صور ناجي باشا العزام






إن تاريخ أي أمة من الأمم هو مستودع ذكرياتها ، ومخزونها الوطني القومي والتراثي ، تعود إليه شحذاً للهمم ووصلاً للحاضر بالماضي ، من أجل بناء مستقبل أفضل اغناءً للمسيرة ورفداً لها.

وشهدت السنوات الأخيرة تزايد الاهتمام بإعادة قراءة تاريخ الأردن وكتابته وبالرغم من كل ذلك إلا أن هناك جزءاً من هذا التاريخ وهو جزء مهم بقي مهملاً حيث لم ينل حقه من دراسة سيرة حياة صانعيه وتجاربهم وخبراتهم ، ومن هنا برزت الحاجة الماسة لأن ننهض جميعاً وبكل ما لدينا من طاقات لإعادة قراءة تاريخنا الأردني وكتابته ، فهو مفخرة لكل الأجيال القادمة لتحذو حذوه ومما يسر النفس هو أننا أصبحنا نرى جهوداً طيبة تبذل لإعادة تاريخ الأردن من خلال إحياء سير حياة أولئك الرجال الذين ساهموا في حمل أمانة المسؤولية.

ومن أبرز الرجالات الذين كان لهم دور ريادي في حدود إمكانياتهم المتواضعة على مختلف الأصعدة المرحوم ناجي باشا العزام ، ولو أن الكتابة في عدة سطور لا يمكن أن تقيم الدور الريادي الذي قام به ناجي العزام ، في الحفاظ على هذا الوطن والعمل لأجله.

هو ناجي بن مزيد بن كليب بن محمد عزام ، وعشيرة العزام هي إحدى فروع قبيلة الشرارات (العزام ، الفليحان ، الحلسة) ، ومن أماكن تواجد العزام في الوقت الحاضر فيتواجدون في مادبا والضليل واصون والكتة والصريح ، وفي قرى ناحية الوسطية في صيدور وكفر اسد وقم وقميم ، وججين وكفر عان وحوفا ومخربا ودير السعنة وأربد.

ولد ناجي العزام بقرية حوفا عام م1873 ، حيث كانت حوفا ذات موقع مهم حيث تتوسط ناحية الوسطية والطيبة وتقع على طريق فلسطين وتلقى الناجي تعليمه في الكتاتيب وقد نشأ في أسرة ذات مكانة اجتماعية مرموقة حيث كان جده كليب عضواً في مجلس الإدارة والدعاوي لقضاء عجلون عام م1872 ، وأبوه مزيد قاضياً عشائرياً وأخوه شلاش عضواً في مجلس إدارة قضاء عجلون عام م1911 ، وقد تولى الشيخة بعد وفاة أخيه شلاش وأصبح زعيماً لناحية الوسطية عام 1916 ، وأصبح مسؤولاً عن ناحية الوسطية وهي ناحية عشائرية في زمن الحكم العثماني الذي كان يحكم البلاد وقد أدرك الناجي مدى الظلم والاضطهاد الذي فرضه العثمانيين على الفلاحين فوقف إلى جانب الفلاحين بشكل لا مثيل له حيث أمر المخاتير بعدم جني الضرائب وإيقاف السوقيات من الحبوب والمواشي التي كانت تورد لدرعا والحطب الذي كان يورّد لجسر المجامع لتسيير قطار دمشق حيفا بعد إنشائه عام م1908 ، وإزاء هذا التصرف جاء أحد الضباط الأتراك ومعه مفرزة من الجاندرما فجمع المخاتير وأمر بمعاقبتهم وعندما أبلغوه أن زعيم الناحية ناجي العزام هو الذي أوعز إليهم بوقف السوقيات ذهب الضابط لديوان ناجي باشا العزام ، وسأل عن سبب هذا التصرف فأجابه الناجي قائلاً: "لا يوجد لدى الأهالي سوى حبوب البذار فهل أمرت الحكومة بعدم الزراعة؟"

