سامح حجازي.. أول رئيس بلدية لعمان في عهد الاستقلال

سامح حجازي.. أول رئيس بلدية لعمان في عهد الاستقلال



هزاع البراري - لم تكن مدينة عمان عاصمة للدولة الناشئة فحسب، بل كانت عنواناً لانطلاق مرحلة جديدة لشعب و أرض ارتبطا بالحلم العربي في الحرية والتقدم، لذا كانت نشأة المدينة متسقة مع المبادئ الأساسية التي قامت عليها الدولة الأردنية، فهي عروبية الهوية قومية الفعل والاتجاه، متشربة مبادئ الثورة العربية الكبرى، لذا كانت ولا تزال ملجأً للعرب الأحرار، ومنفتحة على الفضاء الإسلامي، فهي منطلق قوافل الحرية، ومركزاً حضارياً وتعليمياً ومنارة ثقافية، رسخت مكانتها من خلال تخطيط استراتيجي وتراكم الإنجاز النوعي، الذي اختزل الزمن ووضع عمان و الأردن في أعلى المراتب في معظم مناحي الحياة العصرية، ومع احتفاظها بأصالة ضاربة في عمق التاريخ البشري.
عادت عمان إلى الواجهة من جديد عام 1921م عندما اختارها الأمير عبد الله عاصمة لإمارة شرق الأردن، فلقد عادت إلى ألقها السابق، فقد كانت عاصمة للعمونيين باسم ربة عمون - دار الملك ? وكانت فيلادلفيا في العهد الروماني مدينة هامة وزاخرة بالنشاط التجاري والثقافي ، لكن دورها تراجع بعد ذلك حتى أصبحت عاصمة للدولة التي أدهشت العالم بما وصلت إليه من رقي وتقدم، ولعل هذا مرد الأهمية الخاصة التي تمتع بها رؤساء بلدية عمان على مدى مراحل تطورها السريع منذ فجر الإمارة حتى هذه اللحظة، ومن أبرز هؤلاء الرؤساء سامح مصطفى حجازي الذي كان أول رئيس بلدية لعمان بعد استقلال الإمارة وتحولها إلى المملكة الأردنية الهاشمية عام 1946م..
كان ارتباط سامح حجازي بالبلديات، يعود إلى العائلة فوالده كان رئيس بلدية اربد لمدة طويلة امتدت بين من عام1898م إلى 1922م ، أما سامح فقد ولد في نفس العام الذي تولى فيه والده رئاسة بلدية اربد، أي في عام 1898م مما يعني اقتران مولده مع إطلالات القرن العشرين الذي حمل إحداثا كبيرة غير العالم والمنطقة، ولم تكن اربد ببعيدة عن ما مرت به البلاد العربية من تحولات وانكسارات، ولكنها كانت أيضاً ممتلئة بنشاطات الانطلاقة الجديدة ، مما مهد الطريق أمام سامح حجازي لدراسة المرحلة الابتدائية في مدارس اربد، لينينتقل بعدها لدراسة الرشيدية المأخوذة عن النظام التعليمي العثماني، قبل أن يحل مكانه النظام الجديد في عهد الإمارة، وقد تمكن من الالتحاق بكلية عنبر- مدرسة مكتب عنبر- في دمشق وهي من أشهر المدارس الثانوية في المنطقة في تلك الفترة، وكانت دراسته في دمشق في خضم الأحداث التي تخللت الحرب العالمية الأولى، وما وصلت إليه الثورة العربية الكبرى ، وقيام الحكومة العربية في دمشق، و المناداة بالأمير فيصل ملكاً على سوريا.
حصل على شهادته في عام 1920م في عهد الحكم العربي، وكانت المشاعر الوطنية في قمتها، فاندفع للخدمة في الحكومة التي جسدت طموحات العرب في الوحدة و الحرية، فعين بمديرية رسائل متصرفية اربد ، ولم يلبث طويلاً حتى نقل إلى وظيفة أخرى عندما عين مديراً لناحية الغور، وقد أخذت ملاح خبرته العملية بالتشكل السريع، فلقد كان له حضوره الميداني المؤثر رغم صغر عمره نسبياً، ولقد ساعده العمل في أكثر من موقع في فترة زمنية ليست بالطويلة على التعرف على عدد كبير من الناس، والإطلاع على مشاكلهم من قرب، فقد نقل بعد ذلك مديراً لناحية الرمثا، ومن ثم أصبح مديراً لناحية بني كنانة، مما وفر له مجالاً خصباً ومتحركاً لبناء شخصيته الإدارية ، وتكريس أهليته للعمل و التميز في هذا المجال.
