عبد الحليم بدران .. جعل من صيدليته في السلط ملتقى دينيا وثقافيا وعلميا وسياسيا


في نابلس ، الحُـرَّة ، ولاَّدة الأحرار ، ولد عبد الحليم عايش حسن بدران في عام م1900 (العهد العثماني) ، انتقل به والده بعد ولادته مع أمه إلى مصر ليكون إلى جانب ولديه الآخرين محمد وإبراهيم أثناء دراستهما في الأزهر الشريف ، وفي عام 1904 م انتقل الوالد عايش بدران إلى جوار ربه وعبد الحليم لم يتجاوز بعد السنة الرابعة من عمره ، فعادت الأم بولدها عبد الحليم إلى يافا حيث أنهى دراسته الإبتدائية بتفوُّق أهله لبعثة للدراسة في المدرسة الرشدية في بيروت حيث أكمل المرحلة الثانوية عام 1916 والتحق بالجامعة اليسوعية ليدرس الصيدلة ، وفي عام 1919 انتقل إلى الجامعة السورية التي أمضى فيها عاما دراسيا واحدا تخرج بعدها صيدلانيا ، في تلك المرحلة كان عبد الحليم كأترابه من شبان العرب مسكونا بهموم أمته وقضاياها ، كانت بلاد الشام أو سوريا الطبيعية (سوريا ، لبنان ، شرقي الأردن ، فلسطين) تئن من مظالم حكم حزب الإتحاد والترقــًّـي الذي كان يسيطر على الدولة العثمانية والذي كانت معظم قياداته من يهود الدونمة ومن الماسونيين ، كان عبد الحليم بدران عضوا في حركة سرية ترفض دعوات الإنجليز والفرنسيين للعرب للتحالف معهم ضدَّ الدولة العثمانية وترى في الإستجابة لتلك الدعوات وقوعا في فخ مخططات الصهيونية والأوروبيين للقضاء على الدولة العثمانية ، وكانت الحركة تدعو إلى إصلاح الدولة العثمانية من داخلها بدل هدمها ، وترى أن العودة إلى الدين وأصوله الحقيقية هو المنقذ الوحيد للدولة العثمانية من السقوط ، وكانت الحركة تطالب بأن تكون اللغة العربية الفصحى هي اللغة الرسمية للدولة العثمانية ، وقد بقي عبد الحليم طيلة حياته وفيا لهذه الفكرة فالتزم وألزم زوجته وأولاده وبناته بالتخاطب باللغة العربية الفصحى في كل شؤونهم داخل البيت وخارجه ، وعندما خرجت بلاد الشام أو سوريا الطبيعية (سوريا ، لبنان ، شرقي الأردن ، فلسطين) من ظلمات ومظالم حكومة حزب الإتحاد والترقــًّـي وجد العرب أنفسهم يئنون تحت ظلمات ومظالم حلفائهم الإنجليز والفرنسيين الذين غدروا وتنكـَّـروا لوعودهم للعرب بمساعدتهم على تأسيس دولة عربية موحدة مقابل الوقوف إلى جانبهم في الحرب ضد الدولفة العثمانية ، فهبَّ عبد الحليم مع أترابه من شبان العرب وكان قد تخرج صيدلانياً من جامعة دمشق وكان اسمها الجامعة السورية وعمل صيدلانياً في حمص للتصدًّي للمحتلين الفرنسيين وشارك في الثورة الشعبية ضد المحتلين الفرنسيين فاعتقله الفرنسيون مدة تسعة أشهر خرج بعدها من السجن إلى الإقامة الجبرية ، وتمكـَّـن رفاقه الثوار من تهريبه إلى عمان بواسطة سائق قطار كان متعاونا معهم ومنها انتقل إلى السلط في أواخر العشرينيات من القرن المنصرم حيث كان يسكنها شقيقه الشيخ محمد عايش حسن بدران والد الرئيسين مُضر وعدنان بدران الذي كان من أبرز قضاة الشرع.