وقد كان للناجي عدة مواقف سياسية حيث اشترك في المؤتمر السوري الأول والثاني وفي حفل تتويج الملك فيصل ملكاً على سوريا. حيث دُعي لمؤتمر قومي ليمثل أقطار سوريا الكبرى وقد اجتمع في دمشق بتاريخ 2 ـ 7 ـ 1919 واتخذ جملة من القرارات أهمها استقلال البلاد السورية بحدودها الطبيعية استقلالاً تاماً ورفض مزاعم الصهيونية ، بجعل فلسطين وطناً لهم واختيار الأمير فيصل ملكاً دستورياً عليها.

أما عن مشاركته في المؤتمر السوري الثاني فقد انعقد المؤتمر مجدداً في دمشق بتاريخ 7 آذار 1920 ، وقرر المؤتمر إعلان استقلال سوريا والمناداة بالأمير فيصل ملكاً عليها. في 8 آذار واضعاً بذلك بريطانيا وفرنسا أمام الأمر الواقع.

وقد شارك الناجي في حفل تتويج الملك فيصل ملكاً على سوريا وحضر هذا الحفل عدد من الشخصيات الأردنية مثل كليب الشريدة وسعد العلي البطاينة وسليمان السودي وناجي العزام ومحمود الفنيش وكايد المفلح وسالم الهنداوي.

وقد دعا ناجي باشا العزام زعماء ومشايخ لواء عجلون لاجتماع في ديوانه عُرف فيما بعد بمؤتمر( قم ) وقد جاء هذا الاجتماع عندما لم يفً الإنجليز بوعودهم بوقف الهجرة ومنع بيع الأراضي لليهود ، حيث اتخذ الزعماء في مؤتمر قم عدداً من القرارات أهمها مواصلة الدفاع عن الأراضي الفلسطينية من أجل وقف التوسع الصهيوني والهجرة فعملوا على حشد جموع من قرى نواحي الوسطية والكفارات وبني عبيد والرمثا وقرروا الهجوم على الإنجليز فذهبت مجموعة منهم باتجاه سمخ مجتازة نهر الأردن ومجموعة أخرى باتجاه بيسان مجتازة نهر الأردن فذعر اليهود وفروا ونتيجة لهذا الهجوم انقطع سير القطارات عن حيفا ودمشق وتعطلت الاتصالات الهاتفية ، وسارعت السلطات البريطانية وأرسلت الطائرات لقصف المهاجمين بالقنابل مما اضطرهم للتراجع بعد أن فقدوا عشرة شهداء هم كايد المفلح العبيدات وسلطان عبيدات وقفطان عبيدات ، ومحمد الحجات ، وسعيد القرعان وزطام العلاونة وثلاثة من مجاهدي درعا.

وقد شارك ناجي باشا العزام في لقاء أم قيس في 2 أيلول عام 1920 ، عندما لم يلتق زعماء لواء عجلون مع المندوب السامي البريطاني الذي حضر للسلط من فلسطين للقاء زعماء شرق الأردن بتاريخ 21 آب 1920 ، ولذلك تم الاتفاق على أن يلتقي زعماء لواء عجلون بالميجر سمرست نائباً عن المندوب السامي البريطاني وتم الاتفاق على أن يكون اللقاء في بلدة أم قيس لتوسطها المسافة بين اربد وطبريا التي كان يقيم فيها الميجر سمرست وكان المشاركين في هذا اللقاء هم ناجي العزام ، على خلقي الشرايري ، محمود الحمود ، سالم الهنداوي ، قويدر عبيدات ، عبد الرحمن ارشيدات ، محمود الفنيش ، تركي الكايد ، أحمد مريود ، سعد البطاينة. حيث قام المجتمعون بتقديم مطالبهم إلى الحكومة البريطانية ، وعرفت المطالب والأجوبة عليها فيما بعد بمعاهدة أم قيس.

