فوزي الملقي.. فارس من مرحلة التغيير والمأسسة

فوزي الملقي.. فارس من مرحلة التغيير والمأسسة



هزاع البراري - يعد فوزي الملقي ابناً شرعياً لوحدة الأرض العربية ، وتكامل جغرافيتها وبنيتها الاقتصادية، ناهيك عن لحمتها الاجتماعية ، فهو نتاج للحراك الطبيعي في الحقبة المتوثبة للتغيير ، وكانت التجارة وطرق القوافل تتجدد كلما حملت الأمة راية النهضة ، فكانت اربد بسفوحها وسهولها الممتدة خصباً وألقا مسقط رأسه ، فيها ولد ، وفيها نشأ ، كما تنبت الزيتونة المعطاء، ففي سنة 1909 م رأت عيناه النور أول مرة ، وهو يمتد في انتمائه إلى أسرة عربية من مدينة حماة السورية ، وكان والده قد امتهن تجارة الحبوب ، وتحرك في المنطقة وقراها ، حتى استقر في اربد.
التحق فوزي الملقي بمدرسة اربد سنة 1916م، وهو العام نفسه الذي انطلقت فيه احداث الثورة العربية الكبرى ، مما جعل المدينة الهادئة تفتح أبوابها، شاهدة على تحول العرب من رعايا مضطهدين إلى مناضلين ثائرين وطلاب حق ، حتى كان لهم ما ارادوا ، وقد تلا حكم الدولة العثمانية الحكم العربي الفيصلي في دمشق ، فأزدهرت المدارس ، وتكثف الإهتمام بالتعليم ، ولكن حكم الملك فيصل في دمشق لم يدم طويلاً، بعد احتلال فرنسا لسوريا ولبنان ، وتمكن عام 1927م، من إنهاء دراسته بحصوله على الثانوية العامة بتفوق لافت ، مما مكنه من الحصول على بعثة في الجامعة الامريكية ببيروت ، التي أسهمت في تلك الفترة وما تلاها، في تخرج عدد من شباب الأردن، الذين كان لهم دور واضح في تأسيس ونهضة الدولة في شرق الاردن، المملكة الفتية فيما بعد .(من الرعيل الأول، د.محمد العناقرة)
أفاد فوزي الملقي من المناخ الذي توفره الجامعة ، وكانت تضم مدرسين وطلاباً أسهموا في تأكيد وتعميق الحس والانتماء القومي، في فترة الإنتدابات وتجزئة الارض العربية الواحدة بغية اقتسامها . وفي سنة 1932 م تحصل على شهادة البكالوريوس في العلوم ، وبعد عودته عمل في التربية والتعليم، بوظيفة معلم لمدة ست سنوات ، درّس خلالها في الكرك والسلط وعمان ، وتمتع بثقافة ووعي قومي، جعله يعد من مجموعة الشباب المستنير في تلك الفترة، أمثال سليمان النابلسي وعبد الحليم عباس ، وفضل دلقموني ، وصلاح طوقان ، وغالب القسوس وغيرهم ،و قد شاركت هذه النخبة ببناء الدولة وتطوير إداراتها ، وخلال عمله كمعلم عرف بقدراته في الخطابة وإدارة الندوات ، مما صقل شخصيته وأكد حضورها.
كانت لفوزي الملقي علاقة جيدة بالأمير عبد الله الأول ، فكثيراً ما سمع عنه عن طريق توفيق أبو الهدى، الذي تابعه في بعض الندوات ، وقد توثقت هذه العلاقة عندما عمل الملقي مديراً لمدرسة عمان، القريبة من مقر اقامة الامير ، الذي كان يتردد على المدرسة ، ويتابع الطابور الصباحي ، وعندما توفرت منحة لدراسة طب البيطرة في بريطانيا، كانت من نصيب الملقي الذي غادر الاردن متوجهاً للمملكة المتحدة سنة 1939 م ، والتحق بجامعة (رويال دين) في ادنبره ، وقد واكب دراسته معارك الحرب العالمية الثانية، التي عصفت باوروبا والعالم بأسره ، غير أنه تمكن من الحصول عى درجة الدكتوراه في الطب البيطري سنة 1942م ، انتسب بعدها الى جامعة كامبردج ودرس القانون السياسي والاقتصادي ، فحاز على الدبلوم بهذا التخصص ، مستغلاً الوقت الذي توفر بسـبب عدم تمكنه من العـودة للـوطن بسبب الحـرب .(المصدر السابق)
