عيمة: خِرَبُ النَعيْم .. العائمة




بوح القرى - عيمة: خِرَبُ النَعيْم العائمة «1-3»



كتابة وتصوير مفلح العدوان

النظرة الأولى دهشة وسحر..
النظرة الأولى: تجليات الطبيعة، وعبقرية المكان، وصبر الانسان، كلها امتزجت في بؤرة تكاثفت أمام العين، بعد الدوران من على الجبل المرتفع، الذي كان يحجب وراءه وادي عيمة المحتضن للقرية التي جئتها من عمان، وقطعت أكثر من 185 كيلو مترا نحو الجنوب، عبر الطريق الصحراوي، لأصل جسر الحسا، متجها منه نحو الغرب، لتستقبلني قرية العيس، التي التقيت فيها صديقي الشاعر هشام القواسمه، وتابعت دربي معه، إلى عيمة التي دخلت دربها قبل 3 كيلومترات من مدخل الطفيلة، وسرت اليها، حيث موقعها على مسافة 12 كيلو مترا شمال غرب الطفيلة، وأنا مشوق لرؤيتها، وتأملها، ومتحمس للحديث مع أهلها الطيبين هناك.
البلدة القديمة
ها أنا أحدّق في عيمة..
وكأني أحلّق في الأعالي، وأنا على رأس الجبل المقابل لها، تلك القرية التي تحتضن الوادي، وتتراءى أمام العين؛ صامدة ببيوتها، حاضرة بخربتها القديمة، وبدروبها، وبذاكرتها، وبتاريخها، وبفسيفساء المجتمع فيها.
ها أنا أطل على عيمة في الوادي النابض بالزرع، والناس، والأمكنة الشاهدة على تقلبات الحياة والزمان، حيث أول ما يلفت نظري هي البلدة القديمة، وحولها البيوت الحديثة التي يسكنها أهل عيمة، ويحرسون من مواقعهم فيها تلك الذاكرة التي ما تزال فيها البلدة القديمة تحتفظ بعقودها، وجدرانها، وحجارتها، ومعها نقوش تلك السردية المحتجبة من القصص والحكايات، وكأنها تريد أن تعبر عن ذاتها عند أول فرصة، لتزيل الاحتجاب، وتتبدى جلية كنقاء الأهل المقيمين هناك، لتبوح بما تحفظه من أسرار عن عهود وتفاصيل مضت، ولم يمحها الزمان، وتذكر بحاضر تجدد أمام نظر المعتق من الحجارة وبيوت البلدة القديمة حيث اتسعت عيمة، وبنت بيوتها الجديدة، وعلّمت أبناءها، وقدمت من هذا الوادي المحاط بالجبال رجالا ساهموا في بناء الوطن، ونسيج رفعته.
أصل عيمة، ومعي الصديق الشاعر هشام القواسمه، ونجلس في القرية مع كل من الحاج عبد الخالق العيد عليان عواد، والحاج خالد عبد ربه عليان عيال عواد، ونبدأ بعد جولة في عيمة تدوين ما تيسر من بوح القرية، بعد إعادة قراءة لمخطوط تاريخها العتيق المتجدد.
عَيْ.. أطلال
يشير كبار القرية إلى أن تسمية عيمة، من الممكن أن يكون مأخوذ من «العائمة، أو من النعيم (الخيرات)، كان في القرية خيرات زراعية كثيرة.. وقد يكون اسمها في الأصل النعيمة، وكان بعض الكبار يسميها بهذه التسمية». أما الباحث محمود سالم رحال، فيذكرها في كتاب «المشترك السامي في أسماء ومعاني المدن والقرى الأردنية»، بقوله «عيمة: بالسامي المشترك بمعنى مكان الخِرَب. وبالآرامية عي: أطلال. أنقاض. خراب. كومة من الحجارة. رجمة». ويشير الباحث ركاد نصير في كتابه «المعاني اللغوية لأسماء المدن والقرى وأحواضها في المملكة الأردنية الهاشمية» إلى أن «العيمة: شهوة اللبن أو شدتها؛ العطش ما كان؛ والعيمة من المتاع: خياره، ورد اسم عُمّة في سفر يشوع». أما الدكتور محمد عبده حتاملة، فيذكر في الجزء الثالث من «موسوعة الديار الأردنية»، بأن «عيمة: يعني اسمها في اللغات السامية: مكان الخرب (جمع خربة)، فبالآرامية والعبرية معنى كلمة (عي): أطلال أو أنقاض أو رجم. وجمع (عي) بالعبرية: عييم، وجمعها بالآرامية: عيين، ومعناهما في اللغتين الساميتين: أكوام من الحجارة».
جبل العليا
ويمكن تحديد قرية عيمة بحسب بوح كبار القرية على نحو أنه «تحدها الطفيلة من الجنوب، وسيل الحسا شمالا، وهو الفاصل مع محافظة الكرك، ومن الشرق ظهرة الطفيلة، وبساتين عفرا، ومن الغرب المناطق المطلة على الغور الجنوبي، والبحر الميت. وهي تشرف من موقعها على جنوب الخليل». وتعطي وصفا للموقع من جوانب أخرى، الدكتورة ميشيل بيفرس، في دراستها حول قرية عيمة، والتي ترجمها الدكتور عبد العزيز محمود، حيث تقول «تقع عيمة على المنحدر الغربي لجبل (العليا) على بعد 12 كم إلى الشمال الغربي من مدينة الطفيلة، ضمن سلسلة الجبال الشمالية الجنوبية المحيطة من الجهة الشرقية بوادي عربة على ارتفاع 860م. في مثل هذا الموقع الطبوغرافي من الصعوبة رؤية القرية أو الدخول اليها إلا بعد الدوران من حول الجبل، فهي في موقع حصين مشرف على وادي عيمة الذي بدوره يزود القرية بالمياه بواسطة أحد الينابيع الواقعة في أسفله».
