إبراهيم الخطيب.. شاعر القلوب وصوت البسطاء

صورة 
 
هزاع البراري - ينتمي الشاعر والطبيب إبراهيم الخطيب، إلى الشعراء المقربين من الناس على اختلاف مستوياتهم، نابت من الجرح العميق، حيث فلسطين ألم يتكاثر في فضاء الروح، جرح يتعتق مع الأيام ويزاد نزفه كلما مر زمن جديد، فقد حمل الخطيب في هاجسه وقلبه وجع فقدان الوطن الأول. فضرب في الأرض باحثاً عن طريق العودة وإن طال، وإن حالت دونه جحافل الجيوش البربرية، ومؤامرات العالم الغربي وتواطؤ العالم الشرقي، لكنه رغم ما حمل من ذكريات حزينة، وقلب مجرح بالهجرات، بقي محباً للحياة والفرح، جاعلاً من شعره قبساً يجتمع حوله الخلان والعشاق والقراء، فهو من واجه الألم بالفرح، والوجع بالشعر، والواقع الصعب بالإصرار والعمل الدءوب، فحقق بالعلم ما كان يصبو إليه، ووصل بالشعر إلى آفاق الحلم.

ولد الشاعر والطبيب إبراهيم الخطيب في الزمن الصعب، حيث كانت فلسطين في مرمى النار وما زالت، ففي عقد الثلاثينيات من القرن الماضي، كان العرب في فلسطين يواجهون عصابات الصهاينة ومن خلفهم الإنجليز بالثورة المسلحة، مقدمين قوافل الشهداء الذين لم ينقطع مددهم منذ تلك الفترة، فقد ولد في قرية « قومية « الفلسطينية عام 1938، ولعله كان يحمل من اسم قريته الشيء الكثير، فقد كان قومي الفكر والتوجه، وبقي مهتماً وحاملاً للقضايا العربية الكبرى، حيث أدرك مع كثير من القوميين العرب، أن السبيل الوحيد في خلاص العرب وازدهارهم في الوحدة العربية الكاملة، لذا تفاعل مع ما جرى على الساحة العربية من الخليج العربي وحتى شواطئ المحيط الأطلسي.
عاني إبراهيم في طفولته وشبابه الباكر من صعوبة الحياة، فقد خلفت النكبة الفلسطينية ونكستها، آثارها العميقة في نفسه ومفاصل حياته، ونتج عنه أن اضطر مع عائلته لمغادرة قريته « قومية « وما ترب على هذا الواقع الجديد من شقاء ومصاعب، لكنه مع ذلك لم يغادر صفوف الدراسة، وواصل مسيرة تلقيه العلم والمعرفة، إلى أن تمكن من نيل الثانوية العامة بتفوق، لكنه مع ذلك لم يتمكن من إكمال دراسته الجامعية مباشرة، نظراً للظروف الحياتية الصعبة، فاتجه إلى العمل، مواجهاً مكابدات سوق العمل بعمر مبكر، فانتقل إلى السعودية، حيث عين مدرساً في مدارسها، وكانت هذه عبارة عن رحيل جديد ومعاناة أخرى، لكنه حولها إلى طريق نجاح طويل، فقد بقي حلمه في الدراسة الجامعية الهدف الذي كرس له عمله خلال هذه الفترة، فعمله في مداس السعودية إلى مدة سبع سنوات، ساعده في تحقيق هذا الحلم.
بعد عمله مدرساً في السعودية لسبع سنوات، التحق إبراهيم الخطيب بجامعة دمشق في سوريا، حيث انتقل للإقامة في دمشق، التي تعد حاضرة عربية زاهرة، وعامرة بالنشاط الثقافي والفكري، وقد التحق بكلية الطب في جامعة دمشق، وخلال دراسته برزت موهبته الشعرية بشكل أكثر نضجاً ووضوحاً، وقد تعرف على عدد كبير من الشعراء والكتاب العرب في دمشق، وبدأ بالنشر في الصحف والمجلات العربية، كما تشبع بالروح القومية السائدة، وانعكست في شعره وتوجهاته، حتى أنه نال عضوية اتحاد الكتاب العرب، وتمكن من إنهاء دراسته حاصلاً على بكالوريوس الطب عام 1973، ليتغير بعد ذلك مسار حياته العملية، كما هي قصائده التي أخذت نكهة الحياة بكل تحولاتها.
