أبو مصعب الزرقاوي، الذي لا برنامج لأي وزير داخلية عراقي يتولى هذه الحقيبة الا الوعد بالقضاء عليه ومن معه. غير ان علاقة الاردن بالعراق، كما هي قدر على العراق... وحاجة. كبرت أو صغرت هذه الحاجة، فهي بالنسبة للاردنيين كذلك.

عبد اللطيف هميم، سياسي عراقي من عرب السنة ويرأس حركة باسم (المؤتمر العام لأهل الأنبار) وهو الامين العام للمؤتمر الشعبي الاسلامي، أجاب حينما سألته: اين تقيم؟: «أقيم في عمان، واعتقد ان الاردن يمثل للعراق عمقا لوجستيا، وكذلك العراق يمثل بالنسبة للاردن». هميم، يعتقد ان ما يجري الآن في العراق ليس في صالح وحدة وعروبة العراق، ولذلك فهو يسعى مع قوى اخرى إلى تكريس وتعزيز عروبة ووحدة العراق. ويعتقد ان الدور العربي الداعم، ومنه دور الاردن، يصب في صالح هذه الوجهة.

هميم ليس الوحيد من العراقيين السياسيين الذين يوجدون في العاصمة الاردنية عمان، فهناك غيره ممن يقيم فيها أو يتردد عليها باستمرار، اياد علاوي، ممن يتردد عليها باستمرار، ويتخدها محطة للعبور في سفراته الخارجية احيانا.

وحازم الشعلان، الذي يتعرض هذه الايام لحملة ملاحقة من السلطات العراقية الحالية بتهم فساد مالي في وزارة الدفاع، يفسرها هو بانه مدبرة من عملاء ايران الذين فضحهم الشعلان، يتردد على عمان بكثرة، وبالمناسبة فالشعلان ليس الوحيد، من خصوم قائمة الائتلاف الشيعي، أو قائمة السيستاني، الذي يلاحق من قبل السلطات العراقية في عهد حكومة ابراهيم الجعفري. فقد أصدرت السلطات القضائية مذكرات اعتقال بحق خمسة وزراء من حكومة إياد علاوي السابقة, بينهم الوزير الشعلان، على خلفية اتهامات باختفاء مليار دولار.

وقال علي اللامي رئيس لجنة الشفافية العامة في العراق، في تصريحات صحافية سابقة: «إن مذكرات الاعتقال تشمل وزراء المواصلات والكهرباء والعمل والإسكان وتضم القائمة 27 مسؤولاً»، موضحا «أن الجمعية الوطنية عقدت اجتماعا لرفع الحصانة عن الشعلان لكنها لم تتمكن من ذلك لعدم توفر النصاب». وتشير التقارير إلى أن أغلب المتهمين غادروا العراق بمن فيهم الشعلان الذي غادر إلى الأردن قبل أن يستقر به المقام في بريطانيا. المفارقة ان حكومة الجعفري، مرشح القائمة الائتلافية للرئاسة، والتي نجح احمد الجلبي من خلالها في العودة للحياة السياسية، الجلبي هو السياسي العراقي المثير للجدل، وصاحب الخصومة العتيدة مع الاردن، وهذه القائمة هي التي انتشلت الجلبي من لحظة تدهور سياسي تمثلت برفع الحماية الاميركية عنه، ومن ثم تحالفه مع السيستاني ومغازلته لايران، ودخل في خصومة مع مجموعة اياد علاوي ووزير دفاعه حازم الشعلان، إلى الدرجة التي قال فيها الشعلان، حينما كان على رأس الوزارة، في 23 يناير 2005، ان وزارتي الداخلية في بلاده والاردن «يتباحثان« في امر تسليم أحمد الجلبي إلى السلطات الاردنية التي تطلب تنفيذ حكم صادر عليه على خلفية قضية انهيار بنك البتراء الاردني الذي كان يديره.