عيمة.. ارحاب.. اضباعه
وعند الحديث عن عيمة، لا بد من المرور على قريتين تابعتين لها، وقريبتان منها، وأهلها هم من ذات عشيرة أهالي عيمة، وهي عشيرة الثوابية، حيث الأراضي مشتركة، والناس هم ذاتهم، بأصولهم، وصلاتهم، وهاتين القريتين هما كل ما ارحاب، واضباعة. ونشير في هذا المقام إلى بعض الأحواض التي تتكون منها القرية، كما يحددها الكبار هناك، وهي حوض بساتين عيمة (البلد)، وحوض حمرة عيمة (حرّف)، وحوض السطح، وحوض أبو الهوا، وحوض البقيع، وحوض اضباعة، وحوض الظهرة. ولكن الباحث ركاد نصير، يرصد كل أحواض قرية عيمة، وحمرة عيمة، في كتابه «المعاني اللغوية لأسماء المدن والقرى وأحواضها في المملكة الأردنية الهاشمية»، وتلك الأحواض هي: «حوض ارحاب: جمع الرحبة وهي الأرض الواسعة المنبات المحلال، والرحاب من القدور: الواسعة. ورد اسم رحبوت النهر في سفر التكوين. حوض صبرة: الصبرة: الحجارة الغليظة المجتمعة، أو ما يتلبد في الحوض من بول وبعر ونحوه. حوض مليح: المليح: القليب ماؤه ملح. حوض سوبلا: السبلة، أو مقدم اللحية. حوض بهلول: البهلول: السيد الجامع لكل خير، الضحّاك من الرجال. حوض الثنايا: جمع الثنية: وهي العقبة المسلوكة، أو طريقها أو الجبل نفسه أو الطريقة فيه. حوض التلعة: ما ارتفع من الأرض وأشرف. حوض صحرايا: الصُحرة من الألوان: الضارب إلى الحمرة. حوض النجادة: النجد: ما أشرف من الأرض وارتفع. وصلب وغلظ. حوض واسط: الواسط: الباب. حوض البقعان: جمع البقعة وهي تخالف اللون، أو هي القطعة من الأرض على غير هيئة التي بجنبها. حوض النجايل: نَجَلَ الأرض: شقها للزراعة. ونجلت الأرض: اخضرّت، والنجيل: ضرب من دقّ الحمض. حوض السمقات: سَمَقَ سمقاً: علا وطال. حوض القاعة: سفل الدار ضد العِليّة، وقاعة الدار: ساحتها. حوض الحَزيم: الصدر، أو موضع الحزام من الصدر والظهر كله، والحزم من الأرض: الغليظ أو المرتفع. حوض معافي: عفى المنزل أو الأثر: امّحى ودرس وبلي، وعَفَت الأ{ض: غطّاها النبات، والعفاء: البياض على الحدقة. حوض أم كتابة: الكتّان: نبات له ساق مستقيمة طويلة وأزهار زرقاء تصنع من أليافه الأنسجة الكتانية، ويستخرج من بزره زيت يستصبح به. والكتان أيضا الطحلب الأخضر الذي يعلو الماء. حوض المنط: موضع النطّ: نطّ الشيء: شدّه أو مدّه، ونطّ: قفز. حوض السطح: كل شيء كان مرتفعا وأعلاه مسطحا كظهر البيت. حوض اجريس: جُرَيس: نبتة جميلة، سنوية أو معمرة، أزهارها بيضاء أو بنفسجية أو شكل اجراس صغيرة، يزرع فيها أنواع للزينة. حوض أبو الهوى: الهواء: السيّال الذي نستنشقه. حوض حبلان سليم: الحَبْلان: الممتلىء، والحبل: الرمل المستطيل شبّه بالحبل. حوض السراب: ما يشاهد نصف النهار من اشتداد الحرّ كأنه ماء تنعكس فيه البيوت والأشجار وغيرها، والسَرَب: الحفير تحت الأرض، أو هي القناة يدخل فيها الماء. حوض سيار: السيّار: الكثير السير، والسيّارة: القافلة واصلها القوم يسيرون. حوض أم صوانة: الصوّانة: حجر يقدح به صلب، والصوانة: الدبر. حوض الارز: شجر حرجي يشتهر بصلابة خشبه وجودته. حوض الحَكر: القليل من الطعام أو الماء، أو القدح الصغير، والحاكورة: قطعة أرض قريبة من المنازل تُزرع فيها الأشجار.حوض ضباعة: الضبع: ضرب من السباع منها المخططة ومنها المرقطة. حوض الرياسة: روائس الأودية: أعاليها. حوض الشقاق: شقّ الأرض: حرثها وهيّأها للزراعة».
أما أحواض حمرة عيمة، فهي على النحو التالي: «حوض سمعات الحمرة: السمعة: الأذن التي تسمع. حوض حَرف: الحرف من كل شيء: ناحيته وطرفه، جانبه وحدّه، والحرف من الجبل: ما نتأ في جنبه منه كهيئة الدكان الصغيرة، أو أعلاه المحدد. حوض حزيم الحمرة: الحزيم: الصدر أو موضع الحزام في الصدر والظهر كله، والحزيم والحيزوم: الحزم من الأرض وهو الغليظ أو المرتفع».

