الثورات لم تغيّـر خيارات الفلسطينيين ... والأردن الوجهة الأكثر أمناً

الثورات لم تغيّـر خيارات الفلسطينيين ... والأردن الوجهة الأكثر أمناً
الإثنين, 27 يونيو 2011
رام الله – بديعة زيدان

الثورة وما بعدها في مصر، والأحداث المتلاحقة في سورية، لم تؤثر كثيراً في خيارات الشباب الفلسطيني في قضاء عطلة الصيف خارج فلسطين. فلطالما كان دخولهم إلى مصر في عهد حسني مبارك، ولا يزال، يحتاج إلى تأشيرة تبدو صعبة المنال إن لم يكن مستحيلة في غالبية الحالات للشباب دون سن الأربعين. أما السلطات السورية وحتى اللبنانية، فقررت عدم السماح للفلسطينيين بدخول أي من البلدين، بصرف النظر عن العمر والجنس، إلا في حالات خاصة ونادرة، ووفق تصاريح تتطلب إجراءات مسبقة غاية في التعقيد، وهو ما وجد فيه المراقبون عقاباً جماعياً للشعب الفلسطيني، على توقيع قيادة منظمة التحرير الفلسطيني اتفاق «أوسلو» مع الجانب الإسرائيلي.

وبالتالي يبقى الأردن الوجهة المفضلة للفلسطينيين، خصوصاً من أبناء الضفة الغربية، حيث «الأمن والأمان»، وحيث «الأماكن السياحية غير الباهظة» و «الكثير من الأهل والأصدقاء»، كما تؤكد دارين سمارة، الموظفة في أحد مصارف مدينة رام الله، والتي قررت زيارة صديقتها في العاصمة الأردنية عمّان برفقة ابنتيها. وتقول: «سأنزل في بيت صديقتي التي أعدت لنا برنامجاً سياحياً في الأردن، على مدار أسبوع كامل إضافة الى أن اولادنا أصدقاء ومتقاربون عمرياًً».

وتضيف سمارة: «اقترحت على صديقتي الأردنية التوجه بالأولاد إلى شرم الشيخ، وبعيداً من تهكمها بما إذا كنا سنقوم بزيارة للرئيس السابق حسني مبارك، فإننا اصطدمنا بمنع دخول ابنيّ، وأحدهما في التاسعة، والآخر في الثامنة إلى مصر، لكونهما يحملان الجنسية الفلسطينية في حين لم يكن ثمة أية تحفظات عليّ لكوني أحمل الجنسية الأردنية، لذا قررنا السياحة في الأردن التي نحبها والتجول في المولات، والأماكن الأثرية، ووسط البلد، وجبل الحسين، وغيرها من الأسواق».

والواقع أن الأردن يبقى الخيار الأفضل والأسهل للفلسطينيين. صحيح أن البعض يتجه إلى تركيا، لكنها أيضاً تحتاج إلى تأشيرة دخول وهذا يمكن أن تتكفل به شركات السياحة، لكن من دون نتائج مضمونة بنسبة مئة في المئة. وتركيا على رغم أسعارها المعقولة نسبياً تبلغ تكلفة زيارتها أربعة أضعاف زيارة مماثلة للأردن. وتقول سمارة: «الفلسطينيون هذه الأيام يحسبونها جيداً، خصوصاً مع استمرار سلطات الاحتلال بالتلويح باحتجاز عائدات الضرائب الفلسطينية، وتشكل قرابة ثلثي قيمة رواتب العاملين في القطاع الحكومي، وبالتالي فإن الرواتب في مهب الريح، وقد تنقطع، أو تتعطل لفترة طويلة، وبالتالي فإن معظم الفلسطينيين يرفع هذا الصيف شعار «خلي قرشك الأبيض ليومك الأسود»، ويبدو أن الأيام السود ستكون كثيرة».

وفي السياق نفسه يسعى حسام عبد ربه، وفي كل صيف، إلى «إرسال» زوجته وأبنائه لقضاء عطلة الصيف في منزل العائلة في عمّان. ويقول: «الأطفال يسعدون بمساحات الترفيه الكبيرة في الأردن، والتي لا تتوافر في فلسطين، كما يفرحون بالابتعاد قليلاً، ولو لأشهر، عن مشاهد جنود الاحتلال عند مئات الحواجز العسكرية في الضفة الغربية».

ويضيف: «قضاء العائلة ثلاثة أشهر في عمّان، يوفر علينا الكثير من المصاريف، فمهما بلغ مصروفها الشهري هناك، لن يصل إلى نصف مصروفها في الأراضي الفلسطينية التي تشتهر بأسعارها المرتفعة للغاية». ويعطي حسام مثالاً عن اختلاف الأسعار في السلع الاستهلاكية فيقول: «جرة الغاز في عمّان بستة دنانير ونصف الدينار أي ما يعادل تقريباً 4 دولارات، وفي فلسطين بثلاثة عشر ديناراً. وسعر رغيف الفلافل في فلسطين يعادل سعر خمسة أرغفة فلافل في الأردن، وهذا ينطبق على الكثير من السلع الأساسية وحتى الترفيهية، كأقراص الـ «دي في دي»، وأقراص «البلاي ستيشن»، والتي يكلف الواحد منها في رام الله أو نابلس، ما يكفي لشراء ستة أقراص في عمّان».

وتوقعت إدارة المعابر الفلسطينية أن تسجل أعداد المسافرين الفلسطينيين إلى الأردن هذا العام أرقاماً قياسية، سواء لقضاء عطلة صيفية ممتعة في عمّان، جرش، عجلون، العقبة، البتراء، السلط، وغيرها من مدن الأردن، أم كمعبر إلى دول أخرى. لكن ما قد يحد من أعدادهم هي الضائقة المعيشية المرتقبة، والخوف من المجهول، بخاصة مع التكاليف الباهظة للوصول من الأراضي الفلسطينية إلى الأردن، ما بين تكاليف المواصلات وضريبة الخروج من الأراضي الفلسطينية اذ يحتاج الفرد فوق سن الثانية قرابة مئة دولار للوصول إلى عمّان، وهذا يجعل الأسر الممتدة تفكر «ألف مرة» قبل مغادرة بلادها، على ما يقول سمير القاسم، الذي لم يغادر وأسرته بلدته القريبة من رام الله منذ 11 سنةً. ويقول: «سافرنا عندما أقامت شقيقتي حفل زفافها في عمّان، فالسفر للأسر الصغيرة والميسورة، وليس للمساكين والغلابة مثلنا».

ويحق للفلسطينيين الإقامة شهراً كاملاً في الأردن، يمكن تجديده في مكاتب الشرطة الأردنية من دون تعقيدات، خصوصاً أن الجميع يدرك أن الأردن هي الرئة التي يتنفس منها الفلسطينيون، لا سيما سكان الضفة الغربية، في حين يبدو الأمر أكثر تعقيداً بالنسبة لسكان قطاع غزة، الذين لم يعد أمامهم بعد الثورات إلا مصر. وعلى هؤلاء الانتظار في «طوابير الراغبين في السفر»، على أمل أن يحالفهم الحظ بالسفر هذا الصيف، أو ربما في الصيف المقبل.

تعليقات