بوح تفاعلي الراجف..أم الرصاص

بوح تفاعلي الراجف..أم الرصاص
كتابة وتصوير مفلح العدوان - القرى تبقى تعطي ما عندها، ولا ينضب ماء ذاكرتها، بل تتجدد قصصها، وحكاياتها مع كل رسالة تصل من واحد من أهلها، ويكون بذلك قد تحقق هدف التواصل، والنبش في ما خفي من مكنونات تلك الأماكن.

هذا البوح سيكون مقسم بين قريتين؛ واحدة تغفو حكاياتها بدفء تحت شمس الجنوب، قريبا من البتراء، وأخرى تسرح كنائسها بسكينة قريبا من عمان، وبين الراجف وأم الرصاص يكون التفاعل الدافئ على ثرى هذا الوطن.



أهل الرجفة




بدأ الدكتور سعيد أحمد الرواجفة كتابته التفاعلية استدراكا على ما كتبناه في بوح القرى عن قرية الراجف، وعشيرة الرواجفة فيها، بتعريفات حول الأحساب، والأنساب، والقبيلة، والأسماء الجغرافية، ثم تساءل حول أيهما كان الأسبق في التسمية الراجف أم الرواجفة، وهل اسم المكان من اسم القبيلة، أم اسم القبيلة من اسم المكان؟ ثم يرجع في أصل تسمية القبيلة(الرواجفة)، ويعطي مفارقات، وروابط قديمة طارحا قصة مختلفة حول أصل التسمية للقبيلة، راجعا في مبتغاه هذا إلى التاريخ القديم، والقبائل العربية، وبالذات قبيلة ثمود الذين كانوا يتمركزون في الحجر في الحجاز، وكان نفوذهم من الخليج العربي حتى البحر الأبيض، فبعث الله إليهم نبي الله صالح عليه السلام، وقصته مع ناقته المعجزة معروفة في التاريخ، وعندما تآمر رهط ثمود برئاسة احيمر ثمود، أنذرهم نبيهم بالعذاب بعد ثلاث، فكانت الظلة، وكانت الرجفة، وكما ورد في القرآن (فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في ديارهم جاثمين)، ونجا منهم نبي الله صالح عليه السلام، ومن آمن معه من ثمود، وهم الناجون من ثمود.


أما البقية، فكما ورد في القرآن (وثمود فما أبقى)، وكعادة الأنبياء رحل نبي الله صالح والناجين معه إلى أرض الحرم حيث مكة والطائف، ولكون الحدث خارق ومعجز فقد عرفت هذه القبيلة الناجية من القبائل العربية باسم (أهل الرجفة)، وكان منهم حول الحرم، وحول الطائف قبيلتي هوازن وثقيف، وهما أصلا من أهل الرجفة، أو الرواجفة.



أبناء هلال بن عامر




يكمل الدكتور سعيد مداخلته التفاعليه بقوله إذن ثمود هو الاسم الجذر، وهو المرتبة الأولى، والرواجفة هم المرتبة الثانية، ومن ثم في مناطق الحرم والطائف غلب عليهم اسم ثقيف(المرتبة الثالثة)، إلا أن البعض بقي متمسكا بالاسم المنحدر من المرتبة الثانية، وهو اسم الرواجفة، وقد غلب عليهم وخاصة عندما ارتحلوا من الطائف ومناطق الحرم، ومن ثم انحدرت منهم بطون تعتبر من المرتبة الرابعة، باعتبار ثقيف من المرتبة الثالثة، ثم تفرعت من هذه البطون عشائر وأسر تشكل المرتبة الخامسة.


وعشائر المرتبة الخامسة متعددة، وقد انقرضت بعض منها، وبعض منها ارتحل ولم يبق من قرابته في المرتبة الخامسة أحد، أو عدد محدود من الأسر خارج الراجف، ولا يوثقون بأسماء أسرهم القريبة بل يقفزون إلى اسم المرتبة الثانية مباشرة.

ونسب ثقيف أربك النسابة في الجزيرة العربية، ومعظمهم ربطهم بالجذر الأصل ثمود أهل الرجفة، وبعضهم ربطهم بقيس عيلان من مضر، وكلاهما لديه بعض الحق اعتمادا على الجذر ثمود، واختلاط احسابهم فيما بعد بقيس عيلان، ولهم اختلاط في الأحساب مع أبناء هلال بن عامر بن صعصعة من مضر. وما زال هناك بقية من الرواجفة المنحدرين من ا لناجين من أهل الرجفة في مدائن صالح والحجر من قبيلتي جهينة وبلي ويمثلون البصمة التاريخية الراهنة حتى الوقت الحاضر، والشاهد التاريخي المعاصر على آية الله في ثمود.

