اليادودة .. حكمة الرواد 1 و 2 و 3

اليادودة .. حكمة الرواد (1-3)



كتابة وتصوير .. مفلح العدوان

اللقاء الذي جمعني بالمؤرخ الدكتور رؤوف أبو جابر في مكتبه، هو الذي حفزني لهذه الإطلالة على قرية اليادودة، التي كان مدخله للحديث عنها هو ريادتها في الجانب الاقتصادي والزراعي، وحكاية الاستقرار فيها، والتفاعل الاجتماعي الذي كان نموذجا للمصالح المشتركة، وتوثيقا لعقد اجتماعي له بنود خاصة ومختلفة منذ عشرات السنين.
هذا الحديث جعلني أتشوق لكتابة ما تيسر من ذاكرة وتاريخ قرية اليادودة، فعقدت العزم على ذلك، وحين صارحت الدكتور رؤوف ابو جابر، دعوته ليرشح لي من يرافقني في هذه الزيارة، فكانت مبادرته، وإصراره على أن يكون هو من يرافقني، قد تركت أثرا كبيرا في نفسي، وهو المؤرخ والاقتصادي والباحث والإنسان العميق حضورا بكل تفاصيله.
قصة عائلة
صار الموعد بيننا هناك، في خربة أبو جابر، في اليادودة، والتقينا، وكان البوح تلقائيا حول تاريخ المكان، والناس، وخطوط جغرافيته، وفسيفساء ذاكرته، حيث زودني بكتابه «قصة عائلة»، هذا الكتاب الثري الذي تحتوي صفحاته على كيمياء العلاقة بين تفاعل الأرض مع أهلها، ليعكس هذا السرد الواعي جانبا من تاريخ الوطن، من خلال توثيق سيرة عائلة الجوابرة (أبو جابر)، وارتباطهم بالمكان هنا، حيث تلك الإضاءات على غير مساحة من التاريخ القديم والحديث، يرافقها ربط ذكي لشبكة من العلاقات الإنسانية، والحكايات المرتبطة بقرية اليادودة، ولعل المرحوم العلامة روكس بن زائد العزيزي في تقديمه لكتاب «قصة عائلة» ألمح إلى ذلك حين قال في الفقرة الأخيرة «فإن ما يقرره الكتاب إذا ما حذفنا الأسماء أو استعضنا عنها بغيرها وأبقينا القصص كما هي فإن هذه القصص تمثل أساليب الحياة وطبيعة التنظيم الإداري وأساليب التجارة والمزارعة وتملك العقارات وإنشاء الأبنية وغيرها من النشاطات اليومية للفرد والأسرة، وكأني بالدكتور رؤوف كمنتجي الملح في العصور السابقة حين كانوا في بحثهم عن الملح ينتجون النفط باعتباره شائبة من شوائب الملح، وإذا بالنفط بعد اختراع المحرك ذو الاحتراق الداخلي يصبح بأهمية الملح، إن لم يتجاوزها. وقد يكون كتاب الدكتور رؤوف في المستقبل مرجعا صحيحا للممارسات الاجتماعية .في الأردن في القرن التاسع عشر».
أحلام الأوائل.. تتحقق
ها أنا في اليادودة..
وأبدأ بمكان اللقاء بيني وبين الدكتور رؤوف أبو جابر أمام قرية كان زمان السياحية، وهي جزء من «خربة أبو جابر»، حيث تجولنا بها، لنراها بعين أخرى، تزيد من قيمتها كمعلم سياحي حديث، وتضيف اليها بعدا يتشابك مع التاريخ، ويعكس جانبا من قصة الاستقرار في المكان قبل عشرات السنين، كحاضن لجزء من ذاكرة المكان، وتاريخ الانسان في تلك المنطقة، إذ أن لكل تفصيلة فيها، ارتباط بقصة محددة، وحدث، أو شخص، وهي ليست معزولة عما حولها، ذلك أنه ما إن خرجنا من بوابة «كان زمان»، وانتقلنا إلى الجزء الآخر من المعمار، في الجانب الملاصق على التلة، لنجد أنفسنا نرتحل في بقية المباني الضخمة هناك، والتي تم ترميمها، لتكون ديوانا، يستخدم كمضافة في بعض الأحيان، وتقام فيها المناسبات في أحيانا أخرى، وهنا أخذ الدكتور رؤوف أبو جابر، يتحدث عن تفاصيل البناء، وخزن الحبوب في جانب منه، واستقبال الضيوف، وكيف كان تطور البناء على مراحل، ومن ثمة توسعته، ثم يورد شرحا للتفاصيل التي طالت ذاكرة الباب، وتصميمه، وهندسة المكان، وآباره، ونوافذه، والبنّاء الذي قام بالبناء، والضيوف الذين ارتادوه، والخدم، والفلاحين، والبدو، كأنه ببوحه هذا، يسجل صفحات يريد أن يضيفها وثيقة جديدة تحمل كل نبض الأزمنة الماضية، حتى يكون الوصول إلى هذه اللحظة التي أسجلها بوحا شفيفا، عميقا، كأنه مناجاة، فيه تذكير بأحلام الرواد الأوائل الذين ترجموها واقعا، متحققا، حين حفروا الصخر، و»كسروا» الأرض، بحرثهم لها، فأنبتوا الزرع، وسيروا القوافل، وحركوا الأسواق، وأداروا عجلة اقتصاد، وبثوا روحا مجتمعية جديدة، كانت مسرحها، والشاهد عليها، قرية اليادودة.
محطة في طريق الملوك
