الرشايدة: الخربة.. وعين التنور

الرشايدة: الخربة.. وعين التنور



كتابة وتصوير .. مفلح العدوان - للدرب باتجاه الشمال سحر يتلون بالأخضر الذي يعبر عن بركة الأشجار، وطيبة قلوب الناس. وإذا امتزج المسير الى هناك، خليطا بين الأخضر الندي، والتربة الحمراء، فهو بالتأكيد تعبير عن حالة نقية، عميقة،، ذات دلالات تتداخل فيها سمرة الوجوه، مع صفاء السماء، ونقاء الأرواح.
شمالا أصل قرية الرشايدة، وكأني أعرفها منذ عشرات السنين، فيستقبلني فيها، هناك، الصديق الدكتور اسماعيل القيام، وكان برفقتي الدكتور يوسف ربابعة، وكنا قادمين من عمان، حيث تجاوزنا جامعة جرش قليلا ثم عرجنا باتجاه قرية الرشايدة، التي كان ينتظرنا فيها الدكتور القيام.
هناك، ومن على مرتفع في القرية، كانت تظهر أمامنا جامعة جرش، ونحن نتفيأ ظلال أشجار كانت تحيطنا بمهابتها، ونشتم حولنا رائحة التربة الطيبة التي لا تبخل على أهل المنطقة بالزيتون، والقمح، والخضار، والفواكه، ولذا فقبل أن نجلس في بيت دليلنا، ومضيفنا، كان إصرارنا على أن نقلب صفحات المكان، عبر جولة في الرشايدة، والمنطقة المحيطة بها، حيث مشينا في الدروب الريفية هناك، ورأينا جمال الطبيعة بكل تجلياتها، والمزارع المنتشرة فيها.
الصخرة
نمشي، ونحن مستلبون لسكينة المكان، ورقة دروبه، ولا يكسر وتيرة الهدوء حولنا إلا مداخلات تعريفية المنطقة تأتينا من قبل دليلنا الدكتور اسماعيل القيام، الذي كان يتحدث لنا بحماس عن قريته التي يقول عنها بأن اسمها الرشايدة، هو اسم قديم لها، وكان يطلق عليها سابقا اسم خربة الرشايدة. وهناك في موقعها، كانت توجد مغائر، وكهوف قديمة، وقد اخذ المكان تسمية الخربة، فصار اسمه الرشايدة. كما أن الرشايدة كانت، تاريخيا، تعد احد أحواض قرية النبي هود، حيث أشار الى ذلك الباحث ركاد نصير في كتابه «المعاني اللغوية لأسماء المدن والقرى وأحواضها في المملكة الأردنية الهاشمية» وذكرها تحت اسم الرشادة، والتي يفسر معناه بأنه الصخرة أو الحجر ملء الكف، ولعل التحوير طال الاسم فكانت زيادة الياء قبل نهايته ليصبح الرشايدة. ولكن من تصفح تاريخ المنطقة، يمكن ملاحظة أن الانطباع الأول عندما تطرح تسمية الشايدة، يعيدنا الى قبيلة الرشايدة المعروفة في أكثر من دولة عربية، في السعودية، والكويت، والأردن، والسودان، وغيرها، وهم في الأردن يقيمون في مواقع مختلفة في كفرنجة، والكرك، والشونة الجنوبية، والشوبك، ومأدبا، وأماكن أخرى، ولذا فربما يكون في الأزمنة القديمة لهم مرور، واقامة، في منطقة القرية الآن، فأخذت الاسم القديم، وتغير الناس، ودارات دورة التاريخ والزمان، فبقي الاسم ملتصقا بالمكان، وبقي اسم القرية الرشايدة، حتى وإن ارتحلوا عنها.
وبعد تداعيات تفاصيل تسمية المكان، يقف دليلنا عند مرتفع، وسط غابة، ويبدأ بتحديد قرية الرشايدة، قائلا بأن حدودها بحسب موقعها الجغرافي هي على النحو التالي: يحدها من الشرق الرياشي، والعبّارة، ووادي التنور، ومن الغرب وادي جرش، ومن الشمال جرش، والنبي هود، ومن الجنوب سيل الزرقاء، ومشتل فيصل.
