"زواج الأقارب": تنازلات على حساب الذات.. إرضاء للأعمام والخالات

"زواج الأقارب": تنازلات على حساب الذات.. إرضاء للأعمام والخالات


هذه الخدمة تمكنك من تقييم المقالات دون الحاجة للتعليق وذلك وفقا للتدرج الاتي:
  • : مقبول
  • : ضعيف
  • : جيد
  • : جيد جدا
  • : ممتاز

MCT

منى أبوحمور

عمان- تغريب النكاح، الذي نصح به الرسول الكريم عليه السلام، لم يقصد به تحسين النسل وتجنب الأمراض الوراثية فقط، ولم يقف، كذلك عند حدود تمتين العلاقات الاجتماعية ومدها إلى نقاط أبعد من العائلة والعشيرة، بل قصد منه، أيضا، الحفاظ على الروابط العائلية ذاتها، في حال نشوب الخلافات بين الزوجين، والتي لا تنحصر نتائجها بالقطيعة بينهما، بل ربما تمتد لتشمل ذوي القربى أنفسهم.
النتائج السابقة انعكست على الثلاثيني محمد، الذي لم يكن يدرك أن انفصاله عن ابنة خالته، التي دام زواجه منها أربعة أعوام، سيكون سببا في القطيعة بين أمه وخالته.
ويقول "حاولت كثيرا أن أتجنب الوصول إلى الطلاق، ولكن لم أتمكن من حل المشاكل اللامتناهية بيني وبينها".
ويضيف محمد أن الخطأ الذي ارتكبه في هذا الزواج، أنه لم يكن يستطيع حسم صعوبة التفاهم بينهما منذ بداية العلاقة، إذ كان في كل مرة يقول في نفسه "هي ابنة خالتي ويجب أن أتحملها"،"خالتي وينبغي ألا أغضبها.." إلى آخر تلك العبارات المطاطة التي كانت تزيد الأمور سوءا وتعقيدا.
ويشير إلى أن صبره على تلك الخلافات التي كانت تتزايد باطراد لم يستمر طويلا، لأن "كثرة الضغط تولد الانفجار"، بحسب وصفه، ما أدى في النهاية، إلى قطع العلاقة الأسرية بين العائلتين، وهو الأمر الذي لم يكن يدور في ذهنه أبدا.
أما العشرينية رهام، فما تزال، هي الأخرى، تدفع ضريبة رضوخها لرغبة أهلها، وقبولها الزواج من ابن عمها، الذي وعدها بكثير من الأمور قبل الزواج، لكن وعوده لم تكن سوى "كلام طاير في الهواء".
وتقول "تنازلت عن كثير من مطالبي الأساسية، ولم أزل أتنازل، والسبب في ذلك أنه ابن عمي ويجب أن أتحمل"، مبينة أن تعبها لا ينجم عن التنازل فحسب، بل لكونه يسبب لها كثيرا من الضغوط النفسية.
وتؤكد رهام أنها تنظر إلى علاقتها الزوجية "نظرة رسمية" لا أكثر، مشيرة إلى غياب الجانب العاطفي بينهما، وتنتابها الحسرة على كثير من الأحلام التي كانت تأمل بتحقيقها عبر زواجها.
وتوضح رهام أن هذا الملل الذي يصبغ علاقتها الزوجية يؤثر كثيرا على نفسيتها، إذ إن كل من يراها يقول لها بأن وجهها مرهق، وأنها تغيرت، متسائلين عن السبب في ذلك.
وتشكو رهام من أن الأمر لا يقتصر على نفسيتها فحسب، بل إنها أصبحت تحمل نوعا من المشاعر العدوانية تجاه أهل زوجها، كما أصبحت تستهجن أي تصرف يصدر عنهم.
أما الثلاثينية خالدة التي تزوجت من ابن عمتها منذ 10 سنوات، وعاشت معه في منزل العائلة، فرغم وعده بنقلها إلى مسكن مستقل بعد عام، تقول إنه، وبمرور الوقت، بدأت الخلافات بالظهور بينهما بسبب عدم الإنجاب، مضيفة "تحملت الكثير من المضايقات ورمي الكلام بسبب تأخري في الإنجاب، ما جعل عمتي تأخذني إلى الطبيب باستمرار، ولكن لم تكن لدي أي مشكلة".
وتشير إلى أنه، وبعد فترة، قام زوجها بإجراء بعض الفحوصات، فتبين أن لديه مشكلة تمنعه من الإنجاب.
وتستهجن خالدة ردة فعل كل من العائلتين حيال هذا الأمر، حيث ضغطت كلتاهما عليها لتقبل الوضع، كونه ابن عمتها، ولا بد لها من أن تتحمل ذلك، من دون شكوى.
"الصبر هو ما يطلبه والداي مني، متذرعين بأن هذا هو نصيبي من الدنيا، وأنه لو كان زوجي غريبا، لكان من الممكن النظر في الموضوع"، مستنكرة مدى استخفافهما بمشاعرها ورغبتها بأن تكون أما، ومبينة أنها ستدفع ضريبة زواجها طوال العمر.
