ساكب : استراحة خضراء.. وموسيقى الماء، من بوح القرى لمفلح العدوان



ساكب : استراحة خضراء.. وموسيقى الماء (1)


صورة
كتابة وتصوير: مفلح العدوان - هي من أكثر الأمكنة ألفة، وقربا، ودفئا، حيث تتفاعل مع روح القادم إليها عند أول زيارة، ومع أول شخص يراه في دروبها، فتتفتح له دفاتر تاريخها، لتكون القراءة للمجتمع بكل أبجدية الود، ويكون الرسم للمكان، بكل تجليات اللون الأخضر الذي زنّرها بالشجر والغابات.. تلك هي ساكب.

تعددت الدروب
أول ما انطلقت من عمان، شمالا، كان في ذهني بوح معتق عن قرية ساكب، وهي في الذهن بلدة ودودة، تتربع على سفوح المرتفعات، وتحيطها الجبال، والغابات. في هذه الزيارة رافقني في مسيري من عمان، وبعد ذلك تجوالي في القرية هناك صديقي الفنان التشكيلي غسان مفاضلة، الذي له ذكريات، ودفق حنين، مع ساكب.
سرت، ورفيقي، إلى ساكب، شمالا، من عمان، ولم نسلك الدرب المطروق إليها، باتجاه عمق جرش، بل دخلناها عبر طريق جئناه من درب محاذ لسد الملك طلال، يفضي إلى برما، ومجموعة من القرى الأخرى، قبل أن يكون الوصول إلى ساكب. أما الطريق التي لم نسر فيها، وهي المسار المعتمد للكثير من الذين يأتون ساكب من عمان، فهو بالوصول إلى جرش، ثم المتابعة باتجاه الطريق المؤدي إلى عجلون، مسافة تقدر بحوالي 11 كيلو مترا، غربا، ليكون بعد ذلك الوصول إلى ساكب، ولكن على هذه الدرب يكون المرور في البداية بعد جرش على زقريط، ثم مثلث الكتة، وبعدها ريمون، إلى أن يكون بعدئذ الوصول إلى ساكب.
أما الطريق بالنسبة لمن يأتي ساكب من عجلون، فلا بد من المرور بعنجرة، ثم ساكب. والطريق إلى القرية من اربد، تمر بقرية سوف القريبة.

بلدة جبلية
قبل الدخول في تفاصيل الزيارة الميدانية لساكب، من المهم، الإشارة إلى التوصيف الجغرافي، للقرية، من خلال ما أورده الدكتور محمد عبده حتاملة في الجزء الثاني من (موسوعة الديار الأردنية)، حيث قال «ساكب: بلدة معروفة منذ مئات السنين، تقع على الطريق الرئيسية بين مدينتي جرش وعجلون، وتبعد عن كل منهما حوالي أحد عشر كيلو مترا، بينما تبعد عن العاصمة عمان نحو خمسين كيلومترا. وهي بلدة جبلية، تقوم أحياؤها على سفوح جبال شاهقة الارتفاع تتصل بجبال عجلون، وتطل من جهتها الجنوبية على سد الملك طلال، وأراضي محافظة البلقاء، كما تتصل بجبال دبين ومحميتها التي تكثر فيها الغزلان. وتتبع ساكب اداريا لواء قصبة جرش، أحد ألوية المحافظة، وتضمها بلدية المعراض التي تضم أيضا: (ريمون، ونحلة، والكتة). وتقع ساكب فلكيا على خط الطول 35 درجة و49 دقيقة شرقا، ودائرة العرض 32 درجة و17 دقيقة شمالا. وتمتد أراضي ساكب، وكذلك مبانيها على قمم جبال عالية يتصل بعضها بجبل (رأٍس الأقرع) الذي يرتفع عن سطح البحر حوالي (1098) مترا، وهذا الجبل الذي يتبع محافظة عجلون يقع تقريبا بين ساكب ودبين».

