بوح تفاعلي.. شيء من تاريخ الحصن وأهلها (رسالة)

بوح تفاعلي.. شيء من تاريخ الحصن وأهلها (رسالة)



* كتابة وتصوير مفلح العدوان

لم تكن القرى إلا منجما ثريا للتاريخ والذاكرة وبوح الساكنين فيها، وهي في كثير من تفاصيلها تشكل وقودا يعطي طاقة الاستمرار، ومواجهة الواقع، فبين الحاضر والماضي، هناك نسيج يجعل من صورة القرى أبهى، وأعمق، وأكثر تماسكا.

الدكتور عبد المجيد نصير

في هذا المقام، سيكون البوح التفاعلي مع قرية الحصن، عودا إليها، ولذاكرتها، ولكن من خلال رسالة قيمة وصلت من الأستاذ الدكتور عبد المجيد نصير، نورد الجزء الأغلب منها، لتكون استكمالا لتاريخ الحصن وذاكرة هذه القرية، حيث يقول الدكتور نصير في رسالته: يقول أبي: ''أجمل سماء هي التي فوق بيتنا''..
وما كتب عن الحصن قليل، وكثير منه يعتمد الرواية الشفوية التي لها، أحيانا، سلبياتها، وبخاصة أن أجدادنا الحفظة لم يسجلوا أو يسجل لهم إلا القليل، ومن هنا نجد، أحيانا، تناقضات في هذه الروايات، لكنني أيضا عندي روايتي، وقد تكون أقرب إلى الحقيقة لما عندي من وثائق، وما سمعته من مصادر مختلفة.
وقد قرأت ما ذكره الأستاذ القاضي ماجد غنما في شهادته حول تاريخ الحصن، والتي تم نشرها في ''بوح القرى''، وما ذكر فيها مفيد، لكنني أريد هنا أن أضيف حول ما كتب، وما لم يكتب في بعض الجوانب، حيث أن آل غنما الكرام، وهذا هو اسمهم، أصلا من الكرك، خرجوا منها قبل نحو من ثلاثة قرون، بعد أن فتكوا بمستبد كان يريد أن يتزوج إحدى بناتهم غصبا، وذهبوا أولا إلى رام الله، ثم ارتحلوا إلى فيق في الجولان لمدة نصف قرن (كما في ورقتهم)، ثم انتقلوا إلى بلدة علعال، وأقاموا فيها عدة سنوات، وانتقلوا إلى الصريح لمدة قصيرة، ثم استقروا في الحصن، وقد يكون ذلك في حوالي 1760م، وكانت الحصن عامرة، وشيخها إبراهيم بن مصطفى نصير، وهو أحد أجدادي، الذي كان قد جاء إلى الحصن في الفترة 1740م إلى 1750م، على ما أقدر، وكانت عامرة بالسكان ومن عشائرها الدويري والهزايمة.

سيرة الخطيب

يضيف الدكتور نصير : وبما أنه لم توجد إدارة عثمانية مباشرة لمناطق شرق الأردن، فقد جعلت الدولة لكل قرية شيخا هو كل شيء: الحاكم، والقاضي، وجامع الضرائب، وكان شيخ الحصن من الدويري، وتزوج جدي من الهزايمة، وصار عديلا للشيخ الدويري، وبعد عدة سنوات استطاع جدي (وكان لقبه الخطيب لأنه يعرف القراءة والكتابة) أن يستلم المشيخة.
بعد ذلك وفي منتصف القرن الثامن عشر ظهرت دولة ظاهر العمر الزيداني في فلسطين وأجزاء من جنوب سورية وشرق الأردن، وأمده الروس بالمال والسلاح، وتغلب على عدد من ولاة الشام لفترة، وأرسل ابنه احمد الى شرق الأردن، ليضمها الى مشيخته، وجاء أحمد الى تبنة في ناحية الكورة، وبنى فيها القلعة والمسجد الزيداني حوالي 1769م، وانتقل بعدها الى الحصن، وشرع في بناء قلعة على التل، وسور على بوابته الرئيسية مشنقة، وأتم السور، واستدعى الشيخ ابراهيم وطلب منه أحد أبناء القرية ليعلقه على المشنقة(تم ذكر القصة في رسالة تفاعلية للسيد عوض نصير في بوح القرى تاريخ 5/5/2009م). وبعد هروب أحمد الزيداني الى الأغوار سنة 1774م، صعد الشيخ ابراهيم الى القلعة وسكنها مع أولاده دون انقطاع حتى سنة 1932م (عدا فترة أقل من عشر سنوات انتهت في 1869م)، وسجل التل في مسح الأراضي (حوالي 1935م) باسم عبد الرحمن نصير، وقد استملكه دائرة الأراضي قبل عدة سنوات.

