جاسر الشوبكي: نصير الحركة الطلابية يحمل ذاكرة "أحداث اليرموك"

جاسر الشوبكي: نصير الحركة الطلابية يحمل ذاكرة "أحداث اليرموك"

نشر: 14/6/2010 الساعة .GMT+2 ) 00:37 a.m )
|


د. مهند مبيضين


الحديث معه يبدو خارج السرب، غير آبه بما يمكن أن يحصل له، وقد حقق ما يريد، فهو الحاضر في ذاكرة طلبة اليرموك، ممن عاصروا أحداثها في العام 1986.

جاسر الشوبكي من مواليد الكرك "يصعب أن أتذكر الزمن، لكنني أظنه أواخر العام 1939". آنذاك والده محمد الشوبكي كان من عسكر الفرسان "عاش عسكريا ومات امباشيا"، وهو لا يذكر شيئاً عن الكرك، لكن أقدم ذكرى في ذهنه عن "فهيم الحباشنة، والد سمير وزير الداخلية الأسبق" لما كان فهيم رحمه الله في الرمثا أمباشيا.

بعد الرمثا، انتقلت الأسرة "وركبنا بظهر شاحنة الترك" إلى قرية دير أبي سعيد، يومها كان مدير شرطة لواء عجلون بهجت طبارة، وجاء صدفة في زيارة تفقدية للمقاطعة، وكان جاسر عند والده، فحياه وبقي جالسا معه "نادى والدي وأصر عليه أن يدخلني المدرسة على أن يرسل لي كل شهر خمسة جنيهات مع ضابط الصرف تشجيعا لي".

أولم والده لمدير مدرسة دير أبي سعيد الابتدائية، ودعا مدير الناحية صالح المجالي، وتم إقناعهم بقبوله "طالبا مستمعا"، في الصف الأول.

أنهى الصف الأول وبعدها نقل والده إلى جرش، وفيها درس الصف الثاني، بقي في جرش حتى الصف الخامس، وبعدها نقل لإربد، حين انتقل والده للخدمة بالضفة الغربية بعد الوحدة بين الضفتين في العام 1950.

في ثانوية إربد، يذكر من زملائه سعد حجازي وسفيان التل وهاني طبارة وفايز خصاونة وآخرين، ومن ألمع المدرسين "إبراهيم الطوال خريج الجامعة الأميركية، وكان معاقباً بتدريس طلبة الصف السادس، لأنه شيوعي، وواصف صليبي مدرس اللغة العربية". بعد الصف السادس، انتقل إلى طولكرم بسبب عمل والده، وكان من أوائل الشرق أردنيين ممن يدخلون ثانوية الفاضلية، والفاضلية كانت محطة مهمة لتوسيع فكره "نقلتني من القبلية إلى الأممية"، فيها قرأ التراث الإسلامي، وخاض حوارات معمقة مع الأساتذة، ومنهم نواف أبو كشك "كان صلبا وذا كبرياء"، ويوسف الحافظ "وكان يساريا". وكان معه في طولكرم أحمد عبيدات وأخوه محمد "سكنّا في العمارة نفسها".

بسبب علاقته مع حزب التحرير، نُقل إلى السلط، وهو ينفي أنه انتسب للحزب "لكن حضرت حلقاته" وكان عمره حينها 13 عاماً، وفي السلط تعرف إلى أساتذته الذين بقوا مؤثرين بحياته، ومنهم عدنان أبو عودة، ومحمد رسول الكيلاني، وحكمت الساكت، وسالم الخوري وكان بعثيا و"هؤلاء كانوا مؤثرين جدا بنا".

من السلط تخرج بشهادة المترك، ثم أرسل ببعثة إلى العراق لدراسة الفيزياء في العام 1955. وكان معه بالسيارة المتوجهة لبغداد عبداللطيف عربيات وفاروق بدران "وتفاجأت لما عدت ووجدت زميلي الدراسة عبداللطيف عربيات في صدارة الإخوان وأحمد عبيدات في المخابرات".

في بغداد سكن بحي الأرمن، ومعه محمد عبدالله أبو طويلة، وبعد عام لحقهم أشرف الكردي، وكان أحمد عبيدات أسبق منهم "وكنا نقرأ بالمقهى، وكان معنا عبدالهادي المجالي يسبقنا بعامين".

في أواسط الخمسينيات، وبعد العدوان الثلاثي على مصر، اندلعت المظاهرات ببغداد وشارك بها مع مجموعة من طلاب الأردن و"أذكر أن حذاء نوال حشيشو طار بالمظاهرات في بغداد". فأخرجوا من العراق. من ثمّ عاد إلى العراق، لعام واحد وتخرج، ومن ثم قرر العودة إلى الأردن، عبر مطار القدس، واعتقل في المطار العام 1959.