أدخل إلى القرية عبر بوابة تاريخها القديم، حيث كان طريق الملوك يمر من هنا، من اليادودة، كمحطة له بعد أن يجتاز كل من دمشق، وبصرى الشام، وعمان، ويستمر جنوبا، ليصل اليادودة على بعد عشرة كيلومترات من عمان، فيمر على هذه البلدة الواقعة على تلة تحتوي على برك لجمع الماء، وعلى كهف ضخم يدعى الجيعة، على السفح الشرقي.
أُقلّب في هذا المقام صفحات ما كان كتب الرحالة بوكينغهام الذي زار المنطقة في عام 1825م، وشاهد في اليادودة بقايا رومانية ومدافن تحتوي على نواويس حجرية، حيث أن اليادودة كانت تشتهر بكنيستها التي اكتشفت عام 1825م، والتي بلغ طولها 16 مترا، وهي مفروشة بالفسيفساء وأمام المدخل رصفت الكتابة اليونانية بأحرف سوداء على خلفية بيضاء، هذا نصها: «في عهد الكلي التقوى والقداسة الأسقف ثيودوسيوس تم رصف الفسيفساء بجهد الشماس سيلانوس في شهر غوربيوس (تشرين أول)، في الإشارة الحادية عشرة سنة 565 ميلادي ومن أجل خلاص المتبرعين لهذا المكان المقدس هم وأبناؤهم».
إذن فاليادودة هي المحطة الأولى لطريق الملوك بعد عمان، ومنها تتفرع طريق موازية سماها البعض الطريق العسكرية، وهي بشكل أدق يمكن تسميتها طريق القوافل السريعة.
الودود.. كثير الحُب
يكتب الباحث ركاد نصير في كتابه «المعاني اللغوية لأسماء المدن والقرى وأحواضها في المملكة الأردنية الهاشمية»، عن اليادودة، ومعنى اسمها، وأحواضها، فيقول: «اليادودة: الودود، الكثير الحب، أو المحبوب». وأما أحواضها فهي «حوض الغباشة: الغُبشة: مثل الدُّلمة في ألوان الدواب. حوض العميري: العُمري من الشجر: القديم، أو هو السدر النابت على الأنهار يشرب الماء. حوض الحنو: كل ما فيه اعوجاج، الجانب. حوض الرطيبة: رطب الشيء: ندي ولان فهو رطيب، والرطبة: روضة الفصفصة، أو الفصفصة نفسها ما دامت خضراء. حوض النعاجية: الناعجة: الأرض السهلة المستوية المكرمة للنبات؛ الناقة البيضاء اللون الكريمة. حوض الشكارة: بقعة الأرض الصغيرة تزرع للأجير. حوض الفريط: الفرط: الجبل الصغير، رأس الأكمة وشخصها والعلم المستقيم يهتدى به؛ آكام شبيهات الجبال. حوض مشد لولح: المشد: ثوب تشد به المرأة وسطها، ولوّح بثوبه: رفعه وحركه ليراه الناظر. حوض الموارس الحمراء: المرسة: الحبل، والمزرة: القطعة. حوض تلعة الذهب: التلعة: ما ارتفع من الأرض وأشرف. حوض جدار البلد: ما يحيط بها من أرض».
حدود.. وأحواض
أستكمل بعض تفاصيل الجغرافية الحديثة، قبل أن أكمل سيرة تاريخ المكان، حيث أنه بحسب خريطة منطقة خريبة السوق وجاوا واليادودة، فإن حدود اليادودة هي على النحو التالي: من الشرق حي جاوا الجنوبي وحي قباء، ومن الغرب حي غمدان، ومن الشمال حي الطيبة وخريبة السوق، ومن الجنوب حي الصفاء، وحي الأبرار. والأحوض التي تتكون منها منطقة اليادودة، هي كل من حوض 5 وادي الطيء، وحوض4 الموارس الحمراء، وحوض 10 الشكارة، وحوض 9 جدار البلد، وحوض 7 تلعة الذهب.
«خمسة تلول»
وبالعودة إلى كتاب «قصة عائلة»، فإن الدكتور رؤوف ابو جابر، يعطي مدخلا لمعرفة المكان، والتفاصيل المرتبطة به، قبل أن يدخل في تاريخه، والفترات الزمنية التي مرت عليه، حيث يوضح بأن «منطقة اليادودة بحدودها الحالية كانت تشمل خمسة تلول أو خرب هي اليادودة، وجزوع، والعميري، وجاوه، والرفيسة». ويضيف بأنه «قد عثرت دائرة الآثار على كتابات عربية في الرفيسة تعود إلى الفترة الصفائية بين القرنين الأول والثالث ميلادي، وكانت هذه المواقع قد نمت نموا كبيرا في العصر الروماني- البيزنطي، وربما حتى أواخر عهد المماليك عندما لم يتمكن الأهالي من الصمود ضد الهيمنة البدوية، فأهملوا الزراعة وتخزين المياه مما أدى إلى أن تتحول الحقول إلى مراع بسبب نفوذ البدو الذين كان همهم الإستئثار بالمراعي ومصادر المياه.
وهناك مجموعة من الدراسات التفصيلية حول المنطقة نبعت من اهتمام علماء آثار وتاريخ من الجامعات الأمريكية لدراسة كل من مناطق جلول وحسبان والعميري من خلال برنامج أسموه «مشروع سهول مأدبا» حيث أصدرت هذه المجموعة حتى الآن خمسة مجلدات عن أبحاثهم وتحرياتهم خلال السنين 1984 و 1987 و 1989 و 1992 و 1994م، وهي تبحث في المجلد الخامس في الشؤون المختلفة لمنطقة العميري أثناء العهد العموني وجميعها تشير إلى أهمية الزراعة وتربية الحيوانات في منطقة زراعية كانت فيها مصادر قليلة للمياه».