الماء.. والخضراء
يستمر بنا المسير، ممتعا، أليفا، دافئا، برفقة الدكتور القيام، ليكون الوصول بعد فترة الى حيث عين التنور، التي ما زالت مياهها دفاقة، تستفيد منها المزارع المجاورة لها، قبل أن تتابع جريانها، عبر وادي التنور، الذي يلتقي مع سيل الزرقاء، قبل أن يصب في سد الملك طلال.
لكن الناس هناك يشيرون الى أن مياه عين التنور كانت أغزر بكثير، في السنوات الماضية، ويعزون السبب في تراجع كمية المياه في العين، الى وجود عدد من آبار المياه المحفورة قريبا من هذا النبع، وينابيع أخرى، من قبل سلطة المياه، إضافة الى الآبار الخاصة، كلها ساهمت في تقليل من نسبة الماء في عين التنور، وكذلك كان السبب في كارثة الجفاف، وهو مصير العيون الأخرى، مما أثر سلبيا على الزراعة، وعلى معيشة الناس هناك.
غير أنه رغم كل هذه التفاصيل فإن ما شاهدته في موقع عين التنور، كان عبارة عن طبيعة تسر الناظرين، وكان هناك مرتادون للمكان بقصد الاستجمام بفضاءات المكان، وبجريان الماء، وبالأشجار الخضراء، وبالبيئة الهادئة.
الاستقرار.. ألفة الأهل
مواقع عديدة مررنا عليها في جولتنا في قرية الرشادية، قبل أن تكون عودتنا
الى منزل دليلنا الدكتور القيام في الرشايدة، حيث بدأ الحديث هناك حول الواقع الاجتماعي، وكيف كان الخروج من قرية النبي هود، والاقامة في هذه المساحة من الأرض.
كان الحديث يسير باتجاه نشأة هذا التجمع السكاني، في البداية، لكنه افضى بنا بعد ذلك الى فيض من الذاكرة الجمعية، وكثير من تاريخ التفاصيل الأخرى، المكتوبة في صدور الأهل، والمنقوشة في مخطوطات تعاليلهم، وليالي سهرهم، حيث تشير الحكاية الى أنه «قبل حوالي 80 سنة، كان عبد الرحمن الرحيّل القيام، هو أول من نزل من قرية النبي هود الى خربة الرشايدة، وبنى مضافة في وسط البلد، هنا، وكان كريما، وقد بادر الى هذا الانتقال، لعدة أسباب، منها خلافات مع عائلات أخرى في قرية النبي هود، حيث خرج هو وأولاده، وكانوا كثيرين، الى هذا المكان الذي يعتبر أقرب الى أراضيه، ويتميز بطبيعة سهلة، ويضاف الى ذلك أنه كان لديه رغبته حقيقية في التوسع خارج النبي هود.
أما العائلة الثانية التي انتقلت الى الرشايدة، فهي تابعة لمحمود منيزل، حيث انتقلوا الى هنا، وصارت ألفة بين العائلتين، وكان الاعتماد في تسيير حياتهم على الزراعة.
كما أنه يوجد هناك في الرشايدة من عشيرة الرقيبات، حيث نزل فيها فرع منهم، وهنا يذكر في القرية الحاج محمود الخليفة. ويوجد فيها أيضا من الصمادية، وقد كانوا قريبين من الشارع الرئيس في بداية البلد (موقع جامعة جرش).
«الجد منيزل»
يتشعب البوح، وتتداخل تفاصيل ذاكرة أكثر من مكان، وقرية، عند بعض المفاصل التاريخية فيها، كما سنلاحظ هنا عند الإشارة الى تكرار حضور أولاد منيزل، أو ذرية منيزل، في غير قرية في المحيط القريب، مثل قرية الرشايدة، وكذلك قرية النبي هود، وقرية الرياشي.
