القسطل.. قصر الغبار الساطع (1-3) (2-3) (3-3) ، من بوح القرى لمفلح العدوان


القسطل.. قصر الغبار الساطع ! (1)

  1. صورة 
كتابة وتصوير: مفلح العدوان - توشك القصيدة أن تصبح غمامة تسير معي نحو الموقع الذي أتوق اليه، وأتبع دربه الآن جنوب عمان.. توشك القصيدة أن تعلن عن المكان قبل أن أصله، أموية الحضور، معتقة المعنى، عميقة الدلالة، قالها كثير عزة، ذات زمن مهيب، في حضرة الأمويين:
«سقى الله حياً بالموقر دارهم إلى قسطل البلقاء ذات المحارب
سواريّ تنحىّ كل آخر ليلةٍ وصوب الغمام باكرات الجنائب
أناس ينال الماء قبل شفاههم له واردات العرْض شمّ الأرانب»
معتق التاريخ
ها هي القصيدة تجلت، ووشت بمبتغى المسير، حيث الدرب تفضي إلى القسطل،
هناك جنوب عمان، على مسافة حوالي 30 كم، حيث طريق المطار يقسمها، قبل الجسر المؤدي اليه، اذ أن بلدة القسطل القديمة موجودة غرب الطريق الدولي، بينما المدينة الصناعية، وبعض الأحياء التابعة للقسطل تقع شرق الطريق.
وصلت القسطل، ودخلت البلدة القديمة، حيث نفحات كريمة من معتق التاريخ النابض بالروح الأموية التي تركت أثرا ما زال حاضرا في المكان، حيث قصر، وجامع، ومئذنة ذات درج حجري، وفسيفساء، ومقبرة، وبركة ماء، وكثير من التفاصيل التي كانت عامرة بالحياة هناك في القسطل، على طريق فرعي مواز لطريق تراجان الروماني، وقريبا من طريق الحج الشامي، حيث كان الخليفة الأموي، من موقعه في القصر هذا يرتاح، ويتابع خلال عدة أيام شؤون الحجاج ومطالبهم، واحتياجاتهم، ويؤمن الطريق بجنوده لهم.
قهوة كريمة
ها أنا في القسطل، أصلها وأنا عارف بما أريده من تاريخها، وذاكرتها، وإن كان هذا القدوم اليها، بلا موعد مع أحد فيها، لكنني ما ان مررت بدروبها، حتى رحبت بي ملامح أهلها، ولوحت لي أياديهم الطيبة، أن مرحى بالقادم إلى القسطل، فتوقفت عند بيت كريم، كانت مضافته مشرعة بالمحبة، وهو جالس أمام البيت مع نفر من صحبه، وقفت، وسلمت، وبادرني بالقهوة السادة حين كان الجلوس في مضافة الطيبة عنده، قبل أن يكون مفتتح الكلام عن القسطل مع السيد صايل غالب نواف سطام الفايز (أبو صخر) الذي قال بأن حدود القسطل هي من الجنوب الجيزة، ومن الشمال اللبن وطنيب، ومن الشرق المشتى، ومن الغرب أم العمد، ثم تابع حديثه عن تاريخ وذاكرة القسطل، وحرب الوهابيين، والتفصيلات الاجتماعية فيها، وتشكيلات الجغرافية، وتداعيات التاريخ هناك، ثم رافقني بعد هذا الحديث الودود، ابنه في جولة إلى آثار القسطل، والمسجد، وبركة الماء، والمقابر، والمساجد، والمدارس في القرية.
مفترق الماء
القسطل.. بلدة مقرونة بالماء مرة، وبالغبار تارة أخرى، وبالقوة والمنعة في زمان آخر.. وبين تلك التداعيات يراوح معنى اسمها، كأن كيمياء التراب والماء والهواء، تكتمل في القسطل، ليكون معنى الاسم إشارة إلى الموقع الذي تفترق منه المياه، أو هو كذلك الغبار الساطع أو هو القلعة الحصينة.
وإن أول ما استوقفني في القسطل هو الاسم الذي تم التعارف عليه بأنه نحت من كلمة القلعة بالإنجليزية Castle مع أن الأبنية والآثار فيها قديمة، وهي في تفاصيلها أموية المعمار، ولذا فلا بد من البدء من هذه النقطة، من تداعيات الاسم، حيث يكتب الباحث ركاد نصير في كتاب «المعاني اللغوية لأسماء المدن والقرى وأحواضها في المملكة الأردنية الهاشمية» أن معنى القسطل هو «الغبار الساطع، أو الموضع الذي تفترق منه المياه، ثم توسعوا فأطلقوها على الأنبوب الذي تتوزع به المياه. قسطل: موضع قرب البلقاء من أرض دمشق في طريق المدينة: قال كثير:
سقى الله حيا بالموقر دارهم إلى قسطل البلقاء ذات المحارب».
أما الباحث محمود سالم رحال في كتابه «المشترك السامي في أسماء ومعاني المدن والقرى الأردنية» إلى أن القسطل «تقع جنوبي عمان. وباللاتينية بمعنى القلعة» ويضيف أنه في بعض اللغات السامية الحديثة تم اخذ اسمها من اللاتينية، بمعنى قلعة، ونحتت لتكون قَسْطِلين: قلعة، حصن، معقل. وبالإنجليزية بمعنى قلعة، قصر».
ولكن الدكتور المهدي عيد الرواضية يقول في «مدونة النصوص الجغرافية لمدن الأردن وقراه» بأن «القسطل: منزل من منازل الحج، ما تزال معروفة باسمها إلى يومنا هذا، وتقع على خط الطول( 35 درجة و53 ثانية)، ودائرة العرض (31 درجة و 45 ثانية)، وهي إلى الجنوب من العاصمة عمان على بعد (30 كم). وجنوبا منها قرية الجيزة، يفصل بينهما جسر الملكة علياء الدولي».