سيرة قرية اليادودة

تقع اليادودة جنوب عمان، على الجانب الأيسر من الشارع المؤدي إلى المطار، على مسافة 10 كيلومترات من مركز مدينة عمان. وتتبع اليادودة إلى لواء القويسمة، في محافظة العاصمة، وهي من ضمن منطقة خريبة السوق وجاوا واليادودة في أمانة عمان الكبرى.
الديموغرافيا:
يظهر التعداد العام للسكان والمساكن عام 2004م، اليادودة ضمن إحصائية التعداد لتجمع خريبة السوق وجاوا واليادودة، حيث يبلغ عدد سكان هذا التجمع كاملا 86224 نسمة، وكذلك الكتيب المعد من قبل الدكتور المهندس أسامة الدباس، وخالد عثمان عام 2006م، تحت عنوان «منطقة خريبة السوق وجاوا في سطور، والذي وجدناه في مكاتب منطقة خريبة، وفيه يشار بأن عدد سكان المنطقة 120 آلاف نسمة.
التربية والتعليم:
توجد في اليادودة العديد من المدارس الحكومية، منها: مدرسة اليادودة الأساسية الأولى للبنات، ومدرسة اليادودة الثانوية الشاملة للبنات، ومدرسة اليادودة الثانوية الشاملة للبنين، ومدرسة اليادودة الأساسية الثانية للبنين، ومدرسة اليادودة الأساسية الثانية. أما المدارس الخاصة في اليادودة فمنها مدرسة المدينة المنورة، ومدرسة ربوع السلام الأساسية.
الصحة:
تستفيد اليادودة في المجال الصحي من خدمات كل من مركز صحي خريبة السوق ومركز صحي الطيبة، ويوجد فيها مستوصف طبي خيري، كما يتوفر في اليادودة عدد من العيادات الطبية الخاصة، والصيدليات.
المجتمع المدني:
توجد في اليادودة عدد من الجمعيات والأندية وهيئات المجتمع المدني، منها جمعية رعاية الايتام، وجمعية اليادودة الخيرية، ومركز جمعية الشباب المسيحية، ونادي اليادودة الرياضي الثقافي، ومتحف كهوف عاصي ابو جابر الأثرية.
يوجد في اليادودة 7 مساجد.
يوجد في اليادودة حديقة الأردن للحيوان.
يوجد في اليادودة العديد من المنتزهات والمطاعم، ومنها قرية كان زمان السياحية، ومطاعم ومنتزهات قصر اليادودة.



