صالح العوران.. من رجالات مرحلة التأسيس والبناء

صالح العوران.. من رجالات مرحلة التأسيس والبناء



خارج النسيان

كانت حياة صالح العوران، والظروف التي نشأ فيها، بيئة ملائمة لبروز شخصيته، ومقدرته على الاضطلاع بجهود ومهام صعبة، في فترات حرجة من عمر الدولة الأردنية، كما عايش الإرهاصات التي سبقت مرحلة التأسيس، فكان بذلك رجل مرحلتين هامتين، كان لهما دورهما الكبير فيما آلت إليه الحال في المنطقة برمتها، وفي مختلف الميادين السياسية والعسكرية والاقتصادية.

هزاع البراري

تؤخذ سيرة الشيخ صالح باشا العوران، ضمن سياق مرحلة كاملة، كان لها مردودها الكبير والحاسم في بناء الدولة الأردنية، كما لا يمكن رصد مراحل حياته المختلفة، دون النظر بمناخه الأسري، والظروف التي أحاطت بتربيته، وكان لها أثرها في توجهاته الفكرية والوطنية، فبالإضافة إلى ذلك كله، نرصد دور المكان وتأثير الأحداث المختلفة، وحركتها في الزمان وانعكاسها على الناس محلياً وإقليمياً.
كانت حياة صالح العوران، والظروف التي نشأ فيها، بيئة ملائمة لبروز شخصيته، ومقدرته على الاضطلاع بجهود ومهام صعبة، في فترات حرجة من عمر الدولة الأردنية، كما عايش الإرهاصات التي سبقت مرحلة التأسيس، فكان بذلك رجل مرحلتين هامتين، كان لهما دورهما الكبير فيما آلت إليه الحال في المنطقة برمتها، وفي مختلف الميادين السياسية والعسكرية والاقتصادية.
شكلت الطفيلة الناهضة على حد سيف الصحراء، والنابتة في بلداتها وقراها على قمم الجبال العالية، حصناً طبيعياً منيعاً، ونقطة جذب لافتة بما احتوت عليه من وفرة المياه، وتعدد الينابيع العذبة والمعدنية، وخصوبة أراضيها رغم وعورتها، وقد فرض هذا الواقع على أهالي الطفيلة في جنوبي الوطن، تحديات تزايدت مع مرور الأيام، فهي في فوهة الصراع منذ مملكة أيدوم في العصر الحديدي الثاني، كما كانت معبر الهجرات للقبائل العربية، وإحدى بوابات الفتح الإسلامي، كما لعبت دوراً مؤثراً في معارك الثورة العربية الكبرى، حتى عدت معارك الطفيلة حاسمة إلى حد بعيد، لذا لعب رجالات الطفيلة أدواراً بارزة في تاريخ الأردن عبر مختلف المراحل، وكان صالح العوران واحداً من هؤلاء الرجال الكبار.
ولد الشيخ صالح باشا العوران في الطفيلة عام 1888، في فترة مكتظة بالأحداث المؤثرة، التي نتج عنها نقل المنطقة العربية من مرحلة إلى مرحلة جديدة، مغايرة تماماً للماضي القريب والبعيد، وينتسب صالح ذياب إلى عشيرة العوران الضاربة بجذورها في تاريخ الطفيلة والجنوب، وقد نشأ في كنف والده الشيخ ذياب العوران، هو وشقيقه الأكبر عبد الرحمن ، حيث يعد والدهما واحداً من أبرز الزعامات العشائرية في جنوبي الأردن، بل في الأردن قاطبة في تلك الفترة، وكان من الزعماء المهابين من قبل رجال الدولة العثمانية، وكثيراً ما استعان الباب العالي به لحل المشاكل المستعصية، والمساهمة في حماية طريق الحج الشامي ، وقد قدم جهوداً واضحة في التأسيس للقواعد والأعراف العشائرية، وكانت له بسبب زعامته وشخصيته القوية، سلطة في حل المشاكل والقيام على شؤون الأهالي، لا تقل أهمية عن سلطة رجال الحكم الأتراك.
لقد حظي الشيخ والسياسي صالح العوران، بتربية غنية بالخبرات، من خلال ملازمته لوالده، وتعلمه على يديه الشجاعة والإقدام، ونهل من مدرسة والده سمات الكرم وطيب النفس، وتكريس حياته لخدمة أهله ووطنه، وخلال طفولته تلقى تعليماً أولياً من خلال الكتّاب، وتمكن بعد هذه المرحلة من الدراسة في مدرسة الطفيلة، حيث أنهى الصفوف الابتدائية.
لم تكن الطفيلة أوفر حظاً من باقي بلدات جنوبي الأردن، في تلك الفترة التي عانت فيها من قلة عدد المدارس، وندرة المدرسين المؤهلين، فلم تتح له فرصة إكمال دراسته الثانوية، فتوجه إلى الحياة العملية، ليتعلم على نفسه، ويتشرب من والده معارف الحياة المتاحة والخبرات المتراكمة، وأن يساهم في عمر مبكرة مع شقيقه الأكبر عبد الرحمن في معاضدة والدهما، في إنجاز المهام الملقاة على عاتقه، وقد كان لرجالات الطفيلة مساهمة مشهودة في معارك الطفيلة وغيرها، التي خاضها جيش الثورة العربية الكبرى، وقد لعب والد صالح العوران الشيخ ذياب دوراً سجله التاريخ، في دعم جيش الثورة بالمال والمتطوعين، مما حول الطفيلة إلى قلعة انتصار لا تقل أهمية عن حدث تحرير العقبة.