وحول موضوع زواج الأقارب، يرى اختصاصي علم الاجتماع الأسري فتحي طعامنة أن الحياة الزوجية، أساسا، عبارة عن مجموعة من التعاملات اليومية، التي لا يستطيع الإنسان أن يفلت منها، مشيرا إلى أن هذه التعاملات قد تحمل في طياتها اختلافات في وجهات النظر والتفكير، الأمر الذي يسبب كثيرا من المشاكل.
وينوه طعامنة إلى أنه بالإمكان حل المشاكل التي تواجه الزوجين بكل سهولة، لكن في حال زواج الأقارب فإن الأمر يحكمه كثير من الضغوطات، لا سيما وأن أي قرار سلبي يأخذه الزوجان قد يؤثر سلبا على العائلة الممتدة، مضيفا "كثيرة هي الحالات التي تخاصم فيها إخوان وأخوات بسبب مشاكل وخلافات الأزواج".
ويضيف طعامنة، أنه، ومن جانب آخر، يحدث في هذا الصنف من الزيجات، نوع من التنازلات التي يخضع لها كل من الزوجين، إذ يتنازل كل منهما عن حقوقه الزوجية، على الرغم من أن ذلك لا يحقق لهما السعادة المنشودة من هذا الزواج، وقد يصل كل منهما إلى قرار بعدم القدرة على المواصلة والتحمل أكثر، لكن يظل جدار القرابة متربصا بهما، ويبقى التنازل مستمرا.
"زواج الأقارب أكثر خطورة على البعد الاجتماعي من أي أمر آخر"، يقول طعامنة، منوها إلى أن الأهل الذين يشجعون هذا النوع من الزواج، لا يدركون مدى الشرخ الاجتماعي الذي قد يسببه، خصوصا عند تعرضه إلى بعض المشاكل التي تحدث بين الأزواج.
"لم نصل إلى مرحلة من التحضر في التعامل مع بعض المشاكل التي تحدث بين الأزواج الأقارب"، وفق طعامنة، مبينا ضرورة الفصل بين تلك الخلافات والعلاقات الأسرية، إذ إنه، وفي بعض الأحيان، يكون الانفصال هو المنفذ الوحيد لهذه المشاكل، والحفاظ على ما تبقى من احترام يحمله كل منهما للآخر.
ويؤكد طعامنة أنه إذا كان لا بد من الانفصال، سواء بين الأقارب أو غيرهما، فيجب أن يكون المجتمع أكثر وعيا وتحضرا في إنهاء العلاقة بين الأطراف المتنازعة، لتحقيق ما يسمى بـ "الانفصال الناجح".
أما عن الأثر النفسي لهذا الزواج، فيرى الدكتور جمال الخطيب أن هذا الأثر يكون مزدوجا، إذ يحمل نوعا من الإيجابية للبيئة الاجتماعية والاقتصادية المتشابهة للطرفين، إضافة إلى اعتباره فرصة للتواصل العائلي.
ويضيف أنه، وفي المقابل، يسبب زواج الأقارب بعض الحرج للزوجين، الأمر الذي قد يعرض كلا منهما لنوع من الضغوط النفسية التي تنتج عن عجزهما عن البوح بكل ما يضايقهما، أو حتى التعبير عن اختلاف وجهات نظرهما حيال العديد من الأمور الزوجية، عازيا السبب إلى صلة القرابة التي تربط بينهما، ومضيفا "لا يعود الأساس في هذه العلاقة الزوجية متمثلا بالتفاهم، بل بكونهما أقارب فقط"، الأمر الذي يؤثر سلبا على نفسيتهما.
بدورها، تؤكد التربوية أمل العلمي بورشيك أن هذا النوع من الزواج يتم بطريقة غير سليمة، غالبا، ونزولا عند رغبة الأهل، وتكون المشاعر غير سوية، والزواج واقعا تحت محددات مادية، على حساب العلاقة الزوجية والأسرية، فتنتج عنه علاقات مضطربة، ويقع كلاهما تحت حيرة تلبية رغبات الآخرين، وتبقى العلاقات الأسرية هي التي تؤثر على الزوجين، في حين تظل العلاقة الزوجية تحت إدارة خارجية يحكمها الأهل.
وتؤكد بورشيك أن الفتاة، عموما، تحاول بزواجها أن تحقق طموحاتها وتمنياتها، لكن زواجها من قريب، قد يسبب لها نوعا من خيبة الأمل، عند العجز عن تلبية هذه الطموحات، فيضطر كل منهما إلى تقديم تنازلات، إرضاء لصلة القرابة التي تربط بينهما، ما يولد ضغوطا نفسية كبيرة لكليهما.
"كثير من الأسر تعتبر تمرد أحد الأزواج على زواج الأقارب، والارتباط بغريب، نوعا من الانشقاق على التقاليد"، وفق بورشيك، مشيرة إلى أنه ينبغي عدم ربط الزواج بالعادات والتقاليد، ومشيدة بقرار الحكومة إجراء فحص ما قبل الزواج، في محاولة للحد من هذه الظاهرة التي قد تحمل آثارا سلبية على سائر مناحي الحياة.

life@alghad.jo

تعليقات