اليادودة .. حكمة الرواد 2-3



نكمل ما بدأناه..
نمعن النظر في تاريخ وذاكرة ومسيرة التطور والنماء في قرية اليادودة. تلك القرية التي ما تزال تشهد فصولا من حركة تتجه نحو الأمام، كأنها ما تزال تجدد العهد لأولئك الأوائل الذين بنوها صرحا ومنارة على الصعيدين المادي والمعنوي.
نكمل ما بدأناه..
ونبدأ بما أشار اليه الدكتور رؤوف ابو جابر في كتابه «قصة عائلة» حول الأزمنة التي مرت على المنطقة، منذ أقدم العصور، وفي هذا السياق يقول بأن «الدكتور الهانك فرانكلين، أستاذ التاريخ القديم في جامعة ليدن بهولندا، ومعه مجموعة من الدارسين والباحثين، قاموا بإجراء دراسة ميدانية لليادودة في الفترة الواقعة بين 16 أيلول و 15 تشرين الأول 1979م، وقد اضطر الباحثون بسبب طبيعة البناء في القرن التاسع عشر على تل اليادودة إلى اجراء التنقيبات في العميري، وتبين بنتيجتها أن «تاريخ المنطقة يعود إلى العهد النيوليثي (8000-4500 قبل الميلاد) عندما بدأ بنو الانسان في السكنى حول عين الماء على سفح التل العميري حيث عثر على أدواتهم البدائية. أما في العصر الكالكوليتي (4500-3200 قبل الميلاد) الذي شهد مقدرة الانسان على استخراج النحاس فالظاهر ان أعداد السكان تزايدت وبدأ استعمال الفخار ولم تكن هناك حاجة بعد لبناء أسوار حوالي مواقع السكن إلا أن ذلك تغير في العصر البرونزي الأول (3200-2300 قبل الميلاد) عندما بدأت المجموعات المستقرة في الانضمام إلى منطقة تحت قيادة موحدة ومركز فيه رئاسة ومواقع لتخزين المواد وأسوار لحماية تلك المواد من النهب كما شاهد هذا العصر انحسار الغابات ومجيء العموريين الرحل الذين عاشوا لأربعمائة سنة في الأردن وفلسطين في الوقت الذي كانت قد دمرت فيه جميع المدن والقرى وتبع ذلك العصر البرونزي الوسيط (1900-1550 قبل الميلاد) عندما بدأ الاستقرار الفعلي في المنطقة وأصبحت للقرية أهمية اضطرت أهلها إلى بناء سور حولها لحماية نفسها».

زراعة الكرمة
لا تتوقف الدراسة عند هذا الحد، بل تستمر في عرضها لتفاصيل ذلك التاريخ القديم، فتمر بسرعة على الفترات التي تعكس حالة من عدم التغير في القرية خلال العصر البرونزي المتأخر (1550-1200 قبل الميلاد)، ثم بعدئذ تشير إلى العصر الحديدي (1200 -550 قبل الميلاد) حيث كان في هذه الفترة حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار، وبعدها تمر سنوات طويلة كانت فيها اليادودة، كجزء من المنطقة المحيطة بها، تعاني من بمرحلة دفع الأتاوة للأشوريين، وبعدها تقع تحت مطرقة الهجوم الفارسي الأول في القرن السادس قبل الميلاد، ثم تمر بعد ذلك على اليادودة مرحلة كانت فيها مفتوحة للبدو كمراع لأغنامهم وإبلهم دون أي زراعة لعدم وجود سكان مستقرين في تلك الفترة.
يتابع كتاب «قصة عائلة»، المراحل التاريخية التي مرت على اليادودة بعد ذلك حيث حكم الأنباط الذي كان يهتم بالتجارة وطرق القوافل في النواحي الشرقية من البلاد، بينما قامت المدن العشر الهيلينية بتطوير المناطق الغربية المأهولة. وهنا يشار إلى أن مستوى الأمن قد تغير في المنطقة مع ابتداء العصر الروماني في القرن الأول قبل الميلاد وأصبح الاستقرار واضحا في المنطقتين الغربية والشرقية بما فيها اليادودة حيث ترعرعت فيها زراعة الكرمة والحبوب وأتقن الناس أعمال خزن المياه.

