جمال الصرايرة: وزير الاتصالات المخضرم قبِل بدفع ثمن مواقفه المبدئية في الخصخصة

جمال الصرايرة: وزير الاتصالات المخضرم قبِل بدفع ثمن مواقفه المبدئية في الخصخصة

نشر: 29/3/2010 الساعة .GMT+2 ) 01:49 a.m )
|


د.مهند مبيضين

يرى أن المستقبل الأردني سيكون افضل، وأن خيارات الأردن الاستراتيجية والاقتصادية يمكن أن تكون أكثر فعالية، إذا وجدت الأكفاء من أبناء الوطن ممن يعملون بشفافية وصدق، ويدعو إلى التركيز على الإصلاح الشامل ومعالجة التداعيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للأزمة الاقتصادية.

واضح في سبل علاج تعثر الإصلاح، ويحصرها بانتخابات حرة ونزيهة مع ضمان عدم التدخل بها، وعدم تكرار نموذج انتخابات العام 2007، ويرى أننا مدعون للترشيد في الاستهلاك "نحن نعيش –باستثناء الطبقة الفقيرة بمستوى أكثر من دخلنا".

من جيل ديمقراطية العام 1989 وفيها فاز عن دائرة الكرك وحصل على نحو أحد عشر ألف صوت "كنت في كتلة الوفاء التي اكتسحت مقاعد دائرة الكرك"، وبرأيه فإن تجربة العام 1989، "كانت البوابة الحقيقية لإعادة الاعتبار للديمقراطية وكنت نائبا للكرك".

قبل النيابة تقدم في أكبر الشركات العالمية وهي شركة التابلاين وآرامكو في وكان أصغر مديري الشركة في سورية ولبنان والأردن وعمره يومها ثمان وعشرون عاما.

ولد جمال الصرايرة العام 1956 في قرية الدويخلة –الهاشمية فيما بعد- والده كان مزارعا، وإخوته متعلمون؛ منهم قيادات تربوية وعسكرية، ومثل حال جيله درس بداية أمره في مسجد القرية على الشيخ احمد الحوراني.

انتقل بعدها لمدرسة الهاشمية الجنوبية وبقي فيها حتى الصف الخامس الابتدائي، ثم انتقل لمدرسة الحسينية الإعداية وفيها قدم المترك، آنذاك كان غالب المدرسين قوميين و"منهم الاستاذ فريد الحوراني وميخائيل الحوراني ويعقوب زريقات وعلي نوفل ود.محمود الشلبي ويوسف الصرايرة وشاكر الطراونة ومحمد العقيلي".

انتقل لمدرسة المزار الثانوية، وفي الصف الأول ثانوي كان متقدما في نتائجه. فأصر مدير تربية الكرك المرحوم داوود المجالي على أن يدرس العلمي في مدرسة الكرك "لضمان عودتي كمعلم ندرة".

رفض جمال رغبة داوود المجالي فميوله أدبية، فنفاه المجالي ومعه زميله سليم الجعافرة العام 1971 للزرقاء وفيها أتمّ الثاني الثانوي الادبي وقفل عائدا للكرك بعد عام لدراسة التوجيهي في مدرسة المزار الثانوية، ليكون الرابع بالمحافظة في الثانوية العامة.

حصل على منحة من وزارة التربية، وبدلا من أن يرسل لبيروت للدراسة في الجامعة الاميركية أرسل لجامعة الكويت الحديثة النشأة "كان هناك نظرة قضت بإرسال الأردنيين إلى الكويت بدلا من بيروت تجنبا لانخراط الطلبة بتجاذبات السياسة".

ارسل للكويت ومعه هاشم المومني الذي كان الاول على المملكة يومها ومحمود ابو الرز "ووجدنا نبيل الشريف وماجد الجعافرة هناك"، والتجربة بالكويت كانت مثقلة بالدارسة.

درس الأدب الانجليزي، كانت الدراسة صعبة "معظم الاساتذة أميركيون وكنت ادرس سبع عشرة ساعة باليوم لأتجاوز عقبة اللغة الانجليزية. وذات يوم زرنا ذوقان الهنداوي سفيرنا بالكويت وطلبنا تغيير المنحة للغة العربية ورفض". ومما ساعده على تقوية لغته أن الجامعة كانت ترسلهم كل صيف إلى لندن.

