سيدة أم آنسة؟ بين شكوى التمييز وفن مخاطبة النساء

قضايا اجتماعية

سيدة أم آنسة؟ بين شكوى التمييز وفن مخاطبة النساء

بعد مرور أربعة عقود على إلغاء لفظ " آنسة" في المراسلات الرسمية في ألمانيا جاء الآن قرار فرنسا بحذف تسمية (مادموزيل) من الخطابات الحكومية. هذه القرارات المثيرة للجدل أوروبيا غير مطروحة أصلا كإشكالية في العالم العربي.

قرار رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فيون الذي تم الإعلان عنه مؤخرا يلزم كل الهيئات الحكومية بعدم استخدام لقب "مدموزيل" (آنسة) في المراسلات والوثائق الرسمية مستقبلا. ويعد هذا الإعلان نجاحا كبيرا بالنسبة لبعض المنظمات الناشطة في مجال حقوق المرأة في فرنسا، لما قامت به من مجهود خلال السنوات الأخيرة بهدف إلغاء لفظ "مدموزيل" الذي يثير حفيظة الكثير من النساء، لكن ليس كل النساء. عند ملئ الاستمارات الحكومية وجب على كل النساء في فرنسا حتى الآن وضع العلامة المناسبة في خانة "السيدة" ( مدام) أو " الآنسة" (مادموزيل). وبذلك يتضح إن هن متزوجات أو غير متزوجات . وعلى أساس ذلك تتم مخاطبتهن في المراسلات الرسمية أيضا. وقد تتعرض العقود للطعن والمخاطرة بإبطالها إذا كانت مثل هذه البيانات خاطئة. فقبل سنوات قليلة فقط فرضت إحدى البلديات غرامة مالية عالية على امرأة قامت بتغيير كلمة " مادموزيل " وعوضتها بكلمة "سيدة" " مدام" في رخصة السياقة. وكان على المحاكم النظر بجدية في هذه القضية

آنساتي سيداتي سادتي !

تصرح النساء الناشطات في مجال حقوق المرأة الفرنسية أن الاستخدام اللغوي "للآنسة" يذكر بالعصور القديمة، عندما كانت الفتاة تنتقل عبر الزواج من وصاية الأب إلى وصاية الزوج. وتعتبر المنظمات الحقوقية النسائية أن صفة "الآنسة" تشير إلى تمييز جنسي وتنطوي على نوع من "الإغراء الجنسي" . ويأتي اعتراض هؤلاء النساء على لقب " آنسة" من منطلق ما توحي به الكلمة من تمييز اجتماعي قد يجرح عواطف النساء المطلقات ويؤرق نفسية العوانس. فالرجل يخاطب دائما كرجل بصرف النظر عما إذا كان متزوجا أم غير متزوج، في حين يشير لفظ "الآنسة" إلى مجموعة من الأفكار الدفينة مثل العذرية أو العنوسة أو إلى إسقاطات ترتبط بالشؤون الشخصية للمرأة. وبعد محاولات سابقة أطلقت الناشطات الفرنسيات منذ خريف العام الماضي حملة جديدة في وسائل الإعلام المختلفة لإنهاء صيغة المخاطبة الفرنسية "مادموزيل" وتعميم المساواة عبر تسمية "مدام" أي "السيدة"

ضع العلامة المناسبة في الخانة المناسبة

ومع تأكيد رئيس الوزراء الفرنسي أن قراره هذا لا ينطلق من ضرورة قانونية، فإن هناك من يعتبر أن خطوة الحكومة الفرنسية بشأن حذف كلمة " آنسة" من الخطابات الرسمية جاءت على خلفية الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي اقترب موعدها.