سفر التكوين الجديد
تسير اليادودة راسمة خريطة تطورها بثقة، وعزم، وعبر حراك يحمل كيمياء المكان والانسان.. وبعد أن استعرضنا زخم التاريخ خلال كل تلك العصور الماضية، سوف يكون التركيز بعدئذ على الأزمنة الحديثة، لإعادة قراءة ما كان من سفر التكوين الجديد للقرية، حيث أنه يمكن تتبع تاريخ الاستقرار في اليادودة خلال القرنين الماضيين، عبر تسليط الضوء على تلك الشراكة التي قامت بين عشيرة الفايز من بني صخر، وبين عائلة الجوابرة، حيث أنه في عام 1858م قامت شراكة بين ابراهيم وصالح ابو جابر، وبين الشيخ ارميح بن سليمان ابو جنيب الفايز من شيوخ بني صخر، وفي ذلك يقول الدكتور رؤوف ابو جابر، بأنه على إثر هذه الشراكة «بدأت أول عملية كبيرة لإعادة تأهيل الأراضي للزراعة، والأرجح أن الاتفاقية بين الأخوين ابراهيم وصالح من ناحية والشيخ ارميح من الناحية الأخرى كانت شفوية على أساس أنها حكي رجال أو اتفاقية شرف، إذ أنني (والحديث هنا للدكتور رؤوف ابو جابر) لم أجد بين أوراق العم سعيد أية ورقة تشير اليها، إلا أنني لحسن الحظ عثرت على اتفاقية بين فرحان وأولاده والشيخ درداح البخيت واخوانه مشعل والشراري وديلان أولاد المرحوم صايل البخيت الذي ذكره الرحالة موزل في أواخر القرن التاسع عشر، وهم جميعا من الفرسان المعروفين في عشيرة الفايز وقبيلة بني صخر كلها، وهذه الاتفاقية التي وقعت يوم 6 تشرين الثاني 1914م قد تكون اعدت بناء على الشروط التي حكمت الاتفاقية الأولى بين كل من ابراهيم وصالح وارميح قبل أكثر من ستين سنة، خصوصا وأن درداح واخوانه هم أقرباء ارميح وجيرانه في الأراضي في الطنيب واللبن».

ارميّح
وفي سياق ما سبق الاشارة اليه، فقد انتعشت منطقة اليادودة عندما أصبحت قرية صغيرة في الستينات من القرن التاسع عشر، وأصبح لها دخل زراعي وافر شجع أهلها الجوابرة وشريكهم الشيخ ارميح الفايز على الاستثمار أكثر فأكثر في إحياء الأرض الموات التي كانت قد استعملت كمراع لمدة قد تقارب الخمسمائة سنة، وكانت مثل غيرها تعاني من هذا الصراع المستمر على خيراتها بين الفلاحين المستقرين والبدو الرحل، إلا أن أوضاعها الأمنية كانت مقبولة بسبب سمعة ارميح وشهرته وامتناع الناس عن اثارة غضبه، ولم تتدخل اليادودة لحسن الحظ في الصراعات المحلية بين بني صخر وحلف العدوان والبلقاء، رغم وقوعها على الحد الفاصل بينهما، وقد كانت الخمسون سنة التي انقضت بعد فتح اليادودة سنين عمل دائب لزيادة مساحة الحقول المزروعة، حيث اتسعت في الجهات الأربع دون عائق، وكانت الجهود تبذل باستمرار لزيادة رقعة الأرض الزراعية وتخزين المياه في البركة الرومانية الكبيرة، والآبار والجيع.

البوايك.. والبيوت
ومن خلال النظرة إلى عملية الاستقرار، والعمران، سيكون هناك اطلالة موازية على متطلبات هذه المرحلة، وانعكاسها على المكان، والانسان، في البلدة، إذ أن العمران في الأراضي الزراعية باليادودة تطلب أبنية لإسكان العائلات، والعاملين، وعائلاتهم، واسطبلات لإيواء الحيوانات على اختلاف أنواعها، انها حالة بناء لبلدة كاملة بكافة مرافقها، وفي هذا يشير الدكتور رؤوف ابو جابر إلى أن «أغلب الأبنية التي بنيت في تلك الفترة ما زالت قائمة في اليادودة وهي كناية عن البوايك الأربع؛ واحدة لورثة سعيد، وواحدة لورثة سعد، إذ أن فرحان كان لديه بايكتان، بينما هنالك بايكة واحدة لورثة فريح، وبايكة لورثة فرح، وكان ابنا فرح قد أضافا اليها بنايات خلف المضافة في الأربعينيات من القرن الماضي. أما المنازل فقد كانت كثيرة إذ أن كل حوش كان يحتوي على مساكن للعائلات من الجوابرة، وعائلات العاملين باليادودة، وعندما هدم زلزال عام 1927م العلية، أصبح أولاد فرحان وعائلاتهم مضطرين إلى السكن في المنازل أو نصب مخيم في قطعة الأرض المشرفة على الكرم في شمال اليادودة الغربي».

