عَقيل أبو الشعر: الذاكرة المستعادة! (1-2) (2-2)

عَقيل أبو الشعر: الذاكرة المستعادة! (1-2)






صورة 
 
كتابة وتصوير: مفلح العدوان - كان الحديث عن الغائبين جزءاً من بوح الأهل في قرية الحصن حين زرتها.. هذا قبل أكثر من سنتين، وكنت كلما عدت بالذاكرة إلى هناك، أحس بأن ما خفي من القرية هو أعظم، وأعمق، مما عرفت، ومما باحت به لي، فللدروب هناك أسرار، وللكنائس حكايات وتفاصيل تشكل جانبا من مخطوط البلدة العتيقة، وكذلك التل، ووجوه الناس، والمضافات، والمدارس، والمساجد، والبيوت، كل شىء في الحصن له ذاكرة متجددة، ولا يمكن الإلمام بها من خلال زيارة، أو زيارتين، فالمحتجب أكثر من الظاهر، والغائب أبلغ من الحاضر.

الأب أدريانوس سمتس
كان الحديث عن الغائبين جزءاً من بوح الأهل في قرية الحصن حين زرتها.. آنذاك دخلت كنيسة اللاتين، وتأملت بشغف لوحات الفريسكو فيها، وتساءلت عن الذي رسم هذه اللوحات القديمة، والساحرة، في آن، فبدأ بعد ذلك حديث عن الأب الهولندي أدريانوس سمتس الذي قضى عشر سنوات من عمره كاهنا لكنيسة اللاتين في الحصن، وكان مسؤولا عن جمع الأموال لبناء الكنيسة في القرية، وعن احضار الفنان الهولندي بيتر جيرتس الذي قام برسم لوحات الفريسكو التي ما زالت في الكنيسة حتى الآن.. يا لهذا، الآن، كم يحمل من مفاجآت، ترتبط مع بعضها بحبل سري، جعل هذه الرواية التي أقرأها الآن تمرّ، من خلال سيرة كاتبها، بدروب الحصن، مسقط رأسه، وتعيدني إلى تلك الكنيسة، وأستذكر تلك اللحظات، مع تقديم الدكتورة هند أبو الشعر لرواية «القدس حرة.. نهلة غصن الزيتون» للروائي المهاجر عقيل أبو الشعر، في مشروع أطلقته وزارة الثقافة لاستعادة الإرث الإبداعي لهذا الروائي، كرائد من رواد الرواية العربية، حيث كتب الرواية بالاسبانية عام 1920م، وتم نشرها في باريس عام 1921م.
تتوقف الدكتورة هند أبو الشعر في مقدمتها، عند الأب أدريانوس سمتس، حين تقوم بتقديم عرضها العلمي لزمان ومكان الرواية (القدس حرة.. نهلة غصن الزيتون)، وكذلك للشخوص الذين يمثلون الرواية، وفي ملاحظتها الأولى لإضاءة النص تقول: (قضى عقيل في القدس زمنا طويلا بعد الطفولة، وقد توجه إلى القدس لدراسة الكهنوت بتأثير الأب الهولندي أدريانوس سمتس، الذي قضى عشر سنوات من عمره كاهنا لكنيسة اللاتين في الحصن.. وفي دير الفرنسيسكان بالقدس تلقى عقيل دراسة معمقة في الفلسفة واللاهوت وأتقن لغات عديدة أولها اللاتينية وهي من شروط دراسة اللاهوت ثم الفرنسية والاسبانية والتركية (لغة الدولة) والروسية والإنجليزية، وكان على ما يبدو يعرف اليونانية، وهي اللغة التي يتقنها كهنة الطوائف الأرثوذكسية..).

