التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المشتى.. لغز الواجهة المسروقة!! ... من بوح القرى لمفلح العدوان




صورة 
 
 
كتابة وتصوير: مفلح العدوان - مشحونا بحالة احتجاج على ما كان، أكتب البوح هذه المرة..  هي هكذا، وليعذرني أهل المنطقة التي أكتب عنها، إن أفسحت مساحة للمكان على حساب الإنسان فيها، فما كان من حَدَث، وقع، في مرحلة من تاريخ الدولة العثمانية، كان فيه تجاوز على حقوق التراث الإنساني، وتجاوز على هذه الأرض الطيبة، وتجاوز على إنسانها الذي صنع تاريخها!!
«كان يا ما كان..».. كان هناك سلطان، وكان اسمه السلطان عبد الحميد الثاني، قدم للألمان هدية ثمينة، عزيزة على العارف قيمتها، كانت الهدية عبارة عن إرث معماري ساحر الجمال، فريد الهندسة، فيه ابداع يفوق الخيال، هذا الإرث هو واجهة قصر المشتى، قدمه السلطان عبد الحميد الثاني، آنذاك، كعنوان تحالف أدى في النهاية إلى انهيار الخلافة، وتقاسم أراضيها بين خصومه الذين لم يكونوا أصلح حالا بالنسبة لنا من الخاسرين!!

الهدية
هذه المرة أكتب في «بوح القرى» عن حكاية تاريخ تتواصل خيوطه، بقصد، أو بعفوية، لا فرق، بدءا من تاريخ اكتشاف هذا الأثر العتيق، مرورا بتلك اللحظة التي أمر فيها السلطان عبد الحميد ا لثاني أن تفكك واجهة قصر المشتى، وتهدى إلى ألمانيا، وتحفظ في متحف هناك، ثم بعدئذ بعشرات السنين، تدور عجلة الزمن إلى ما بعد الألفية الثانية، وتأتي فرقة آثار تابعة لجامعة ألمانية، مدعومة من الدولة الألمانية، لتقوم بترميم واجهة قصر المشتى.
ترى هل حدث كل هذا صدفة، على قارعة شارع الزمان؟ أم أنه كان أسهل وقعا، وأعمق دلالة، وأحفظ لماء الوجه لو تم استرجاع الواجهة المعمارية الأصلية لقصر المشتى، بحفل مهيب، يليق بتاريخه، والاعتذار لأهل هذه الأرض، عما كان من إساءة بدرت من قريب في العقيدة، والدم، استعد أن يجامل على حساب التاريخ، والذاكرة، وبتنازل عن هذا الإرث، متحالفا في تلك الإساءة مع غريب، قناص، كان حاضرا بقوته، وجبروته لتقبل هذا العرض، وتبنيه، وتأدية الفعل حتى آخر لحظة في عملية سرقة ثقافية، تراثية، إنسانية، تآمر عليها أولو الأمر فينا، والغرباء المتربصون لنا هناك.

وداعية الضيف
نعم.. أكتب، عن قصر المشتى، بعد أن أوصلت غريبا، كان ضيفي، إلى المطار، وقد كنت تعاملت معه بكل انسانية، وتسامح، وود، وبنوع من الاحترام المتبادل، وهو أيضا بادلني الانسانية بمثلها، حال أي انسان، لم أتنازل له عن باب بيتي، عندما استضفته، ولا عن سيارتي حين أوصلته، كانت حالة فيها روح حضارية، وانسانية، ونبض تسامح، وتقبل من الطرفين.
هذا الحال ربما فيه واقعية ومنطق بين البشر الأسوياء، وبشكل فردي، غير أنه عندما يتحول إلى صيغة جماعية، أو بين دول متحالفة، أو متناحرة، يكون الحال مختلفا، وهذا ما كان في عام 1903م، حين كانت المؤامرة على قصر المشتى، بعد أن كانت المؤامرة على الانسان في المنطقة، في تلك الفترة.. أوصلت ضيفي الغريب، وعدت من مطار الملكة علياء الدولي، وأنا مصمم على مشاهدة قصر المشتى، وواجهته المزيفة، الآن، ومع الوقوف على تلك الأطلال، أسرد سيرة المكان، وحكاية الواجهة المسروقة، والقصر الذي ما زال تاريخه يشكل لغزا، ومجالا رحبا للباحثين، والدارسين، والعلماء، والآثاريين، والمؤرخين.