وفرة الينابيع
ها أنا الآن في ساكب، وصلتها، واستضافنا فيها الحاج محمد سليمان العودة الفاضل بني أحمد (العياصرة) «أبو بسام»، وهو من مواليد عام 1934م، وقد قضينا في مضافته بضع ساعات، وكان حديثه من الذاكرة، حول جوانب من سيرة ساكب، وبعض تفاصيل من تاريخ القرية القديم، حيث اسمعنا له أنا وأبناءه من حوله، وقد انضم إلينا بعد هذا الحديث في جولتنا ابنه الودود راتب محمد بني أحمد (العياصرة) الذي يعرف دروب القرية، وعيون مائها، وتفاصيل جغرافيتها، وفسيفساء مجتمعها .
ابتدأ الحاج محمد بني أحمد حديثه بقوله أن اسم ساكب «مأخوذ من كثرة انسكاب المياه فيها، ومن وفرة الينابيع في القرية، حيث أنه فيها عيون ماء هي عين ساكب، وعين المرج، وعين عيصرة، وعين احيمر، وعين خرشان، وعين أم جوزة، وعين جحدب».
وفي سياق سيرة الماء، وذكر ينابيعه، وكثرتها، من المفيد الإشارة هنا إلى ما كتبه الدكتور محمد عدنان البخيت في كتابه (دراسات في تاريخ بلاد الشام/الأردن)، حيث أورد أسماء العيون الموجودة في ساكب ضمن جدول المرافق العامة في منطقة شرق الأردن وذكر منها كل من «عين المهر، وعين الجوزة، وعين البلد (الصحن)، وعين الحمام، وعين الحزّار، وعين الحاكمة».

شجر طيب الريح
إن هذا التفسير الشعبي الذي أورده الحاج «أبو بسام» لتسمية ساكب، ليس بعيدا عن المعاني المدرجة في الوثائق، والمعاجم، ويتفق مع ما هو مدون في الكتب، والمراجع، حيث أنه قد أشار الباحث محمود سالم رحال في كتابه «المشترك السامي في أسماء ومعاني المدن والقرى الأردنية»، إلى أن «ساكب: بالعربية ساكب: منسكب. هطلان دائم. والجذر العربي سَكَبَ: سكب الماء، ونحوه: صبّه»، وبالمشترك السامي بمعنى «مكان الراحة والاستراحة من الجذر شخف(سكب): ارتاح. استلقى. رقد».
كما أنه قد ذكر الباحث ركاد نصير، معنى تسمية ساكب في كتابه «المعاني اللغوية لأسماء المدن والقرى وأحواضها في المملكة الأردنية الهاشمية» بقوله: «ساكب: سكب الماء والدمع ونحوهما: صبّه، والماء سكب وساكب: والسَّكب: شجر طيب الريح كأنه الخلوق ينبت مستقلا عن عرق واحد، وله ورق وزغب كالصعتر إلا أنه أشد خضرة، أو هو بقلة طيبة الريح زهرتها صفراء، أو هو عشب يرتفع قدر الذراع نوره شديد البياض».

«مقطع القرمية»
يحدد أهل ساكب قريتهم، بقولهم، أن ساكب يحدها من الشرق ريمون، ومن الغرب عنجرة، ومن الشمال سوف، ومن الجنوب برما. أما أحياءها، والمناطق المعروفة فيها، فقد قسمها الحاج محمد بني أحمد العياصرة (أبو بسام)، على النحو التالي: «حي المرج، وحي أم جوزة، وحي الشمالية، وحي الخربة، وحي القصر، وحي المحافيط، وحي الهواية، وحي القبلية، وحارة الزبيب، وحي الزيف، وحي عيصرة، ومقطع القرمية، وربوع المقبرة،..».
ولكن الباحث ركاد نصير يرصد بعض هذه الأحواض، وأسماء غيرها، ويوثقها في كتابه «المعاني اللغوية لأسماء المدن والقرى وأحواضها في المملكة الأردنية الهاشمية»، حيث تكون أحواض قرية ساكب، بحسب هذا الكتاب على النحو التالي: «حوض الحضير: ما اجتمع في الجرح من سّلى المادة، ورد اسم حضر موت في سفر العدد. حوض المرج: الأرض ذات النبت الكثير ترعى فيها الدواب حيث شاءت. حوض المسرب: جمعها مسارب، ومسارب العين: مجاري دمعها، ومسارب الحيّات: مواضع آثارها إذا انسابت. حوض مقطع القرمية: المقطع: موضع القطع، والقرمية: أصل الشجرة الداخل في الأرض ومنه قرمية الضرس عند العامة. حوض أم جوزة: الجوز: شجر وثمره، معرّب كوز بالفارسية، الواحدة جوزة، والجوزة: السقية الواحدة من الماء، أو الشربة منه، والجوزة: الشاة السوداء التي ضُرب وسطها بياض».