ومن المفيد الإشارة إلى أنه يوجد هناك موضع آخر يدعى القسطل بين حمص ودمشق، وقد ذكر المقدسي في كتابه أحسن التقاسيم، في باب المتشابه من الأسماء، بأن: قسطيلية مدن بالمغرب، والقسطل قرية على تخوم الشام.
الشاه بلوط
كما وردت القسطل في معجم ما استعجم للبكري بأن القسطل «بفتح أوله وإسكان ثانيه، بعده طاء مهملة، موضع قد تقدم ذكره في رسم الموقر». أما معجم البلدان لياقوت الحموي ففيه أن القسطل «بالفتح ثم السكون وطاء مهملة مفتوحة ولام، وهو في لغة العرب الغبار الساطع، وفي لغة أهل الشام الموقع الذي تفترق فيه المياه، وفي لغة أهل المغرب الشاه بلوط الذي يؤكل. وقسطل: موضع قرب البلقاء من أرض دمشق في طريق المدينة: قال كثير:
سقى الله حيا بالموقر دارهمْ إلى قسطل البلقاء ذات المحاربِ
سواريَ تُنحى كل آخر ليلةٍ وصوب غمامٍ باكراتٍ الجنائبِ».
كما يشير اليها ياقوت الحموي أيضا في المشترك وضعا والمفترق صقعا بقوله أن القسطل «بفتح القاف، وسكون السين، وفتح الطاء ولام، القسطل موضع بالبلقاء من أرض الشام، قال كثير: إلى قسطل البلقاء ذات المحارب».
ويقول البغدادي في مراصد الاطلاع، بأن القسطل «موضع بين البلقاء ودمشق، في طريق المدينة، قال كثير:
سقى الله حيا بالموقر دارهمْ إلى قسطل البلقاء ذات المحاربِ».
حديث الجغرافية
سرت هناك في القسطل، تمعنت في جغرافيتها، وكانت البيوت والدروب، وبينها الآثار، والمدارس، والمقابر، والشجر، والحجر، وذاكرة مرتبطة بكل مساحة فيها، ولكن قبل أن أورد أسماء الأحواض هناك، أقف على أعلى منطقة فيها، وأرى من بعيد مباني المصانع الكثيرة في المدينة الصناعية التابعة للقسطل، وموقعها شرق الطريق الدولي، وكذلك ضاحية حديثة في مساحة أخرى شرق الطريق، ولكن على مد مرأى العين، غرب الطريق، أرى أمامي بلدة القسطل التي تجولت فيها الآن، والتي أتصور حجم التاريخ المخزون فيها.
وحتى تكتمل المعلومة عن جغرافية وتاريخ القسطل، أتصفح كتاب «المعاني اللغوية لأسماء المدن والقرى وأحواضها في المملكة الأردنية الهاشمية» للباحث ركاد نصير وأنظر فيما كتب حول أحواض قرية القسطل، ومعانيها، وأقرأ التالي: «حوض حنو صفوق: الحنو: كل ما فيه اعوجاج، الجانب. حوض ظهر حجرة الفرس: الحجرة: الناحية، الناحية من الدار. حوض الماكنة: الآلة. حوض أم العظام: جمع العظم وهو قصب الحيوان الذي عليه اللحم، والعظم: خشبة ذات أصابع تذرّى بها الحنطة وتسمى عند العامة «المذراة»، والعظم أيضا: مقبض القوس. حوض حنو القنطرة: ما يبنى على الماء للعبور، أو ما ارتفع من البنيان. حوض جدار البلد: أو ما يحيط بها من الأراضي. حوض الموارسة: المَرَسة: الحبل لتمرّس الأيدي به، والمَرزَة: القطعة ويمكن أن تكون السين مقلوبة عن الزاي. حوض الغزلانيات: الغزال: الشادن حين يتحرك ويمشي. حوض جوف الحجاوشة: الجوف: البطن، وجوف البيت: داخله. حوض عرقوب النعام: العرقوب: منحنى الوادي، أو الطريق في الجبل، والنعام: مفردها النعامة، وهي طائر يقال فيه أنه مركب من خلقة الطير وخلقة الجمل، اخذ من الجمل العنق والظلف والمنسم، ومن الطير الجناح والمنقار والريش، والنعامة: المحجّة والطريق الواضحة، أو العلم المرفوع في المفازة ليهتدي به، أو كل بناء على جبل كالظلّة».
سيرة قرية القسطل
تقع القسطل جنوب عمان، على الطريق الصحراوي، وتبعد عنها حوالي 30 كم، وتتبع الى لواء الجيزة، وهي من ضمن حدود أمانة عمان الكبرى، داخل محافظة عمان العاصمة.
الديموغرافيا:
يبلغ عدد سكان القسطل 2656 نسمة ( 1424 ذكورا و 1232 اناثا) يشكلون 508 أسرة تقطن في 747 مسكنا.
التربية والتعليم: يوجد في القرية مدرسة القسطل الثانوية للذكور، ومدرسة القسطل الثانوية للبنات.
الصحة: تفتقر القسطل أي مركز صحي، وأقرب مركز صحي منها هو في مركز اللواء في الجيزة.
* يوجد في القسطل مكتبة ومركز تكنولوجيا معلومات.
* يوجد في القرية 12 مسجدا.
* لا يوجد في القسطل أي جمعية خيرية أو تعاونية أو نادي، وتفتقر إلى الخدمات الصحية رغم وجودها بمحاذاة الطريق الدولي. 