اعتذار سرّي
عائد بعد جسر المطار، باتجاه عمان، والدرب راسخ في ذهني، واضحة معالمه أمامي إلى المشتى، حيث أنها عدة كيلومترات هي التي تفصل هذا القصر عن المطار، فقلت أرى ما حال هذا القصر التي تآمرت عليه إمبراطوريات، وهناك اعتذار سري تتم صياغته الآن، ولكن دون أن يشير إليه أحد، إذ أنه منذ أكثر من أربع سنوات هناك بعثة ألمانية تقوم بترميم، وإعادة بناء هذا القصر، خاصة واجهته التي أهداها السلطان عبد الحميد الثاني إلى الألمان.

لحظة الوصول
 الدرب واضح أمامي: ها أنا عائد من مطار الملكة علياء إلى عمان، الجنوب، كل الجنوب، وراء ظهري، وأسير شمالا بضعة كيلومترات، ثم أسلك دربا تتجه شرقا، وإلى الغرب هناك قرية القسطل التي زرتها قبل أسابيع، أول الطريق بهذا الاتجاه يصادفني عن يميني بئر ماء ارتوازي، تصطف فيه كثير من الصهاريج التي تنقل الماء منه إلى المنازل، والمصانع، والمزارع، والبيوت، والفنادق القريبة، أسأل أحد السائقين لذلك الصهريج عن الدرب التي توصل إلى قصر المشتى في هذا الاتجاه، فيحدد بأن المسافة غربا هي بين خمسة إلى ستة كيلومترات، ويكون بعدها الوصول إلى قصر المشتى.. أشكره، وأتابع المسير.. شاحنات كبيرة، سيارات، صهاريج ماء، أمامي وبجانبي على طرفي الطريق مصانع، شركات، أرصفة، أراض مشاع، مزارع..
أسير حتى أصل مسجد هو جزء من مصنع في المشتى، وعلى مرمى النظر من هناك أرى القصر بأبنيته، والشيك المحيط به، فأنزع للاستدارة حوله، ذلك أن بوابته الحديدية الرئيسية كانت مواربة، ولا أحد هناك، ولكن عند الشيك ا لخلفي لقصر المشتى، كان هناك حارس من أهل المنطقة، ألقيت عليه السلام واستقبلني بابتسامة دافئة، وكان الغروب يوشك على الحلول فاستأذنه بأن ألتقط بعض الصور للقصر قبل أن يحل الظلام، وبعد ذلك أجلس معه للحديث قليلا عما تيسر من حكاية القصر، والتنقيبات هنا، والأهل المحيطين بهذا المكان، وهذا ما كان!!

التسمية.. الموقع.. الأحواض
ها أنا أتأمل قصر المشتى، هناك، جنوب شرق عمان، على بعد حوالي 32 كيلومترا.. هناك.. إلى الجنوب الغربي من الموقر على بعد 10 كم، حيث هو محاذ لمطار الملكة علياء الدولي.
ها أنا في المشتى، وأستعيد تداعيات الاسم، وتلك المناطق التي تقع تحت اسم المشتى، كما أشار اليها الباحث الأستاذ ركاد نصير في كتابه «المعاني اللغوية لأسماء المدن والقرى وأحواضها في المملكة الأردنية الهاشمية» حيث قال بأن «المشتى: شتى بالبلد: أقام فيها شتاء، والمشتى: موضع الإقامة في الشتاء». أما أحواض المشتى فهي على النحو التالي: «حوض الفجّ: الشِّعب الواسع؛ الطريق الواسع بين جبلين أو في الجبل أو ما كان بين حائطين أو ما انخفض من الطرق، أو كلّ طريق معبّد. حوض العبر: عَبر الوادي وعِبره: شاطئه وناحيته. حوض الظهرة: ما غلظ من الأرض وارتفع. حوض المنشية: نشا في بني فلان: كبر ونشأ، ونَشؤ: حَييَ، ربا وشبّ».