لقد واكب حجازي تأسيس أمارة شرق الأردن ، وانبرى للعمل ضمن كوادرها، مقدماً خبرته خدمة لوطنه وقيادته، فلقد كان الأردن البلد الذي أعتبر القلعة الباقية في وجه حملات الاستعمار المباشر، الذي اجتاح المنطقة العربية منذ أواسط القرن التسع عشر، وقد عمل حجازي خلال الفترة الأولى من عمر الإمارة قائم مقام لمقامية مادبا بين عامي 1927م و1928م، حيث نقل في هذا العام إلى الجنوب عندما تم تعيينه قائم مقام للطفيلة، وقد خدم في هذا الموقع لمدة عام، وفي سنة 1929م عاد إلى شمال الأردن للعمل في المنصب نفسه في عجلون، وقد تنقل خلال هذه الفترة بين مدن الأردن منها عمان و الكرك وجرش، وقد تمت ترقيته في العام 1931م إلى متصرف وأصبح متصرفاً للكرك لمدة ثلاثة سنوات، ومتصرفاً للبلقاء، ليعود بعدها متصرفاً لمتصرفية عمان ، وكانت هذه الفترة غنية بالتنقلات والتجوال في مدن البلاد وربوعها، وتعرف على عدد كبير من أبناء المناطق الإطلاع المباشر على مشاكلهم وهمومهم.
في العام 1935م ترك العمل في مجال الحكم المحلي، حيث تم تعيينه مديراً للمصرف الزراعي، وكانت هذه نقلة جديدة مختلفة في نوع العمل ونوع الخدمة المقدمة للمجتمع، وقد أسهم هذا المصرف في التنمية الزراعية في العقود الأولى من عمر الإمارة، ولقد استمر في عمله هذا حتى العام 1937م، عندما عين حينها رئيساً لبلدية عمان خلال الفترة من 1/5/1937إلى 31/10/1938م، وكانت هذه المرحلة محببة لنفسه فوالده كان رئيساً اربد لفترة طويلة، وهاهو أبنه يصبح رئيس بلدية لعاصمة تنطلق نحو آفاق من التنمية الشاملة والخلاقة، التي جعلت منها أنموذجاً في المنطقة كلها.
لم تتوقف حركة التنقلات وتبديل المواقع الوظيفة عند سامح حجازي، فلقد عين مديراً للخزينة، لفترة من الزمن عاد بعدها للعمل في الحكم المحلي وأصبح متصرفاً للكرك للمرة الثانية، ولعل الخطوة التالية جاءت أكثر اختلافاً، حيث نقل للسلك الدبلوماسي في وزارة الخارجية، فلقد أصبح قنصلاً لإمارة شرق الأردن في العاصمة العراقية بغداد عام 1941م، وبذلك يكون حجازي أول من شغل هذا المنصب الدبلوماسي في الخارجية الأردنية، وفي العام 1942م عاد إلى عمان حيث تم تعيينه مديراً للمعارف العامة حتى العام 1944م، عندما تم انتدابه لإدارة مديرية البرق و البريد العامة.
لعل هذا الترحال المتواصل في العمل العام قد حمله خبرة متنامية ، وشوقاً كبيراً لعمان التي عاد إليه مرة أخرى رئيساً لبلديتها عام 1945م، وقد شهدت فترته هذه استقلال المملكة الأردنية الهاشمية، وبذلك يكون قد خلد اسمه كأول رئيس بلدية لعمان في عهد الاستقلال، وقد تمكن من إكمال مسيرة والده خاصة عندما أصبح رئيساً لبلدية اربد مسقط رأسه، حيث كان ذلك عام 1949م، لذا استحق عن خدمة المتميزة عداً من الأوسمة منها وسام الاستقلال من الدرجة الثانية ووسام الاستقلال من الدرجة الثالثة، ووسام الرافدين من العراق وغبرها من الأوسمة ودروع التكريم من جهات مختلفة، لقد كانت حياته حافلة بالعمل المخلص والإنجاز الكبير و الريادة التي سجلت له ولعدد من أبناء جيله من المؤسسين، هكذا هو سامح حجازي، في كل مراحل عمره وحتى وفاته عام 1970م، وننظر إليه اليوم كأحد مهندسي عمان في أول تفتحها في عهدها الجديد، مؤكدين أن الذاكرة الوطنية لا تنسى رجالاً أوفياء أعطوا خير ما عندهم لبلد يجازي رجاله خير الجزاء.

تعليقات