دفاتر الطابو
ويمكن تتبع سيرة قرية ساكب في الوثائق العثمانية، خاصة في دفاتر الطابو، حيث أشار إليها الدكتور المهدي عيد الرواضية في الجزء الأول من كتابه «مدونة النصوص الجغرافية لمدن الأردن وقراه»، بقوله أن ساكب «ذكرت في دفتر طابو رقم (970): وقرية ساكب تابعة لعجلون، تيمار أحمد ابن عبد الله، فيها ثلاث عشرة خانة، وإمام واحد، وحاصل قسم من الربع؛ من الحنطة: خمس غرارات قيمتها ستمائة وخمسون آقجة. ومن الشعير: غرارتان قيمتها مائة وأربعون آقجة. ومن الحطب قنطار واحد قيمته مائتا آقجة. وخراج الزيتون والجوز وأشجار سائرة أربعمائة وأربع وسبعون آقجة. وحصة وقف محب الدين بن شرف الدين ابن فرفور ستة قراريط قيمتها ثلاثمائة وأربع وستون آقجة. وحصة التيمار ثمانية عشر قيراطا قيمتها ألف ومائة آقجة. والعشر من مال الوقف ست وثلاثون آقجة. ورسم المعزة: مائة وأربع عشرة آقجة. ورسم النحل: خمسون آقجة. فيكون حصة التيمار مع الرسوم: ألاف وثلاثمائة آقجة. وفي دفتر الطابو رقم (185) المؤرخ سنة 1005ه/1596م: قرية ساكب تابع بني علوان تيمار أحمد بن محمد، فيها اثنتا عشرة خانة، وحاصل قسم من الربع؛ من الحنطة: سبع غرارات قيمتها تسعمائة وثمانون آقجة. من الشعير: عشر غرارات قيمتها ثمانمائة آقجة. وخراج الأشجار: آلف آقجة. من المال الصيفي ألف ومائتا آقجة وحصّة وقف محي الدين بن شرف الدين خروب (فرفور) ستة قراريط قيمتها سبعمائة آقجة. وحصة التيمار ثمانية عشر قيراطا قيمتها ألفان ومائتا آقجة. والعُشر عن مال الوقف سبعون آقجة. ورسم المعز والنحل: مائة وثلاثون آقجة. وبادهوا: مائة آقجة، فتكون حصة التيمار مع العُشر والرسوم: ألفان وخمسمائة آقجة».


سيرة قرية ساكب


تقع قرية ساكب غرب جرش، في منتصف المسافة بين عجلون وجرش، وعلى مسافة حوالي 11كم من كلتا المدينتين. وتتبع القرية إلى لواء القصبة من محافظة جرش، وهي من ضمن بلدية المعراض.

الديموغرافيا:

يبلغ عدد سكان قرية ساكب، بحسب آخر تعداد عام للسكان والمساكن عام 2004م، حوالي ب(10272نسمة) (5429 ذكور و4843 إناث)، يشكلون 1595 أسرة، تقيم في 2064 مسكنا. ويفيد أهل ساكب بأن عدد سكان القرية في الوقت الحاضر قد بلغ حوالي 18 ألف نسمة.

التربية والتعليم:

يوجد في قرية ساكب عدد من المدارس هي: مدرس ساكب الثانوية الشاملة للبنين، ومدرسة ساكب الثانوية الشاملة للبنات، ومدرسة آمنة بنت وهب الأساسية للبنات، ومدرسة ساكب الأساسية للذكور، ومدرسة المرج الابتدائية المختلطة، ومدرسة أم جوزة الابتدائية المختلطة، ومدرسة الهوّاية الأساسية المختلطة، ومدرسة بدر الأساسية المختلطة، ومدرسة الجمعية الأساسية المختلطة، ومدرسة عيصرة الأساسية المختلطة.

المجتمع المدني:

 يوجد في ساكب جمعية الصفصافة الخيرية، وجمعية ساكب الخيرية التعاونية، ونادي ساكب الرياضي، ومحمية ساكب الطبيعية.

الصحة:

يوجد في القرية مركز صحي أولي
يوجد في القرية 19 مسجدا.



ساكب : استراحة خضراء.. وموسيقى الماء (2)



صورة
كتابة وتصوير: مفلح العدوان - وكأنها الندى.. وكأنني الوحيد الذي ألملم قطرات الطلّ، تلك، ذات حنين، حيث تآلف التوق، مع نيّة الكشف عن الذاكرة المختزنة في ساكب، القرية التي تعانق الجبال، ولا تبوح بفيض أسرارها إلا لمن يأتيها محملا بشوق حقيقي لها، وأنا المشتاق الذي عقد النيّة على تصفّح مخطوطها، وبدأ البوح لها، ومعها، مع تصفح كتاب أرضها؛ شجرا، وبشرا، وحجرا، وفضاء يسرّ الناظرين.. أنا المشتاق!