القسطل.. قصر الغبار الساطع!! (2)




صورة
كتابة وتصوير: مفلح العدوان - روح الأمويين.. نعم ها هي هالة تضفي حضورها على المكان، وكأني أراها بكل ألقها الشفيف عنوان عظمة لكل أثر في هذه المنطقة.. روح الأمويين، وتداعيات كثيرة أتلمسها في فضاءات القسطل، وكأني أسمع هناك أيضا، تراتيل الحجاج وأدعيتهم وهم يستريحون هنا في طريق ذهابهم أو إيابهم في الحج.
القافلة تمر، وتأتي غيرها، وكل سنة حجاج آخرون تتبارك بهم القسطل التي ذكرت كمنزل من منازل الحج عند القدماء من الجغرافيين العرب، حيث قال الحربي عن القسطل في معرض تتبعه لمنازل حجاج طريق أهل الشام: «من دمشق إلى الصنمين، ومن الصنمين إلى أذرعات، ومن أذرعات إلى الزرقاء، ومن الزرقاء إلى القسطل، ومن القسطل إلى قبال، ومن قبال إلى بالعة، ومن بالعة إلى الحفير، ومن الحفير إلى معان».
كما مر بالقسطل ابن طولون الصالحي في رحلته إلى الحج في شهر شوال سنة 920ه/1514م، وأوردها بالصاد، فقال: «ثم مررنا بين قرية أم العمد وقرية الخيرا ثم على قرية القصطل وقت الظهر ثم على قرية جيزا..».