وقال الشعلان لـ«الشرق الأوسط» من العاصمة الاردنية عمان، بأن الحكومة العراقية «ستوافق على تسليم الجلبي إلى السلطات الاردنية كونه في نظر رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وفي نظري السبب الحقيقي في شحن الفتنة الطائفية اذا بقي في العراق». وأكد الشعلان ان الجلبي «هرب إلى مدينة البصرة (جنوب العراق) ولجأ إلى محافظها التابع لفيلق بدر، أحد تنظيمات المجلس الاعلى للثورة الاسلامية، ولكون البصرة قريبة من ايران». لكن دارت الايام، وبسرعة، ليتعلق الداهية احمد الجلبي بحبال المرجعية، ويصبح الطالب، حازم الشعلان، مطلوبا!.

بالعودة إلى حجم الوجود والتأثير العراقي على الساحة الاردنية، نتوقف عند مثل واحد هو الهجرة العراقية. فقد أظهرت دراسة إحصائية صادرة عن دائرة مراقبة الشركات في وزارة الصناعة والتجارة الاردنية، نشرت في اغسطس الماضي، أن المستثمرين العراقيين هم الاكثر تسجيلاً في الشركات عربياً، والصينيين أجنبياً، خلال السبعة اشهر السابقة لشهر اغسطس من هذا العام. وبلغ عدد الشركاء العراقيين المسجلين في الشركات حسب احصائيات دائرة مراقبة الشركات 731 شريكاً، ووصل حجم استثماراتهم 92.2 مليون دينار (129 مليون دولار) وهي الاعلى بين الاستثمارات العربية في الشركات خلال الفترة الماضية من هذا العام تليهم، وبفارق كبير جدا، الاستثمارات المصرية فالسورية ثم الكويتية، و أخيرا الاستثمارات السعودية بواقع 1.2 مليون دينار. يشار إلى ان قيمة الصادرات الأردنية إلى العراق بلغت العام الماضي حوالي 340 مليون دينار. وخلال النصف الاول من العام الحالي بلغت الصادرات الاردنية للعراق 189 مليون دينار (279.4 مليون دولار)، فيما بلغت المستوردات 12 مليون دينار (14.9 مليون دولار). حسب احصائيات اردنية. هذا مثال يتصل بجانب الاستثمار في الشركات الاردنية، لكن وبحسب مراقب عراقي، فإن هناك جوانب أخرى مثل حجم اشغال العراقيين للفنادق، وهو الاعلى، وعمليا فقد تحولت عمان إلى العاصمة الثانية للعراقيين من سياسين ورجال اعمال، فهي بقعة أمنة، وسهلة الحركة. الوجود العراقي في الاردن، وكذلك الحركة على الحدود دخولا وخروجا، بلغت مستويات عالية، ويكفي ان نعلم، مثلا، أن عدد الكلدان العراقيين، وهم الطائفة المسيحية الرئيسية في العراق، وتظل من الطوائف الاقلية، ومع ذلك فقد بلغ عدد افرادها العراقيين في الاردن نحو سبعة آلاف شخص، يزيدون وينقصون حسب من يستقر منهم أو يسافر للهجرة خارج الاردن، وقال النائب البطريركي للطائفة في الاردن: «لقد ازدادت في الفترة الاخيرة اعداد العراقيين من ابناء الطائفة الذين يغادرون العراق بسبب تصاعد وتيرة العنف» فقد وصل الاردن «اكثر من الفي كلداني منذ التفجيرات التي استهدفت الكنائس المسيحية في العراق في عام 2004». كما قال لنشرة ميدل ايست على الإنترنت.