الكويت لم تخلُ من السياسة "كان اتحاد طلبة فلسطين قويا، وكان الطلبة الاردنيون يواجهون عزلة سببها نظرة سلبية لهم". أما زملاؤه في جامعة الكويت فكلهم تعلموا وصاروا أساتذة جامعيين، وقد تتلمذوا على شوقي ضيف ونازك الملائكة وغيرهما من كبار أعلام الفكر.

قبل انتهاء الدراسة زار وفد من شركة أرامكو الجامعة، وقاموا باختياره من بين النابغين في الجامعة، وهو على أبواب التخرج، وبعد ان أنهى الدراسة بتقدير جيد جيدا بمرتبة الشرف، عمل في آرامكو في المملكة العربية السعودية، وبقي ثمانية عشر شهرا، من ثم حصل العام 1979 على قبول في قسم ويدرو ولسون بجامعة ويلز لدراسة القانون والعلاقات الدولية، وحصل على الدبلوم، ومن ثم نقل إلى كلية ساوس في جامعة لندن وعاد لآرامكو في العام 1981.

تقدم وظيفيا في الشركة وأصبح مستشارا أعلى، من ثم في العام 1982 نقل مديرا للشركة في الاردن ولبنان وسورية، وظل حتى 1/1/1991 عندما اصبح وزيرا للنقل والاتصال.

دخل الانتخابات العام 1989 وفاز، وبقي مديرا لشركة آرامكو، ثم اضحى نائبا أول لرئيس مجلس النواب سليمان عرار. تطورات الظرف الإقليمي عجلت برحيله من آرامكو "الموقف تطور بعد دخول صدام حسين للكويت، فالشركة قررت إبلاغ الحكومة الاردنية بإيقاف ضخ النفط لمصفاة البترول" وبما انه كان المدير المخول بتوقيع كل المعاملات الرسمية المتعلقة بالضخ وإجراءاته رفض التوقيع على قرار وقف الضخ، وقدم استقالته من آرامكو.

بررت الشركة القرار بوجود دفعات مستحقة على الحكومة الأردنية لصالحها، وهو يستبعد ذلك السبب ويربطه بالموقف من العراق "اعتقد ان الاردن دفع ثمناً غاليا، بأن طار التابلاين حتى اليوم واندثر ولا يمكن عودته لأنه تآكل بفعل الزمن".

عند تشكيل مضر بدران لحكومته الرابعة (في العام 1/12/1989) عرضت عليه وزارة الثقافة فاعتذر "اتصل بي سليمان عرار والروابدة وقالوا روح على الديوان.. صعب ان اكون وزير ثقافة فرحم الله امرأ عرف قدر نفسه".

لم يتأخر كثيرا، فحاجة مضر بدران لإدخال الإسلاميين للحكومة جعلته يجرى تعديلا (بتاريخ 1/1/1991) ليدخل الصرايرة ممثلا عن الإسلاميين، وزيرا للمواصلات "تفاوضت الحكومة مع الكتلة الاسلامية المستقلة، وقبلت ودخل معي الشيخ محمد العلاونة وزيرا للزراعة".

تأثر أبو محمد بالمجلس النيابي الحادي عشر، ويعتبره التجربة الأكثر ثراءً "كنت تلميذا وكان البقية كبارا، والتجربة كبيرة كانت مع حكومة مضر بدران فهو مدرسة ويمكن ان أعده مدرستي".

تقلد بعد ذلك وزارات عدة، في حكومة الشريف زيد بن شاكر– الأمير فيما بعد المشكَّلة (بتاريخ 12/11/1991) وزيرا للمواصلات، ومن ثم وزير بريد واتصالات في حكومة الشريف زيد (المُشكّلة بتاريخ 8/1/1995)، وحمل ذات الحقيبة في حكومة عبدالكريم الكباريتي (المُشكَّلة بتاريخ 4/2/1996)، ثم في حكومة عبد الرؤوف الروابده (المُشكَّلة في 4/3/1999) حمل حقييتي النقل والبريد والاتصالات.

الجنوبي الطيب ذو الثقافة، الصوفي، مارس عمله كنائب للكرك في المجلسين الحادي عشر والثاني عشر، وعلاقته مع الحكومات كانت واضحة، وبلا مزايدات، حجب الثقة عن حكومة طاهر المصري وامتنع عن الثقة بحكومة عبدالسلام المجالي.

