سامي قموة: خلاصة الخبرة الوطنية في مواجهة الأزمات الاقتصادية

سامي قموة: خلاصة الخبرة الوطنية في مواجهة الأزمات الاقتصادية

نشر: 5/4/2010 الساعة .GMT+2 ) 00:18 a.m )
|


مهند مبيضين

يرى أن مرونة الأردن قادرة على أن تجعله يتجاوز أزمته المالية، ويدعو لاعتماد مبدأ الموازنة الصفرية.

تشرب الفكر القومي في بيروت، وخبر العمل المالي، وخرج من حكومة عبدالسلام المجالي الأولى "طفران"، لكنه ولج القطاع الخاص وفيه تقدم ونجح.

ولد سامي قموة في السلط العام 1940 "لكن بيت العائلة بُني بعمان في العام 1936". والده إبراهيم كان يعمل في قوة الحدود، وبقي حتى ثورة رشيد عالي الكيلاني "عبر عن عدم رغبته في محاربة أبناء العروبة"، وبعدها عاد لعمان وتقاعد وانطلق للعمل الخاص.

عمان في الأربعينيات كانت "كقبضة اليد" يذكر معلب كوبان وحاووز اللويبدة، وبيت والده المطل على المستشفى الإيطالي، في حين بدا منزل محمد منور الحديد في الأشرفية "في آخر المعمورة".

في سجل العمر؛ ربع قرن في خدمة الحكومة، سبقتها الدراسة في كلية الحسين، ومنها تخرج في الثانوية "درّسني الدين الإسلامي احمد القصراوي، وكان يصرّ على أن اجلس أمامه". ومن معلميه نجاة البخاري، وعبد خلف داودية وغيرهم، ومن زملائه بشير الخضرا ومعن المجذوب وحيدر محمود "كان شاطراً باللغة العربية بشكل خاص".

في العام 1959 وصل بيروت مع مجموعة من المبتعثين الأردنيين على حساب وزارة التربية والتعليم "كنا من أوائل المملكة من أرسلوا للجامعة الأميركية لبيروت". وهناك درس الاقتصاد والعلوم الإدارية وتخرج العام 1962.

في بيروت فتح عينيه على القومية في الجامعة الأميركية مع قسطنطين زريق وإحسان عباس وشارل مالك، وزين نور الدين زين الذي كان "يتحدث الرجل المريض الدولة العثمانية"، أما عبدالعزيز الدوري "فنبهنا إلى شطب كل المسلمات، وعلّمنا أن التاريخ علم وأعيان، فجعلني وأنا قادم من كلية الاقتصاد أن أعيد كتابة قصة بناء بغداد ثلاث مرات، وكان ينصح بالدقة في قبول الروايات، ورفض مقولة الفيل الأبيض وتهادي شارلمان والرشيد ساعة..".

تحمل سيرته قصة الجيل الثالث من البيروقراطية والنخبة الأردنية، زامله من الأردن طاهر المصري وحران زريقات وفاروق القصراوي وبشير الخضرا وغالب زريقات، وعبدالرؤوف الراوبدة الذي "كان من أبرز التلاميذ، وسجّل اسمه في لائحة الشرف لليوم، وحقق أعلى المعدلات في علم الصيدلية وحتى اليوم".

التزم سامي (أبو فارس) الفكر القومي كحال كثير من الأردنيين، لكنه لم ينتظم سياسيا "المد القومي بدا كاسحا وتجاذبتنا الأفكار وتفاعلنا معها". ولما عاد إلى عمان التزم الخدمة ونصح بالانضمام لوزارة قريبة من تخصصه، ودخل برامج كانت تعد الموظف إعدادا جيدا في مختلف الوزارات.

رغب بالعمل في وزارة الخارجية، لكنه بدأ في المالية، في قسم النفقات، ومن ثم قسم التقاعد العسكري والمدني، وفي الجمارك والضرائب. وبعد سنة من العمل جاءت بعثة خبراء أجانب لإدخال نظام الموازنة الجديد "قبل ذلك كانت تعد من قبل موظفين بعدد بسيط".

في العام 1964 شكلت دائرة الموازنة العامة و"ما يزال النظام الذي وضعناه مع الخبراء لليوم" كانت سني عمله جادة مع فريق من القيادات المالية، أمثال الوزير عزالدين المفتي وأديب الصغير وسعيد الدجاني ومحمد الدباس.