وقال مروان المعشر، نائب رئيس الوزراء، في مؤتمر صحافي عقده في 29 اغسطس الماضي ان نحو 1500 شاحنة وصهريج نفط تدخل الاردن من العراق يومياً، علاوة على ان نحو 5000 عراقي يدخلون الاردن يومياً، إما بسياراتهم الخاصة أو بوسائط النقل العام. وفي 27 سبتمبر الماضي سئل عن عدد العراقيين الموجودين في الاردن، فقال انه ليست هناك احصائيات دقيقة وثابتة حول عددهم، نافيا ان تكون هناك عملية تجنيس لهم. يقول فايز الطراونة رئيس الحكومة الاسبق، ونائب رئيس مجلس الاعيان الاردني حاليا، مفسرا اهتمام الاردن الشديد باستقرار العراق، وتحذيره من تصاعد النزعة الطائفية، خصوصا بعد الحديث عن التدخل الايراني والحذر من قيام هلال شيعي، كما تصريحات الملك عبد الله الثاني الشهيرة في ديسمبر 2004، ان الهلال الشيعي المقصود به هو المعنى السياسي لا الطائفي كما يؤكد الطراونة، و يقول مسلطا الضوء على الجانب الاقتصادي من هذا القلق الاردني من وضع العراق: »تمزق العراق سيؤثر علينا اقتصاديا، وقد أثر اصلا، خصوصا في موضوع النفط الذي كان الاردن يحصل عليها بتسهيلات كبيرة من العراق، مابين منح واسعار تفضيلية، وايضا مسالة تصدير البضائع الاردنية، حيث ان شاحناتنا لا تستطيع العبور بأمان، مثل السابق، فقد اصبحت الطريق بين الاردن وبغداد غير أمنة ابدا». مع الاخذ بالاعتبار ان كثيرا من سائقي الشاحنات الاردنيين تم اختطافهم وتعرضهم للمخاطر الشديدة في العراق للدرجة التي دفعت الحكومة الاردنية، وعلى لسان ناطقتها الرسمية الوزيرة اسمى خضر في 19 اكتوبر 2004 إلى توجيه نصيحة للمواطنين الاردنيين بتفادي العواقب التي يمكن ان تنتج عن التوجه للعراق من دون اسباب ضرورية مثل الاختطاف والاعتداء والاصابة». واضافت «يمكن ان يكون احد اساليب مواجهة هذا الوضع هو عدم التوجه للعراق».

يقول موفق محادين، كاتب وصحافي اردني في جريدة العرب اليوم، معلقا على العلاقة الاقتصادية بين الاردن والعراق: «اذا اردنا الحديث عن اللحظة الحالية، فإن المهاجرين العراقيين في الاردن قد انعشوا الاقتصاد الاردني من خلال نشاطهم في بورصة عمان، والاستثمارات، ولكن هناك جانبا مضرا بالمواطن الاردني جراء هذه الانتعاشة العراقية، وهي ان اسعار العقارات، خصوصا في عمان قد ارتفعت، وكذلك الضغط على الخدمات الاساسية والبنية التحتية من ماء وكهرباء... الخ».

وفي مقارنة بين المغانم الاردنية من العلاقة الاقتصادية بالعراق، يقول: «الدعم النفطي قبل سقوط نظام البعث كان مهما جدا بالنسبة للاردن، الآن خسرت الدولة هذا المورد المهم، بالاضافة طبعا لتعطل أو شبه تعطل حركة الشاحنات الاردنية إلى العراق». ويتابع: «لقد كان تحسن الوضع الاقتصادي في العراق ينعكس دوما بشكل ايجابي على الاردنيين، للدرجة التي يشعر بها كل مواطن اردني تقريبا». ويضيف: «لقد كانت نصف صادرات الاردن من عام 1980ـ1987، أي طيلة فترة الحرب العراقية الايرانية، نصف الصادرات الخارجية هذه تصب في السوق العراقي، حتى تعلم إلى اي مدى كان السوق العراقي مهما وحيويا بالنسبة للاردن، وصادراته التي كانت تتنوع بين المزروعات والمواد الغذائية والسيارات المستوردة، لا تجد صعوبة في التصريف داخل اسواق العراق، وكان ميناء العقبة رئة اقتصادية مهمة، كما كان خط الشاحنات موردا اقتصاديا لسكان الجنوب الاردني، خصوصا مدينة معان». ويتابع: «من هنا نفهم هبة نيسان في معان سنة 1989، أو كما سميت بثورة الخبز، فهي الحصاد المر لتراجع العلاقة الاقتصادية بالعراق».