جبل طرون
آتي إلى ساكب..
هي ذي تنداح أمامي معلنة سردها على مسمعي، وأنا أدوّن تفاصيل حكاية القرية، يا لروعة تلك الحكاية.. سأبدأ الآن من محمية الغزلان التي زرتها، كأن الألفة، والسكينة، تسكن هناك، ها إني أتأمل عيون الغزلان، انسياب جسدها، حركاتها قريبا من الجدار الشبكي حولها.. أراها، فأهيم في ملكوتها، وأوقن أن الأرض الطيبة التي تحضنها، تشع ألفة، وأمنا، وطيب مقام لها.

آتي إلى ساكب..
ما زال رفيقي معي، وكأنه يحاول إعادة رسم هذه اللوحة لقريته، وحين أقول له «يا غسان» يرد عليّ «إنها مرابع طفولتي»، ويكمل الفنان الصديق غسان مفاضلة، تشكيله لهذه اللوحة على هواه، مرة من ذكرياته في القرية، ومرة من تجليات خيال المبدع الساكن في روحه، وقال لي: جبال كأنها الحرّاس للقرية تتمركز في إطار قريتي؛ ساكب، وهي تشكل جغرافية الوجدان فيها، وأينما يممت وجهك فثمة جبال وغابات حولك، ولو سألت أهل قريتي عنها، لرووا حولها قصصا، وأساطير.
وسألت كبار القرية عن تلك الجبال، فقال لي الحاج محمد سليمان العودة الفاضل بني أحمد (العياصرة) «أبو بسام»: «أول جبال من جبال عجلون تبدا من ساكب، نعم، هو جبل طرون في ساكب، وهناك مقام طرون موجود على رأس الجبل، وتميزه حجارة أثرية محفورة فيه.. احنا نسميه تل طرون، وفي كمان تل الأقرع، وتل التينة.. احنا نقول عنها تلال.. لكنها جبال.. جبل الأقرع معروف، ومشهور..».

لبنان الأردن
أعود إلى ما كتب عن جغرافية ساكب، وجبالها، وهنا أوثق ارتفاع جبالها، بحسب موسوعة ويكيبيديا على شبكة الانترنت، على النحو التالي: «جبل القاعدة: 1243م. جبل مقطع القرمية: 1197.8م. جبل طرون: 1127.7م. جبل الادراج:1110م. جبل الأقرع: 1092م».
ولكن عند العودة إلى كتاب «تاريخ شرقي الأردن في العهد العثماني» للدكتورة هند أبو الشعر، في تحديدها لجبال عجلون بأنها «تبدأ ما بين نهري اليرموك والزرقاء، وتشكل حزاما يصل أقصى ارتفاعه عند جبل أم الدرج، ويبلغ 1247 مترا عن سطح البحر، وقد أطلق على هذه السلسلة اسم (لبنان الأردن)، ومن قممها المعروفة رأس جبل منيف ويرتفع 1198 مترا عن سطح البحر، ورأس الأقرع ويقع بين قريتي ساكب ودبين، ويبلغ ارتفاعه 1098 مترا عن سطح البحر..».

«ربوع الدولة»
 عندما استكملنا جولتنا، وكان معنا راتب محمد سليمان العياصرة، مرّ على ذكر مواقع أخرى في ساكب: «جبل أبو نمر، ووادي سالم في الجهة الشرقية من القرية، وعين أم جوزة في الجهة الجنوبية». وحين كان مرورنا قريبا من مسجد عمر بن الخطاب في ساكب، تذكرنا ما قاله الحاج أبو بسام بأن «أقدم مسجد في القرية هو مسجد عمر بن الخطاب، عمره يقارب ال 90 سنة، حيث انه بني عام 1923م، هو ومسجد قرية سوف القريبة..» وأضاف «أبو بسام» تفاصيل أخرى، بأنه «في منطقة ربوع الدولة، صيّف الملك عبد الله الأول، وتمت فيها صلحة مهمة انتهت فيها منازعات داخلية بين أهل المنطقة ومناطق مجاورة، وفي ربوع الدولة توجد مقبرة، هي واحدة من ضمن أربع مقابر في ساكب، اغلقت ثلاث منها، وبقيت واحدة فقط» .

سيسب
تشير الوثائق القديمة إلى أن ساكب كانت مزدهرة زمن الإمبراطورية البيزنطية (الإمبراطورية الرومانية الشرقية)، واشتهرت بأنها كانت مكانا لصك العملة الرومانية، بالإضافة إلى كونها مركزا رئيسيا لعصر الزيتون، ويستدل على ذلك بكثرة معاصر الزيتون الرومانية القديمة، وكثرة المدافن البيزنطية فيها.
وازدهرت كذلك زمن الدولة الأموية في منطقة أم جوزة، حيث دلّ على ذلك بقايا آثار لبعض المساجد. وعرفت في عهود من التاريخ الاسلامي باسم (سيسب). وفي أواخر القرن السادس عشر، كانت ساكب الحالية تشمل ثلاث قرى هي قرية ساكب، وقرية عيصرة، وقرية بعنه (بقية) الفوقا.