القافلة المنسية
هذا مدخل آخر للقرى، عبور من خلال فضاء عالمي إبداعي إنساني.. إنها الحصن، وهذا هو ابنها عقيل أبو الشعر.. ويحق ل»بوح القرى» أن تحتفي به، فالقرى ليست حجارة، وعقودا قديمة، وأشجار زيتون، وحكايات المعمرين فيها، وتفاصيل بدايات الأشياء فقط، القرى حياة متجددة، فيها مفاجآت، ودهشة، وأهل حفروا في الصخر، ليكونوا أكثر عزما من الصوان، وأبقى، بما يمتلكون من إرادة، هي دائما تعلن عن ذاتها، حتى بعد عشرات السنين، وهذا ما كان من عطاء، وبقاء، وإبداع، وموقف عقيل أبو الشعر، الذي نقرأ روايته، ومعها نقرأ رواية جيل بأكمله، أراد أن يقول كلمته، لكن الظروف آنذاك لم تكن تسعفه، فبعضهم قضى في مكانه، وآخرون ارتحلوا، وغيرهم ما تزال سيرة عطائهم لم تكتب عنهم حتى الآن، وربما التسمية التي أطلقها الأديب الراحل يعقوب العودات (البدوي المثلم)، عندما وثق لبعض أدباء ومفكرين ورجالات من تاريخ الأردن القديم، تحت عنوان القافلة المنسية، فيه شهادة واستذكار لبعضهم، لكنه بالتأكيد لم يلقِ الضوء على جميعهم، وهنا لتأكيد على جانب توثيق الذاكرة، و التاريخ، عبر كل العصور، في تلك الأمكنة على مساحة الأردن، أشير إلى ما كتبه البدوي الملثم في مقدمته للقافلة المنسية، في 30 أيلول 1941م: «وفي هذه الفصول التي يطالعها القارئ الكريم جلوت ما تناهى إلي من أخبار نوابغنا المنسيين، وقصارى ما استهدفه من جهود مضنية: قضاء حق لوطن عزيز به نيطت عليّ تمائمي! وكشف غطاء عن نفر من أعلامه الأوائل الذين خلدت ذكراهم بخلود ما خلفوا من أعلاق نفيسة وآثار ممتعة رائعة! أضف إلى هذا وذاك حرصي على تشجيع –روح عبادة النوابغ- في أبناء أمتي العزيزة، ورغبتي في أن أضع هذه البقعة الطيبة –شرقي الأردن- على خارطة الدنيا! فليتقبل وطني الغالي –هذه الفصول- الحافلة بسير –قافلة- من أبنائه الأوائل، وليقبل إخواني الشبان على معرفة هذه السير القومية المنسية، والله أسأل أن يختار من النشء الجديد رعيلا موهوبا فذا ليتصل الأمس الغابر بالغد المرتجى..».. وقد ضمت القافلة المنسية سير كل من الأعلام التالية أسماؤهم: «موسى بن نصير، روح بن زنباع، يعقوب بن سقلاب، ابن القف الكركي، عائشة الباعونية، برهان الدين الكركي، نعمان العجلوني، يحيى الكركي، تقي الدين الحصني، عبد اللطيف العجلوني، سليمان الجرشي، أبو الفتح العجلوني، الشيخ اسماعيل العجلوني، عبادة الأردني، ابراهيم العجلوني، ابراهيم الباعوني، عبد الله الرمثاوي، عبد الله العجلوني، محمد الكركي، محمد السلطي، موسى الكركي، يوسف الكركي، ابراهيم الكركي، أحمد الباعوني، أبو ا لخير الكركي، خطاب العجلوني، يوسف الباعوني، ابن شاهين الكركي، الشيخ عبد الرحمن الطيبي، الشيخ محمد الطيبي، نمر العدوان، عقيل أبو الشعر، نجيب السعد».