هناك جوانب اخرى تحكم العلاقة الاردنية العراقية، غير الاقتصاد، وهي عوامل السياسة والتاريخ، والأمن. سياسيا الاردن قلق جديا من قيام حركة دولة اصولية مشرذمة للعراق، ولذلك اطلق ملك الاردن تحذيره الشهير من قيام هلال شيعي، وتحدث ايضا عن تسلل حوالي مليون عنصر ايراني إلى داخل العراق.

مروان المعشر قال: »لم يكن الحديث عن الهلال الشيعي بالمعنى الطائفي ابدا، وانما كان تحذيرا من تقسيم العراق على اساس طائفي، اي انه تحذير من قيام هلال سياسي شيعي، ونحن يهمنا وحدة العراق وعدم تشرذمه طائفيا».

فايز الطروانة قال: »نحن نخاف على استقرار العراق، منطلق سياسي، يكمن في القلق من النفوذ الايراني الملحوظ في جنوب العراق، خصوصا على بعض الشخصيات العراقية، التي تتولى بدورها تسويق هذا النفوذ الايراني على العراقيين، وعلى رأس هذه الشخصيات احمد الجلبي».

لكن هذه التحذيرات الاردنية من النفوذ الايراني، لاقت صدى عنيفا من قبل رموز القوى الشيعية في المشهد السياسي العراقي، فانتقد عبد العزيز الحكيم والمرجع السيستاني تصريحات الملك عبد الله الثاني، واعتبرها البعض طائفية، مذكرا بايواء الاردن لبنات صدام حسين، وكون رئيس هيئة الدفاع عن صدام اردنيا، وفوق هذا كله الزرقاوي عدو الشيعة ورجالات العراق الجديد، وايواء الملك حسين لحسين كامل المجيد مع شقيقه وهما صهرا صدام حسين (في اغسطس 1995) وزاد الطين بلة خبر نشرته صحيفة الغد الاردنية، حديثة النشأة، عن احتفال عائلة رائد البنا، احد اتباع السلفية الجهادية، الذين انضموا لصفوف الزرقاوي في العراق، وقام بعملية انتحارية في الحلة في مارس 2005 حصدت عشرات القتلى والجرحى، الامر الذي اثار غضب الاهالي الشيعة في العراق فقاموا باحراق العلم الاردني في بغداد ومهاجمة السفارة الاردنية، وتصاعدت القضية للدرجة التي تدخل فيها الملك شخصيا وتم تكذيب الخبر، وحوسب الصحافيون والصحيفة، واقيل رئيس تحريرها، وتم التذكير ايضا بأن منفذ عملية اغتيال محمد باقر الحكيم ومعه العشرات بسيارة انتحارية مفخخة، هو ياسين جراد والد زوجة الزرقاوي الثانية، وهو اردني من اصل فلسطيني.

سألت رجل دين عراقيا شيعيا، معتدلا، عن الانطباع في الشارع الشيعي العراقي عن سياسة الاردن ازاء العراق فقال: »الصورة غير محببة، والناس يتذكرون دائما ثلاثة تصريحات هي: الهلال الشيعي، وتسلل مليون ايراني، وتصريح الخوف على عروبة العراق». لكنه عاد وشدد على ان الصورة العامة ايضا عن الارهاب الحاصل في العراق، ليست مرتبطة باشخاص من الجنسية الاردنية، بل يحضر دائما اشخاص سعوديون وسوريون وسودانيون ومن المغرب العربي اكثر من حضور العنصر الاردني، باستثناء الزرقاوي طبعا».