عاد لإربد ورفضت الوزارة تعيينه لأنه شيوعي، و"في الأثناء جاء بهجت طبارة بزيارة إلى إربد وكان قد أصبح مديرا للأمن، وسأل الوالد عني وأخبره أنني مطلوب للأمن، وذهب هناك، وأحضر ملفي، وقال يا ابني اقرأ ملفك، ورد عليه"، ذلك أتاح له قراءة ما كتبه الرفاق عنه من تقارير. ثم طلب إليه بهجت طبارة أن يعلن براءته من الحزب الشيوعي، و"قلت له أنا لست شيوعيا، وجاء حكمت مهيار في الأثناء، وأخذني معه، واتصل بجريدة ونقّلهم البراءة".

الشيخ محمد أمين الشنقيطي، وزير التربية حينها، رفض تعيينه بوزارة التربية، فاتصل عصر المجالي مدير شرطة إربد مع هزاع المجالي و"كانت الفكرة أن أُعيّن بالرئاسة، وعلى أثرها عينني الشنقيطي في مدارس الخليل". رفض الشوبكي التعيين، وبدعم من عصر المجالي نقل إلى إربد، وفيها درّس، وبدأ يتعرف إلى شبابها، ومنهم عواد الخالدي ومشهور حديثة، وفي ثانوية إربد يذكر من طلابه نايف القاضي وعبدالرحيم العكور وحسني الشياب وآخرين.

الظروف لم تسمح بدخوله الجيش، فرشحته وزارة التربية ببعثه للدكتوراه حين كان ذوقان الهنداوي مسؤولا للبعثات، وتقدم لامتحان اللغة، وفوجئ بأنه بديلٌ لبنت من نابلس "وتحاورت مع ذوقان بالأمر، وتطور الأمر، وخرجت لمكتب وزير التربية، حسن الكايد، وقدمتُ الاستقالة".

بعدها ذهب للكويت مدرّسا في العام 1963، ومعه ممدوح الروسان وكمال المومني، وبقي فيها أربع سنوات، وكان عدنان أبو عودة صديقه، وأستاذه قد سبقه إلى هناك، تلك الغربة جعلته يؤمّن والده ببيت، وبعدها تقدم بطلبات للجامعات الأميركية، وحصل على قبول منحة، وذهب لدراسة الفيزياء النووية في العام 1968.

في أميركا التحق بجامعة "اورجن". لدراسة الفيزياء النووية، وفي دراسته كان يريد تحقيق حلم لطالما راوده "وأنا طفل كانت أمي تفرش بطانية، وكنت أتفرج على النجوم وكنت حاب أعرف قصتها وعرفت". بقي سبع سنوات في أميركا، كان فيها ناشطا بالعمل الطلابي، وصار رئيسا لمنظمة الطلاب العرب.

في نيسان من العام 1976 عُيِّن بجامعة اليرموك "كنت ثاني واحد يعين، وكانت الفكرة عني أنني طالب مسكين، وخريج جديد، وأسعى لأتعين، ثم كانت المفاجآت".

بدت في الجامعة ملامح حركة طلابية، تمثلت بإحياء ذكرى يوم الأرض ومعركة الكرامة، وفي صيف العام 1977 حاولت الجامعة رفع الرسوم، فاعتصم الطلبة احتجاجا على رفع الرسوم، ونجحوا في منعه.

في العام 1978، اعتصم الطلبة واضربوا عندما اجتاح الجيش الإسرائيلي جنوب لبنان، حتى هيأت لهم الجامعة وسائل نقل للذهاب إلى لبنان للقتال.

بعد العام 1979، وعقب زيارة السادات للقدس اشتعلت الجامعة غضبا، وخرجت المظاهرات باتجاه مدينة إربد، وتكررت هذه الأحداث والاعتصامات في العام 1980، على إثر اشتباك منظمة التحرير مع الجيش الإسرائيلي، ما أدى إلى سجن وفصل بعض النشطاء من الطلبة.

في العام 1982، وأثناء الاجتياح الإسرائيلي لبيروت، أجبرت الجامعة على إلغاء مهرجان جرش الذي كانت تحتضنه وتديره جامعة اليرموك. وفي العام 1984 جرى إضراب استمر أكثر من أسبوعين بسبب العلامات وقرارات الفصل الأكاديمي وتراجعت الجامعة عن الفصل التعسفي.

نشاط الهيئة الأكاديمية والإدارية أخذ طابع سياسيا. إذ عقد الأساتذة أول اجتماع سريّ لهم ليلا في العام 1979، واقتصر الاجتماع على الأردنيين فقط خشية تعريض الآخرين لمشاكل مع السلطات الرسمية، ناقش فيه المجتمعون أوضاع الجامعة، وصاغوا مطالب محددة حول ضرورة تطبيق قانون الجامعة المؤقت، ولمنع تفرد الرئيس ومن يحيط به باتخاذ القرارات الرئيسة.