«الصباح الانجليزي»
كما أنه قد زار ساكب الملك جورج الخامس ملك انجلترا، عندما كان أميرا لويلز، يقود طاقم سفينة ملكة المملكة المتحدة في رحلة إلى الشرق ما بين الأعوام 1897-1882م، ويرافقه فيها أخوه الأمير البرت فيكتور، وبحسب ما دوناه في ملاحظاتهما يقولان: «دخلنا قرية ساكب في الساعة 9:10 دقائق صباحا، وعبرنا وادي حيمتر (أحيمر)، وكانت الذرة تملأ الجزء السفلي من الوادي، ويحيط بجوانب الوادي غابات من الصنوبر والسنديان. لقد كان صباحا يشبه الصباح الانجليزي الممتع، وظن بعضنا أننا في ويلز، والبعض الآخر ظن أننا في اسكتلندا». ثم يذكران مشاهداتهما لأنواع مختلفة من الطيور والحيوانات والأشجار والأزهار، ويذكران أن المنطقة منفذ مهم لغرب الأردن، حيث يتاجر السكان بالمزروعات والحبوب.
وكذلك زار المنطقة الضابط والرحالة البريطاني كلاود كوندر بين عامي 1881-1882م، وقال: «وجدنا آثارا لقبور رومانية في ساكب، وهناك وديان جميلة خضراء تنهمر من جبال عجلون. وإذا استثنسنا بساتين بانياس، لا يوجد شىء في فلسطين الغربية يمكن مقارنته بجمال وديان جلعاد في الشرق. وشاهدنا فارسا يجول على حصانه من خلال سفح من البلوط والبطم والصنوبر. وهناك الوديان المهدبة بشجر الدفلى مختلطة مع الأشجار ذات الأوراق الخضراء والصفراء والخمرية التي تغطي المنحدرات الشديدة، مما يقدم مشهدا من الجمال الهادىء المتقلب بين الضوء والظل».

«العياصرة»
ورد في الجزء الثاني من «موسوعة الديار الأردنية» للدكتور محمد عبده حتامله، حول قرية ساكب بأنه «تعتبر بلدة ساكب بموقعها الجبلي الجميل، وإحاطتها بالغابات الحرجية من معظم جهاتها، وخصوبة تربتها، من البلدات الجاذبة للسكان، يضاف إلى ذلك أن البلدة تحتل الرقم الأعلى من حيث الخصوبة في الإنجاب على مستوى العالم أجمع، فقد وصل متوسط تعداد الأسرة فيها إلى خمسة عشر فردا. وقد بلغ عدد سكان ساكب حسب تقديرات عام 1988م (5310) نسمات، وارتفع عدد سكانها حسب إحصاء عام 1994م إلى (8237) نسمة، وازداد هذا العدد إلى(10886) نسمة حسب إحصاء عام 2004م. وتدل أرقام السكان المتعلقة ببلدة ساكب على أن ازديادهم مطرد بشكل لافت، وهو الأمر الذي انعكس سلبا على حياة السكان الاقتصادية والاجتماعية والصحية، حيث أصبح كثيرون منهم تحت خط الفقر، كما أن الأمراض، وخاصة الأمراض السرطانية تنتشر بينهم، والتي يرجع سببها إلى زواج الأقارب. والجدير بالذكر أن جميع سكان بلدة ساكب هم من العياصرة باستثناء أعداد قليلة من الوافدين إلى البلدة. والعياصرة فرع من قبيلة عنزة، وقد جاءتهم التسمية لأنهم سكنوا خربة عيصرة بجوار ساكب، ثم استقروا في ساكب».
ولكن الحاج محمد بني أحمد «أبو بسام»، يقول في سياق الحديث عن عشيرة العياصرة، بأن الجذور الأولى للعشيرة، العياصرة يعود إلى عسير، في الجزيرة العربية، وبعد ذلك يمكن ان يكون من عصيرة في فلسطين، وقرية ساكب «معظم العائلات فيها من عشيرة العياصرة، وهناك عائلة واحدة من البوريني، وعائلة ثانية من الترك.. والعياصرة في تقسيمتهم الداخلية، يقسمون إلى العشائر التالية وهي: بني أحمد (الأكثر تعدادا)، وبني محمد، وبني عمر، وبني حمدان. وكذلك دار علي. ويبلغ تعداد ساكب تقريبا 18 ألف نسمة، ويعمل معظم أهل القرية في الوظائف الحكومية، والقوات المسلحة، وقسم قليل في الزراعة».