سيرة قرية عيمة

تقع عيمة على بعد 12 كم إلى الشمال الغربي من مدينة الطفيلة. وتتبع إلى لواء القصبة في محافظة الطفيلة، وهي من ضمن بلدية الطفيلة.
الديموغرافيا:
يبلغ عدد سكان عيمة، بحسب آخر تعداد عام للسكان والمساكن عام 2004م، (2273) ( 1170 ذكور، و 1103 إناث)، يشكلون 363 أسرة، تقيم في 469 مسكنا. وتتبع لعيمة كل من قريتي ارحاب واضباعة، حيث النسيج السكاني واحد في تلك القرى وهم من عشيرة الثوابية. عدد سكان ارحاب 554 نسمة (294 ذكور، و 260 إناث)، يشكلون 88 أسرة، تقيم في 125 مسكنا. وعدد سكان اضباعة 74 نسمة (36 ذكور، و38 إناث)، يشكلون 21 أسرة، تقيم في 27 مسكنا.
التربية والتعليم:
توجد في عيمة ثلاث مدارس هي مدرسة عيمة الثانوية للذكور، ومدرسة عيمة الأساسية للذكور، ومدرسة عيمة الثانوية المختلطة (الدراسة حتى الصف الثالث مختلط، وبقية الصفوف حتى التوجيهي للإناث). أما في ارحاب فتوجد فيها مدرسة ارحاب الثانوية للبنين، ومدرسة ارحاب الثانوية للبنات.
الصحة:
يوجد في عيمة مركز صحي أولي، وفيه طبيب مقيم، كما يوجد في ارحاب مركز صحي أولي.
المجتمع المدني:
يوجد في عيمة جمعية عيمة الخيرية، ونادي شباب عيمة، ومركز الأميرة بسمة التابع للصندوق الهاشمي. وفي ارحاب توجد جمعية ارحاب الخيرية.
يوجد في عيمة شعبة بريد، وكذلك توجد شعبة بريد في ارحاب.
هناك مقبرة في عيمة، وكذلك في ارحاب توجد مقبرة واحدة.
يوجد في عيمة وارحاب 7 مساجد هي: المسجد الكبير (مسجد عيمة الكبير)، ومسجد عباد الرحمن، ومسجد جعفر الطيار، ومسجد الحسن بن علي، ومسجد أبو بكر الصديق، ومسجد ارحاب الشرقي، ومسجد ارحاب الغربي.