من السلط انتقل عبد الحليم إلى القدس ليعمل مدرسا فيها وبعدها انتقل إلى إربد ومنها إلى الكرك معلما لمادة العلوم ، ثمَّ اعتزل مهنة التدريس عام 1927 م ليعود إلى السلط ليزاول مهنته الأصلية حيث اشترى الصيدلية التي كان يملكها السيد أمين القبيسي ، وأطلق على صيدليته إسم (صيدلية الشرق العربي) وهو الإسم الذي كان يُـطلق على حكومة إمارة شرقي الأردن ، ولم تلبث صيدلية عبد الحليم بدران أن تحوَّلت إلى ملتقى لرجالات الحركة الوطنية يتداولون فيها ما تواجهه الأمة والوطن من خطر الإحتلال البريطاني الفرنسي لبلاد الشام زما يتهدد فلسطين من خطر الهجرة اليهودية تمهيدا لتنفيذ"وعد بلفور"الذي تعهد به وزير خارجية بريطانيا اللورد المتصهين بلفور لليهود بمساعدتهم على إقامة وطن قومي لهم في فلسطين ، وكان عبد الحليم يرى أن الإلتزام بالإسلام هو الطريق الوحيد لحماية الأمة والوطن من هذه الأخطار ، وكان بدران يحرص على تزويد صيدليته بالمجلات الثقافية والسياسية والعلمية ليتسنى لأصدقائه مطالعتها مثل الرسالة والثقافة والمقتطف والفتح وجريدة الفصحى ، وكان مشتركا بالمجلة الجغرافية الأمريكية كما كان يزوًّد صيدليته بكتب الفقه وعلم الصيدلة وعلم النفس وعلم الفلسفة.

كان عام 1946 م عاما مميزا في حياة الحاج عبد الحليم بدران ، ففي ذلك العام تعرَّف على الإمام الشهيد بإذن الله حسن البنا مؤسًّـس جماعة الإخوان المسلمين أثناء إحدى زياراته للقاهرة ، وتأثر بدران بشخصية البنا وفكره وعاد من القاهرة إلى عمَّـان مقتنعا بفكر الجماعة ، وحمـَّـله الشيخ البنا رسالة شخصية إلى عالم السلط الشيخ عبد الحليم زيد الكيلاني ، ولم يلبثا أن أسَّـسا فرعا للجماعة في السلط مع عدد من رجالاتها ، وتولى لفترة طويلة مسؤوليةشعبة الإخوان المسلمين في السلط ، وتولى إدارة المدرسة العمرية التي أنشأها الإخوان في المدينة ، وتوفي إلى رحمة الله في 22 ـ 7 ـ 1961 نتيجة جلطة دموية.

ويذكر الدكتور هاني صبحي العمد في كتابه (أحسن الربط في تراجم رجالات من السلط) أن الحاج الصيدلاني عبد الحليم بدران كان ناشطا مع العديد من رجالات السلط في شراء السلاح والعتاد وتهريبه إلى المجاهدين في فلسطين ، وكان كريما رؤوفا بالفقراء والمساكين ، وكل من سكن مدينة السلط يعلم أنه كان يقدم الدواء للفقراء مجانا فدعي بـ (أبو الفقراء) ، وكان مطالعا جيدا ، وثقافته عصرية ويتكلم التركية والفرنسية وشيء من الإنجليزية ، وكان موثوقا عند الناس لصدقه وأمانته ، وكانت لديه خزانة تودع فيها أمانات الفقراء والأرامل والأيتام ، ولقد ساعد في ترميم وبناء ضريح الصحابي أبو عبيدة عند اكتشافه في الأربعينيات ، وعندما نشب القتال في فلسطين ضد العصابات الصهيونية المدعومة من الإنجليز تحوَّلبيت عبد الحليم بدران إلى عيادة وصيدلية ومستشفى للمجاهدين الجرحى.

ويذكر المؤرًّخ إحسان النمر في كتابه (تاريخ جبل نابلس والبلقاء) أن عشائر الدويكات في فلسطين والأردن الذين ينتمي إليهم عائلة آل بدران يعودون بنسبهم إلى الصحابي عكاشة بن محصن رضي الله عنه ، ويذكر الباحث عبد الحكيم الوائلي في الجزء الثاني من كتابه (موسوعة قبائل العرب) أن الدويكات التي ينتمي إليها آل بدران من عشائر المشاريق ، أصلهم من جبل الخليل نزلوا في بيتا ، وانتشروا في عسكر ، وبلاطة ، وروجيب ، ورحل منهم فرع إلى البلقاء ، ونزلت منه أسر في نابلس ، وهم آل بدران وآل أبو شرخ وآل أبو عودة وآل جردانة.



Date : 25-09-2010

تعليقات