الجدل الحالي حول لفظ "مادموزيل" في فرنسا يأتي بعد جدل كبير مماثل قبل أكثر من أربعين عاما في ألمانيا تجلى في الإلغاء الرسمي لكلمة "فرويلاين" أي "الآنسة" لأسباب مختلفة، منها أن هذا اللقب كان يطلق على الفتيات صغيرات السن، ولكن أيضا على المعلمة والموظفة في المؤسسات والإدارات أو في قطاع الاتصالات التليفونية حتى وإن كانت المرأة متزوجة. كما تم استخدام لفظ السيدة (فراو ) على ربة البيت المتزوجة. غير أن التقلبات الاجتماعية التي تلت الحرب العالمية الثانية تركت بصماتها على الأوضاع العائلية لعدد كبير من النساء المتزوجات وغير المتزوجات، فتنوعت صور علاقات الشراكة الزوجية، كما ساهمت الحركات الاجتماعية والسياسية التي واكبت نهاية الستينات من القرن الماضي في تقوية الأصوات النسائية المطالبة بإلغاء لفظ "فرويلاين" أي الآنسة في الخطابات الرسمية. وفي 16 من فبراير عام 1971 تقرر منح صفة "سيدة" ( فراو) لكل امرأة بلغت سن الرشد، سواء كانت متزوجة أو غير متزوجة.

مظاهرة لناشطات تونسيات أمام البرلمان التونسي

غير أن هذا الإلغاء الرسمي لم يقض بالكامل على مخاطبة المرأة هنا وهناك بكلمة "آنسة"دون وجود إحراج في ذلك. فبعد مرور حوالي أربعين عاما على إعلان وزير الداخلية الألماني بإضافة لفظ "السيدة" لكل امرأة بلغت سن الرشد بدأت إحدى دور النشر الألمانية قبل حوالي عامين بإصدار مجلة دورية تحت عنوان" فرويلاين" ( أي الآنسة) وهي مجلة تهتم بشأن الفتيات اللواتي لم يتزوجن بعد، كما جاء في الدعاية لها.

فنون مخاطبة الجنس اللطيف

يختلف مستوى الاهتمام بهذا الموضوع من مجتمع لآخر، بل ومن امرأة لأخرى، متزوجة وغير متزوجة. ففي الوقت الذي تغضب فيه بعض العوانس المتقدمات في السن من مخاطبتهن ب "آنسة"، يعتبر النساء الكنديات لقب " آنسة" نوعا من الإهانة والإساءة لهن. ومن جهة أخرى هناك من السيدات من تجاوزن الثلاثين أو الأربعين، و تغمرهن مشاعر السعادة عند مخاطبتهن بكلمة " مادموزيل" في مثل ذلك السن، حيث يعبر ذلك عن إعجاب المتحدث بشبابهن أو بجمالهن.

وقد يكون الاهتمام بهذا الموضوع أقل في عدد من الدول العربية حيث يتم استخدام كلمة "الآنسة" بشكل محدود وكلقب للمجاملة ومخاطبة الفتاة غير المتزوجة. ففي المغرب مثلا كثيرا ما تنعت المرأة بالسيدة سواء كانت متزوجة أو غير متزوجة. وتعتقد الناشطة في الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق النساء نبيلة صفيدة أن "مثل هذه النقاشات غير مطروحة في المغرب وأن لقب الآنسة أو السيدة موضوع شكلي". فالتمييز في رأيها "لا يتم بين المرأة والآنسة، بل في عدم إعطاء المرأة فرصة للحصول على منصب بسبب جنسها"، ولذلك تضيف المتحدثة بأنه "من الأجدر الاهتمام بعمق الموضوع حتى تتمتع المرأة بحقوقها كاملا داخل المجتمع. واستخلصت الناشطة النسائية كلامها عن وضع المرأة في العالم العربي وما تعايشه من تمييز وقالت: " المرأة تعيش التمييز في واقعها اليومي بصرف النظر عن صفتها كسيدة متزوجة أو غير متزوجة. فنظرة الرجل التي تحمل نوعا من التحرش الجنسي لا تفرق بين المتزوجة وغير المتزوجة"

عبد الحي العلمي

مراجعة: محمد المزياني

تعليقات