الصرايرة لا ينفي أنه إشكالي، ذلك نابع (برأيه) من دفاعه عما يعتقد أنه مصلحة عامة وفي خدمة البلد، وهو يُقيم رؤساء الحكومة الذين عمل معهم "مضر بدران يحترم وزراءه، ويطالبهم بالعمل المستمر مقابل الثقة والحماية. وأبو شاكر (الشريف زيد بن شاكر) كان نبيلا ومحترما، اختلفتُ مع الكباريتي لكنه رجل دولة ونظيف وصاحب قرار، وعبد الرؤوف كان يحبني لكنني اختلفت معه لأنه لم يوفر لي الدعم المطلوب منه كرئيس حكومة في مواجهة المتنفذين، وتدخل زملاء في الحكومة لدفعه لدعمي". مع ذلك رفض الصرايرة تدخل نافذين بعمله "جلالة الملك طلبني وقال: اريد ان تكون العملية عادلة وشفافة في أمر التخاصية للاتصالات، وعملت على إنجاح ذلك".

لا ينفي أنه جوبه بتدخلات المتنفذين في دوائر الدولة "حاولت منعهم ووقفت سدا منيعا ضدهم وبعنا اربعين بالمائة من شركة الاتصالات بـ508 ملايين دولار بموجب عطاء دولي شفاف"، لكنه دفع الثمن بالخروج من حكومة الروابدة بالتعديل الذي أُجري بتاريخ 15/1/2000.

يؤكد أنه لم يقبل "أن يسمسر أحد على البلد في خضخصة الاتصالات"، وأنه إذا احصى خسارته فإنه يحزن على أن خسارته خلال العشر سنوات الماضية هي إبعاده عن الساحة السياسية "ما حال دون أن خدم بلدي في وقت كان يمكن ان أعطي فيه الكثير".

فهمه لقطاع الاتصالات دقيق، فهو خبير يعرف تفاصيله جيدا، ويرى أنه "اشبع حاليا بالمشغلين" ويسجل له أنه فتحه للمنافسة "عملت وفريقي على إعداد قانون الاتصالات في حكومة المرحوم الشريف زيد بن شاكر العام 1995، وكان اول قانون اتصالات حديث فتح الباب للاستثمار في القطاع".

وأسس هيئة تنظيم قطاع الاتصالات والانظمة الخاصة بها، ونفذ المشروع الوطني للاتصلات بأكثر من خمسمائة ألف خط هاتفي، وما زالت شركة الاتصالات الاردنية تعتمد على تلك البنية التحية حتى الآن، وصمم المقسم الدولي وربط الاردن في الخط السوبر. وتلك الخبرة أهلته ليكون اليوم مستشارا لشركة ريلاينس جلوبلكوم العالمية، ورأسمالها 70 بليون دولار.

نشأ الصرايرة متدينا، لكن يصنف نفسه بأنه ليبرالي إسلامي، برؤية وطنية، والرؤية تجعله يدافع عن صحة ما يعتقده، وما هو مصلحة للبلد، ويؤمن بأنه يجب ان لا يسمع المسؤول ما يريد، بل ما هو صواب، وإن كان ذلك غير مطلوب، هو أول وزير يقدم كشفا بما يملك، حدث ذلك في حكومة الكباريتي، ويقر أنه يجابه المسؤول، لكن بما هو حق ومصلحة عامة "أنا لا أقبل ان يقرر رئيس حكومة إحالة عطاء على شركة، وأن يكون دوري أن أوقع، بل على السياسي أن (يُعرِّض كتافه)".

يؤمن أن الصورة ليست قاتمة في اللحظة الراهنة، وخيارات الاردن ليست محدودة كما يظن البعض، وأي بلد يمر بما نمر من تحديات، و"تجربة الخمس حكومات" صقلته، إذ خدم بها نحو سبع سنوات ونصف.

يقرأ في كتب الأنساب والسير الذاتية، تزوج العام 1978 من السيدة باسمة ابو عساف وأنجبا محمد وهو مهندس، والمهندسة أمامة مديرة في شركة زين، وأحمد درس القانون في جامعة كينت، وعبد الله يدرس في الجامعة الأردنية وسيف الدين توجيهي.

Mohannad.almubaidin@alghad.jo

تعليقات