بيت على التل

كل هذا التاريخ بتداعياته رجح عندي وجود آل غنما في الحصن في ذلك التاريخ، وجاء بعدهم آل أيوب (نويصر)، وبنوا مضافتهم حوالي 1780م، وعندنا وثيقة عثمانية تاريخها 19 رمضان 1180هـ الموافق 18/2/1766م، تتحدث عن استئجار والي الشام، أمير الحج ذلك العام، 159 جملا من مشايخ حوران (الشيخ موسى بن حمد شيخ طائفة بني عبيد، والشيخ ابراهيم بن مصطفى نصير شيخ قرية الحصن، والشيخ عبد الله بن عيسى البطين شيخ قرية كفر يوبا، والشيخ صبح بن حمدان شيخ قرية البارحة، والشيخ أبو بكر بن صالح كريزم شيخ قرية اربد). وإن الرحالة السويسري بيركهارت، الذي تسمى باسم الشيخ ابراهيم عندما بات عند عبد الله غنما لليلة واحدة (4/5/1812م) ذكر أ بيت الشيخ على التل، وهذا الشيخ هو محمد بن ابراهيم، كما ذكر أن الحصن حاضرة ناحية بني عبيد، وفيها حوالي 100 أسرة، وأن ربع سكانها من النصارى (اليونان) الروم الأرثوذكس. وكان الدكتور سيتزن (وتسمى باسم الحكيم موسى) قد بات عند عبد الله غنما سنة 1806م. وجاء بعدهم الرحالة الانجليزي بكنجهام (11/3/1821م)، وحل ضيفا على عبد الله غنما، وذكر أن سكان الحصن حوالي 200 وأن 14 أو 15 منهم نصارى، سهر أكثرهم معه تلك الليلة، وذكر أن بيت الشيخ على التل تحيط به بيوت صغيرة (أسفله). وهذا الشيخ هو كايد بن ابراهيم الذي كان على علاقة قوية مع عبد الله غنما. ولا يزال الأحفاد على علاقة قوية مع الأحفاد، والأستاذ القاضي ماجد، والأستاذ مجيد (أمد الله في عمريهما من أعز الأصحاب)، بل إن عددا من فخذ سعيد (جد أبي) تعمد وإشبينه من آل أيوب أو غنما. وعندما عدت من أمريكا في صيف 1970م أبى صديق العائلة الخوري عودة الله (خوري الروم الأرثوذكس) إلا أن يبارك زواجي، فشكرا لروحه.

المجلس التنفيذي للسنجق

لقد قتل جدي كايد سنة 1825م بمؤامرة حيكت عليه، وصار عبد الرحمن بن كايد الشيخ بعد أبيه. وعندما احتل ابراهيم باشا المصري بلاد الشام سنة 1831م وقف جدي في صفه، مما نجى الحصن من الإتاوات والتجنيد الإجباري، ولم يثر عليه مع الثائرين، وحفظ له هذا الموقف حتى بعد جلاء المصريين سنة 1840م.
وأقدر أنه حوالي سنة 1860م تغلب على الحصن حلف قام بين أربعة حلفاء (حلف رباعي) من خارج القرية، ورحل جدي من الحصن الى النعيمة خارج القرية، ويقال أن هؤلاء الأربعة هم أول من دفن أمام مقام الحصني على التل عدة قبور، ولكنهم لم يطل بهم المقام في الحصن، حيث أن قائم مقام سنجق عجلون أوعز بعقد المجلس التنفيذي للسنجق، وقرر إخراج الأربعة من الحصن، وهذا محفوظ بالتفاصيل والأسماء في وثيقة تاريخها 30/7/1869م، وبعد ذلك عاد جدي من نعيمة الى الحصن، وخلفه في المنصب ابنه فنيش، وهو مذكور في السالنامة العثمانية كما جاء في كتاب الدكتورة هند أبي الشعر، وخلفه أخوه جبر حتى سنة 1906م، ثم أخوه محمد حتى سنة 1911م، ثم محمود باشا فنيش حتى وفاته سنة 1942م.