القس كلاين
وفي سياق الحديث عن العمل في الزراعة يمكن العودة إلى ملاحظة الدكتور محمد عبده حتامله في «موسوعة الديار الأردنية»، بأنه في ساكب «يهتم السكان اهتماما ملحوظا بزراعة الزيتون بشكل خاص، فبساتين الزيتون تشكل غابات كثيفة تطل عليها البلدة من جميع جهاتها، وخاصة الجهة الجنوبية، والجنوبية الغربية، التي تبدو غابة متصلة من أشجار الزيتون. كما يهتم السكان، ولكن بدرجة أقل، بزراعة الأشجار المثمرة الأخرى مثل التين واللوزيات».
ولكن قرية ساكب يمكن اضاءة جانب اجتماعي فيها، يضيف إلى تشكيل الخريطة الديموغرافية فيه، خلال فترة زمنية سابقة، حيث تشير الكتابات إلى أنه كان يتواجد فيها مسيحيون، اغريق أرثوذكس، وهنا يمكن العودة إلى كتاب «قضاء عجلون 1864-1918م» للدكتور عليان عبد الفتاح الجالودي، حيث يشير إلى أن «القس كلاين زار قضاء عجلون عام 1868م، وأشار إلى القرى التي يسكنها مسيحيون، في الستينات من القرن التاسع عشر، وهي راجب وبرما والجزازة والنبي هود والكتة ومقبلة وخربة الوهادنة وحلاوة وأوصرة وسوف وريمون وساكب وعين جنا وعنجرة وكفرنجة ودبين، وذكر أن هؤلاء يعملون في الأعمال الحرفية التي يحتاجها الفلاحون، مثل صناعة المحاريث، وحذو الخيل مقابل مقدار معين من الحبوب، وجميعهم اغريق ارثوذكس».


سيرة قرية ساكب



تقع قرية ساكب غرب جرش، في منتصف المسافة بين عجلون وجرش، وعلى مسافة حوالي 11كم من كلتا المدينتين. وتتبع القرية إلى لواء القصبة من محافظة جرش، وهي من ضمن بلدية المعراض.

الديموغرافيا:

يبلغ عدد سكان قرية ساكب، بحسب آخر تعداد عام للسكان والمساكن عام 2004م، حوالي ب(10272نسمة) (5429 ذكور و4843 إناث)، يشكلون 1595 أسرة، تقيم في 2064 مسكنا. ويفيد أهل ساكب بأن عدد سكان القرية في الوقت الحاضر قد بلغ حوالي 18 ألف نسمة.

التربية والتعليم:

يوجد في قرية ساكب عدد من المدارس هي: مدرس ساكب الثانوية الشاملة للبنين، ومدرسة ساكب الثانوية الشاملة للبنات، ومدرسة آمنة بنت وهب الأساسية للبنات، ومدرسة ساكب الأساسية للذكور، ومدرسة المرج الابتدائية المختلطة، ومدرسة أم جوزة الابتدائية المختلطة، ومدرسة الهوّاية الأساسية المختلطة، ومدرسة بدر الأساسية المختلطة، ومدرسة الجمعية الأساسية المختلطة، ومدرسة عيصرة الأساسية المختلطة.

المجتمع المدني:

 يوجد في ساكب جمعية الصفصافة الخيرية، وجمعية ساكب الخيرية التعاونية، ونادي ساكب الرياضي، ومحمية ساكب الطبيعية.

الصحة:

يوجد في القرية مركز صحي أولي
يوجد في القرية 19 مسجدا.


ساكب : استراحة خضراء.. وموسيقى الماء (3)

 

صورة
كتابة وتصوير: مفلح العدوان - نكمل ما بدأناه.. ونتابع سرد حكاية قرية ساكب، وقد كان مرورنا في ما كان من بوح سابق، على تداعيات الجغرافية، وجوانب من التاريخ، وهنا ستكون الإضاءة على ما لم تتم الإحاطة به من مخطوط القرية وتفاصيل أهلها.