نقوش.. أدعية
درب الحج.. تفصيلات أخرى حول قرية القسطل، وعلاقتها بقوافل الحجاج، يشير اليها الدكتور صالح موسى درادكة، في كتابه (طرق الحج الشامي في العصور الإسلامية/ الطرق في شرق الأردن خاصة)، حيث يقول في هذا السياق: «ومما يجدر ذكره أن اسم القسطل تردد في المصادر الأدبية والتاريخية كمركز على طريق الحاج، كما كشفت في القسطل مجموعة نقوش من الأدعية التي توحي بأنها أدعية حجاج ذاهبين لقضاء فريضة الحج أو عائدين لبلادهم بعد قضائها..».
 وفي موقع آخر من الكتاب يقول الدكتور صالح درادكة بأنه «ذكرت القسطل في مسير خالد بن سعيد بن العاص لفتوح الشام حيث نزل بجيشه فيما بين (آبل الزيت) وزيزا والقسطل. وأقام العباس بن الوليد بن عبد الملك في القسطل، ورفض مشايعة أخيه يزيد في طلب الخلافة».
قال الشاعر..
كما ترد القسطل في شعر كثير من الشعراء الذين تم توثيق قصائدهم، وذكرت فيها القسطل، ومنهم كثير الذي أشرنا إلى واحدة من قصائده، التي كتبها مدحا للأمويين، ذاكرا فيها الموقر والقسطل، وهنا نشير إلى قصيدة أخرى كتبها كثير في مدح الخليفة يزيد بن عبد الملك، وترد فيها القسطل، حيث يقول كثير:
«أقول إذا الحيّان كعب وعامر
تلاقوا ولفتنا هناك المناسك
جزى الله حيّا بالموقر دارهم
وجادت عليه الرائحات الهواتك
بكل حثيث الوبل زهر غمامة
له دررٌ بالقسطلين حواشك
كما قد غممت المؤمنين نبائل
أبا خالد صلت عليك الملائك»
وقد عنى بالقسطلين: القسطل الأردنية،
وقسطل: موضع بين حمص ودمشق.

كما أنه كان قد قال جرير كذلك:

يا عين جودي بدمع هاجه الذِّكر
فما لدمعك بعد اليوم مدّخر
إن الخليفة قد وارى شمائله
غبراء ملحودة في جولها زور
قد شفّني روعة العبّاس من فزع
لما أتاه بدير القسطل الخبر

وأيضا قال الفرزدق:

وهم على ابن مزيقياء تنازلوا
والخيل بين عجاجتيها القسطل.

أقدم مئذنة
أتأمل قصر القسطل، وأريد وصفا له، فكل حجر فيه تنطق بعظيم التاريخ، وعمق الذاكرة. أتلمس التفاصيل هناك، والفسيفساء، والقناطر، ودرج المسجد. أنقل وصفا لتلك التفاصيل التي أراها في القسطل، واحد لمنى احمد الطائي، في كتابها المعالم الأثرية في المملكة الأردنية الهاشمية، عام 2004م، والثاني للرحالة تريسترام وما كتبه عام 1872م، إضافة إلى ما أشار اليه مصطفى الدباغ في «بلادنا فلسطين».
أقرأ في كتاب المعالم الأثرية لمنى الطائي: «..القسطل.. واحد من أقدم القصور الأموية وأفضلها من حيث الصيانة. تشمل آثار القسطل مجموعة واسعة من المواقع، مثل القصر المركزي والحمامات، بالإضافة إلى خزان ومسجد وبيوت صغيرة ومقبرة وسد، وبه أقدم مقبرة إسلامية في الأردن. القصر المركزي مزخرف بالنقوش الحجرية وفيه اثني عشر برجا، شبه دائري لدعم وحماية الجدران. تضم ساحة القصر خزانا مركزيا للماء، وتشاهد بقايا المسجد شمال القصر المركزي. ويرجح أن موقع القصر الأصلي كان غسانيا، وأن جبلة بن الحارث الأمير الغساني هو بانيه. وقد كشف أعمال التنقيب في الموقع عن بقايا مسجد ومئذنة، وقد تكون أقدم المآذن في المملكة الأردنية للفترة الأموية».