التل.. الأسقفية
إن تلك الأبنية والبيوت التي بنيت في اليادودة وما يتبعها من بوايك وأحواش كانت جميعها تبنى من الخرائب الخمس القريبة من الموقع على تل اليادودة.. ويوضح الدكتور رؤوف ابو جابر بأن «البناء على تل اليادودة المرتفع كان يقام على أساسات الأبنية الرومانية والبيزنطية والعربية القديمة، فالعقد في حوش أحفاد العم سعيد دليل ثابت على نمط البناء الروماني، وفي عام 1902م اكتشف فرحان أن هنالك كنيسة لها ارضية فسيفسائية على سطح التل أمام حوش الوالد سعد فأرسل خبرا إلى ذاميانوس بطريرك الروم الأرثوذكس (1897-1931م) بواسطة رئيس الدير في السلط يوفيناليوس يعلمه عن الاكتشاف.. وهذه الكنيسة ذكرها في نفس الفترة الأب سافيناك عالم الآثار الفرنسي وكتب عنها في عدد الرفيو بيبليك لعام 1903 قائلا بأن كاهن اللاتين في مأدبا الأب مانفريدي كان قد زار الكنيسة عام 1902م ووجد أجزاء من أرضيتها الفسيفسائية التي يبلغ طولها 16 مترا عليها عليها نقش يقول «أن هذه الأرضية الموزاييك قد اعدت بكل اتقان في عصر الجزيل الاحترام الاسقف ثيوذوسيوس من قبل شماس الكنيسة لأجل خلاص أرواح الذين يتبرعون لهذه الكنيسة المقدسة»، وقد قرر سافيناك ان التاريخ السلوقي المذكور علىالأرضية يتطابق مع السنة 503 الميلادية كما أنه يعتقد أن اليادودة على ما يظهر من حجم كنيستها كانت اسقفية وربما كانت مسؤولة دينيا عن منطقة فيلادلفيا أو مأدبا لتوسطها بينهما».

دعوة للمشاركة

alqora@jpf.com.jo

هذه صفحة تؤسس لكتابة متكاملة حول القرى الأردنية، وتطمح لتأسيس موسوعة جادة شاملة. ولن يتأتى هذا بجهد من طرف واحد، فما يكتب قد يحتاج إلى معلومات للاكتمال، أو قصص أخرى لم يلتقطها الكاتب في زيارة واحدة، وهي مفتوحة للإضافة والتعديل قبل أن ترتسم بشكلها النهائي لتكون وثيقة لكل قرية، والأمل بأن تأتي أية إضافات أو تصويبات أو معلومات أخرى من أهل القرى والمهتمين مع اقتراحاتهم، وعلى العنوان: بوح القرى - الرأي

ص.ب- 6710-عمان-1118-فاكس 5600814
بريد الكتروني alqora@jpf.com.jo








اليادودة .. حكمة الرواد 3-3



كتابة وتصوير .. مفلح العدوان

قالت القرية اقرأوا كتابي..
وقالت أيضا، دونوا ما تعرفونه عني.. فكان ما أرادت، وكان هذا البوح استجابة لنداء اليادودة، ومعها تأتي القرى الأخرى التي نحاول كتابة ما تيسر من التاريخ المخبوء فيها، والذاكرة المحتجبة هناك..

الاتفاقية
وهنا.. ونحن ما نزال في فضاءات اليادودة، سنستكمل الكتابة عنها، بدءا من إشارة من السيد محمد مفلح ابو جنيب الفايز في رسالة إلى «بوح القرى»، كتعقيب على ما دوناه في الحلقات السابقة حول القرية، وفي كتابته يورد ما مفاده بأن «قرى اليادودة واللبن والطنيب، كانت ملكا للشيخ رميح بن سليمان ابو جنيب الفايز، وابن اخيه فيصل، وقد جرت اتفاقية عام 1308هـ ما بينه وبين صالح أبو جابر كما هو مبين في الصفحة 153 و 154 المرفقة والمدونة لدى محكمة السلط، وقد تم أخذ نسخة من سجلات الأراضي لكافة القرى الأردنية المضافة لقضاء السلط إلى الديوان الملكي العامر.. والإتفاقية تنص على أن يقوم أبو جابر بحراشة الأرض وزراعتها، وعندما سجن الشيخ رميح من قبل الأتراك في السلط على إثر قتله جنود أتراك في رأس العين في عمان تمهيدا إلى إرساله لحبل المشنقة في بيروت، فإن أبو جابر كان يقوم بدفع الضرائب للحكومة التركية كونه وكيلا للشيخ رميح ابو جنيب الفايز.. وقد توفي الشيخ رميح عام 1914م، وعندما انتصر الحلفاء على تركيا قام الانجليز بعمليات مسح للأراضي، وبإجراءات للافراز والتطويب، حيث تم في تلك الفترة، وما بعدها عملية تطويب أراض لـ»أبو جابر»، وهناك تفاصيل خاصة بذلك، بعضها موجود في كتاب «عمان وجوارها» لنوفان الحمود، وكذلك فإن الأخ فواز محمد ابو جنيب لديه معلومات قيمة حول أراضي اليادودة».