ومن بطون الرواجفة هؤلاء الذين قدموا منذ قرون سابقة إلى خربة فيها عين ماء قريبة من البتراء، فأخذ المكان اسمهم، وأصبحت المنطقة تعرف بالراجف، والعين هي عين الراجف.

ومن السياق السابق نفهم أن الرواجفة قبيل، وقد أخذ المكان اسم هذه القبيلة، وتتواجد قبيلة الرواجفة الآن في ست دول عربية.



الخليل




وحول الرواجفة في الأردن يشير الدكتور سعيد الرواجفة إلى أنهم استوطنوا هنا في صدر الإسلام، كما أنهم في فترة الحرب العالمية الأولى وفترة الانتداب البريطاني في فلسطين غزا بعض الرجال الأقوياء من قبيلة الرواجفة أرض خصبة غرب مدينة الخليل، وحجروا بعضا من الأراضي، ولكونها من بادية فلسطين التي مركزها بئر السبع، اعتبرت إداريا تابعة لها، وصار لهم ولادات هناك.


ثم يرصد الدكتور الرواجفة تفرعات عشيرة الرواجفة في الوقت القريب، اعتمادا على امتدادات الأسر التي صارت كل واحدة منها تشكل عشيرة، وهنا لن نثبتها لطول المادة، ولتفرعاتها، وتداخلاتها، ولكن سوف نرجع إلى التفصيلات في هذه الرسالة عند توثيق مادة الراجف حين تصدر في موسوعة القرية الأردنية.



الراهب بحيرة




أما أم الرصاص فقد كانت الكتابة التفاعلية حول من كل من إيليا عنز، وركاد علي نصير، حيث يشير الأستاذ إيليا في رسالته حول أم الرصاص إلى أنه قد وثق معلومات من بعض أمهات الكتب القديمة لربط العلاقة بين ما قراه، وما شاهده على لوحة الفسيفساء الموجودة على أرضية إحدى كنائس أم الرصاص الاربعه عشر القديمة التي توضح وباللغة اليونانية أن الاسم القديم لهذا الموقع (ام الرصاص) هو ميفعة .


يكمل مداخلته هذه بقوله: إن ما قرأته في كتب التاريخ ومنها كتاب مختصر تاريخ دمشق لابن منظور الذي يقول فيه انه (.... وقيل أن الراهب بحيرى كان يسكن البلقاء بقرية يقال لها ميفعة وراء زيزاء) . وايضاً يذكر الكاتب انه كان يسكن قرية يقال لها الكفر (دير بحيرى) بينها وبين بصرى الشام ستة اميال .

كما يورد ابن منظور في نفس الكتاب ما يلي : ( حدث أبو داود سليمان بن موسى : أن أبا طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج به إلى الشام فلما مروا بقرية يقال لها ميفعة من ارض البلقاء وفيهم راهب يقال له بحيرى فخرج اليهم بحيرى وكانوا قبل ذلك يقدمون فلا يخرج اليهم ولا يلتفت فجعل يتخللهم حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين ، هذا الذي بعثه الله رحمة للعالمين ) .

وتجدر الإشارة وللأمانة العلمية أن الكثير من الكتّاب ذكروا بان موقع الراهب بحيرى في بصرى الشام دون الإشارة الى ميفعة .

هذا وقد ورد اسم ميفعة في التوراة سفر(اراميا 48) و (يشوع 13 و 21 ) حيث يرد ذكرها مع المدن ميدبا (مأدبا) وحشبون (حسبان) وموأب (الكرك) .



بنت العالم الواسع




كما يكتب الأستاذ ركاد علي نصير حول أم الرصاص موضحا بأن الرصاص معدن معروف، وهو نوعان أسود وأبيض. والرصاصة: الحجارة اللاصقة بما حول العين الجارية.


وقد جاء في سفر يشوع 15/أصحاح 13 ما يلي: وأعطى موسى سبط بني رأوبين حسب عشائرهم، فكان تخمهم من (عروعير) التي على حافة وادي أرنون، والمدينة التي في وسط الوادي، وكان السهل عند (ميدبا).. حشبون وجميع مدنها في السهل وديبون وباموت بعل وبيت بعل معون. ويهصة وقديموت وميفعة.. الخ . وهذه المدن موجودة في جنوب الأردن، لذا يمكن أن تكون أم الرصاص هي ميفعة. وقد وجدت في أساطير الحضارة السورية القديمة أن هناك إلاها يدعى (أرصّي)، وهي إحدى البنات أو الرفيقات للإله (بعل)، واسمها مشتق من (أرصّ) الذي يعني الأرض، وقد لحقت به النسبة فأصبح أرصّي، وتلقب (بت يعبو دار) حيث تفسيرها (بت بنت، يعبو من وعب أي اتسع، ودار من الدائرة أو المحيط)، فيصبح المعنى هو (بنت العالم الواسع)، وانطلاقا من معنى الاسم يفترض أنها تجسد الأرض الواسعة التي تستقبل إخصاب الإله بعل الممثل بالمطر.