عاد إبراهيم الخطيب إلى مدينة اربد، حيث بادر بافتتاح عيادته، وليواصل متابعاته العلمية، حيث نال البورد الأمريكي في أمراض النساء عام 1981، وقد عرف طبيباً بارعاً في اربد، كما لمع اسمه كشاعر بمذاق خاص في المحافل العربية والمحلية، وتميز بتواضعه وحبه للناس والحياة، وعشقه للفن الأصيل، وقد عبر عن ذلك من خلال إتقانه العزف على آلة العود، فجمع بين الشعر والموسيقى والطب، وعرف بقدرته على بناء الصداقات القوية، وكان رغم انشغالاته كطبيب، فاعلاً في الحياة الثقافية، حاضراً في الأمسيات والندوات، ومشاركاً في المهرجانات المحلية والعربية، مما جعل له مكانة يشار إليها في المشهد الشعري الأردني، فاستمر طوال حياته يمارس الطب ويكتب الشعر، ويهتم بالنشاطات الاجتماعية والنقابية، فقد تميز بجلده وحبه للعمل والشعر والفن.
كان الشاعر إبراهيم الخطيب ينشر قصائده في المجلات والصحف المحلية والعربية منها مجلة « فلسطين الثورة « والمجلات السورية، كما أصدر عدداً من الدواوين الشعرية، وحظيت تجربته الشعرية باهتمام النقاد والإعلاميين، حيث كتبت دراسات عديدة عن شعره، وقد كانت له مشاركة واسعة في مهرجان جرش، وفي مهرجان المربد في العراق، حيث كان يقرأ في الافتتاح، وتحولت عيادته مع الأيام إلى ملتقى أدبي كلما سنحت الفرصة لذلك، وكان فاعلاً أيضاً في رابطة الكتاب الأردنيين في فرع اربد وفي المقر الرئيسي في عمان، وقد خاض انتخابات رابطة الكتاب، وأصبح عضواً في هيئتها الإدارية، فأصبح أميناً للشؤون الخارجية في الربطة خلال فترة عضويته الهيئة الإدارية.
لم يقتصر نشاط الشاعر إبراهيم الخطيب على رابطة الكتاب، فقد نشط في اتحاد الكتاب العرب في دمشق، وجمعية الأطباء الشعراء، وفي نقابة الأطباء، وهي مؤسسات وهيئات أنتسب إليها، فكان لا يكتفي بالعضوية فقط، بل يبادر بالعمل وتنظيم الأنشطة، ومن أنشطته أيضاً أنه عمل في الكتابة الدرامية للإذاعة الأردنية، فكتب عدداً من البرامج الدرامية، كما نال جائزة أفضل نص مغنى في مهرجان الأغنية العربية عام 2002م، فكثير من قصائده ذات نفس غنائي الكبير، تصلح لتلحن وتغنى، ومؤهلة لتصبح أغنية ناجحة ويحبها الجمهور العربي، فهو يكتب قصيدة التفعيلة وكذلك ينسج على بحور الشعر، ويبتعد في شعره عن اللغة المقعرة والألفاظ الغريبة، مركزاً على أنسابية الإيقاع، وروعة التركيب والصور الشعرية المبتكرة.
أصدر الشاعر والطبيب إبراهيم الخطيب خلال مسيرته الشعرية مجموعة من الدواوين الشعرية منها: غن لي غدي 1984، قناديل للنهار المطفأ 1985، عز الدين القسام 1986، حظيرة الرياح 1986، ألوذ بالحجر 1988، دم حنظلة 1989، وجهاً لوجه 1992، ذيقار الأخرى 1992، سنابل الأرجوان 1993، أرى تقلب حرفك في النساء 1996، عرضة للحياة 1996، وأرى القوافي قد أينعت 2002.
تعرض إبراهيم الخطيب لجلطة دماغية مباغتة، أدخلته في غيبوبة لفترة، ورغم استفاقته منها، إلا أنها تركت آثارها الغائرة في جسده الرقيق، وبقي حبيس البيت يكابد مرارة صوته المحبوس، وحركته المقيدة سنوات، فكان أن خلف ذلك في أصدقائه ومحبيه ألماً كبيراً، فقد ذبل قبل الأوان، وما لبث أن غادر هذه الحياة التي أحبها، وزرع فيها قصائده الخالدة، وأثثها بأنغام عوده الرنان. توفي الشاعر والطبيب إبراهيم الخطيب في الخامس من شباط عام 2011، عن عمر ناهز الثلاثة والسبعين عاماً، لكنه ترك من الإبداع الشعري الجميل ما يبقى يذكر به، وزرع في قلوب كل من عرفه من الحب والوفاء، ما يجعله حاضراً في الذاكرة، لا تغيبه السنين ولا يهزمه الغياب.

hbarari54@hotmail.com

تعليقات