سميح دروزة: قصة الانتقال بالدواء الأردني من المحلية إلى العالمية

سميح دروزة: قصة الانتقال بالدواء الأردني من المحلية إلى العالمية

نشر: 10/5/2010 الساعة .GMT+2 ) 00:56 a.m )
|
بورتريه لسميح دروزة بريشة الزميل إحسان حلمي

د. مهند مبيضين

يحضر دوما في قائمة أقوى مائة شخصية عربية استطاعت التأثير بمجتمعاتها، حصد أرفع جوائز رجال الأعمال العالمية، وجلّ ما يحلم به، المضي بتعليم المرأة الأردنية، وتنمية إقليم الجنوب الذي يرى أن مستقبل الأردن كامن فيه.

مؤسس ورئيس مجلس إدارة أدوية الحكمة التي تساهم بنحو 7 % من مجمل روافد الاقتصاد الأردني، ورابع شركة مدرجة أسهمها في سوق لندن المالي، لم يكن "ابن عز"، فما أنجزه حصيلة إيمان وعصامية وإرادة.

ولد سميح طالب دروزة في نابلس العام 1930 في المدينة القديمة بالجزء الغربي "ولدتني أمي في بيت جدي من عائلة جردانة"، وكانت الأسرة تسكن يافا من قبل.

طفولته الأولى كانت في يافا "درست في الكتّاب وكان الشيخ يدرسنا القرآن"، ومن ثم دخل المدرسة الابتدائية في يافا لـ"صاحبها شفيق الأنصاري".

مع إضراب العام 1936 رحلت الأسرة إلى نابلس و"من ثم انتقلنا لعمّان، وسكنا عند عمتي في حي جبل الجوفة، ثم عدنا". ذاك العبور سيكون له عودة أخرى، ومن بعدها استقرار في عمان.

حين يسأل عن تعريف إنجازاته، يقول:"لا أشعر بفرق بين الكرك والخليل وإربد وجنين أو حيفا، أنا ابن جيل الوحدة، كنا نعمل لأجل وطن واحد مع الاحترام لأصل كل فرد".

عادت الأسرة إلى يافا بعد إضراب 1936، وانتقل لمدرسة حكومية "آنذاك كانت المدارس الخاصة للمهملين"، بعد ذلك درس بالكلية العربية بالقدس "كان معنا من الأردن: ذوقان الهنداوي، ونوري شفيق، والدكتور ناصر الدين الأسد".

درّسه في الكلية العربية نقولا زيادة وإسحق الحسيني العربي وجميل علي وفتحي قدورة "بعد النكبة والدي اختار عمان لصلاته القديمة مع أهلها، فجئنا مهاجرين، وكان أهل عمان مضيافين وإحدى العائلات أعطتنا نصف بيتها وسكنّا معها في جبل الجوفة، إلى أن استطاع والدي أن ينتقل لبيت ملك له بعد ثلاثة أعوام".

"لم أكن متفوقا، لكنني كنت مبرزاً في الرياضيات والفيزياء"، يقول دروزة. ثم كانت الرحلة إلى بيروت العام 1949 ليلتحق بالجامعة الأميركية "كنت أرغب في دراسة الكيمياء، وقال لي نقولا زيادة (الكيمياء بدها وظيفة وانت ما عندك دولة، فاذهب وابحث عن دراسة تقود لمهنة فانتقلت للصيدلة)".

نشط في بيروت سياسيا مع التيار القومي، وانتسب لحركة القوميين العرب، ومن ثم رشح لجمعية العروة الوثقى، وانتخب رئيسا للهيئة العامة للجمعية العام 1951. وهناك تأثر ببيروت بأساتذة كبار يذكر منهم قسطنطين زريق وجبرائيل جبور وشارل مالك ونقولا زيادة.

أنهى دراسته في العام 1954 ليبدأ رحلة البحث عن وظيفة، واتصل بمستودعات الأدوية وأعمدتها يومها نزار جردانة وأمين شقير وجورج خوري.

لم يجد أذنا صاغية، وكادت أحلامه تذبل مبكرا "عدت خائبا وكنت متعجلا"، ومن ثم وجد فرصة عمل هو وزوجته في التدريس بجنوب لبنان في بلدة مرج عيون، بعدها تحصل على وظيفة صيدلي بالكويت، وبقي فيها ثلاث سنوات.