وقد أقنع سمرست الزعماء بعدم جدوى مقاومتهم للفرنسيين وطلب منهم تشكيل حكومة خاصة بهم وعادوا إلى اربد واتفقوا على إنشاء حكومة للقضاء في 5 أيلول 1920 برئاسة علي خلقي الشرايري الذي تولى السلطة الإدارية بصفته قائم قام وشكل الشيوخ لجنة عُرفت باسم "المجلس الإداري التشريعي" ، وكان ناجي باشا العزام أحد أفراد هذا المجلس بالإضافة إلى سعد العلي ، سليمان السودي ، راشد الخزاعي ، محمد الحمود ، تركي الكايد ، نجيب فركوح.

لقد تعرضت حكومة عجلون التي كانت برئاسة علي خلقي الشرايري لانشقاقات أدت إلى تشكيل حكومات محلية في بعض النواحي التابعة لها اسمياً ولكنها في الحقيقة منفصلة عنها ومن هذه الحكومات حكومة ناحية الوسطية التي شكلها ناجي باشا العزام ، وكان مركزها كفر أسد التي كانت تهدف (هذه الحكومة) إلى الفصل في قضايا الناس وحل النزاعات والخلافات ومنع الفوضى واستتباب الأمن والمحافظة على وحدة وتماسك الناحية.

لقد تحلى ناجي باشا العزام بجملة من الصفات الخيرة التي عملت على صقل شخصيته فقد كان محباً للخير ، كارهاً للظلم ، ذا فراسة بالرجال ، يتمتع بصفات الفروسية وتمتع بصواب الرأي وبناء على ذلك فقد كان يفصل بالقضايا التي تعرض عليه عاملاً على إنصاف المظلوم وإعطاء كل ذي حق حقه مشاركاً لجميع أفراد ناحيته في مناسباتهم المختلفة.

لقد شارك ناجي باشا العزام زعماء ومشايخ البلاد الترحيب بالأمير عبد الله بن الحسين بعد وصوله إلى معان ودعوته لهم للتباحث والتشاور حول مصير البلاد في تشرين الثاني عام 1920 ، وفي ذلك الوقت تحدث الدكتور فايز العزام قائلاً: توجه الزعماء والمشايخ لمعان للترحيب بالأمير عبد الله والمناداة به أميراً على شرق الأردن من أجل توحيد البلاد للمحافظة عليها واستثنائها من وعد بلفور ولما فيه مصلحة البلاد والعباد.

وقد كان ناجي باشا العزام أحد أعضاء المجلس التشريعي الثاني الذي تم انتخاب أعضائه في 1 ـ 6 ـ 1932 ، كما أنه قد شغل عضوية ورئاسة عدد من اللجان.

وكغيره من شيوخ البلاد كان على علاقة طيبة مع جلالة الملك المؤسس حيث كان سمو الأمير يصطحبه في بعض رحلاته الداخلية ورحلات الصيد. وقد تشرف ناجي باشا العزام وأهالي ناحية الوسطية باستضافة سمو الأمير عبد الله عدة مرات في ديوانه في بلدة قم ، كما تشرف ناجي العزام باستضافة سمو الأمير طلال وسمو الأمير زيد أيضاً.

لقد كان ناجي باشا العزام أحد النماذج الوطنية التي شاركت في نشأة الدولة الأردنية وكان دائم الشعور بحاجات الفلاحين ومطالبهم ، وقد كان أحد المطالبين بتمليك غور الأربعين وصخور الغور والبشاتوه والباقورة لساكينها وذلك بهدف صمودهم في أراضيهم والدفاع عنها ، فقد كان مواظباً على طرح المشاكل التي يعاني منها المجتمع الأردني وإيجاد الحلول لها ، ولذلك فقد كان صاحب صيت ذائع بين الناس كما وقد كسب محبة الناس له ، رحم الله فقيد الأردن ، رجل المواقف العظيمة المرحوم ناجي باشا العزام وأسكنه فسيح جنانه.

بقلم الدكتور محمد عناقره

تعليقات