الزلزال
نقلب كتاب السنين الماضيات، فنكتشف ساكب حاضرة في المدونات العتيقة، إذ إن للقرية ذاكرة تربطها بالأمكنة حولها، كأنها تشكل مع بقية القرى، عقدا حميميا، تشكل وشائج العلاقات فيه، فسيفساء التواصل الاجتماعي، والتلاحم الدافئ في علاقة الناس بعضهم ببعض، وما زالت تلك الملامح حاضرة.
أقرأ في وثائق القرية ما وثقه المؤرخون والرحالة، حول علاقة ساكب مع القرى والأمكنة حولها، حيث أنه تذكر الكتب والمراجع بأن أهل ساكب وسوف وباقي أهالي القرى الجرشية هم أول من أسس مدينة جرش الحديثة في أوائل القرن التاسع عشر، حيث كان زلزال عنيف قد دمر أجزاء كبيرة من هذه المدينة سنة 747 ميلادية. كما أدت الزلازل المتلاحقة ومعها الحروب والفتن التي ضربت المنطقة لاحقا إلى دمار إضافي أسهم في خرابها، وبقيت أنقاضها مطمورة في التراب مئات السنين إلى أن اكتشفها سائح ألماني سنة 1806 للميلاد ليبدأ التنقيب عنها وإعادة الحياة إليها لتنهض (جرش) الحالية على يد أهل القرى. ثم تلاهم بعد 70 عاما جالية من المسلمين الشراكسة الذين هاجروا إلى الأردن من بلاد القفقاس عام 1878 للميلاد اثر الحرب العثمانية الروسية. وجالية كبيرة من اهل الشام في بداية القرن العشرين .

المعراض
يكتب التاريخ قصة ساكب، وتفاعل المكان الإنسان فيها، ونعاين ما كانت من كتابات عن القرية، وأهلها، وأمكنتها، من خلال الزيارة الميدانية لها، فنجد أن معظم العائلات في ساكب هم من عشيرة العياصرة، فهم أهل ساكب، وهي عنوانهم الدائم، وبيتهم، لا انفصام بينهم وبين قريتهم، منذ سنوات طويلة، وقد زرناهم في بيوتهم، أهل أعزاء طيبون، كما أننا لو عدنا في بحثنا حول بدايات سنوات تواجدهم في هذا المكان، فإننا سنقرأ في الكتابات التاريخية بأن العياصرة عاشوا في الأردن قبل 480 سنة، في بلدة جبلية تدعى ساكب، تقع إلى الغرب من مدينة جرش، وهي تعد الآن 20 ألف نسمة تقريبا. وكانت ساكب في القرن السادس عشر وفق الوثائق العثمانية تعد 12 منزلا، تقبع آثارها فيما كان يسمى عيصرة، و تسمى اليوم خربة عيصرة وهي تقع الآن في الطرف الشمالي من البلدة.
وساكب تتبع منطقة تسمى المعراض (ساكب، الكتة، ريمون، نحلة، الجزازة) وهو اسم قديم ويقال بأن المنطقة جميعها سميت بالمعراض لأنها إعترضت على بطش الحكم العثماني إبان مراحل ظلمه، ولذا أخذت هذا الاسم المعراض .

علي بن فخر الدين
وهناك صفحة من تاريخ ساكب لا بد من ذكرها، وهي أنه في عام 1612م سكن ساكب الأمير علي بن فخر الدين المعني الثاني عندما قاد حملة عسكرية بأوامر من والده لملاحقة فروخ بيك سنجق عجلون والكرك ونابلس، وتمكن من هزيمته، ونزل الأمير علي وحلفه على حسبان.ثم تحرك الجمع المنتصر إلى ساكب، ونزلوا في منطقة مرج ساكب الممتدة من ساكب إلى عين أم الجلود، ومكثوا فيها، ولكن والي الشام حافظ باشا كتب للوزير الأعظم آنذاك نصوح باشا بأن حلف فخر الدين يحاصر دمشق، عندها صدرت تعليمات نصوح باشا بتجريد حملة كبيرة لمواجهة فخر الدين، مما جعل ابنه الأمير علي يرتحل لنصرة والده.

علم.. وكَثْرة!
المعروف عن قرية ساكب بأن أهلها يتميزون باهتمامهم الكبير بالعلم والثقافة والدراسة الجامعية، وهذا لم يتعارض مع ما عرف عن ساكب بأنها من الأماكن الأكثر خصوبة سكانية ليس على مستوى الأردن، بل هي صاحبة الرقم الأعلى من حيث الخصوبة في الإنجاب على مستوى العالم، وفق كتاب جينيس، حيث أن نسبة التزايد السكاني تزيد على 28%، وعدد المواليد في العام يزيد عن 500 حالة ولادة. وتروي بعض الروايات الشعبية بأن السبب يعود إلى أنه من يشرب من ماء عين ساكب، يرزقه الله بغلام ، وسبب آخر يعود إلى تعدد الزوجات، وهناك أسباب كثيرة بعضها له مرجعية شعبية، وأخرى يمكن أن يفسره العلم، أو خبراء المجتمعات وتغيراتها.