لكن هذه المخاوف من تنامي الدور الايراني وحرس الثورة زاد عربيا، حتى فجرتها السعودية مدوية عبر تصريحات وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل التي رفض فيها التدخل الايراني في العراق، منتقدا أميركا على تسليمها العراق على طبق من ذهب للايرانيين، الامر الذي اثار نقمة عناصر القوى الشيعية الاصولية.

الموقف السعودي لاقى ارتياحا اردنيا، وسمعت احد المراقبين الاردنيين يقول: »لقد عزز السعوديون موقفنا بقوة». وعلى الاثر هرع عمار الحكيم، وارث قوة آل الحكيم القادم بقوة، وابن عبد العزيز الحكيم، إلى عمان وقابل الملك عبد الله الثاني، وحدثني احد الساسة الاردنيين الذين قابلوا الحكيم في عمان ان الاجواء كانت ايجابية، وان الحكيم حاول تخفيف المخاوف الاردنية والسعودية من الشيعة والاحزاب الشيعية.

قال فايز الطراونة: »يبدو ان الحكيم استطاع في زيارته الاخيرة (ترطيب) الاجواء، لكن المشكلة تبقى اعقد، لكننا بكل حال اوصلنا رسالتنا إلى الاضداد العراقيين، اننا لسنا نتحرك من موقع طائفي، بل بسبب هواجس حقيقية تخص وضع الاردن، وتعلق كثير من اوضاعه بضمان استقرار ووحدة العراق». واضاف: «نحن لا نريد ان تكسب ايران منا، ما عجزت عن كسبه اثناء حربها مع العراق، نحن مع العراق بالدرجة الاولى».

مراقب عراقي خبير بالاحزاب والقوى الشيعية قال: »زيارة عمار الحكيم تنسجم مع النهج البراغماتي لخط الحكيم السياسي، ومعلوماتي ان عمارا قال في عمان: هل تحرصون على العروبة؟ نحن المرجعية العربية، فالسيستاني ايراني، واسحاق الفياض، افغاني، والنجفي باكستاني (الاثنان من كبار شيوخ الحوزة في النجف)، ونحن ال الحكيم العرب، فادعمونا».

ويضيف: «لكن وفي المقابل فإن اكثر من استفاد من الغضب الشيعي على الاردن في العراق، هم جماعة الحكيم، وهناك جماعة تطلق على نفسها الحوزة العلمية في النجف، ولا ندري عنها شيئا، درجت منذ فترة على اصدار بيانات تهاجم الاردن بشكل مستمر، وهناك تساؤلات عن دور جماعة الحكيم في الوقوف خلفها». ويتابع: «اعتقد ان هناك طموحا حقيقيا لجماعة الحكيم لإنشاء ما يشبه الامارة الخاصة بهم في جنوب العراق، ويمكن طرق اكثر من باب لبلوغ هذه الغاية».

هل يمكن القول الان ان العلاقة قد تحسنت بين الحكم في الاردن وشيعة العراق؟ خصوصا بعد زيارة رئيس الحكومة عدنان بدران إلى بغداد بشكل خاطف ومفاجئ في 10 سبتمبر الماضي، وقد قال بعد رجوعه من الزيارة: «كنت اخطط لهذا الزيارة منذ وقت طويل، ولكنني اخفيت عزمي عن اعضاء الوفد، لدرجة انني اخبرتهم بها ليل اليوم السابق للزيارة». بدران اثنى على الزيارة ووصفها بالناجحة جدا وقد قابل فيها ابراهيم الجعفري رئيس الحكومة العراقية، وتحدث الطرفان عن العلاقة الودية والحميمة بين الطرفين، على الصعيد الأمني والاقتصادي.