بوح القرى - عيمة: خِرَبُ النَعيْم .. العائمة



كتابة وتصوير - مفلح العدوان - سحرها يبقى راسخ في الوجدان..
ذلك أن للجغرافية أثراً يحفر في الذاكرة ما ان يكون الحضور اليها، تلك هي عيمة، ولذا فإن الدهشة عند دخول القرية تبقى راسخة، وتبقى العين تبحث عن تفاصيل أخرى في الأمكنة، وعبر عبق الدروب، والأثر المتراكم على هذه ا لأرض..
ها أنا أتابع حديث الحاضر، والماضي، مع الحاج عبد الخالق العيد عليان عواد، والحاج خالد عبد ربه عليان عيال عواد، والصديق الشاعر سليمان القواسمه، ومع كل سؤال أطرحه، أجد قصصا وحكايات، كل تأتي مع الأجوبة التي أجدها حاضرة عند هؤلاء الأهل الطيبين، ولذا سأكمل الكتابة مزيجا من أحاديثهم، وفيضا مما استطعت تحصيله من بطون الكتب، حول عيمة.
مغائر.. أودية.. جبال
أكمل بوح الأمكنة، متتبعا تعداد الخرب العتيقة المنتشرة في عيمة، حيث يقول كبار القرية بأنه يوجد فيها عدة خرب قديمة، هي «خربة عيمة القديمة، وخربة ارحاب، وخربة اضباعة، وخربة جريس، وخربة صيرا، وخربة الربابة، وخربة محراق». كما أنه مع هذه الخرب يوجد في عيمة مغاير وكهوف، يمكن ذكر منها «مغاير السطح، ومغاير محراق، ومغاير الضباعات، ومغارة جعدر، ومغارة أم حيطان، ومغارة وادي الأرز، ومغاير المقيم، ومغاير الجهيرات، ومغاير أبو الهوا، ومغاير جريس».
أما حول جغرافية عيمة، وما يرتبط فيها من تاريخ، ومرافق، فيقول الدكتور محمد عبده حتامله في الجزء الثالث من كتابه «موسوعة الديار الأردنية» بأنه «ترتفع عيمة عن سطح البحر حوالي 860 متراً، وقد كانت تتمتع بحماية من الغرب، ومن الشمال الشرقي بفعل الجبال، وكان وادي عيمة يشكل حاجزا دفاعيا من الشرق والشمال الشرقي، وكان بإمكان القرويين مراقبة المداخل المحتملة من الشمال والشمال الغربي بفضل موقعهم المرتفع نسبة للمنحدرات المتجهة الى وادي عربة. ويتم تزويد القرية بالمياه بوساطة أحد الينابيع الواقعة أسفل وادي عيمة، وهو يصب في وادي فيفا الذي ينتهي في وادي عربة، وتتبع عيمة للحوض الشمالي لوادي عربة، وتزود هذه المياه السكان وتسقي الحقول والبساتين الواقعة في وادي عيمة أو على مقربة منه، وتبلغ مساحة المنطقة المزروعة (18000) دونم بين زراعات بعلية وخضار مروية وأشجار مثمرة مروية من وزارة الزراعة».
عيون الماء
ما يزال البوح حول عيمة، وهو هنا في هذا المقام، مرتبط بالمفتتح المتعلق بالماء، استكمالا لسيرة الآبار والينابيع، حيث يقول كبار القرية بأنه كان في عيمة آبار وعيون ماء كثيرة، جفّ معظمها، وبقي نزر قليل منها، وتلك العيون وآبار المياه هي كل من «عين ارحاب، وعين صبرا، وعيد سدور، وعين أم قلاع، والعين البيضاء، وبير مليح، وبير عيصرة، وعين الحماطة، وعين كرمة، وعين مروان، وعين الحواض، وعين أم الصرفان، وعين الشاعر، وعين صافح، وعين الجام، وعين عدوي».
سجلات عثمانية
وبعدئذ.. يكمل الدكتور الحتامله سرده لأهمية عيمة، وتاريخها، بقوله في «موسوعة الديار الأردنية»، حيث يقول «وتعد عيمة إحدى القرى الأردنية التي تعاقبت عليها الحضارات منذ البيزنطيين وربما أقدم من ذلك، ويعود التوطن فيها بشكل ملحوظ الى أواخر القرن السادس عشر الميلادي، ففي عام 1595/1596م كان اسم عيمة واردا في السجلات العثمانية، حيث كانت تقطن خمس وعشرون عائلة، وكانت تدفع 25% ضرائب على محاصيل القمح والشعير والكروم والأشجار المثمرة الأخرى لصالح الحكومة العثمانية، وفي عام 1812 كان نصف سكان عيمة يعيشون في خيام والنصف الآخر يعيش في منازل نصبت أمامها الخيام. وقبل انشاء محافظة الطفيلة عام 1986م كانت عيمة تتبع محافظة الكرك، والمدينة الأقرب لها هي مدينة الطفيلة».
بيركهارت
مكتوب في مخطوط ذاكرة القرية، أنه قد زارها الرحالة بيركهارت، في بداية القرن التاسع عشر، حيث أنه مرّ قربها عام 1812م، وذكر أنها «تقع في سهل ضيق عند سفح جروف عالية، وتوجد في الضواحي عدة ينابيع، وحيثما تصادف هذه الينابيع تنمو النباتات حتى بين الصخور الرملية الجرداء، ولم تعد عيمة ضمن منطقة الكرك لأن شيخها الآن تحت إمرة شيخ الجبال الذي اتخذ الطفيلة مقرا له، ونصف الأهالي يعيشون في الخيام، وكل بيت له خيمة منصوبة فوق سطحه، حيث يقضي الناس أمسياتهم وأضحياتهم، كما ينامون هناك».
تحولات العمارة