بقي في وزارة المالية إلى العام 1968 وشغل مواقع عدة بعد وضع برامج إعداد الموازنة وشغل موقع منظم موازنة ومحلل موازنات وأرسل في بعثات دراسية في المالية والضرائب، وحصل على الماجستير في الاقتصاد والمالية من جامعة سيراكيوز و"هي مختصة في الضرائب والمالية"، ثم درس ماجستير إدارة عامة في ذات الجامعة، لكنه لم يتم دراسته بسبب حاجة الوزارة له عند تأسيس دائرة الموازنة.

انتقل لوزارة الاقتصاد الوطني - التجارة والصناعة والتموين فيما بعد - وبعدها أرسل للقاهرة مستشارا اقتصاديا ومتابعا لقضايا مجلس الوحدة الاقتصادية العربية في جامعة الدول العربية والمؤسسات المنبثقة عنها بين عامي 1968-1973.

يؤكد أن تجربة الخمسة أعوام في القاهرة كانت من أغنى التجارب، التي أطل منها على العمل العربي المشترك والتنسيق الصناعي، وفي القاهرة عمل مع السفراء عادل الشمايلة وحازم نسيبة وعلي الحياري وعبدالمنعم الرفاعي "كانت فترة صعبة بعد العام 1970".

شهد اغتيال وصفي التل، وحضر عملية التشريح، "وصلت إليه وهو مسجى وذهبنا مع السفير علي الحياري وعبدالله صلاح للمستشفى العسكري في المعادي، حيث تم إعداد التقرير الشرعي.. كانت لحظة صعبة بإجراءاتها الطبية". ويذكر أن هناك إصابتين في جسد الشهيد وصفي التل، واحدة قاتلة على يمين كتفه الأيسر، واخترقت قاعدة القلب، وهناك رصاصة أخرى في الفخذ".

في مطار القاهرة ودع جثمان وصفي وزراء خارجية ودفاع عرب شاركوه اجتماع مجلس الدفاع المشترك، وبعض الوزراء العرب "تمنوا أنهم لم يروه لأنهم في لقائهم معه غيروا قناعاتهم بما كان ينقله عنه آخرون، ممن شوهوا صورته فـ"حضوره كان مميزا وترك أثرا عميقا في نفوس الحضور".

في مطلع العام 1974 عاد سامي إلى الأردن، وبقي مدة ثم عاد للقاهرة، وعين مندوبا دائما لمجلس الوحدة الاقتصادي، وفي المجلس الاقتصادي العربي. ومن ثم نقل لوزارة الخارجية مديرا للقسم العربي، وفي نهاية العام 1974 نقل مندوبا مندوبا للأمم المتحدة، وفي حينها السفير عبد الحميد شرف كان المندوب الدائم، وكلف بالإشراف على القنصلية الأردنية في نيويورك.

في الأمم المتحدة كون خبرة دولية دبلوماسية "كان تركيز عملنا على قضية فلسطين وكثير من القرارات تمت في تلك الفترة قرار الجمعية العامة رقم (3236) للدورة (29)، الذي تم فيه التركيز على توصيف الحقوق الشرعية للفلسطينيين وقرار مساواة الصهيونية بالعنصرية.

عاد لوزارة الخارجية مديرا للمكتب الخاص العام 1979، واستمر لنهاية العام، ولما شكل عبدالحميد شرف الحكومة العام 1980 طُلب لدار الرئاسة "بادرني شرف رحمه الله بابتسامة، وقال يجب أن تترك الخارجية، وسألته إلى أين؟ وقال: إلى دائرة الموازنة العامة".

قناعته كانت العودة إلى حيث اختص "عملنا مع الشريف عبدالحميد شرف سبعة أشهر، ثم توفي رحمه الله، وعملنا في العام 1980 بعمق وبحالة صعبة مماثلة لما نمر به اليوم من أزمة اقتصادية".

كان التحدي كبيرا، في العام 1979 خصصت قمة بغداد لدول الطوق معونات لدعم الصمود، وكانت النتيجة أن حولت عدد من الدول مساهمتها، ثم بدأت الدول تتراجع، ولم يصل من قرار قمة بغداد إلا النزر اليسير.

علة اقتصادنا بدأت من هناك "بعدها بدأنا الدخول بنفق آخر، بسبب التزامات الأردن المالية للصمود". فاضطرت الحكومات للاقتراض التجاري، وبدأت دخول مضمار الديون لتغطية الفجوة وبدأ تعاظم الدين الخارجي و"هذا ما أثقل كاهل اقتصاد المملكة".