شكلت معارك الثورة العربية الكبرى، التي جرت على الأرض الأردنية منذ عام 1917، حالة ذات أبعاد عميقة في وجدان الشيخ صالح العوران، الذي خاض غمارها شاباً صغيراً، وحمل رسالتها الخالدة طوال سنوات عمره، ولم يتقاعس عن دوره في جهود بناء مؤسسات الدولة الأردنية منذ تأسيسها عام 1921، وذلك من خلال المساعدة في استتباب الأمن، وتسهيل فرض سلطة الدولة في البلدات والقرى ومضارب العشائر، وهذا ساهم في تقدم الدولة السريع في مشاريعها التنموية المختلفة، رغم صعوبة الوضع الاقتصادي، وتعقد الوضع السياسي والعسكري في المنطقة، وبالتالي توجه الناس للدراسة والوظائف، ونشطت الحركة التجارية والزراعية.
توفي والد صالح العوران الشيخ ذياب العوران عام 1938، فتابع أبناؤه مسيرة والدهم الوطنية، وحملوا نهجه من خلال تواصلهم مع أبناء الجنوب بشكل خاص، ومع شيوخ ووجهاء الأردن بشكل عام، وتوليهم عدداً من المناصب داخل الطفيلة، وفي مؤسسات الدولة المختلفة.
ونظراً للمكانة التي تمتع بها صالح العوران، حقق نجاحاً مميزاً في انتخابات المجلس التشريعي الأول، التي جرت انتخاباته عام 1934، حيث أصبح نائباً في هذا المجلس عن لواء الجنوب الذي كان يضم كل من: مدينة الكرك، مدينة الطفيلة ومدينة معان، وكانت تجربة العمل البرلماني جديدة عليه، وقد أكسبته هذه التجربة خبرة واسعة، وجعلته على اتصال مباشر مع قضايا الوطن، وعلى علاقة قوية مع رجالات الأردن في تلك الفترة، وقد وظف هذه العلاقات من أجل خدمة منطقته وأبنائها في الجنوب.
بعد نجاحه في مهمته البرلمانية، الذي استطاع من خلاله لفت الانتباه لشخصيته القوية، وما تمتع به من ذكاء وسرعة بديهة، دخل معترك العمل السياسي، الذي بدأه بنشاطه داخل المجلس التشريعي الأول، عندما دخل الحكومة، فقد أصبح وزير دولة للشؤون السياسية، وكان دخوله الحكومة، دليل على ما تمتع به الشيخ صالح العوران من مكانة كبيرة، ومقدرة على الاضطلاع بمهام هذا المنصب المتقدم، وأن يقدم صورة ناصعة عن أبناء الوطن من مختلفة المناطق والأطراف، وفي فترة مبكرة من عمر الدولة، وقد كان مثالاً في عمله والتزامه، محباً لوطنه ومخلصاً لقيادته.
خاض الشيخ صالح العوران انتخابات المجلس التشريعي، التي جرت عام 1941، ليفوز فيها نائباً عن لواء الطفيلة، وكانت هذه الانتخابات بوابة عريضة لعمله النيابي الطويل والمتواصل، فلم يغب عن المجلس التشريعي - الذي أصبح أسمه بعد الاستقلال مجلس النواب - حتى وفاته، فقد حظي بمحبة كبيرة، وبمصداقية ترسخت مع الأيام، وكان حاضراً بين ناسه وأبناء منطقته، كما كان حاضراً على الساحة الوطنية، مشاركاً في الأحداث السياسية المختلفة، هادفاً في عمله النيابي إلى تحسين أداء مؤسسات الدولة، وتحقيق التنمية للطفيلة ومحيطها، فكان من النواب الذين وازنوا بين خدمة أبناء دائرته الانتخابية، وبين الدور الرقابي والتشريعي لعضو مجلس النواب.
ساهم الشيخ صالح العوران في حل القضايا الاجتماعية والعشائرية، وعمل على تلبية طلب كل صاحب حاجة، فساعد الفقير، وأغاث الملهوف، وكثراً ما لجأ إليه رجال الحكم المحلي في الطفيلة ومدن الجنوب، ليساعد في حل كثير من القضايا الصعبة، خاصة القضايا والمشاكل ذات البعد العشائري، نظراً لمعرفته الكبيرة بالعادات والتقاليد العشائرية، وضلوعه بالقضاء العشائري، الذي يعد قضاءً مسانداً بفعالية كبيرة للقضاء المدني، لذا تمتع بتقدير خاص بين الناس، وباحترام وتقدير كبيرين لدى كبار مسؤولي الدولة، وقد واصل العمل المتميز والمخلص حتى وفاته عام 1955، ووري الثرى في مدينة الطفيلة مسقط رأسه والمكان الأحب إلى نفسه.


تعليقات