صحوات متقطعة
وإذا كانت هذه القافلة المنسية، تم تغييبها، لمئات السنين، وكأنها تاهت في صحارى الزمن، فإنه لا بد الإشارة بأنه بين فترة وأخرى، من زمننا الحديث صدرت شرارات تذكر لبعض رموزها، ناتجة عن صحوات متقطعة، احيانا على المستوى الشخصي، كما هو الحال مع حماس البدوي الملثم في كتابه هذا، وأحيانا بشكل مؤسسي، على هيئة مشروعات آنية، وهنا لا بد من التذكير بالاحتفال باستذكار عائشة الباعونية، وما كتبه المرحوم العلامة ركس العزيزي حول نمر العدوان، وضمنه بين دفتي كتاب، ثم كتب كتابا آخر عن نمر العدوان الباحث هاني الكايد قبل سنوات، ثم غامرت قبل سنتين الروائية سميحة خريس باستحضار يحيى الكركي، واستلاله من القافلة المنسية، لتكتب عنه رواية يحيى.
 هذه بعض النماذج التي خطرت في البال، حول استعادة هذه الذاكرة، والتاريخ، واستذكار لأولئك الأعلام النوابغ، المبثوثين على كل ثرى الأردن، ويأتي عمل الدكتورة هند أبو الشعر في هذا السياق، و لكن بشكل مختلف، ووفق منهج علمي تاريخي هذه المرة، مع تكاتف بين الإمكانات الفردية، والدعم المؤسسي، فيما يتعلق بالأديب الروائي عقيل أبو الشعر، الذي أعلنت وزارة الثقافة مشروعها لاستعادة إبداعه، ورواياته، وكتاباته.

الحلم يتحقق في باريس
هذا المشروع، لا شك أنه كان له تداعيات سابقة، بمر بمراحل طويلة، ومتعددة، توضحها الدكتورة هند أبو الشعر في مقدمتها، وفيها نلاحظ أن الدكتورة ابو الشعر بحكم كونها باحثة، ومؤرخة، وكذلك قاصة وأديبة، اضافة إلى رابط الدم والقرابة، جعلها مسكونة بهاجس البحث عن ارث عقيل ابو الشعر، وبإيجاد الاجابة على تساؤلات مطروحة على مستوى الكُتّاب في الوطن، وعلى مستوى من له اطلاع بالأخبار التي تتحدث عن نبوغ وابداع عقيل ابو الشعر: «هل كان عقيل أبو الشعر روائيا ونشر ورايات بالفرنسية والايطالية والاسبانية؟وأين هذه الروايات إن كان ما يقال حقيقة؟ وهل هناك شخصية حقيقية لرجل من أهالي الحصن، يعرف اللغات الفرنسية والإيطالية والإسبانية والتركية والروسية واللاتينية مطلع القرن العشرين؟».
سنوات طوال أخذت هذه التساؤلات، غير أن السنة المفصلية في البحث، والوصول إلى الإجابة الشافية، كانت عام 2010م، حيث بدايات تحقق الحلم، والحصول على واحدة من روايات عقيل ابو الشعر، وفي هذا السياق تقول الدكتور هند ابو الشعر في مقدمتها: «في صيف عام 2010م، دعيت لحضور مؤتمر تاريخ الأردن وآثاره والمنعقد في باريس.. وصممت يومها على البحث المجنون عن أعمال عقيل بالمكتبة الوطنية، كان الوقت المتاح أقل من القليل، وكانت المكتبة الوطنية بباريس هي مكان الحلم الذي تحقق، وساعدتني الشابة الأردنية المبتعثة إلى السوربون من جامعة اليرموك سوسن خريس، وتمكنت من الحصول على أول عمل لعقيل مكتوب بالاسبانية عام 1920م، ومنشور في باريس عام 1921م.. وبدأ الحلم القديم الذي استمر لأكثر من تسعين عاما يتحقق.. ذهب كل الذين حاولوا استعادة عقيل إلى غير رجعة، وظل هاجس البحث عنه يؤرقهم، وبقيت وحدي أحمل الهاجس وأعرف أنه سيتحول إلى حقيقة جميلة مثل باريس وشواطىء سانتو دومينغو.. حقيقة طيبة بطيبة سهول الحصن، وحميمة مثل حجارة البيت العتيق بالحصن حيث تربى عقيل.. البيت الصامت والمهجور..!».