أما عن عمران القرية، وتطور أنماطه منذ البدايات، وحتى التاريخ المعاصر، فإنه من الأهمية بمكان الإشارة الى ما كتب في دراسة «قرية عيمة/ محافظة الطفيلة/ دراسة حول قرية في جنوب الأردن» للدكتورة ميشيل بيفرس، ترجمة الدكتور عبد العزيز محمود، حول التطور في البنيان، والاستقرار، في قرية عيمة، حيث تشير الدراسة الى أنه قد « بنيت البيوت التقليدية بشكل يتلاءم وتقاليد السكان، وأسلوب معيشتهم، من حيث مخطط البناء، وتوزيع العناصر المعمارية فيها. وقد طرأت تحولات على العمارة التقليدية نتيجة لحصيلة التغيرات التي دخلت على اسلوب معيشة السكان.. منذ عام 1972 وبسبب انشاء الاحياء الجديدة في الجهة الغربية من القرية أصبح التجمع المعماري للقرية مقسما الى عيمة قديمة، وهي نسيج عمراني من البيوت التقليدية القديمة المتراصة، تتوزع على مساحة 9.3 هكتار، بينما يأخذ الامتداد العمراني الحديث شكل الانتشار والتبعثر».
ووفق هذه الدراسة يشار إلى عيمة القديمة، حيث البيوت القديمة، وعنها تقول الباحثة بأنه «قد اقتصر البناء في عيمة القديمة، وحتى عام 1970م على بيوت مبنية من الحجر القاسي (الدبش)، غير المشذب، ويعلو البناء سقف مستوى. لقد استمر البناء والذي تقوم به عادة العائلة القاطنة فيه، وفق النمط التقليدي حتى العام 1950م، حيث يتكون من غرفة فسيحة للإقامة، وتخصيص حجرة أو حجرتين-وذلك حسب حجم ملكية العائلة- للتخزين وإيواء المواشي».
أما مقدمة الانماط المعمارية الجديدة، في القرية، فقد جاءت «على إثر بناء مشروعين ذواتا منفعة عامة أولهما المسجد الذي بني عام 1940م، وثانيهما المدرسة التي بنيت عام 1947م»، حيث يظهر نوع جديد ومتطور من النوع المعماري الذي يتميز بالاتساع والإضاءة الكافية. بينما يكون تطور البيوت الجديدة في مطلع الخمسينات، حيث «البيوت الصغيرة ذات الاضاءة الجيدة التي كانت تحتوي جدرانها على ثغرة على شكل قوس مساحتها حوالي المتر ونصف المتر استخدمت كمصطبة. واستمر ادخال التعديلات في البناء حيث فتحت النوافذ التي بلغ عددها من نافذتين الى أربع نوافذ توزعت في واجهة البناء والجدران الجانبية ثم أخذ عدد الغرف بالازدياد وذلك حسب حاجة العائلة»..
وبخصوص عيمة الجديدة(الوحدات)، تشير الدكتورة ميشيل بيفرس، الى أنه «مع انتهاء الحكومة من عمليات فرز الأراضي عام 1072م بدأ ظهور البناء الحديث والمعاصر .. وقد بدأ اعتماد هذا النمط من العمارة في الطرف الجنوبي الغربي من القرية حيث استخدمت مادتي الاسمنت والحديد في البناء.. وتحتوي الابنية الجديدة هذه على غرفتين او ثلاث تحدد وظيفة كل غرفة مسبقا.. هذا النوع من البناء أخذ في التطور شيئا فشيئا في الأبنية التي بنيت بعد عام 1972م، حيث أصبحت المشاريع المعمارية تنفذ بالأسلوب المتأثر بالعمارة الغربية».
البلدية.. البريد.. المسجد
أما البنى الخدمية في عيمة، فيمكن المرور عليها بذكر أنه قد تأسست بلدية عيمة عام 1973م، وتوجد خدمة البريد في القرية منذ عام 1963م، وتأسس فيها مكتب للإرشاد الزراعي في عام 1963م، وفي ذات السنة تأسس المركز الصحي، حيث أقيم هذا المركز عام 1963م بدعم المساعدات الأمريكية. وتشير ذاكرة كبار القرية الى أن سكان القرية كانوا في السابق يصلون في بيوتهم، حتى بناء المسجد القديم عام 1940م، حيث بني بتمويل من سكان القرية، وبسواعدهم، وقد هجر هذا المسجد في عام 1987م، عندما بني مسجد جديد بجوار مبنى البلدية الجديد، والآن يوجد في عيمة المسجد الكبير (مسجد عيمه الكبير)، اضافة الى 6 مساجد أخرى.
قصة التعليم
أما التعليم، له قصة تروى في عيمة، مثلها مثل معظم القرى الأردنية، اذ أنه منذ عام 1940م تم اتباع اسلوب التعليم المرحلي المتدرج في القرى، حيث كان يعلم القرآن والكتابة، وكان يقوم بالتدريس في قرية عيمة الشيخ محمد جلال القطب، من فلسطين، كمعلم، وإمام مسجد.
أما تاريخ بناء أول مدرسة حكومية في القرية فيعود الى عام 1947م، وتقع هذه المدرسة في الطرف الشمالي الشرقي لمجموعة الأبنية القديمة المشرفة على طرف الوادي والمدرسون كانوا يأتون من الطفيلة، واحتوت المدرسة على أربع غرف صف للذكور، أما الإناث فقد انتظمت الدراسة بهن في عام 1959م. واستمرت الدراسة في المدرسة حتى 1966م، حيث تم بناء مدرسة جديدة في هذا العام في الطرف الجنوبي للقرية، انتقل اليهاا لطلبة الذكور، وفي عام 1973م تأسست مدرسة أخرى للبنات بفضل جهود البلدية الناشئة، وتقع المدرسة في الطرف الجنوبي للقرية.