حظي الملقي لدى عودته الى عمان عام 1943م باستقبال الامير له في قصر رغدان ، حيث عينه رئيساً لدائرة البيطرة في الأردن ، وبعد عام تقريباً تم تعيينه مستشاراً اقتصادياً لرئيس الوزراء ، وقد عرف بالمهارة في العمل، والقدرة على تحمل المسؤولية ، وكانت البلاد ترزح تحت تأثير الحرب العالمية ، فبادر توفيق أبو الهدى إلى اسناد منصب مدير عام التموين له ، وهي وظيفة هامة ، تتطلب مراقبة الاسعار وتوفير التموين الضروري للمواطنين ، وهو عمل لم يستمر به طويلاً ، حيث تم نقله الى القاهرة ليعمل قنصلاً للاردن في مصر ، وقد استمر في عمله الدبلوماسي هذا حتى استقلال الاردن سنة 1946م، وتحولها من إمارة إلى المملكة الأردنية الهاشمية ، عندها أصبح وزيراً مفوضاً، و كان معنى ذلك انه امتهن العمل الدبلوماسي والسياسي وأصبحت شهادة البيطرة من الماضي.
ويبدو أن الملقي أتقن العمل الدبلوماسي وأحبه ، وقد عمل سفيراً للأردن في عدد من العواصم الأوروبية والعربية ، وشغل منصب مندوب الأردن في هيئة الأمم المتحدة ، وكان قد أصبح وزيراً لأول مرة في حكومة توفيق أبو الهدى ، حيث تسلم حقيبة المواصلات ، لكنه فيما بعد تسلم حقيبة الخارجية، ليصبح وزيراً للوزارتين في الوقت نفسه ، وذلك عام 1948م ، ومن خلال منصبه كوزير خارجية، شارك في المفاوضات التي ادت الى تعديل المعاهدة الأردنية البريطانية ، وتسلم أيضاً مهمة وزير دفاع في فترة حرجة نظراً لما يحدث في فلسطين من مؤامرات لم تعد مخفية على أحد ، حيث كان عضواً في لجنة التوافق التي أقرتها الامم المتحدة ، لكن مهمتها باءت بالفشل.
ارتبط فوزي الملقي بالمغفور له الملك الحسين بن طلال، خلال عمله في سفارة لندن وباريس ، فتوثقت علاقته بالأمير حسين وقتها ، وعندما تولى الحسين بن طلال مقاليد الحكم، وكان شاباً تواقاً للتغيير والتطوير فقد وثق بالملقي ، وحمّله هذه المسؤولية فشكل حكومته عام 1953م ، وإرتكزت هذه الحكومة على اسماء قوية وفاعلة ، فبادرت بسن القوانين ، فصدر قانون المطبوعات عام 1953م الذي منح سقفاً عالياً لحرية اصحافة ، وقانون الاجتماعات العامة في السنة نفسها ، وقانون الأحزاب ، كان هذا عملاً تأسيسياً مدروساً. وقد أسهمت ظروف خارجية وأخرى داخلية باستقالة الحكومة ، منها مساحة الحرية والديموقراطية التي أتاحتها الحكومة واستغلتها المعارضة ضدها، وهجوم اسرائيل على قبيه.
بعد خروجه من رئاسة الوزراء عمل وزيراً للبلاط بين عامي 1954-1956م ، ثم سفير للأردن في مصر ، وفي عام 1961م، اصبح مندوباً للأردن لدى الامم المتحدة لفترة وجيزة حيث وافته المنية في مطلع عام 1962 ، وهو في ذروة عطائه، باذلاً كل ما في إمكانه خدمة للأردن الأغلى، الذي يحفظ أبناءه البررة كما يحفظونه، ويكرمهم بما ستحقونه من تكريم ومكانة.

تعليقات