عشية أحداث اليرموك، كان د.جاسر الوحيد مع الطلبة في ساحة الاعتصام "كانت الساحة التي اعتصم بها الطلبة مجاورة للكفتيريا، وتحولت اليوم إلى موقف للسيارات". يذكر أنه في الساعات الأولى من مساء 14 أيار 1986، شعر بعض الأخوة أن الأمور تتطور بشكل سريع، نحو الأسوأ، فالجامعة مطوقة بوحدات من الأمن الخاص.

طلب منه البعض تدارك الأمر، فاتصل بمريود التل، وكان مستشارا لرئيس الوزراء آنذاك زيد الرفاعي، وشرح له ما يجري داخل الجامعة، وطلب مريود إليه "أن يتحدث مع رئيس الوزراء إن أمكن ذلك، وأخبرني مريود أن مجلس الوزراء منعقد، ولا يستطيع الاتصال برئيس الوزراء".

"طلبت منه أن يكتب مذكرة ويدخلها إلى دولته، لكن الإخوة أصروا على أن أتصل بأستاذي عدنان أبو عودة، الذي كان وزيرا للبلاط، وهذا ما جرى، فطلب مني الانتظار، واتصل بي بعدها وأخبرني أن دولة الرئيس ينفي حصار الجامعة، وتواجد قوات الأمن حولها، وأن بإمكان المعتصمين الخروج بسلام. ولكنني أخبرت عدنان بأن وصف دولته لما يحدث ليس دقيقا"!

اقترح عليه أبو عودة أن يتوجه إلى مديرية الأمن في إربد، ويجتمع مع السيد عبدالهادي المجالي، مدير الأمن العام، الذي كان متواجدا هناك، ويتكلم معه لمنع حدوث الاقتحام. لم يقبل جاسر العرض، وأوضح له بأنه لا يمثل الطلبة، و"لست عضوا في مجلس الجامعة، وليست لي أي صفة تمثيلية للحديث مع عبدالهادي المجالي، وأخبرته أن كل ما سأفعله بعد إغلاق السماعة هو الانضمام إلى طلابي المعتصمين".

انضم معه في ساحة الاعتصام كل من الدكتور عزت العزيزي والسيد علي موافي، إلا أن مدير شرطة إربد، الذي كان متواجدا في الساحة أيضا، طلب من عزت مغادرة المكان، "وكان الطقس باردا نوعا ما في الليل، وكنت ألبس سترة عسكرية (فلدة) وشماغا فلم يتم التعرف علي". وانسحب علي موافي إلى شارع فرعي، وانضم له فيما بعد. وحدث الاشتباك في الساحة والشوارع الفرعية المجاورة وبين بيوت الأساتذة.

سقط العديد من الشهداء والجرحى من الطلبة، ودخل بعض الجرحى منزل الدكتور عبدالرحمن العطيات، وقام بنقلهم إلى مستشفى الراهبات المجاور للجامعة.

عاد أبو خلدون في الثالثة والنصف صباحاً إلى منزله ليجد أن قوات الأمن اقتحمت مسكنه، وكسرت الباب بغرض تفتيشه، بحثا عن الطلبة، وقد امتلأت بيوت الأساتذة القاطنين في الجامعة بالطلبة الذين طلبوا الحماية.

وفي الصباح، كانت الجامعة مكتظة بقوات الأمن، فتم الاتصال بالسيد مطيع حماد قائد الفرقة 12 طلبا للمساعدة، فأرسل سيارته مع مرافق عسكري للمساعدة في نقل الطلبة على دفعات وإطلاق سراحهم في قرى إربد، وداخل المدينة، تم نقل أكثر من مائة طالب في ذلك اليوم.

تشكلت بأمر ملكي لجنةٌ وزاريةٌ للتحقيق، وجاء تقريرها محمِّلا إدارة الجامعة جزءاً من المسؤولية، فاستقال رئيس الجامعة، د.عدنان بدران، وفُصل خمسة عشر أستاذاً، كان جاسر الشوبكي من بينهم، وتم تسفير د.كمال أبو ذيب إلى سورية، وانشطرت الجامعة إلى شطرين سمي أحدهما جامعة العلوم والتكنولوجيا واحتفظ الآخر باسم اليرموك.

كان عليه أن يدفع الضريبة "تشردنا على طول الوطن العربي وعرضه، بحثا عن عمل، بعد أن سدت الأبواب في وجوهنا، فسافرت إلى اليمن، وكنت حاولت أن أعمل بمحطة بنزين". كان معه كمال أبو ديب. وبقي فيها إلى العام 1989. "وهناك تعرف إلى عبدالعزيز المقالح".

يتذكر من طلابه باليرموك، إبراهيم عجوة (من تنظيم فتح الانتفاضة)، وأحمد ابو خليل، وفهد الخيطان، وجمال الطاهات، وإلياس محمد سعيد.. "هؤلاء الزمرة".

د. جاسر الشوبكي أستاذ الفيزياء النووية، الآن متقاعد، زوجته جوني (أميركية) تزوجها في العام 1970، أنجب منها خلدون، وهو محام في أميركا، وأروى درست القانون والانثروبولوجيا.

تعليقات