دعوة للمشاركة

هذه صفحة تؤسس لكتابة متكاملة حول القرى الأردنية، وتطمح لتأسيس موسوعة جادة شاملة. ولن يتأتى هذا بجهد من طرف واحد، فما يكتب قد يحتاج إلى معلومات للاكتمال، أو قصص أخرى لم يلتقطها الكاتب في زيارة واحدة، وهي مفتوحة للإضافة والتعديل قبل أن ترتسم بشكلها النهائي لتكون وثيقة لكل قرية، والأمل بأن تأتي أية إضافات أو تصويبات أو معلومات أخرى من أهل القرى والمهتمين مع اقتراحاتهم، وعلى العنوان: بوح القرى - الرأي

ص.ب- 6710-عمان-1118-فاكس 5600814
بريد الكتروني
alqora@jpf.com.jo



3-3

صورة

للناس في عيمة قصة مع المكان..
هم يحفظون تلك الحكايات العتيقة للقرية، حتى وإن ابتعد بعضهم عنه في هجرتهم إلى عمان، وأماكن أخرى، لكنهم ما ان يتم ذكر اسم قريتهم التي يعشقون حتى ينثال حصى الذكريات عندهم وهو محمل بالتاريخ، وبسير الأولين، وبتلك النقوش التي ما تزال مختزنة في الذاكرة الجمعية لأهالي عيمة.




بدو رحل.. وبدو مستقرين
هنا أكمل ما بدأت حول بوح القرية، مسترسلا الكتابة بتتبع الخريطة الاجتماعية، وفسيفساء تشكيل العائلات في عيمة، حيث أنه في هذا السياق تشير الدكتورة ميشيل بيفرس في كتيب «قرية عيمة/ محافظة الطفيلة/ دراسة حول قرية في جنوب الأردن» الذي ترجمة الدكتور عبد العزيز محمود الى أنه «بلغت الكثافة السكانية في منطقة الطفيلة 16 نسمة لكل كيلو متر مربع، بينما بلغت الكثافة السكانية على مستوى المملكة 31,5 نسمة لكل كيلو متر مربع. هذا وان نسبة 53% من مجموع السكان في المنطقة تقل أعمارهم عن 15 سنة. سكان عيمة هم في الأصل من البدو الرحل والبدو المستقرين الذين يعملون في الفلاحة وتربية الماشية. وسكان عيمة جميعهم يدينون بالدين الاسلامي، وهم سنيين موزعين على ست عشائر مقسمة إلى عدة عائلات تقطن في الحي القديم من القرية، ويرجعون إلى أصول مختلفة من البدو الرحل المستقرين».