أنقاض قلعة قديمة
أما الرحالة ه. ب. تريسترام فيقول عن القسطل في كتابه «رحلات في شرق الأردن عام 1872م: «وصلنا القسطل، ووجدتها تختلف عن سائر الآثار التي زرتها إلى الآن بالأردن، فقد وجدت الأكوام الأثرية العادية والكهوف، والحيطان، وأعداد لا تحصى من الأقواس تمتد فوق الجانب الغربي من التل، ويبدو بوضوح أن الجانب الغربي مبني على أنقاض قلعة قديمة محكمة البناء، وربما فوق قلعتين، والتي لا تزال أجزاؤها الشمالية في حالة ممتازة وإن كانت صغيرة. وتبلغ مساحة قلعة القسطل 30 * 20 ياردة، وهي ذات زاوية واسعة شبه دائرية تقع في القرنة الشمالية الغربية، محاطة بدربزين وأعمدة مستطيلة مربعة ذات ثنيات وأخاديد على الطراز الكورنثي، يقود إلى بيت درج لا زال قائما حتى الآن، وفي داخل الجزء الجنوبي من الحائط هناك تجويف مشكاة-محراب، وعمودان من الرخام النقي الأبيض، مطروحان أرضا، ويبدو أن هذه المنطقة مملوءة بمواد قاسية صلبة بنيت بعد الانتهاء من انشاء القلعة. ويبدو أن البناء كان في الأصل معبدا محصنا، وهو من ضمن تحصينات القلعة الرئيسية، يقف هذا المعبد على قمة التلة، وهو إلى الجنوب مباشرة من التل أو البناء الآخر، وهو بمساحة 84 ياردة مربعة، وقد شاهدت قواعد حصينة حول البناء، مبنية من مواد صلبة وقوية سماكة ستة ياردات، ويفصل بينهما 14 ياردة. ولهذا البناء مخزنان على الأقل، لم يبق منهما إلا المخزن الأسفل بأساساته، مع عدد من القناطر في الغرف العلوية. أما العنبر أو الردهة فتمتد بالكامل حول جدران القلعة من الداخل، مع إبقاء مساحة مفتوحة في الوسط، حيث لم يزل يقف فيها عمودان حتى الآن، ولم يزل نفق الردهة الخفيضة باقيا على حاله حتى يومنا، بينما يتميز العديد من المواد الصلبة بنصوص نبطية، وعليها كالمعتاد وسوم القبائل. أم في الطابق الأرضي فيوجد ثلاثة عنابر رئيسية خاصة في الجوانب الجنوبية الغربية والشمالية،ن وفي كل منهما غرفة صغيرة تفتح على الجانب الذي يليها عبر أبواب منخفضة مع قناطر مستوية في أعلى الأبواب، لا تتجاوز ارتفاع الرأس. أما الردهة الموجودة في المخزن العلوي، ففيها باب مقنطر شبه دائري مبني من مادة صلبة، مبني جيدا، أما مسطح العنابر السفلي الجانبية فيبلغ 8 * 6 ياردات، حيث تفتح جميعها على الساحة الرئيسية. أما المدخل فيأتي من الشرق، ويبدو أن القلعة القديمة قد بنيت كبيوت في زمن الإمبراطورية النصرانية، وأنه تم ارتكاز هذه الأقواس، وأشباه الأقواس عليها من كل جانب مثلما هو الأمر في أم الرصاص. وهناك جزء كبير من المدينة القديمة في الجانب الشمالي الغربي حيث توجد الأقواس والقناطر المعتادة مع وجود بعض بقايا الهندسة الإغريقية المتمثلة بالمعبد الذي يتميز بفن النحت والزينة».

الحارث بن جبلة
ويشير مصطفى الدباغ في بلادنا فلسطين إلى أن القسطل «تحريف كلمة Castle الافرنجية بمعنى القلعة، تقع على مسافة 30 كم جنوب عمان. ينسب بناء القسطل إلى الملك الغساني الحارث بن جبلة نحو(529-596م)، وأما بقايا حصنها فيعود إلى قلعة رومانية شيدت من الحجارة الضخمة. إن الوليد الثاني/ الخليفة الأموي الذي عاش سنين طويلة في بادية الأردن كان ينزل القسطل وأسكن بنيه فيها».

