وصفي التل عرَّض نفسه للإعدام حرصا على الاستمرار في قتال اليهود




لم يكن غريبا أن ينحاز الفتى وصفي التل لفلسطين ولقضية فلسطين ولشعب فلسطين وهوفي بواكير الشباب وهوالذي تربـَّـى ورضع حبَّ فلسطين في محضن والده شاعر الأردن الخالد مصطفى وهبي التل»عرار»الذي تفجـَّـر حبـُّـه لفلسطين شعرا ولمـَّـا يبلغ العشرين من عمره عندما أنشد مُحذرا ً من خطر»وعد بلفور 1917 م»الذي تعهد بموجبه وزير خارجية بريطانيا المتصهين اللورد بلفور لليهود بمساعدتهم على إقامة وطن قومي لهم في فلسطين :

يــا ربِّ إنْ بلفـُــورُ أنفـذ وعْـــدَهُ كـمْ مسلم ٍ يبقى وكـمْ نصراني ؟.

وكيانُ مسجدِ قريـتي منْ ذا الـذي يُـبقي عليـه إذا أزيـل كيــــــاني؟.

وكنيسة العـذراء أيـــن مكانهــــا سيكونُ إن بُعثُ اليهـودُ مكـاني؟.

كان وصفي التل واحدا من الجيل الذي تفتح وعيه الوطني في حقبة كانت كتب التاريخ والجغرافيا التي درسها جيله تقول إن الأردن وفلسطين وسوريا ولبنان تشكـِّـل وحدة جغرافية وتاريخية وقومية واحدة تسمى سوريا الطبيعية أوبلاد الشام، وإن الأردن وفلسطين كانا وحدة جغرافية وتاريخية وقومية واحدة تسمى سوريا الجنوبية، وإن سوريا ولبنان كانا وحدة جغرافية وتاريخية وقومية واحدة تسمى سوريا الشمالية، وإن الخطر الصهيوني الذي يتهدَّد فلسطين يتهدَّد الأردن وسوريا ولبنان بنفس القدر، وزاد إهتمام وصفي بالقضية الفلسطينية عندما التحق بالجامعة الأمريكية ببيروت وتأثر بأدبيات الحزب السوري القومي الذي كان مع جماعة الإخوان المسلمين من أسبق الأحزاب العربية في استكشاف الخطر الصهيوني على بلدان سوريا الطبيعية ومنها الأردن وفلسطين، وتكرَّست عقيدة العداء لليهود في عقل وصفي عندما تأثر بأدبيات حركة القوميين العرب ونزل على أمر قيادتها فتطوَّع في الجيش البريطاني لاكتساب الخبرة العسكرية تحضيرا لقتال الصهاينة دفاعا عن عروبة فلسطين، وعندما بدأت ملامح المواجهة تلوح في الأفق ترك وصفي التل الجيش البريطاني والتحق بجيش الإنقاذ قائدا لفوج اليرموك الرابع الذي كانت ساحة عملياته في شمال فلسطين، وكان قائد جيش الإنقاذ فوزي القاوقجي، وعندما فرضت الهدنة أدرك وصفي أنها فرضت لصالح اليهود لتمكينهم من تعزيز مواقعهم وجلب أسلحة جديدة فرفض وصفي الهدنة وقرر الإستمرار في القتال، وفي هذا الصدد ينقل شقيقه الدكتور سعيد التل في كتابه»الأردن وفلسطين ـ وجهة نظر عربية»عن عبد الرزاق اليحيى الذي كان أحد ضباط فوج اليرموك الرابع الذي يقوده وصفي»قائد جيش التحرير الفلسطيني لاحقا»أن وصفي كان غاضبا جدا من موافقة الدول العربية على الهدنة لدرجة أنه أسرَّ إليه أنه اتفق مع الحزب السوري القومي في لبنان بزعامة أنطون سعادة للقيام بانقلاب عسكري للإتيان بحكومة لبنانية ترفض الهدنة وتدعم إستمرار الحرب ضد اليهود في فلسطين، وينقل الدكتور سعيد التل عن اليحيى أن الشكوك بنوايا وصفي دفعت بالضابط السوري حسني الزعيم الذي عينته الجامعة العربية مفتشا عاما لجيش الإنقاذ بديلا عن الضابط العراقي طه الهاشمي إلى إصدار أوامره في أواخر شهرآذار من عام 1949 م بنقل فوج اليرموك الرابع من جبهة جنوب لبنان إلى جبهة جنوب الجولان بهدف إبعاد وصفي التل عن لبنان، وينقل الدكتور التل عن اليحيى أن وصفي فطن لهدف حسني الزعيم وأنه صارحه بعد وصول الفوج إلى معسكر قطنا القريب من دمشق أنه سيقنع حسني الزعيم بالسماح لفوج اليرموك بالمبيت في قطنا بحجة أخذ قسط من الراحة ليقوم في الليل بالزحف إلى دمشق لإسقاط الحكومة والإتيان بحكومة ترفض الهدنة وتواصل القتال ضد اليهود، ولكن حسني الزعيم رفض كلب وصفي وأجبره على التوجه إلى الجولان لسببين أولهما أن حسني الزعيم كانت لديه شكوك بأن وصفي قد يقوم بإنقلاب في دمشق، وثانيهما أن حسني الزعيم كان يُعدُّ أيضا لإنقلاب في دمشق، وينقل الدكتور التل عن اليحيى أنهم تقابلوا على مشارف مدينة القنيطرة وهم في طريقهم إلى الجولان برتل من المصفحات بقيادة الضابط السوري محمد صفا وهي التي نفذت الإنقلاب الذي قاده حسني الزعيم في نفس الليلة التي حاول وصفي أن يقوم بإنقلابه فيها، وبعد أم إستتب الأمر لحسني الزعيم وتسلم الحكم في سوريا ألقى القبض على وصفي وسجنه وتردَّد آنذاك أنه كان على وشك إعدامه بتهمة التعاون مع أنطون سعادة للقيام بإنقلاب في سوريا يتزامن مع الإنقلاب الذي قيل إن الحزب السوري القومي حاول القيام به في لبنان ولكنه لم ينجح، وقام حسني الزعيم بتسليم حسني الزعيم الذي كان قد إلتجأ إلى دمشق إلى الحكومة اللبنانية التي كان رئيسها رياض الصلح فقامت بإعدامه رميا بالرصاص بعد محاكمة صورية، أما وصفي التل فقد نجا من الإعدام بعد تدخل شخصيات سورية وأردنية ولبث في السجن فترة ثمَّ عاد إلى الأردن.

التاريخ : 09-04-2011

تعليقات