السفر برلك

كما أن الدكتورة هند أبو الشعر كتبت معلومات كثيرة مفيدة عن الحصن في كتابها (اربد وناحية بني عبيد)، وقد استقتها من الوثائق العثمانية، على أن التاريخ غير المكتوب أكثر من التاريخ المكتوب، ولا يقل عنه أهمية، شريطة أن يكون أقرب ما يمكن الى الحقيقة. وبدء بلدية الحصن كان سنة 1908م، وكان عقلة نصير أول رئيس بلدية لها. وجمدت البلديات أيام السفر برلك (الحرب العالمية الأولى). وكان في الحصن مدرسة عثمانية رشدية (الصفوف الأربعة الأولى حوالي 1894م). لكن الحصن اشتهرت بمدارس الطوائف، ومنها مدرسة اللاتين الثانوية التي ظلت مفتوحة حتى 1953م، وتخرج منها أعداد كبيرة من رجال الشمال مسلمين ونصارى. وفتحت مدرسة ابتدائية أيام الإمارة، وبنيت سنة 1926م، كما ذكر الأستاذ ماجد فإن مديرها كان مصطفى وهبي التل. وأخبرني أبي، وكان من تلاميذ المدرسة أن هذا المدير كان يعطل المدرسة كثيرا احتجاجا على سياسة الانجليز والحكومة. وتصدع البناء في زلزال 1927م، الى أن هدمت سنة 1952م، وبنيت مدرسة أخرى على حساب أهل الحصن، كما بنيت مدرسة بنات فيما بعد على حساب البلد.



مكتبة القرية




مدونة النصوص الجغرافية لمدن الأردن وقراه






للباحث المهدي عيد الرواضية



هو كتاب جامع، ومرجع لما اجتهد الباحث المهدي عيد الرواضية في جمعه حول ما كتب من نصوص جغرافية عن مدن الأردن وقراه، كما يشير إلى ذلك عنوان الكتاب الذي يقع في جزأين، والصادر ضمن منشورات اللجنة العليا لكتابة تاريخ الأردن، في عام 2007م.

معجم تعريفي

يقدم للكتاب الأستاذ إبراهيم شبوح بقوله '' هذا الكتاب الجامع المتميز في مادته الثرية والمكثفة، ثمرة جهد متواصل في ملاحقة النصوص وشوارد الإفادات المتناثرة في كتب التراث، واستخلاص التعريفات الجغرافية للمدن والقرى والأماكن التي اشتملت عليها خارطة الأردن الحديث''.
ويضيف في ذات المقدمة حول الجهد البحثي للأستاذ مهدي الرواضية، حيث يشير إلى أنه ''قد بدأ السيد المهدي عيد الرواضية هذا المشروع منذ مدة، فأخرج كتابه الأول (الأردن في موروث الجغرافيين والرحالة العرب)؛ ثم اتخذه مرتكزا استند عليه في عمله، فلم يفتأ منقطعا لمراجعته، وتحريره، والاستدراك بما توفق إليه، والامتداد به نحو العصر العثماني الذي قدم وأضاف له مواد مهمة ورابطة من سجلات الطابو، وصمم الخرائط التي حدد بها مواقع مواد الكتاب المختلفة. فجاء عمله ناضجا صنع به معجما تعريفيا شاملا ومعتمدا ستكون له مكانة في تيسير البحث، وفي الإجابة عن تساؤلات المكان وأحداثه وعلاقاته في مسارات التاريخ الإسلامي خاصة''.