صارت الفكرة.. مشروعا!!
تحقق الحلم، وأثمر في قطافه الأول عن طباعة رواية «القدس حرة.. نهلة غصن الزيتون»، التي شكك بها البعض بها، حين كان الحديث عنها، في سياق التذكر، والرصد الأولي، والمتابعة، ولكن إصرار من آمن في الفكرة جعل الحلم يتحقق، والكتاب الذي بين أيدينا خير دليل على ريادة، وعطاء، هذا المبدع عقيل ابو الشعر مع بدايات القرن العشرين.
ترجم الرواية عن الإسبانية الدكتور عدنان عبد الحميد كاظم، وقدمت لها الدكتورة هند أبو الشعر، وهنا وقبل الدخول في تفاصيل الرواية، وحكاية عقيل ابو الشعر، لا بد هنا من المرور على فكرة المشروع، وآلية تنفيذه، من خلال المقدمة، حيث قالت الدكتورة هند أبو الشعر: «كان يجب على مؤسسة رسمية ثقافية تتبنى ترجمة ونشر الرواية، وكان الأصدقاء في وزارة الثقافة يدعمون الفكرة بقوة، معالي الوزير الصديق الشاعر جريس سماوي، والروائي الصديق هزاع البراري مدير دائرة النشر، وتحولت الفكرة إلى واقع، وعندما تسلم معالي الصديق الدكتور صلاح جرار الوزارة، كان حماسه للعمل كبيرا، فهو مطلع على الأدب العربي في الأندلس، ويعرف الاسبانية ويترجم عنها، وكنت قد عرضت الرواية على الصديق والزميل الدكتور عدنان كاظم أستاذ اللغة الاسبانية بقسم اللغات الحديثة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة آل البيت، فقرأها باهتمام، وكان يعرض خلاصة لقراءته، وطمأنني إلى أن العمل يستحق الترجمة والنشر..».


عَقيل أبو الشعر: الذاكرة المستعادة! (2-2)




صورة 
 
 
كتابة وتصوير: مفلح العدوان - يستمر البوح هنا، بفخر، وفرح، واعتزاز عن الروائي عقيل أبو الشعر، احتفاء بصدور روايته (القدس حرة.. نهلة غصن الزيتون)، باللغة العربية، ضمن مشروع وزارة الثقافة، لاستعادة عقيل أبو الشعر، وإرثه الإبداعي، بعد أكثر من تسعين سنة على صدور هذه الرواية في باريس باللغة الاسبانية، وقد كان هذا عام 1921م.

سيرة ذاتية
يقول البدوي الملثم في عرضه لسيرة عقيل أبو الشعر، في القافلة المنسية: «من تلك الدوحة الغسانية الأردنية، الطيبة الأصول، الزكية الفروع، تحدر السيد عقيل أبو الشعر، عم الأستاذ النابه نجيب أبو الشعر المحامي، وهو الابن الرابع للمرحوم سليمان أبو الشعر، أحد وجهاء بلدة (الحصن)، في إمارة شرقي الأردن. ولد المترجم له في (الحصن)، عام 1893م، على وجه التقريب، وبعد أن بلغ أشده التحق بالمدرسة الاكليركية في القدس، وكان جميل القسمات، تلوح عليه مخايل الذكاء والنباهة، وبعد خمس سنوات قضاها في أورشليم المقدسة أرسلته إدارة المدرسة إلى (روما)، لإكمال دراسته حيث تجلى نبوغه فنال شهادة الدكتوراه في الفلسفة والموسيقى خلال مدة قصيرة واكتسب إعجاب أساتذته الغربيين، ولما لم تجد الاكليركية هوى في نفسه طلقها ثلاثا وانصرف بكليته إلى التأليف والترجمة والتعريب بكل اللغات الاسبانية والعربية والانجليزية والفرنسية والايطالية والتركية والألمانية والروسية، ناهيك عن تضلعه في لغته العربية وله معزوفات موسيقية (اورينتال) منتزعة من قلب الصحراء».