ثلاث عائلات
نكمل بعد هذه الإشارة السيرة الاجتماعية لقرية اليادودة، مبتدئين بسيرة عائلة ابو جابر، وترحالها من الناصرة إلى نابلس، إلى السلط، ومن ثمة إلى اليادودة، وهنا يشير كتاب «قصة عائلة» للدكتور رؤوف أبو جابر إلى أن الرواية العائلية المتناقلة التي تعود إلى أواسط القرن السابع عشر تذكر أن «أواصر القربى بين عائلات ثلاث هي النبور والحتاترة والجوابرة الذين ينحدرون جميعا من صلب رجل عاش قبل ذلك بزمن قد يقارب المائة سنة وهو عبد الله الذي خلّف ولدين؛ دخيل الله جد النبور، ودخل الله جد الحتاترة والجوابرة، كما ورد في كل من شجرة عائلة النبور وشجرة عائلة حتر، والقصص المتواترة لدى العائلات الثلاث عن هذه القربى التي تجددت أواصرها في السلط عندما اجتمع شمل النبور والحتاترة مع هذا الفرع من الجوابرة الذين حضروا إلى مدينة السلط خلال العام 1845م».

الناصرة.. نابلس.. السلط
ويضيف الدكتور رؤوف ابو جابر «عاش الجوابرة في الناصرة قبل بدء حكم ظاهر الزيداني وظلوا فيها خلاله وخلال حكم الوالي احمد باشا الجزار حاكم عكا وأجزاء كثيرة من بلاد الشام الذي توفي سنة 1804م، وسجلات كنيسة اللاتين في الناصرة تظهر ذلك بوضوح، بينما ذكر القس أسعد منصور في كتابه (تاريخ الناصرة) ص246 وثيقة قام بموجبها ورثة متى ابو جابر ببيع دار خربة في الناصرة إلى جاهرم ميخائيل منصور قعوار سنة 1815م حسب ما ورد في السجل الفاهومي، والظاهر أنه بعد ذلك انتقل ناصر احد أولاد متى إلى مدينة نابلس حيث تعاطى تجارة القلو أو القلي وهو رماد شجيرات نبات الحمض الذي كان مادة أساسية في صناعة الصابون النابلسي المشهور، وكان البدو يجمعون الشجيرات في البادية ويحرقونها ثم يوردون كميات كبيرة من الرماد إلى السوق السنوي الذي كان يقام قرب مقام النبي اوشع بالسلط حيث تتم صفقات بيعه لأصحاب المصابن من أهل نابلس.. ويظهر أن تجارة ناصر كانت رابحة وأنه قرر الاستقرار في نابلس نهائيا حيث تزوج حوالي عام 1826 من السيدة دله جوهرية أرملة المرحوم ابراهيم القرة وكان لها ابنها منه الطفل بشارة القره (جد عائلة البشارات المعروفة) بينما انجب ناصر منها ابنه الأكبر ابراهيم حوالي عام 1827م وابنه الثاني صالح حوالي عان 1829م. ولأسباب غير معروفة، ولكن الأرجح انها تجارية وأهمها انعدام الطلب على مادة القلو بعد ان تمكنت المصانع الفرنسية من انتاج الصودا الكاوية بسعر منافس خصوصا وأنها انظف من الرماد عند صناعة الصابون، قرر الاخوان ابراهيم وصالح تأسيس عمل دائم لهما في السلط حيث بدءا في الخمسينات من القرن التاسع عشر التجارة مع الشيخ ابو وندي وعشيرته العوازم في منطقة ماعين، كما أنهما كانا يتعاملان مع قبيلة العدوان».