لكن الانتقاد جاء هذه المرة من داخل الاردن وليس من شيعة العراق، فمن المعلوم ان الشارع الاردني بطبيعته مسيس، والجميع يذكر المظاهرة التي انطلقت من الجامع الحسيني وسط المدينة إلى الساحة الهاشمية تنديدا باسرائيل بسبب مجزرة قانا في جنوب لبنان. وبطبيعته الشارع الاردني أيضا لديه ميول قومية أو اسلامية. ولذلك نجد الاخواني الكويتي مبارك الدويلة عضو الوفد الشعبي الكويتي الذي زار الاردن اثناء غزو صدام للكويت من اجل دعم القضية الكويتية، يتحدث بمرارة عن ان الاردن كله بشارعه وبصحافته وحكومته وقفوا ضد الهم الكويتي ومع الهتاف لصدام، أو الاكتفاء بمهاجمة أميركا، وتهميش القضية الكويتية.

هذه الزيارة التي قام بها بدران لاقت انتقادا في الصحافة الاردنية، وكتب طاهر العدوان رئيس تحرير (العرب اليوم) بتاريخ 12 سبتمبر الماضي معترضا على زيارة بدران لبغداد، قائلا: »العلاقات الطبيعية تقام عادة بين الدول الحرة والمستقلة وبين الحكومات التي تولد من حق تقرير المصير، وليس من فوهات المدافع ومن شرعية قوة الاحتلال، ومن هذا الباب اقف في صف المنتقدين لزيارة بدران إلى بغداد المحتلة».

ويأتي هذا الرأي انسجاما مع الموقف التقليدي لنمط عريض من المثقفين الاردنيين، موقف يحارب اي تغيير، يأتي من الغرب. هذا الغرب المنحوت في الذاكرة بصورة سلبية تامة، ومن ذلك تصوير الكاتب الاردني رشاد ابو شاور في صحيفة الدستور الاردنية وقبل يوم واحد من ظهور نتائج الانتخابات المصرية الرئاسية الاخيرة، معتبرا ان هذا التحول الديمقراطي جاء بضغط من أميركا من اجل القضاء على عروبة مصر. أما صحيفة السبيل المعبرة عن تيار الاخوان المسلمين الاردنيين، واذا عدنا للحالة العراقية، فنجد في عددها الصادر بتاريخ 12 سبتمبر الماضي عنوانا يقول: «العرب السنة يتحفزون لاسقاط (دستور زلماي)».

لكن موفق محادين يذهب باتجاه آخر فيقول: «نحن في الاردن لم نحسن التحالف مع الاطراف الصحيحة في العراق، لقد كان الحكم في الماضي كاسبا لجميع الاطراف، النظام البعثي كانت علاقته بها جيدة، والاكراد ممتازة، لاسباب كثيرة ومعروفة، والشيعة بسبب كون البيت الهاشمي من آل البيت، واهل السنة باعتبار الملك الاردني من زعامات السنة»، ويتابع: «لكن الآن خسرنا هؤلاء تقريبا، ورمت السياسة الاردنية كل بيضها في سلة علاوي والشعلان، وفي العراق يسمونهم الجماعة الاردنية». لكن زيارة الحكيم، وزيارة الجعفري المنتظرة كما يذكر الطروانة، ربما تسير عكس هذا التحليل.

يبقى سؤال مهم: هل يطمح الاردن إلى دور اكبر من مجرد السعي للحفاظ على وحدة العراق وعروبته، ومكافحة النفوذ الايراني، اعني دورا في ادارة العراق نفسه وحكمه، خصوصا ان العائلة العراقية الهاشمية المالكة سابقا، هم من نفس اسرة العائلة الأردنية المالكة الحالية، وقد تربى فيصل الثاني ملك العراق، مع الملك حسين وجده الملك فيصل الاول هو شقيق جد الملك حسين الملك عبد الله الاول، مؤسس المملكة الاردنية الهاشمية؟.

البعض تحدث عن ذلك، خصوصا عن دور الامير حسن، ولي العهد السابق وشقيق الملك حسين، والذي اثار هذا الحديث اكثر هو حضور الامير حسن مؤتمرا لضباط عراقيين معارضين في لندن بعيد سقوط النظام، وكان عدد الضباط قرابة ستين ضابطا.