فرسان دلماشيا
وحول الحارث بن جبلة يقول فريدريك ج بيك في كتابه (تاريخ شرقي الأردن وقبائلها) بأنه «بلغ الغساسنة أوج مجدهم في عهد الحارث الذي كان من القوة بحيث كانت كلنته تذهب تشريعا يعمل به من شمالي سوريا إلى الجوف وربما إلى تيماء أيضا. وينسب إلى هذاالملك بناء القسطل والزرقاء وقد يكون هو الذي بنى قصر المشتى وحمام الصرح في البلقاء، وأذرح والجرباء ومعان القديمة التي هي الآن خرائب تعرف بالحمام..».. وقول فريدريك ج بيك في موضع آخر من كتابه حول القسطل أنه «يقول أحد الثقاة أن قلعة القسطل بنيت بين عام 400 و 500 بعد الميلاد. ومن الصعب جدا أن نفهم لماذا لم تشيد هذه القلعة في زيزياء مع انه كان بها حامية من فرسان دلماشيا وخزان مياه كبيرة. وعدا ذلك فقد كانت زيزياء من المدن العظيمة أيام الرومان وكثير من أبنيتها ظل قائما حتى عام 1834 عندما أتى ابراهيم باشا وهدمها. ويقول مؤرخو العرب ان باني القسطل هو الملك الغساني الحارث بن جبلة (531-571) وهذا يعلل مركزها لأن الملك العربي يفضل طبعا (حصن الخان) الذي يبعد عن المدينة الرومانية زيزياء وحاميتها».


القسطل.. قصر الغبار الساطع!! (3) 

 

<a href='http://openx2.dot.jo/www/delivery/ck.php?n=a371df61&amp;cb=INSERT_RANDOM_NUMBER_HERE' target='_blank'><img src='http://openx2.dot.jo/www/delivery/avw.php?zoneid=63&amp;cb=INSERT_RANDOM_NUMBER_HERE&amp;n=a371df61' border='0' alt='' /></a>
صورة
كتابة وتصوير: مفلح العدوان - ما زلت في رحاب آثار القسطل، أتأمل حجارتها، وأتعمق في تصفح كتاب تاريخها، ولكي لا أغفل جانبا من زخم الإرث الذي أرى، أحاول تلمس غير مرجع، وكتاب، وبحث، يكون فيها ومضات من ألق هذا المكان.
ومما عدت إلى قراءته مرة أخرى، في هذا السياق، كتابة مهمة للدكتور غازي بيشة، عنوانها «مئذنة القسطل: أقدم مئذنة قائمة في العالم الإسلامي.. أهميتها ودلالتها»، نشرت في مجلة آثار، التي تصدرها دائرة الآثار العامة، في العدد الخامس عام 2002م، حيث يقول الدكتور غازي بيشة في مستهل كتابته: «بالرغم من أن المئذنة القائمة عند الزاوية الشمالية الغربية للساحة التي تتقدم مسجد القسطل كانت معروفة منذ القرن التاسع عشر، وبالرغم من أن مخطط هذه المئذنة كان قد رسم من قبل الباحثين الألمانيين برونو ودوماسفكي في عام 1897م، وظهر في كتابهما القيم (الولاية العربية) الذي نشر في ستراسبورغ عام 1905م، فإنها لم تحظ ولو بإشارة واحدة في الدراسات الكثيرة التي تتناول المئذنة الإسلامية وأصولها المعمارية. ومما يبعث على الاستغراب أن الدراسات الحديثة للقصر الأموي والمسجد التابع له في القسطل أغفلت أهمية هذه المئذنة وما قد تلقيه من أضواء على النظريات العديدة المتعلقة بتاريخ ظهور المئذنة الإسلامية كمعلم معماري واضح والأصول التي اقتبست منها».

المنارة.. وأسوار المدن
ويضيف الدكتور غازي بيشة في بحثه المهم حول مئذنة مسجد القسطل، بأنه «في أحدث دراسة مستفيضة للمئذنة نشرتها جامعة اكسفورد في عام 1989م ضمن سلسلة دراسات في الفن الإسلامي توصل الأستاذ جوناثان بلوم إلى نتيجية مفادها أن (المنارة/ المئذنة شيدت ليس في القرن الأول الهجري بل في نهاية القرن الثاني، وأن أول ظهورها كان في حوض بلاد ما بين النهرين في العصر العباسي، وليس في سوريا في العصر الأموي، وأنه في البداية لم تكن لها أية علاقة بالأذان). من الصعب موافقة المؤلف على كل هذه النتائج وإن كان صحيحا أن المئذنة كعنصر معماري وظيفته الأذان لم تكن شائعة في بلاد الشام خلال العصر الأموي، حيث كان الأذان يؤدى في الغالب على أسوار المدن. لكن هذا لا يمنع وجود بعض المآذن كمئذنة القسطل».