النسب: مراجع ومصادر
نتتبع سيرة المجتمع في القرية، ونقف عند عشيرة العياصرة، أهل ساكب، حيث نرجع الى شجرة العائلة التي تعود إلى مئات السنين، في تفرعاتها، وتفاصيلها، وقد كنا مررنا على بعض الجزئيات الاجتماعية، والعشائرية، في البوح السابق، أثناء جلوسنا في ساكب مع الحاج محمد سليمان العودة الفاضل بني أحمد (العياصرة) أبو بسام ، ولكن بعد أن انتهت تلك الزيارة، والأحاديث الشفوية، نبقى على تواصل مع ابن الحاج أبو بسام ، الأستاذ راتب محمد سليمان العياصرة، وهو من الشباب المثقفين في ساكب، ومن الباحثين المتميزين أيضا، حيث يقوم بكتابة بحثية تفصيلية حول نسب عشيرة العياصرة، ويرسلها لبوح القرى، وهي كتابة موثقة من مراجع ومصادر، يذكر راتب العياصرة منها: موسوعة انساب آل البيت النبوي، المؤرخ السيد فتحي عبد القادر الحسيني، المجلد الثالث، (صفحة 409). أنساب آل البيت والأئمّة، أبو الربيع سليمان بن محمّد بن عبد الله بن محمّد الشفشاوي الحوّات .أنساب آل الرسول وأولاد البتول، أبو الفتح عبد الله بن السيّد الشريف موسى (النصف الأول من القرن الخامس الهجري). أنساب الهاشميين، مهدي بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن إسماعيل بن محمّد الغياث الغُرَيفي (ت 1343ه). جمهرة نسب بني هاشم، أحمد بن أبي طاهر طيفور الخراساني البغدادي (204 280(.موسوعة انساب آل البيت النبوي، المؤرخ السيد فتحي عبد القادر الحسيني، المجلد الثالث، صفحة 409. بحر الانساب. باريس. القرن 13 هجري. الخيضري، محمد (1177 هجري). الاكتساب في تلخيص الانساب. المحموديه .

الأصول.. وتتبع الفروع
وفق مصادر الباحث راتب العياصرة، فإن عشيرة العياصرة في الأردن، تنحدر من الجزيرة العربية، وتبدأ بقريش- فهر- غالب.. وتنتهي عند سليمان- عثمان بك- سليمان بك- خليفة بك - وهدان (جد العياصرة في ساكب).
وأولاد وهدان هم: (عبد القادر وهو جد عائلة بني احمد، و بني محمد
عبد الله وهو جد عائلة بني حمدان، و بني عمر عبد الوهاب وهو جد عائلة بني علي).
ومن تتبع الفروع هذه يمكن إيراد التقسيم على هذا النحو: (فروع بني احمد: آل مزيد، آل فاضل، آل عبد الرحمن ( عبد الرحيم، وسالم)، وآل إبراهيم (هقيان).
فروع بني محمد: آل عبد اللطيف (محمد، مفلح، سالم)، آل مصطفى (رجا، حسن)، آل عبد العزيز (حامد، مطلق). فروع بني حمدان: آل بكر، آل سليم، آل سليمان، آل سلمان، آل ارشيد، آل محمد، آل راشد. فروع بني عمر: آل عبد القادر، آل عبدي، آل عبيد، آل عبدو، آل عبود، آل عبد الهادي (أبو ستة). فروع بني علي: آل علي و آل عيسى.

الشهداء
ساكب.. يا أرض الطيبين، الأصيلين، المتمسكين بالوطن، وبكل ذرة من تراب الأردن.. هذا مقام استذكار الشهادة، والنصر، والدماء الزكية لأبناء قرية ساكب، حيث نحاول الإحاطة بأسماء بعضهم، من أبناء عشيرة العياصرة، الذين بذلوا حياتهم، دفاعا عن وطنهم الأردن، وانتصارا، لثرى فلسطين، وفي سبيل عزتها. نستذكر في هذا البوح كلاً من الشهيد احمد عمر حسن العياصرة الذي استشهد في 20-5-1948م، والشهيد علي سليمان محمد العياصرة الذي استشهد في 6-6-1967م، والشهيد عبد المجيد فهد عبد النبي العياصرة الذي استشهد بتاريخ 21-3-1968م، والشهيد احمد حسن عبد النبي العياصرة وقد استشهد في 21-3-1968م، والشهيد زهير حماد حامد العياصرة الذي استشهد بتاريخ 21-3-1968م، والشهيد ماجد نجيب محمد العياصرة، استشهد بتاريخ 21-3-1970م، والشهيد الملازم الطيار سمير احمد يوسف العياصرة، استشهد بتاريخ 14-4-1976م، والشهيد حمدان سعيد عبد الرحمن العياصرة الذي استشهد بتاريخ 15-6-2007م.

 



تعليقات