من الأردن إلى ألمانيا
أتتبع ما كتبه المؤرخون عن هذاالمكان، فأستعرض ما أشار اليه الدكتور محمد عبده حتاملة في الجزء الثالث من «موسوعة القرية الديار الأردنية»، حيث قال بأن «قصر المشتى هو قصر أموي بناه الخليفة الوليد بن يزيد بن عبد الملك (125-126ه/743-744م).. يمكن الوصول اليه من عمان عبر طريق عمان-معان حيث يتجه الزائر يسارا عند اليادودة، ثم ينعطف يسارا عند قرية الطنيب، ثم يصل إلى قصر المشتى. وهو قصر فسيح قريب من مطار الملكة عمان الدولي، ويعتقد أنه واحد من قصور الصيد العديدة التي أنشأها الأمويون.. وأعظم ما في قصر المشتى من الناحية الفنية هو الزخارف المحفورة في الحجر الجيري، في الواجهة الجنوبية التي يقع بها المدخل، وكان ارتفاع هذه الواجهة ستة أمتار.. وقد أهدى السلطان العثماني عبد الحميد سنة 1903م هذه الواجهة إلى حليفه الألماني القيصر غيلوم، حيث حفظت في متحف القيصر فريدريك في برلين، وأصبحت نواة القسم الشرقي في المتحف المذكور. وتنقسم الواجهة إلى مثلثات، بعضها قائم على قاعدته، وبعضها الآخر قائم على إحدى زواياه، وفي وسط أحد المثلثات زخرفة كبيرة على شكل وردة، وفي داخلها رسوم مراوج نخيلية، وكيزان صنوبر، ونجوم صغيرة، وأزهار لوتس، ونلاحظ أن المثلثات القائمة على قاعدتها جاءت زخرفتها شبه كاملة، أما المثلثات الأخرى فإن أشكالها وزخرفتها لم تكن كذلك. ويلاحظ أن قصر المشتى يحتوي على بعض العناصر الفنية التي تشبه زخارف قبة الصخرة في القدس الشريف».

سور.. وأبراج
 كما قال العابدي في كتابه «الآثار الإسلامية في فلسطين الأردن» حول قصر المشتى، بأنه «يتكون من بناء مربع طول ضلعه (144) مترا ويحيط به سور، وفي كل زاوية من زواياه الأربع برج ناتئ على هيئة نصف حلقة. وفي واجهته الجنوبية أربعة أبراج مستديرة. وفيها مدخل القصر، وتمتاز هذه الواجهة بزخارفها التي جاءت على شكل حرف (W) وقد برزت نقوش تمثل طائر الزرزور والأسود المجنحة، والجاموس والغزال والنمر والطاووس والحجل والببغاء، تراها كلها تشرب من كؤوس الماء أو تنقر من حب العنب وكيزان الصنوبر وكلها ضمن إطارات تشبه المثلثات تزينها أزهار بشكل مروحة نخيل أو النجوم الصغيرة. ويتألف قصر المشتى من حظيرة مسورة بجدار وتبلغ مساحتها حوالي (150) مترا مربعا يحف بها على الطرفين برجان نصفيان. وقد قسمت من الداخل إلى ثلاثة أجزاء ظاهرة ومتساوية الجزء الداخلي موقع لجناحين من الأبنية-احدهما يضم مسجدا عند البوابة الكبرى، وباحة تبلغ مساحتها زهاء (60) مترا مربعا وكان فيها شادروان يتدفق الماء منه، ويوجد بين الجناحين ممر مقنطر يوصل بينهما، والقاعة الرئيسية هي قاعة الاستقبال الكبرى، وتحتوي هذه الأبنية على مجار صحية للتهوية». أما يحيى جبر في «معجم البلدان الأردنية والفلسطينية حتى نهاية القرن الهجري السابع» فيقول فيه عن قصر المشتى أنه «يعود تاريخه إلى أيام الوليد بن يزيد، وهو مبني على شاكلة قصر الطوبة، وقد اهدى السلطان عبد الحميد إلى حليفه غليوم الثاني قيصر ألمانيا عددا من المنحوتات التي عثر عليها فيه».


سيرة قرية المشتى



تقع قرية المشتى جنوب شرق عمان، على بعد حوالي 32 كيلومترا، وهي إلى الجنوب الغربي من الموقر على بعد 10 كم، وتحاذي مطار الملكة علياء الدولي، وتتبع لواء الجيزة، وهي من ضمن حدود أمانة عمان الكبرى، داخل محافظة عمان العاصمة.

الديموغرافيا:

يبلغ عدد سكان المشتى 272 نسمة ( 194 ذكورا و 78 اناثا) يشكلون 34 أسرة تقطن في 60 مسكنا.
* توجد في المشتى مدينة صناعية، وكثير من الشركات والمزارع.
* تعتمد قرية المشتى في الخدمات على القرى المجاورة.
* يوجد في المشتى مسجدان، واحد في القرية، وآخر تابع لأحد المصانع.

تعليقات