علاقات معمارية
وبعد ذلك يكمل الدكتور بيشة وصفه لمئذنة القسطل، بقوله «تتألف مئذنة القسطل التي شيدت باستعمال كتل حجرية مشذبة من الحجر الجيري الصلب من قاعدة مستطيلة أبعادها 4.90*2.60م أقيمت فوقها بدنه أسطوانية قطرها 5م. تنتهي البدنه الأسطوانية بشريط زخرفي (كورنيش) بارز تشكل قاعدة لسبعة أكتاف لاصقة (pilasters) كورنثية، ويبدو أنه في الأصل كانت توجد حنيات بعضها صماء وأخرى مفتوحة، بين هذه الأكتاف. أما الدخول إلى المئذنة فكان عبر بوابة فتحت في الجانب الشرقي وتؤدي إلى درجات ترتقي بشكل حلزوني إلى الأعلى. وحتى فترة قريبة كانت هذه الدرجات تبدو مرتفعة قليلا فوق مستوى الكورنيش. كل هذه التفاصيل تستدعي اعادة النظر في النتائج التي توصل اليها الأستاذ جوناثان بلوم في دراسته الجادة، كما تستوجب الاعتناء بهذه المئذنة الفريدة والإسراع في ترميمها وتقويتها قبل أن يلحقها مزيد من الخراب».
ثم يورد الدكتور غازي بيشه في بحثه إشارات تاريخية، وأخباراً قديمة، وأبياتاً شعرية، في تفنيده لما توصل اليه جوناثان بلوم حول المآذن، إلى أن يصل إلى خاتمة البحث، حيث يقول: «من كل ما سبق يمكن استخلاص نتيجتين: الأولى أنه كان في العراق عدة منارات منذ بداية القرن الثاني الجري وربما قبله. والثانية أن المنارات الأولى لم تتبع في تخطيطها نموذجا واحدا فقد تكون مربعة أو أسطوانية أو حتى متعددة الأسطح. ونظرا للعلاقات الوثيقة التي كانت تربط البلقاء بالعراق خلال العصر الأموي فإنه من المحتمل أن تكون منارات العراق هذه –كمنارات البصرة- النموذج الذي احتذي عند بناء مئذنة القسطل-أقدم مئذنة قائمة في العالم الإٍسلامي».

الوادي
أتجول في القسطل، وأصل إلى أعلى منطقة فيها، لكنني أرى الوادي المحاذي لها، وحين أقلب صفحات كتاب «عمان وجوارها» للدكتور نوفان الحمود السوارية، أقرأ إشارة إلى وادي القسطل، حين يومىء إلى أنه «يمر في القسطل وادي أم العمد الذي يتشكل في البداية جنوب خربة اليادودة، متجها جنوبا منها وسط سهول واسعة فاصلا جنوب أراضي الطنيب في الغرب عن أم العمد في الشرق، ويحمل إسم وادي القسطل بعد خروجه من خربة القسطل، ويرفده من الجهة الشرقية وادي السفوق ووادي القليب، وتلتقي هذه الأودية معا مشكلة المصدر الرئيسي لما ء بركة زيزياء. كما يورد في ذات الكتاب إشارة إلى بركة القسطل والتي تعد من برك طريق الحج».

الوليد
كما أن الحديث عن نمط المعمار في القسطل يمر عليه أيضا فريدريك ج بيك في كتابه «تاريخ شرقي الأردن وقبائلها» بقوله أنه «لا يوجد بناء يتجسم فيه الطرز الشرقي أكثر من القلاع والحصون التي بنيت على حدود شرقي الأردن بعد أن مر زمن على احتلال الرومان لهذه البلاد. فالتطور الذي حدث بهندسة البناء وطرازه من روماني صرف إلى شرقي بكل معنى الكلمة يشاهد جليا في الفرق بين قلعة أذرح التي بنيت حوالي عام 106م وقلعة القسطل التي لا يرى الإنسان في شكلها أو هندستها عنصرا رومانيا أبدا».
وهو أيضا في موقع آخر يقول حول قصر القسطل بأنه قد «استقر ابنه (المقصود هنا يزيد بن عبد الملك) الوليد في القسطل والأزرق اللذين لم يبدل الأمويون من طرازهما الرومي شيئا لأنه لا يوجد في القسطل ما يدل على أن الأمويين غيروا فيها شيئا»!!.
 لواء الفرسان
يذكر فريدريك بيك القسطل في تفصيلة سريعة عند هزيمة الجيش التركي في الحرب العالمية الأولى، حيث يقول «تحرك الجيش الرابع شمالا وابتعد عن متناول قوة تشايتور الاستطلاعية التي كانت تنتظر قدوم الفيلق التركي الثاني من الجنوب. وفي 28 أيلول (1918م) قدم هذا الفيلق بعدته وعديده وجميع القطعات العسكرية التي كانت في جهات معان ونزلوا جميعا في قرية زيزياء. طلب الانكليز من القائد التركي أن يسلم فرفض ولكنه سرعان ما عدل عن رفضه وأجابهم إلى طلبهم. عندها سار لواء فرسان الاستراليين إلى القسطل لحماية الأتراك المقهورين الذين بيت الأهلون على الإنقضاض عليهم والتنكيل بهم. ثم سيقت الأسرى وعددهم 4000 إلى عمان مع 23 رشاشا. أما القائد فقد حمل بسيارة.».