وارصي هذه لها اختان هما طلي وفيداري، حيث اسم طلي مشتق من الطلّ مع ياء النسبة، ويعني الندى، الطلاوة، وتلقب بابنة المطر. أما فيداري فهي تمثل مع اخواتها الظواهر الجوية، وتلقب ببنت النور، وقد يعني لقبها الرطوبة والغمام.

وبناء على ما تقدم يمكن أن نستنتج أن ميفعة أخذت اسمها من الإله ارصّي مع بعض التحريف، إذ يمكن أن يكون هذا الإله يعبد في أم الرصاص، ومن هنا جاء الاسم.

بقي أن نقول بأن زيد بن عمرو بن نفيل قد خرج من مكة المكرمة يطلب دين إبراهيم، حتى بلغ الموصل والجزيرة، ثم جاء الشام كلها، حتى انتهى إلى راهب في ميفعة من أرض البلقاء، كان ينتهي إليه علم أهل النصرانية، فسأله عن الحنيفية، فقال انك تريد ملة إبراهيم، وهي لا توجد اليوم. فالحق ببلدك فإن الله باعث من قومك من يأتي بها، فخرج سريعا يريد مكة، حتى إذا توسط بلاد لخم، عدوا عليه، فقتلوه .

كما يشير الأستاذ ركاد في رسالة أخرى في ذات السياق بأنه وجد في أم الرصاص نصب على قبر يعود إلى السنة الأولى من حكم مالك النبطي(40-70م)، ثم يشير إلى ما ورد في بوح القرى من كتاب المطران سليم الصائغ بخصوص اسم أم الرصاص، وأن البدو اسموها بهذا الاسم نسبة الى بعض النواويس الرصاصية التي عثروا عليها بين الأنقاض.

الأستاذ ركاد يعلق على ذلك بقوله أنه وجد في كتاب الآراميون، من تأليف الدكتور علي أبو عساف ما يلي: أرصه، معناها في الآرامية تابوت، وفي العربية رصّت على القبر الرصائص، أي ركّمت عليه الحجارة. وربما جاء اسم أم الرصاص من الكلمة أرصه الآرامية مع بعض التعديل في لفظ الكلمة. وإذا صح هذا الاستنتاج فن أم الرصاص قديمة، وربما تعود إلى عصر حكم الآراميين الذين أسسوا مملكة عاصمتها دمشق في القرن الحادي عشر قبل الميلاد، واتسعت هذه المملكة حتى امتدت إلى الفرات واليرموك، وتاخمت الأراضي الأشورية في الشمال والأراضي العبرية في الجنوب .





دعوة للمشاركة




هذه الصفحة تؤسس لكتابة متكاملة حول القرى الأردنية، وتطمح لتأسيس موسوعة جادة شاملة. ولن يتأتى هذا بجهد من طرف واحد، فما يكتب قد يحتاج إلى معلومات للإكتمال، أو قصص أخرى لم يلتقطها الكاتب في زيارة واحدة، وهي مفتوحة للإضافة والتعديل قبل أن ترتسم بشكلها النهائي لتكون وثيقة لكل قرية، والأمل بأن تأتي أية إضافات أو تصويبات أو معلومات أخرى من أهل القرى والمهتمين مع اقتراحاتهم، وعلى هذا العنوان:




بوح القرى


ص. ب - 6710

عمان -11118

فاكس- 5600814

بريد الكتروني

alqoar@jpf.com.jo

تعليقات

‏قال غير معرف…
دراسة الةكتور تحتاج الى الدقة لأن رواجفة وادي موسى هم من بني هلال نزلوا عند عين ماء أثناء التغريبة تسمى راجف وهي تعود للعصر الروماني وفي القرية القديمة مايدل على ذلك إذا تسمية رواجفة أخذت من اسم الماء وقد جرى أن يسمى الانسان باسم المكان أو العكس
وبسبب القحط اظطر بعض افراد الى التنقل الى فلسطين ثم الى مادبا والى الطفيلة حيث ان البدو دائمي الترحال بحثا عن الكلأ
وبما أن العادات والتقاليد واللهجة متشابهة وواحدة ففي هذا مايدل على أن البداية كانت من الراجف ثم فلسطين و مأدبا والطفيلة
‏قال غير معرف…
رائع