من المهم التوقف قليلا عند هذه الشخصية، خاصة وأن أهل تلك القرى، يؤسطرون الحكاية، ويستعيدون ملامح «الجد منيزل»، كجزء من موروثهم الجمعي، حيث أنهم يتذكرون القصة التي نورد بعد تفاصيلها، هنا، كبوح اجتماعي مرتبط بالمكان والانسان، وفيها دلالة على التمسك بالأرض، والحق، والمثابرة للوصول الى الهدف.
تشير أحاديث الكبار الى «الجد منيزل»، رابطين تاريخه، بذكائه وحيلته، واصراره على استرداد أراضي هذه القرى، في هذه المنطقة، حيث يشير كبار القرية الى أنه «أيام أول، مع بداية تأسيس الامارة، كان الناس تخاف تسجل أراضيها باسمها علشان النظامي، يعني علشان ما يروحو نظامي، والمقصود خدمة الجيش، فقام الجد منيزل، وباع الأراضي لواحد مبسوط، ومتنفذ، من جرش، وقام وطَوَبْلوا هالأرض، وكان التطويب يصير بإربد، وكان معه 9 قواشين، وباع كل اللي داخل القواشين من أراضي، ولكن بالمقابل ما قبض أي شي من اللي اشترى منه، وما أعطاه الثمن. وقعد الشخص المعروف، من جرش، يماطل، ويؤجل من بدايتها، وقاللوا بعد ما طوّب الأرض، لما تروّح، بعطيك عصملي. ولما روّح، ما أعطاه إشي، حتى انه كان ملبسه فروة، قبل البيع والشرا، وبعد ما صار التطويب أخذها منه.. وتروح السولافه 10 سنين، وبدون ما ياخذ حقه، وآخر شىء اقام عليه دعوه بجرش، ولكن بدون فايده، لأنه المقابل له، مبسوط، ومدعوم، وحاط القائمقام في جيبته، والناس مساندينه، وكلهم صفوا معه».
مجلس الأمير
لم ييأس منيزل من قضيته..
وتابع مشوار مطالبته بحقة، حيث تشير تداعيات حكاية منيزل، في سبيل استعادة الأرض، بأنه «بعد ما يئس منيزل من الحكم بجرش، قال انا ما بقبل محاكمتكم هان، واطلب الانصاف من الأمير عبد الله، وكان معه شهود من بني حسن، انه هذا اللي من جرش أخذ أرضه بدون ثمن، فراح وقام دعوة عند الأمير عبد الله.. وأربعة أشهر ومنيزل معزّب بعمان، لحد ما صارت فرصه علشان يشوف الأمير، وكانت المناسبة انه جاي شيوخ بني حسن للأمير، وكان منيزل يعرفهم، فقالوا له احنا النا جلسه مع الأمير عبد الله، فدخل شيوخ بني حسن، ودخل معه، وانتبه له الأمير، فسأله اذا كان معهم، ولما عرف انه قضيته مختلفه طرده من المجلس. المهم لما انحلت مشكلة بني حسن اللي اجو علشانها للأمير، طلبوا انه يعفي عن منيزل، اللي دخل بالخطأ، وكان قاله لما دخل معهم في البداية انه قضيته تتأجل كمان 3 أشهر. كان من الشيوخ الحاضرين شهاب الزيودي، ومحمد العيطان.. وطلبوا من الأمير يصفح عن زلة منيزل، فقبل الأمير فزعتهم، ونادى منيزل، وطلب الأمير من كاتبه (محمد فال)، انه يجيب قضية اراضي النبي هود. ولما جاب الكاتب القضية، كتب الأمير عبد الله شرحه عليها: (قاضي القضاة.. أنا أطلع خطيته من رقبتي الى رقبتك، تحكم لهم بالحكم الشرعي). وبعد هذا الشرح على المعاملة، انحلت قضية الأرض، ورجعت الى أهلها».
أما أولاد منيزل فهم موزعون في تلك القرى التي تشكل جزءا من الأراضي التي استردها بعد تلك القضية، وهم بحسب تواجدهم في هذه القرى الثلاثة التي كانت الزيارة لها، وهي النبي هود، والرشايدة، والرياشي، فإنه يوجد في النبي هود عائلة صالح المنيزل وأبنائه، وفي الرياشي محمد المنيزل وذريته، وفي الرشايدة محمود المنيزل وأبناؤه.