أثر أدبي
هذا مفتتح البدء، لاستكمال ما بدأناه في «بوح القرى»، من استعادة لما تيسر من ذاكرة، وتاريخ، وكتابة، وأدب، عقيل أبو الشعر، في سياق، ما كان من كتابة عن قرية الحصن، ولذا فإن العودة إلى ما دونه البدوي الملثم في القافلة المنسية، عن عقيل أبو الشعر يأتي في إطار هذا البحث المستمر عن أية وثيقة تضيف ولو سطرا واحدا في مخطوط كتابة تاريخ الوطن..كل الوطن.
وفي ذات السياق يقول الدكتور عدنان عبد الحميد الكاظم، مترجم رواية «القدس حرة/ نهلة غصن الزيتون» لعقيل أبو الشعر: «إنه لمن دواعي فخرنا أن نقدم لكم أحداث هذه الرواية الغنية بمضمونها وأسلوبها ولغتها الرصينة والمتشعبة التي تدل على عمق ثقافة الكاتب، والتي اتضحت من خلال استخدامه لعبارات بلغات متعددة طوال صفحات الرواية، مما أدى إلى صعوبات كبيرة في عملية الترجمة، ويتضح لكم ذلك جليا من خلال الملاحظات والهوامش التي أوردناها في جميع صفحات الرواية تقريبا، آملين أن نكون قد نجحنا في إيصال الرسالة التي أراد الكاتب إيصالها إلى القارئ من خلال روايته هذه، وهي أثر أدبي مضى عليه ما يقارب المائة عام، وكاد النسيان أن يطويه، جاء ليذكرنا بصدى صرخات أردنية عربية ضد الظلم والاحتلال، وفضّل كاتبه عقيل أبو الشعر الذي أحب العدالة ومقارعة الظلم، الموت في المنفى، على الصمت أمام بشاعة الاحتلال».

بطاقة بريدية
وإذا عدنا إلى مقدمة الدكتورة هند أبو الشعر لاستكمال عرض ما بذلته من جهد في تجميع شتات هذه الذاكرة، وأوراق الغائب، مع مساعدة المؤسسات، والأصدقاء، في هذا المشروع، سنجد استكمالا لسيرته، ولملامح شخصيته، ولمعاناته، وتنوع مشاربه، ومساحات الإثارة في حياته، وهنا تقول الدكتورة هند أبو الشعر «كنت أحتفظ ببطاقات قليلة بعثها عقيل لوالدته ولشقيقه سليم، وفيها تأكيد على نشره لكتاب بباريس في زمن الحرب العالمية الأولى تحت عنوان (العرب تحت نير تركيا) وهو بالتأكيد ليس رواية.. وكان الهاجس يكبر، وتساؤلات الأصدقاء من الكتاب تلاحقني.. وبالعودة إلى عالم الانترنت العجيب، تمكن شقيقي الطبيب وليد أبو الشعر الذي يتقن الاسبانية، من الدخول إلى موقع المكتبة الوطنية في سانتو دومينغو.. وهناك كانت المفاجأة.. روايات الرجل، ومكان نشرها، وتاريخ النشر، وعدد الصفحات.. وتبين لنا أن الرجل من الروائيين الرواد، فقد نشر احدى وراياته بالاسبانية عام 1917م، وكتب مقدمات لكتب بالإيطالية، ونشر كتابا عام 1921م بعنوان (نهلة/ غصن الزيتون أو القدس حرة) باللغة الاسبانية.. لكننا لم نعثر على أي خبر عن (الفتاة الأرمينية بقصر يلدز)، وهو أول كتبه، ولم نجد في هذه القائمة ما يشير إلى كتابه (العرب تحت النير التركي)، والذي ذكه البدوي الملثم في (القافلة المنسية) وأورد مقاطع مما يحتويه الكتاب، وهو بالتأكيد الكتاب الذي ذكر لأمه في البطاقة البريدية أنه (نجح بنشره في زمن الحرب ضد الأتراك).. وتاريخ البطاقة عام 1919م، ومصدرها باريس، فندق بادن شارع ستراسبورغ، وهو شارع الصحافة والنشر آنذاك في باريس».