"لم تكن الكويت محلا لتحقيق حلمي، فرغباتي كانت تبحث عن تحدٍّ وعمل خلاق". فعاد إلى عمان، وبما وفره من الكويت اشترى الصيدلية الوطنية بجانب البنك العربي بالبلد، "دفعت ألف دينار، وسكنت عند الوالد وبقيت أقسّط مبلغ الصيدلية لثلاث سنوات".

عقب ذلك "جاء إعلان منحة فولبرايت وقدمت لها العام 1963 وقُبلت". فغادر لأميركا ومعه أربعة أبناء، وظلت الصيدلية "كانت تدر مائة دينار شهريا، والبعثة تقدم لي مائة دينار، وكنا فرحين كأسرة بدخلنا". يومها أميركا كانت "ما تزال تحكي بالقيم الصحية، وشعرت من يومها أن قضيتنا لا تحل إلا في أميركا".

أنهى الدراسة في الولايات المتحدة، وظل حلمه متعلقا بالصناعة "حصلت بعدها على وظيفة بشركة ايلي ليلي الدوائية"، وبقي فيها قرابة 12 عاما "كسبت خبرة ممتازة.. وصار عندي خميرة مصاري لأقدر اعمل نواة مصنع بعمان".

غادر فرع الشركة في روما عائدا لعمان العام 1976 في مغامرة جديدة، "إخواني أعطوني شقة، ولم يكن عندي وظيفة". وبدأ يعمل دراسة جدوى لمصنع أدوية، وبعد ستة أشهر أنجزها "كنت مقتنعا بها لأحقق حلمي برأس المال البالغ 90 ألف دينار قيمة حصتي".

"بحثت عن أردنيين بالخارج وتوفقت بثلاثة، وجمّعنا حالنا وأحضرنا شريكا استراتيجيا إيطاليا وبدأ العمل، وبنينا نواة مصنع شركة الحكمة اليوم، وكان هناك بنكان دعما المشروع".

آنذاك كان تحدي السوق الصغير هاجسا مؤرقا، فقد سبقتهم ثلاث شركات أدوية بالأردن "أجريت مسحا للسوق، وكنت أؤمن بأن المعلومات مهمة، فدرسنا احتياجات السوق، وكان سؤال الدراسة التي أجرتها الشركة، ما العوامل التي تجعل الطبيب يصف هذا الدواء ولا يصف غيره؟ وجاء الجواب أن الطبيب يؤمن بالشركة التي عندها إدارة جودة وأبحاث، فبدأنا العمل على تحقيق ذلك ودعونا الأطباء والصيادلة وشجعنا الوزير زهير ملحس".

النجاح المحلي قادهم لارتياد آفاق الإقليم، "دخلنا أسواق العراق ولبنان العام 1980، وبدأنا نعيِّن شباباً أردنيين وعلّمناهم تسويق الدواء".

دخول إسرائيل لبيروت أحّل بهم خسارة "لا بأس بها، وبدأنا نركز على سورية فدخلنها ومن ثم دخلنا السعودية".

دخول السوق العربي جعله يفكر بالعالمية "كان ذلك هاجسا يلاحقني"، وفكره كان مكرسا لذلك "كان لا بد لنا من شهادة موثوقة عالميا، وبدأنا البحث عن إجازة من مؤسسات الغذاء والدواء الأميركية، التي تعد شروطها أصعب الشروط العالمية، فأحضرنا أول مستشار، وبعد يومين من إقامته معنا هبّط من عزيمتنا وقال لي: عمركم ما بتحصلوا عليها".

بقيت الحكمة تعمل على الشروط "أرسلنا أول دواء وجاءت النتيجة بأن دواءكم مقبول ضمن المواصفات، لكن المصنع بحاجة لأجهزة وتطوير، وطلبنا تسهيلات، لكن لم يفهم أحد علينا". فلجأ إلى مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي التي أرسلت خبراء درسوا واقع الشركة و"بعدما أرهقونا وافقوا في العام 1989 على تمويلنا، وفي العام 1990 أصبحت الشركة تملك كافة المواصفات العالمية".

في أميركا، كان لا بد من بذرة "علمنا بشركة متعثرة، فاشتريناها وسعيد ابني أخذ فريقا أردنيا ورتبوا أمرها، وأضافوا لها، وخلال سنة أصبحت مقبولة في أميركا"، توالى النجاح وبدأت الحكمة تمتد وتؤسس في أوروبا، واختارت البرتغال مقرا لها العام 1994، و"ركزنا بعدها على البلاد العربية".