دخل الأردن في عملية مراجعة بين عامي 1980-1985، وما حدث شبيه بما نمر به الآن "فاضطررنا للاستدانة، كنت أقول لسالم مساعدة، وزير المالية، إننا سنواجه أياما صعبة، لأن الاستدانة كبرت، وهذا سيكون له أثر قاسٍ".

في العام 1980عمل محاضرا متفرغا بالجامعة الأردنية ودرّس الدبلوماسية والمؤسسات الدولية والموازنة العامة، فكر في الانتقال للعمل الأكاديمي بيد أن "تواضع الراتب أحبطني".

قدم طلب إحالته للتقاعد العام 1984 في عهد وزير المالية حنا عودة، ووافق رئيس الحكومة أحمد عبيدات "مستغرباً طلبي"، بعدها انتقل للقطاع الخاص، فعمل بقطاع التأمين "العمل الخاص نقلة كبيرة، والفرق كبير بين القطاعين "في القطاع الخاص لا بديل عن النجاح".

في حكومة عبدالسلام المجالي الأولى العام 1993 عُيِّن وزيرا للمالية "كانت أياماً قاسية بسبب التحديات، فالديون وصلت لمنتهاها وكانت القروض والدين العام كبيرة والاحتياطات متواضعة، حدث ذلك في ظل برلمان من أقسى البرلمانات. و"سبق ذلك أن ثلاث وزارات لم تستطع إدخال قانون ضريبة المبيعات، وأنا خضت معركة القانون مع النواب، ولم يبق معي إلا رئيس الحكومة وشتمني الناس". لكنه أصر على أن الضريبة يجب أن لا تشمل السلع الأساسية "وضعت نسبة 7% كضريبة مبيعات، لكن اللجنة المالية في البرلمان رفعتها".

بعد إقرار القانون تفهم البرلمان الحادي عشر أسبابه، وأفاد تعنّت المجلس وصعوبته الحكومة في إقناع المؤسسات الدولية بألا تقسو على البلد بشروطها، لأن البرلمان لن يقبلها "وظفنا قوة البرلمان لتعديل برامج، لو فرضت لكانت قاسية، وبذلك الوقت أدخلت حزمة الأمان الاجتماعي على برامج صندوق النقد الدولي".

بعد الوزارة الأولى "طلعت على الحديدة، وتداينت لأعالج زوجتي وأخذت قرضا". وبعد حكومة المجالي عاد للقطاع الخاص "عملنا مع مجموعة على تأسيس عدد من الشركات في التعدين، ومنها مصنع السيلكا لاستغلال الرمل الزجاجي، وأسسنا شركة تأمين واستثمارات مالية".

عاد في حكومته عبدالسلام المجالي الثانية العام 1998 وزيرا للنقل والاتصالات والبريد، ودخلت الحكومة أزمة تلوث المياه، ولم تطل طويلا "دخلت الحكومة المرة الثانية، وكان راتبي ستين ألف دينار في القطاع الخاص".

كان همه لما عمل وزيرا للمالية أن يجلب استثمارات للبلد "تعرفت على محمد أبو غزالة وطلبت إليه أن يأتي للأردن، وكانت النتيجة شركة دجاج الوطنية التي شغّلت قوة عاملة كبيرة من الكرك وفيها نسبة كبيرة من الإناث".

هو اليوم رئيس مجلس أمناء جامعة مأدبا، وشارك بتأسيس جامعة عمان العربية، وسبب اهتمامه بالجامعات أنه يرى بها الوسيلة الأفضل للتغيير والتطوير والنمو في الاقتصاد والتعليم وهو أساس أي نهضة والأداة الأمثل لمحاربة البطالة.

يطالب الحكومة لتجاوز الأزمة المالية الالتفات لمبدأ موازنة الأداء والبرامج. ويطالب باعتماد الموازنة الصفرية التي تقضي باعتماد القاعدة الصفرية، التي تقضي أن كل برنامج يجب أن يدرس وكأنه برنامج جديد.

تزوج في العام 1977 من "أم فارس" جوزفين ابنة الموسيقار الكبير يوسف خاشو، وأنجبا ثلاثة أبناء، فارس ويعمل في البنك الوطني الأهلي بالإمارات العربية، ومنى تعمل في مؤسسة تشجيع الاستثمار، وهَنا تعمل في شركة المجموعة المتحدة ودرست في بريطانيا.

تعليقات