الدومينيكان
تشير الرواية الشفوية، في الحصن، حول جوانب من التاريخ الشخصي لعقيل أبو الشعر، في أن «عقيل أبو الشعر حضر مؤتمر فرساي بباريس، وعزف معزوفة موسيقية أمام الرئيس ودرو ولسون، وأنه قابل الوفد العربي برئاسة الأمير فيصل بن الحسين، وكان عقيل يومها مقيما في باريس، وعندما عاد الأمير فيصل إلى دمشق، استدعى شقيقه الكبير سليم من الحصن إلى دمشق، وأهداه عباءة وساعة جيب فضية تكريما لشقيقه عقيل..».
وتأكيد هذه التفاصيل يأتي من خلال الدكتورة هند ابو الشعر في مقدمة الكتاب، حيث تقول: «وتأكدت من صدق الرواية التي تتحدث عن مشاركته بحضور المؤتمر عند دخولي إلى موقع ثقافي باسم (مؤسسة بوش) في جمهورية الدومينيكان، ورد فيها اسم عقيل، وكانت دهشتي كبيرة عندما قرأ ما ترجمته عن صاحب المؤسسة الثقافية (بوش) أثناء عقد مؤتمر في سانتو دومينغو للمهاجرين إلى الجمهورية من أصول عربية، حيث كرم صاحب المؤسسة عقيلا، وأهدى الورقة لذكراه قائلا: (ليس لأنه كاتب، كتب وعلم في الدومينيكان، وليس لأنه صديق، بل لأنه وعند حضوره لمؤتمر فرساي بباريس عام 1919م وقف ونادى على الرئيس ولسون بصوت جهوري، وطالبه بالحرية لجمهورية الدومينيكان)، وكانت الجيوش الأمريكية احتلت الجمهورية عام 1916م، وقد وصف بوش عقيل بأنه: (شاب طويل القامة وممتلىء ونبرة صوته مرتفعة)، وعرفت عندها أن ما رددته الروايات العائلية صحيح تماما، وأننا لا نعرف عن الرجل إلا أقل القليل».

شاهد عيان
أتصفح رواية «القدس حرة.. نهلة غصن الزيتون»، لعقيل أبو الشعر، والتي ترجمها وحققها الدكتور عدنان عبد الحميد كاظم، وكتبت مقدمتها الدكتورة هند أبو الشعر، وجاءت ضمن جهود وزارة الثقافة، كمشروع ريادي في استعادة الإرث الإبداعي لعقيل ابو الشعر. أتصفح هذه الرواية، التي تقع في ترجمتها العربية ب239 صفحة، وتقع في جزأين، تم تقسيمهما إلى ستة عشر فصلا، حيث أن الجزء الأول من الرواية أخذ عنوان (جريمة السيد ماركوس)، وضم الفصول التالية: (المنارتان، أرض الميعاد، نوري دانييل، نهلة والحصان الأعمى وغصن الزيتون، جريمة السيد ماركوس، قصر الملك صهيون، خبر سار، في الجسمانية، يا للمصيبة التي حلت بي). أما الجزء الثاني من الرواية فكان تحت عنوان (ابن هاسلداما)، وضم الفصول التالية: (التأهب والمراقبة، وهؤلاء الرهبان الكبوتشيون أيضا، الذي أقام اليعازر، حب وربيع، ليلة رأس السنة، أنموذج من الأخلاق الصهيونية، النجدة أيها الوالد ماركوس).
أول صفحة من الرواية تحتوي على مقدمة قصيرة، وكأنها رسالة، بتوقيع عقيل نمر، ومؤرخة (باريس، 1921م)، وفيها يشير إلى ظروف كتابة الرواية: «إلى القارئ: حل مؤلف هذا الكتاب في الأرض المقدسة، في أواسط العام الماضي، كمراسل لصحيفتين أوروبيتين. وخلال إقامته في القدس، كان شاهد عيان على مأساة مثيرة؛ وبما أن فصول هذا الحدث المأساوي ليس من اختصاص الصحافة لأنها تخضع، كما في أي بلد محتل عسكريا، إلى رقابة تعسفية وصارمة، فقد ذهب الراوي إلى تضمينها في رسائله العائلية، وإن إعادة كتابة تلك الرسائل يشكل هذا الكتاب، فهو يقدّم للقارئ سردا مبسطا ومألوفا، يخلو من أي تكلّف أو طموح أدبي».