دعوة للمشاركة

alqora@jpf.com.jo

هذه صفحة تؤسس لكتابة متكاملة حول القرى الأردنية، وتطمح لتأسيس موسوعة جادة شاملة. ولن يتأتى هذا بجهد من طرف واحد، فما يكتب قد يحتاج إلى معلومات للاكتمال، أو قصص أخرى لم يلتقطها الكاتب في زيارة واحدة، وهي مفتوحة للإضافة والتعديل قبل أن ترتسم بشكلها النهائي لتكون وثيقة لكل قرية، والأمل بأن تأتي أية إضافات أو تصويبات أو معلومات أخرى من أهل القرى والمهتمين مع اقتراحاتهم، وعلى العنوان: بوح القرى - الرأي

ص.ب- 6710-عمان-1118-فاكس 5600814
بريد الكتروني alqora@jpf.com.jo

سيرة القرية

تقع قرية الرشايدة جنوب شرق جرش، على مسافة 45كم شمال عمان. وتتبع القرية إلى لواء القصبة من محافظة جرش، وهي من ضمن بلدية جرش الكبرى.
الديموغرافيا:
يبلغ عدد سكان قرية الرشايدة، بحسب آخر تعداد عام للسكان والمساكن عام 2004م، حوالي ب(1502 نسمة) (762 ذكور و740 إناث)، يشكلون266 أسرة، تقيم في 358 مسكنا.

التربية والتعليم:
توجد في قرية الرشايدة مدرستان هما مدرسة الرشايدة الأساسية للذكور (التدريس فيها حتى الصف العاشر)، ومدرسة الرشايدة الأساسية للإناث (التدريس فيها حتى الصف العاشر. كما تقع جامعة جرش ضمن أراضي قرية الرشايدة.
الصحة:
يوجد في القرية مركز صحي أولي
يوجد في القرية مسجدان هما مسجد الرشايدة، ومسجد ابن القيم.

تعليقات

‏قال غير معرف…
يا دكتور اسماعيل لا أدري هل ما كتبته عن عشيرة القيام من تفصيل في أفخاذها وعدم ذكرك لفخذ الحمدان الذي هو أشهر من أن يذكر أكان الدافع جهلك بأصول العشيرة أم حقدك على هذا الفخذ
‏قال غير معرف…
من وين الكلام وحلوه انه الامير طرده يا فضيحه الواحد لازم يحكي كلام فخر. بس ما جاب سيرة لاشجع عشيره في القيام واكثرها عزا ونسبا عشيره الحمدان للأسف دكتور حاصل على اعلى الدرجات العلميه ولكن لا يفقه شي من الأصول والعشائريه لو كان المضيف من القواقزه كان بعرف النسب اكثر منك بس يا حيف والف حيف على الرجال
‏قال غير معرف…
من وين الكلام وحلوه انه الامير طرده يا فضيحه الواحد لازم يحكي كلام فخر. بس ما جاب سيرة لاشجع عشيره في القيام واكثرها عزا ونسبا عشيره الحمدان للأسف دكتور حاصل على اعلى الدرجات العلميه ولكن لا يفقه شي من الأصول والعشائريه لو كان المضيف من القواقزه كان بعرف النسب اكثر منك بس يا حيف والف حيف على الرجال
‏قال جرشي محب
صح لسانك دكتور إسماعيل القيام

صياغة رائعة دكتور مفلح العدوان وتعبير راق وشفاف

حقا يعجبني أن أقرأ عن قرانا وتراثها وتمسك أجدادنا بالأرض بهذه الصورة

حقا شكرا لكم
‏قال Unknown
كلام جميل جدا