وباء الفضائيات

وباء الفضائيات... بقلم: بكر ابو بكر

بقلم: بكر أبو بكر

 

كان الخوف الأول من انتشار الرائي ( التلفزيون ) مرتبطا بأنه يحرف الأطفال عن دروسهم وأنه يضيع وقتهم في مواضيع غير هامة ، ثم أصبح الخوف من هذا الجهاز على الكبار أكثر منه على الصغار عندما أصبح فضائيا وبدأ يخاطب الغرائز بحدة ناشرا معه الشرائط ( الأفلام ) والمحطات الإباحية أو غير المحتشمة .

وقفز الرائي ( التلفزيون ) قفزة أبعد عندما أخذ بكل قسوة يسيطر على وقت وتفكير وآليات عمل الناس من صغار وكبار لا سيما وانه استطاع أن يبتكر أساليب متطورة لخرق هذه العقول .

ظهر ( تلفزيون ) الواقع الذي يعرض مشاهد تافهة ومبتذلة لمواضيع سخيفة أو غير ذات أهمية إلا قصف الوقت الثمين الذي ندفعه من حياتنا ، وتهديم حوائط الحصانة في ذواتنا ، ظهر هذا الواقع الممثل ليجتاح نسبة لا بأس بها من المشاهدين ونضعهم مع أولئك الذين تفرغوا لمشاهدة الأغاني والشرائط الفاضحة ضمن فئة (المعنفين) أي المعتدى عليهم قسرا من خلال هذا الجهاز .

لقد كتب الكثيرون في خطورة هذا الجهاز من جهة ، وأهميته من جهة أخرى لا سيما في زمن المعلوماتية وتفجر الاتصالات المرتبط بالعولمة حيث أنه أفضل وأعظم وأخطر وسيلة لقولبة العقول ، تلك الجالسة باستسلام تلتهم وجبة العشاء أو المسليات تنتظر أن يتم حشو دماغها وقلبها وروحها بما لا نستطيع دفعة ، أو ترغب بابتلاعه بنهم .

ربما لم يستطع حتى الآن الكثير من المفكرين والمجتهدين والعلماء أن يحددوا حجم الضرر الذي يوقعه هذا الجهاز بالمشاهدين من كافة الأعمار أطفالا كانوا أم كهولا أم شيوخا ، ويحتاج ذلك للكثير من الدراسة والتأني لأننا نلقى بأجيال كاملة في الزبالة أو  نحو الهاوية دون أن ندري .

الجديد في مخاطر التحديق في هذه الشاشة القابعة في بيوتنا  قسرا هو ظهور عشرات القنوات الدينية سواء البوذية أو الهندوسية أو المسيحية أو الإسلامية وبالطوائف المختلفة ، وما يمثل ذلك من لوثة دينية لمن يقلب بأصابعه بين هذه المحطات المتنافرة والمتصارعة والأدهى والأمر أن غالبها يستخدم أسلوب استغباء المشاهد واستسخافه لدرجة افتراضه أنه مجرد متلقي مستسلم كليا ، فتقوم كثير من هذه المحطات بضخ جملة من المفاهيم التي تحرض تحريضا شديدا على قتل الرأي المخالف أحيانا باسم حرية الرأي أوإدعاء الحقيقة المطلقة .

إن الفضائيات الدينية – بعدد هام منها – تمثل خطرا عقليا وروحيا يضاهي خطر تلك المحطات الإباحية المشفرة بل وقد يزيد . إنني أُنبه لضرورة انتباه الإعلاميين والمفكرين والعلماء وأصحاب الرأي لهذه الفضائيات وخطورتها ، ولأكون أكثر تخصيصاً فإن عدد من الفضائيات ( الإسلامية ) تستخدم الدين واللباس الشرعي والقرآن والحديث كغطاء شرعي لمآرب سياسية ولرغبات ذات طابع تسلطي وسلطوي ولأهداف سياسية تخدم هذه الدولة أو تلك أو هذا الحزب أو ذاك من تلك الأحزاب التي تحاول إعادة بناء وجهها القبيح عبر الفضائيات باستغباء الناس واستغلال ايمانهم الفطري  وقصف عقولهم بالأكاذيب مستغلين حالة الجهل والأمية المنتشرة في العالم العربي والإسلامي ، فما دامت الأمة أمة جهالة وأمية فلا بأس من حرف الإسلام الحنيف عن مساره بالآيات والأحاديث الضعيفة أو التفسيرات المتهاونة أو المتشددة ليصبح الشيعي ينفر بقوة من كل صحابي أو تابعي وليصبح كره عمر بن الخطاب وأبو بكر الصديق فريضة دينية ، أو ليصبح في الاتجاه المقابل شتم الشيعة سواء العلوية أو الصفوية سنة محمودة عند البعض .