تجاوز الأساطير

أما الباحث المهدي عيد الرواضية ففي مقدمته للجزء الأول من كتابه ''مدونة النصوص الجغرافية لمدن الأردن وقراه''، فقد ألقى الضوء على مسوغات، وضرورة انجاز هذا الكتاب، بالإضافة إلى كتب أخرى في ذات السياق، حيث أنه في استهلاله أوضح: '' إن كثيرا من المواضع الأردنية تحتاج إلى عناية بالبحث والدراسة؛ تتظافر عليه جهود المؤرخين والأثريين، والجغرافيين، لتمييز ما يعتورها من الخلط والوهم، وما داخلها من الأساطير؛ ولعل أدق مثال على ذلك ما وقع في كتب الجغرافيين عن موضع والكهف والرقيم، ومدينة العرب الأنباط (البتراء)، غرهم في ذلك تشابه تسمية الرقيم في الاثنتين، فقالوا: ''الكهف والرقيم مدينة أصحاب الكهف بجانب عمان، وبيوتها منحوتة في الصخر''. فالقسم الأول ينصرف إلى موضع أهل الكهف المسمى في زماننا هذا بـ(الرجيب) في شرقي العاصمة عمان، والقسم الثاني ينصرف إلى مدينة (البتراء) الواقعة في جنوب المملكة، ومن ذلك كثير. وقد حاولت ؟قدر الطاقة- التعريف بمواطن الخلط والخلل في إفاداتهم، والإشارة إلى التصحيف والتحريف في كثير منها، وتجاوزت عن ايراد ما يمت للأساطير والخرافات والإسرائيليات بصلة''.

المصادر

ويضيف الباحث الرواضية في نهاية المقدمة ''درجت ؟في هذا العمل- على ايراد كافة النصوص المتعلقة بالموضع، حتى وإن تقدم إثبات النص في مادة سابقة، ذلك أن الكتاب هو معجم تستقل كل مادة فيه بخصوصيتها، ولو أحلت بعضها على بعض لسببت الإرباك ولكثرت فيه الإحالات فيما لا طائل منه. ورتبته على حروف المعجم لما في ذلك من سرعة الوصول للمادة المطلوبة بسهولة ويسر، من غير تكلف وعناء، مع ما يلزم ذلك من وضع الإحالات للمواضع التي ازدوجت فيها التسميات''.
أما المصادر التي استعان بها الباحث في مدونته فهي كتب الجغرافيا، وكتب الرحلات، والمصادر التاريخية وكتب الأنساب والتراجم، والوثائق العثمانية، ودواوين الشعر، حيث أنه يبدأ الفصل الأول من المدونة بمسح لتلك المصادر تحت عنوان ''نظرة في المصادر الجغرافية المتصلة بالأردن'' ويورد تعريفا موجزا بأبرز الجغرافيين العرب والمسلمين ممن اتصلت مادتهم بغرض الكتاب، ثم في الفصل الثاني من المدونة فعنوانه ''أدب الرحلات'' ، ويورد فيه أسماء الرحالة الذين مروا بالأردن، لكنه يذكر في البداية الأسباب التي ساهمت في زيارة الرحالة للأردن، أو المرور بها، ثم بعد ذلك يعطي الباحث تعريفا بالرحالة ومصنفاتهم، وبعد ذلك تبدأ المدونة من الفصل الثالث، وتنتهي بفهرست المواد وفهرست المحتويات، مرفقا معها خريطة للأماكن التي رصدتها المدونة.




دعوة للمشاركة

هذه الصفحة تؤسس لكتابة متكاملة حول القرى الأردنية، وتطمح لتأسيس موسوعة جادة شاملة. ولن يتأتى هذا بجهد من طرف واحد، فما يكتب قد يحتاج إلى معلومات للإكتمال، أو قصص أخرى لم يلتقطها الكاتب في زيارة واحدة، وهي مفتوحة للإضافة والتعديل قبل أن ترتسم بشكلها النهائي لتكون وثيقة لكل قرية، والأمل بأن تأتي أية إضافات أو تصويبات أو معلومات أخرى من أهل القرى والمهتمين مع اقتراحاتهم، وعلى هذا العنوان:
بوح القرى
ص. ب - 6710 - عمان -11118
فاكس- 5600814
بريد الكتروني

تعليقات