حربا الأردني
تدور الرواية حول أسرة رجل من الجليل اسمه ابراهيم برهومة، وله ابنتان سلمى ونهلة (غصن الزيتون)، وولد في سلك الكهنوت يحمل اسما كهنوتيا، ولا يتسمى باسم العائلة. وسلمى هي عقدة الرواية لأنها اتهمت بعلاقات غير مشروعة مع الضباط الأتراك ثم الإنجليز، مما لطخ شرف العائلة وأودى بعقل والدها المسكين، في الوقت الذي فرت فيه إلى مصر مع عشيقها الضابط الانجليزي، أما شقيقتها نهلة فشخصية غامضة، وهي الشخصية التي تحمل الرواية اسمها، بدأت عشيقة للحاكم التركي، ثم تحولت بعد سقوط الاتراك ومجىء الانجليز إلى زوجة لشاب مقدس مسيحي (نوري دانييل)، وهو من عائلة موسرة، ويحمل درجة الدكتوراة في الحقوق من باريس، ونوري هو البطل الحقيقي للرواية، والذي التحق بالثوار وقادهم ضد الصهاينة وحماتهم من سلطة الانتداب البريطاني، ونوري هو الضحية الذي يدفع حياته ثمنا لموقفه الوطني، والذي تنتهي الرواية بشنقه من قبل الانجليز.
تكمل الدكتورة هند توضيحها حول شخصيات الرواية، وتفاصيلها، بقولها أن الرواي هو الصحفي الذي أرسلته صحيفتان غربيتان لتغطية الاحداث في فلسطين، شخصية محيرة، فهو كما يعرفه أصحابه (حربا الأردني) لكنه في الرواية صحفي يحمل جنسية أجنبية، وهو في الوقت نفسه بملامح شرقية، ولا شك بأنه هو عقيل، الذي يعرف كل شيء عن ثقافة الكهنة، ويدافع بحرارة عن القدس وعروبتها وطابعها المسيحي، ويعلن مواقفه في تقاريره الصحفية، وهي مواقف حادة تدين سلطة الانتداب بقوة. وتدين التهويد ووصول المهاجرين الغرباء إلى فلسطين.. وكانت تقاريره الصحفية التي سربها حقيقة من ا لقدس إلى أهله من خلال الرسائل تظهر بعنف في الوراية.

رواية مهمة.. مشروع نوعي
تتشعب الرواية، وتثير مواضيع عديدة، منها الهجرة الصهيونية، ووصول سفن المهاجرين إلى فلسطين، كما تشير الرواية إلى قدوم مائة شاب عربي فلسطيني من المهاجرين المسيحيين إلى امريكا اللاتينية عائدين إلى وطنهم فلسطين ثائرين للدفاع عن الوطن لحمايته من التهويد. وقد قدم عقيل في الرواية صورة بشعة لكل عناصر الاحتلال الانجليزي، وكل القادة والجنود قدمهم بصورة مشوهة.
بقي أن نقول بأن هذه الرواية مهمة على أكثر من صعيد، ان كان على الصعيد الأدبي، أو التاريخي، أو التوثيقي، وهي في ظرفها الزماني والمكاني، تعد نموذجا لوعي حقيقي عميق، ولكاتب عالمي بمعنى الكلمة، يحمل درجة من الثقافة العالية والعميقة، ومثل هذه المبادرة لوزارة الثقافة تعد خطوة في الاتجاه الصحيح، فلها كل الشكر، بكل طواقمها، والشكر لكل من قام على انجاز هذا المشروع النوعي ليكون نواة تأسيس لاستعادة جوانب كثيرة من الذاكرة والتاريخ الابداعي لكثير من نواحي الوطن.

تعليقات

‏قال غير معرف…
السلام عليكم :)
بعد إذنك استخدمت بعضاً من مقاطع التدوينة في وصف الكتاب عبر موقع جود ريدز ;)