إستقرار.. وهجرة
تكمل الدكتورة ميشيل بيفرس دراستها حول عيمة بقولها: «أما تاريخ الاستيطان فهو غير معروف في عيمة على وجه الدقة، لكن من المؤكد أن جزءا من القرية كان موجودا عام 1812م حسب ما ورد في وصف الرحالة السويسري (بيركهارت) الذي مر بالمنطقة في تلك الفترة. وطوال القرن الماضي (التاسع عشر) حدث نوع من الاستيطان والاستقرار التدريجي وبأسلوب الائتلاف والجوار العشائري حينا والصراع القبلي والعشائري أحيانا أخرى، واستمرت عملية الاستقرار والتوسع العمراني في القرية حتى عام 1978م، وكان من عادة بعض العائلات البدوية الرحيل عن القرية إلى البراري المحيطة (للنجعة) مع مواشيهم لفترة تستمر ثلاث أرباع السنة، سعيا وراء الماء والكلأ. وفي عام 1940م عرفت القرية نوعا من الهجرة السكانية الواسعة من عيمة إلى عمان العاصمة، وتحديدا إلى جبل الجوفة، للإقامة والاستقرار الدائم هناك، قدر حجم الهجرة بحوالي 75% من مجموع سكان القرية، حيث بلغ عدد المهاجرين 6 آلاف نسمة. كانت هذه الهجرة في البداية تدريجية وقد حدثت لعدة أسباب منها لطبيعة الظروف المناخية، وحدوث الجفاف في بعض المواسم الزراعية. ان معظم هؤلاء المهاجرين يعملون كسائقي أجرة في العاصمة أو عمال مياومة، ومنهم من لا يزال يملك سكنا في القرية يعود اليه في فترات الأعياد والعطل الرسمية».

من الأردن.. إلى فلسطين
وإذا كانت دراسة الدكتورة ميشيل بيفرس تشير إلى أن هجرة أبناء عيمة إلى عمان كانت في بداية الأربعينات، فإن كبار قرية عيمة، يشيرون إلى هجرة أقدم، تعود إلى نهاية العشرينات من القرن التاسع عشر، «حدثت تقريبا عام 1928م، وكانت تلك الهجرة لأبناء عيمة بين الأردن وفلسطين، حيث هاجر بعض أبناء القرية إلى فلسطين لأسباب اقتصادية، واشتغلوا في الخليل، و القدس، ويافا، وغيرها من المدن الفلسطينية، وقد كانت هذه الهجرة إلى فلسطين، وبعد ذلك الهجرة إلى عمان في الأربعينات، في البداية كانت هجرة موسمية، مرتبطة بالزراعة، وبعدئذ استقرت بعض العائلات، ثم امتدت اوقات الهجرة، وامكنتها، فصارت أكثر، بسبب أيام المحل، وتراجع الزراعة، غير أن قمة الهجرة كانت في الستينات والسبعينات من القرن التاسع عشر، وكثير من أبناء القرية يفكرون بالهجرة حتى الآن، لكن مع تأسيس المحافظة، وتوفير عدد من فرص العمل في منتصف الثمانينات، فقلت نسبة الهجرة، وكذلك الحال في السنوات الأخيرة يلاحظ أن قلت نسبة الهجرة قليلا، بسبب غلاء المعيشة، وارتفاع أسعار الأراضي، والسكن في عمان».
يتحدث كبار القرية عن أقدم المهاجرين من عمية، فيقولون أنه «الحاج مهنا الحراسيس، يقال أنه خرج من القرية عام 1928م، وتوفي قبل عدة سنوات، وهناك أفراد خرجوا من عائلات السعود، والخوالدة، والربيحات».. ويقول كبار القرية ايضا أن «الحاج سليمان هارون السعود هاجر من عيمة إلى معان، وبعد حادثة سيل معان رحل إلى عمان».

مؤشر السكان
ان حالة الهجرة لأبناء قرية عيمة، وبأعداد كبيرة تستدعي دراسة لهذه الظاهرة، وفيما اذا كانت ما زالت أسباب الهجرة قائمة، وهل تراجعت أم زادت، وهنا يمكن ملاحظة أن عدد السكان في القرية، بحسب آخر تعداد عام للسكان والمساكن عام 2004م، بأنه قد بلغ 2273 نسمة، حيث تراجع عدد السكان عما كان عليه عام 1988م والذي كان 4245 نسمة، وقد كان هناك قبل هذا التاريخ مؤشر لارتفاع عدد سكان عيمة، بحسب مؤشرات الاحصاءات السكانية للأعوام بين 1979م، 1985م، 1986م، 1987م، و1988م، وهي على النحو التالي «1018 نسمة(عام1979م)، 2924 نسمة(عام 1985م)، 2909 نسمة(عام 1986م)، 3101 نسمة(عام 1987م)، 4245 نسمة(عام 1988م)». وربما كان هناك بعض الزيادة في عدد السكان لمرحلة محددة، خاصة بعد تأسيس محافظة الطفيلة عام 1986م، بسبب توفر عدد من الوظائف، وبعض مصادر الدخل الشهري، لكن هذا كان لفترة محددة، وضع حدا للهجرة إلى عمان فترة مؤقتة، ثم عادت الاعداد السكانية للتناقص، بسبب ازدياد اعداد البطالة مع تزايد عدد الخريجين في الجامعات، وعدم وجود فرص عمل لهم في الطفيلة، وهذا التناقص في عدد السكان كان واضحا في آخر تعداد للسكان في عام 2004م، لكن الإحصاءات للسنوات الأخيرة غير واضحة للحكم على اعداد السكان، والهجرة من عيمة إلى عمان، وأماكن أخرى.