     ولتصبح السجالات حول أفغانستان وإيران والعراق وفلسطين مرتبطة بآراء التكفير والتخوين للمخالفين تارة بتهم العلمانية وتارة بتهم الردة وكل ذلك في قالب رديء تحت مسمى الرأي والرأي الآخر ما يذكرني بحالة الأمة في ظل (الخلافة الإسلامية) التي لم تكن أبدا موحدة بعد الراشدين حيث اختلطت الآراء وضاعت الأمة بين الفرق والطوائف والمذاهب والتيارات الدينية من مرجئة وقدرية ومعتزلة وشيعة  بفرقها المتعددة وسنة ودروز وقرامطة وخوارج بفرقها المتعددة ، ومدعين نبوه أو مهدوية أو ألوهية فاق عددهم المئات.

أن مثل هذه المحطات الوباء  تنقل الصراع المذهبي من مرحلة التعايش إلى مرحلة التنافر والاقتتال ما يهدد وحدة الأمة العربية والإسلامية أقول الأمة وليس الدولة ( أو الدول ) ، وما سيزيد فرقة وعزلة وتخلف وانحطاط الأمة تلك التي يظن بعض حالميها أنهم يمهدون للدولة الإسلامية الدكتاتورية أو الخلافة بفهمهم الموغل في الظلمة، وهم في حقيقة الأمر يحضرون قبر الوئام والسلام والتسامح والتقارب المجتمعي والتطور الانساني والسياسي والديمقراطي الذي يميز الدين الحنيف .

لقد أثرت الفضائيات عامة تأثيرا كبيرا في المجتمع والأفراد وفق المسارات المتعددة التالية :

1.           قضت على تماسك الأسرة واجتماعها معا حيث اقتطعت وقتاً ثميناً من أوقات الناس.

2.          حطمت العلاقات الطبيعية في كثير من البيوت التي أصبح فيها لكل شخص أو أكثر تلفازه الخاص .

3.          قضت على عادة القراءة التي تفتح الذهن وتعوده على الحوار الذاتي والتأمل والفهم .

4.          جعلت من الأفراد أدوات طيعة ودلاء يصب فيها مواد تسويق المنتجات والأفكار صبا .

5.          أدخلت عادات سلبية مثل قلة الصبر والاجتزاء وميوعة الفكر وانحراف العواطف والعصبية وجعلت من المشاهد مجرد مستهلك للمنتجات التجارية ( أو السياسية ) أو الترفيهية     .

6.          ستنتج  أفرادا بلا روح وبلا عقول ، وستصنع جماعات ضعيفة مفتته.

7.          أعادت إنتاج الأفكار المفيدة والضارة والأحداث التاريخية البائدة والعروض الفاسدة بشكل محبب قريب للقلب .

8.          أدخلت الترفيه كسنة لا يمكن الاستغناء عنها جنبا إلى جنب مع القضايا الجادة ومنها الدينية والعلمية .

9.          صنعت مجموعات من الكسالى المستقبلين غير المرسلين المحدثين غير الصانعين ، الضعفاء غير المؤثرين ما يختلف كثيرا عن مرتادي الشبكة البينية الانترنت .

10.     لا يمكن نفي الايجابيات عن الفضائيات أبدا فهي التي فتحت الآفاق وأزالت السدود ونشرت المعارف الهامة منها والتافهة سواء بسواء وقدمتها لمن يرغب بها .

11.                        أضعفت من المسموع والمقروء حيث تراجعت الكتب و الصحف والإذاعات ليصبح المرئي صانع المستقبل لأجيال حلمت فنظرت الحقيقة في الرائي ( التلفزة ) ، والذي أصبح مصدر المعلومات شبه الوحيد لغالب الناس ومصدر المعلومات الذي يعتد به للأطفال . 

     يعرفون ويهملون ربما أن الفضائيات أصبحت في حقيقة الأمر ساحة حرب والهدف الوحيد لها هو المشاهد ذلك الإنسان السلبي الذي يستباح عقله وروحه وقلبه وهو مسترخي أو مستسلم طبعا بل وحريصا على الاستزادة ولنا فيما حصل مؤخرا من مذبحة في غزة الأمثولة الواضحة.

أن على الكتاب والمفكرين والمجتهدين وعلى المؤسسات والوزارات  والتربويين كما على الحكومات وعلى الآباء مهمات صعبة يجب أن يؤدوها في التفكير وللخروج بحلول لا تستبيح الإنسان بل ترفع من طرائق تفكيره وتزيد من ثقافته لا تفتتها وتحطمها .

أن الخطر يجلس بيننا ونحن عنه لاهون والمستقبل قد لا يبشر بخير أن لم نخطو خطوة ثم خطوات .


تعليقات