مساكن بين الآثار
وحول جوانب من الحراك الاجتماعي، المحيط بقصر القسطل، والآثار هناك، يمكن الالتفات إلى ما كتبه الدكتور نوفان السوارية في «عمان وجوارها»، في أنه «بنى الشيخ فواز الابن الأكبر للشيخ سطام الفايز بيتا له على أنقاض قلعة. وسكن عدد من الفلاحين الذين قدموا من قرى نابلس والقدس في هذه القرى ما بين السنوات 1315ه/1897م-1331ه/1912م، وبدأوا بزراعة الأرض وإقامة المساكن لهم، في الوقت الذي أبدى فيه بنو صخر عزوفا عن الاستقرار في هذه القرى، تاركين زراعة الأراضي التي حولها للفلاحين الجدد مقابل جزء من ناتجها..».
ويشير السوارية إلى أدبيات الرحالة التي وثقت جوانبا اجتماعية وحياتية للقسطل، في الفترة بين 1897 إلى 1912م، حيث «تذكرت بيل أنه أنه في سنة 1323ه/1905م انتقل عدد من العائلات تقدر بين 40-50 عائلة معظمها من قرى القدس والخليل واستقرت بقرية القسطل عند قبيلة الفايز من بني صخر، واتخذت مساكن لها بين أثار القسطل، وقد رجع بعض هذه العائلات من حيث أتت سنة 1331ه/1912م».

أراضي زراعية
هذا المفتتح الاجتماعي يفضي إلى حديث مهم حول عشائر بني صخر، وجوانب من ذاكرتها، وبعض تفاصيل عن تاريخها، حيث يمكن البدء مما كتبه الدكتور نوفان حمود السوارية في كتابه «عمان وجوارها خلال الفترة (1281ه/1864م-1340ه/1921م)» حول بعض أماكن تواجد عشائر بني صخر، وهنا يوثق بأن عشائر بني صخر «حصلت على أراضي زراعية في مناطق مختلفة وفق التوزيع التالي: الفايز: خربة أم العمد والجيزة والقسطل وجويزة ولبن وجاوا وصوفة والطنيب وبرزين وما يحيط بها. الحيدر: قرية سالم وما يحيط بها. الكنيعان الفايز: خربة منجا وما يحيط بها. طراد بن زبن: خربة نتل وما يحيط بها. فالح (فلاح) بن شلاش: خربة حوارة وما يحيط بها. مناور بن فهار: خربة جلول وما يحيط بها. متعب بن جريد: خربة أم قصير وما يحيط بها. قفطان بن عرار الحامد: خربة المريجمة وما يحيط بها. عيد الرديني: خربة الدليلة الغربية وما يحيط بها. ابن الرويعي: خربة صوفا وما يحيط بها. زيدان الحامد: خربة سطيحة وما يحيط بها. ضيف الله المور: خربة أم الرصاص وما يحيط بها. عيال فارس: خربة المريجيمة الغربية وما يحيط بها».

«دفتر يوقلمة»
أما حول أراضي القسطل وتسجيلها باسم الفايز من بني صخر، فيورد الدكتور نوفان السوارية، جدولا لأراضي بني صخر، مستخرجا اياه من «دفتر يوقلمة ودائمي، السلط سنة 1313 مالية 1897م، ص 57؛ يوقلمة، بني صخر 1313ه/1897م، ص5-12؛ ص15-16؛ يوقلمة ودائمي، بني صخر-وادي السير 1892، ص6-23»، وفي هذا الجدول يظهر أن «قرية القسطل، 6000 دونم، والمتصرف بها كل من فايز وفواز ونواف أبناء سطام الفايز. كانت تحت تملكهم ومضى على ذلك أكثر من 10 سنوات».

 

تعليقات