صبيان الجعافرة
يقول الرواة الذين التقيناهم من أهل عيمة ان «من أوائل من سكان عيمة هم عشيرة الكعابنة، و بعدهم جاء الثوابية، وبحسب رواية البعض ان الثوابية هم من عراق الكرك، وآخرون يشيرون إلى انهم من العنزة، وكان استقرارهم هنا من قديم الزمان. ونخوة الثوابية هي «صبيان الجعافرة» نسبة إلى جعفر الطيار، حيث بعض مقولات كبار الثوابية ترجعهم إلى الصحابي جعفر بن ابي طالب رضي الله عنه، ولذا فإن معظم تسميات المراكز الثقافية، والجمعيات، تنسب إلى جعفر الطيار في عيمة.
ويتوزع الثوابية في عيمة وقراها، والطفيلة، ومنهم جماعة توجد في قرية العدسية قريبا من عمان، وكذلك في شفا بدران، وقرية مرو في اربد، وهناك اعداد كثيرة منهم موجودين في عمان، وهم الذين هاجروا من عيمة، واستقروا هم ونسلهم في العاصمة والمدن الأردنية الأخرى».

«ست عشائر»
يكمل كبار القرية تفصيلات الخريطة الاجتماعية لقرية عيمة بقولهم أن «الثوابية ست عشائر هم كل من عيال عواد، والسعود، والربيحات، والرعود، والحراسيس، والخوالدة. ويمكن تتبع كل عشيرة على حدى، حيث أن عيال عواد هم عيال غانم، وعيال حمد، والقناهرة، والعكايلة، مع الإشارةالى أن عيال حمد هم كل من عيال حمد، وعيال محمود، والعوضات، والشبيلات، بينما عيال غانم فهم الشواعرة، والشياب، وعيال هويمل.
أما عشيرة السعود فهم كل من الفنّاك، وعيال جميعان، والشعانبة، واللتايمة الذي ينقسمون إلى عيال محمود وعيال نصر وعيال سعيد وعيال حامد. وبالنسبة لعشيرة الربيحات فتقسم إلى العَقَلة، والبكور، وعيال طه. وعشيرة الرعود تتكون من عيال مسلم وعيال سلمان وعيال راشد. وعشيرة الحراسيس تتكون من عيال يوسف، والدليبيين، والجنادي، وعيال خليل، والعوامرة. وعشيرة الخوالدة تقسم إلى الشلوش، والجعاوين، والعصامات».
وتذكر الدكتورة ميشيل بيفرس في كتاب «قرية عيمة»( الدراسة في عام 1989م، والكتاب ترجم وطبع في عام 1993م)، أن «آخر الشيوخ المعتمدين في عيمة، كما يلي: عشرة السعود: حمود علي، وناصر طحيب. عشيرة عيال عواد: عبد المطلب، وعبد الرحيم، ومبارك طاهر سليم. عشيرة الربيحات: نمر حميد. عشيرة الرعود: عبد الرحمن. عشيرة الخوالدة: عبد الله. عشيرة الحراسيس: مهنا جريد».

ميادين الشرف
يذكر سجل الشرف، والمعارك، والشهادة لعيمة، وأبنائها، مشاركتهم في معركة حد الدقيق، في الثورة العربية الكبرى، حيث يذكر من شهداء عيمة كل من الأخوين؛ الشهيد علي العكايلة، والشهيد دخل الله العكايلة، والشهيد مرزوق نصير الرعود، والشهيد سليم ربيع الرعود، و الشهيد اشتيوي العوامرة الحراسيس. ومن الجرحى كل من جريد الحراسيس وعبد الله القناهرة عيال عواد. كما شارك كثير من أهل عيمة كمناضلين في فلسطين ومنهم عبد ربه سويلم العكايلة، وتركي الحراسيس وابراهيم سلامة الرعود. ومن الذين شاركوا جنودا في الجيش العربي، واستشهدوا في حرب عام 1948م الشهيد سالم الربيحات، والشهيد احمد محمد الطوال عواد، وفي حرب حزيران 1967م كان في الجيش، واستشهد علي عقيل شبيبلات. كما يذكر من شهداء قرية عيمة في ميادين الشرف كل من الشهيد عبد السلام رجا الحراسيس، والشهيد سلامة ناجي عواد، والشهيد محمود عيال عواد، وغيرهم.


تعليقات