في العام 1995، وضع لأول مرة الدواء الأردني في مصاف الأدوية العالمية، وتوسع بعدها في عدة مصانع في مصر والجزائر وتونس والسعودية، إضافة للبرتغال وإيطاليا وألمانيا والولايات المتحدة.

تجربته في الحكومة وزيرا للطاقة والثروة المعدنية، في حكومة الأمير زيد بن شاكر (1995-1996)، كانت قصيرة لكنها عرفت أكثر بتميز الأردن "استغربت بداية ماذا أعمل بالطاقة، واكتشفت أن وزارة الطاقة والثروة منفصلتان، وأيقنت أن ثروات الأردن تكمن في الجنوب: الصخر الزيتي والنحاس والرخام والجرانيت، وقليل من الذهب والسيلكا.. تركت الطاقة واهتممت بالثروات الطبيعية، وفكرت بعمل شركة للحكومة تهتم بها وأسّستها، لكنها لم توفق بإدارة جيدة".

تجربته الوزارية يصفها بالطيّبة "عملنا على إعداد خطة لخمسة اعوام مقبلة، بحيث نرصد حاجتنا من التوليد الكهربائي، واعتمدنا تحويل المحطات للعمل على الغاز، وقلت أريد غازا مصريا، وذهبنا وحكينا معهم ووقعنا اتفاقية العام 1995، ووصل الغاز العام 2004، وها نحن نستعمله اليوم في محطة العقبة وغيرها، وهو أنظف وأرخص".

يرى أن الاعتماد على الذات هو الذي حقق له النجاح، والإيمان بالحلم لا يقل عن أي سبب آخر للتفوق في عالم الصناعة، لكن أصعب مرحلة مرّ بها: "لما صرنا بدنا نصدّر كميات من الدواء، لم يكن هناك بنك يؤمن بأننا نعمل لمصلحة البلد، وكان القائمون على البنوك يعدون التصدير عالي المخاطر، وبقينا نعمل إلى أن أسّسنا بنك الصادرات والتمويل، الذي صار بعدها بنك المال". وصار دروزه رئيسا لمجلس إدارته بين أيلول 2009 ونيسان 2010. تحديات التصدير حدت به لأن يؤسس مع مجموعة رجال أعمال جمعية المصدرين الأردنيين في العام 1989 للتشبيك مع أطراف العملية، وبدأت الجمعية تعمل معارض ودعاية للصناعة الاردنية.

يثق بدواء الأردن ويحترم كل الصناعات الدوائية الأردنية "أتألم لما أجد طبيب يصف دواءً للصداع بقيمة تعادل ضعفي الدواء الأردني". ولتعزيز قوة دواء الأردن سعى لتأسيس مركز لمراقبة الدواء "كلما قويت الرقابة كلما كان الدواء أحسن"، فكانت مؤسسة الدواء والغذاء الأردنية.

يتحدث عن نجاحه، ولا ينفي أنه أخفق في تأسيس صناعة البيوتكنولوجيا الحيوية "وجدت أننا لا نملك خبرات وطنية لها، لكن اليوم توجد الخبرات والأساتذة وهناك شركة معنية بها وفيها مجموعة أساتذة أدوية، لكنهم غير قادرين على عمل شيء عملي، فاتصلوا بي ودخلت شريكا معهم، إلاّ أنّ هذه الصناعة تحتاج لنَفَسٍ طويل، لكنها تستحق".

دروزة ليس مستثمرا عابرا، أو مكونا اقتصاديا هجينا في لحظة حرب، بل رجل وطني عروبي متماه وملتصق مع البلد ومعاناة أبنائه. فهو يطالب أبناء الجنوب الاهتمام به، ويحث على تنمية الإقليم ويصر على تعليم البنات والاستثمار بتعليم الأبناء، لذلك بنى مدرسة للبنات بالشوبك أهداها لبنات المنطقة.

يطالع العين سميح دروزة كتب الإدارة والتسويق، ويتابع المجلات العلمية، ويستمع لمحمد عبدالوهاب وأم كلثوم.

تعرّف في الجامعة الأميركية على سميره فضلي "كانت تدرس العلوم السياسية والتاريخ"، وتزوجا، لهم من الأبناء المهندس سعيد، وهو الآن المدير التنفيذي للشركة، ومازن المدير التنفيذي للشرق الأوسط، ومي التي عملت مديرة للشراء بالحكمة، وهناء وتعمل الآن مديرة اتصالات في الشركة.

mohannad.almubaidin@alghad.jo

تعليقات