الاستقرار
يتابع الدكتور رؤوف ابو جابر بأن الأمور استمرت على حالها وابراهيم وصالح يعملان بالتجارة بين السلط ونابلس مما استدعى سفرهما المستمر بين الموقعين إلا أن الأمور تطورت بشكل غير مناسب عام 1856م عند حصول فتنة نابلس، حيث قررا نقل نشاطهما إلى السلط. ويسترسل الكتاب في طرحه للعلاقات التجارية، وامتداد العائلة وعملها إلى غير مكان في الأردن، وعلاقاتها مع العائلات والعشائر الأخرى هناك.. ومن ثمة العلاقة التي صارت مع رميح الفايز، واستقرارهم في اليادودة بعدئذ، وفي هذا السياق يمكن الرجوع إلى كتاب «عمان وجوارها» لنوفان الحمود، وفيه أنه في عهد السلطان عبد الحميد «شهدت هذه الفترة استقرار بني صخر في عدد من القرى وممارستهم للزراعة بشكل لافت للنظر مستفيدين من خبرة العناصر الوافدة التي استقرت في قرى المنطقة، وأقامت علاقات طيبة مع مراكز الاستقرار الجديدة كعمان ومادبا واليادودة وقد ساعد ذلك على ظهور تأثير عائلة ابو جابر بين البدو». وفي موقع آخر من الكتاب يقول الدكتور نوفان الحمود: «عائلة ابو جابر: سكن صالح بن ناصر ابو جابر وأولاده في خربة اليادودة 1287هـ/1870م، وقام باستخقدام مجموعة من فلاحين فلسطين لفلاحة الأراضي التي تملكها حول الخربة، وقد أشارت سالنامة سورية 1288هـ/1871م إلى وجود خمس خانات تسكن قرية اليادودة وقد سمع اوليفانت عندما كان في عمان عن النجاح الذي احرزه رجل من السلط يسكن في اليادودة جنوبي عمان، وقام بزيارته بقريته وشاهد داره ومخازن حنطته، كما شاهد أبناءه الذين كانوا يتعلمون في السلط، وعدّته جرترود بيل من الرواد الذين ساهموا في تطوير الزراعة في المنطقة. لقد استطاع ابو جابر أن يكسب ود بني صخر، ويفوز باحترامهم، وأصبح له تأثير فيما بينهم، وقام بشراء أراضي واسعة منهم. وقد أشارت المصادر المحلية إلى اليادودة بأنها مزرعة، فقد توجه «باش كاتب» محكمة السلط إلى مزرعة اليادودة وعقد فيها مجلسا حضره فريح بن صالح بن ناصر ابو جابر، وناصر بن ابراهيم بن ناصر ابو جابر، وحضرت الجلسة أيضا المرأتان نصرة بنت الياس بن أي لبدة، وحنة بنت الياس بن يعقوب بن سلوم المقيمتان في المزرعة المذكورة».

النسيج الاجتماعي
تمثل اليادودة في زمن الحاضر، منطقة حضرية، فيها اخلاط مختلفة من السكان، جاءوا على مراحل، واستقروا فيها، فهي خليط حضري في الزمن المعاصر، ولكن بتتبع السياق الزمني للاستقرار في اليادودة، يمكن رصد أطار محدد لعائلات الأخرى، مع عائلة أبو جابر، التي تشكل النسيج الاجتماعي لليادودة، حيث يمكن رصد تلك العائلات من خلال كتاب «قصة عائلة»، حيث يذكر الدكتور رؤوف أبو جابر العائلات والحمايل التي سكنت اليادودة وعاشت فيها لفترات طويلة، بالإضافة إلى عائلة ابو جابر، وهي كل من عائة العودات أو السناجله، والنمر من بني صخر، والبدوي- العورتانية، والغريب-قبيلة العيسى، وعبد الله ومهيدي من الحمايدة، وسلامة وأحمد العايدة من عربان الغزاوية، والبطارسة من سوف، والردون من العجارمة وأنسبائهم المنحقط الرفاعي من اربد، ودار علي من عورتا، والعزة من بيت جبرين، وطاهر بن عودة القاسم من باقة الغربية، والدنادنة من عقربا، وكذلك عائلات من أهل عورتا، وأيضا عائلات من أهل عقربا، وعائلات من قرايا فلسطين، وعائلات من أهل سحاب، وعائلات من أهل خريبة السوق، وعائلات من الفداوية، وعائلات من السلطية.

دعوة للمشاركة

alqora@jpf.com.jo

هذه صفحة تؤسس لكتابة متكاملة حول القرى الأردنية، وتطمح لتأسيس موسوعة جادة شاملة. ولن يتأتى هذا بجهد من طرف واحد، فما يكتب قد يحتاج إلى معلومات للاكتمال، أو قصص أخرى لم يلتقطها الكاتب في زيارة واحدة، وهي مفتوحة للإضافة والتعديل قبل أن ترتسم بشكلها النهائي لتكون وثيقة لكل قرية، والأمل بأن تأتي أية إضافات أو تصويبات أو معلومات أخرى من أهل القرى والمهتمين مع اقتراحاتهم، وعلى العنوان: بوح القرى - الرأي

ص.ب- 6710-عمان-1118-فاكس 5600814
بريد الكتروني alqora@jpf.com.jo



تعليقات