وحسب بيان جبر صولاغ في حوار صحافي اجراه مع اسلام اونلاين بتاريخ 1 اغسطس 2002، بوصفه ممثل المجلس الاسلامي الاعلى (الحكيم) في سورية والاردن حينها فإنه: «قد تكون هناك رغبة لدى الأمير الحسن في إعادة الحلم الهاشمي في حكم العراق، لأن الاتحاد الهاشمي الذي كان بين الأردن والعراق أيام الحكم الملكي في البلدين عام 1958 والذي أجهض على يد ضباط ثورة 14 تموز.. هذا الحلم ما زال يراود العائلة الهاشمية في العراق والأردن باعتبار أن الأمير الحسن هو الوريث للملك فيصل ابن غازي ملك العراق حتى عام 1958. أنا اعتبر أن الحضور هو إشارة وتسليط ضوء على دور قادم للأمير الحسن».

لكن يبدو ان هذا الحلم تبخر، بعد ان خلقت في العراق حقائق جديدة وبرزت قوى صاعدة، وإلا فمن كان يتوقع ان يكون رئيس العراق كرديا، كما قال لي ذات يوم سياسي سعودي مخضرم؟!. خصوصا وكما يردد مراقبون اردنيون، استمعت اليهم، وهم يعرفون الملك، فإن الملك عبد الله الثاني متحرر من تركة الماضي، واحلام الماضي، وآلام الماضي، فهو رجل يريد العيش ضمن الواقع وشروط الواقع. وكما قال فايز الطراونة: »نحن نفكر بالاردن، ونعتقد اننا نملك بلدا جميلا، المطلوب منا نتحرك ضمنه، ونسعى لتثمير مقدراته وقوته، وحمايته فقط».

وتبقى الفاتورة الأمنية، جراء الوضع الفوضوي في العراق، والجاذب لجنود الزرقاوي من الاردن إلى العراق، وما تمثله رمزية الزرقاوي، من حالة تجييش عاطفي للشبان الاردنيين، وحسب مسؤول اردني أمني تحدثت اليه، فـ»مادام الوضع مضطربا في العراق، فإن حالة الاستعداد للارهاب ستبقى، ونماء تيار الجهادية السلفية سيظل في حالة تصاعد، يجب ايجاد حل سياسي للعراق، من اجل انجاح مهمتنا نحن هنا في حماية الأمن الاردني». ويكفي ان نعلم ان هناك أرقاما تتحدث عن مقتل حوالي ستين شابا من اهالي مدينة السلط، شمال الاردن، في العراق ضمن صفوف الزرقاوي، كما ان خلية الجيوسي التي كانت تريد نسف مقر المخابرات الاردنية، بتفجير كيماوي ضخم، بالاضافة لقتل المدعي العام، خطط لها ومولت من قبل الزرقاوي في العراق، وكذلك هجوم العقبة فيه عناصر عراقية، هربت إلى داخل العراق، ومحاولة تفجير مركز الكرامة الحدودي الاردني، في ديسمبر الماضي، جهز له وخطط ومول وكاد ان ينفذ، من داخل الاراضي العراقية. وعليه فتضعضع الأمن العراقي، ينعكس على الأمن الاردني، بدرجة أو بأخرى. هذا هو المشهد العام للعلاقة الاردنية العراقية، في تجلياتها السياسية والاقتصادية والأمنية والتاريخية، واحلام الماضي، ووقائع الحاضر... ومن يدري... ربما تجعل الايام العراق الجديد اقرب صديق سياسي للاردن، ان مضى المشروع إلى ما خطط له أميركيا، بوصفه نظاما عصريا يدور في فضاء الثقافة العصرية، أو يصبح عدوا لدودا ان نجح اصدقاء الخامنئي في مشروعهم... الامور مفتوحة على كل الاحتمالات... والاردن يترقب بحرص بالغ.


تعليقات