( المكمورة ) و ( المسخن ) و ( المجلله ) والاقاليم




( المكمورة ) و ( المسخن ) و ( المجلله ) والاقاليم... بقلم: محمد حسن العمري- صنعاء.!

 

بقلم: محمد حسن العمري- صنعاء.!

ليست وحدها مقالات الجدل الإعلامي في الصحافة الأردنية بشأن الأقاليم التي لا تستهويني بالمطلق، لك ان تسحب عليها ربما ثلثي المكتوب في الصحافة المحلية، التي تحسن نظام (الفزعات)، لكنها تنصفك كقارئ فالعنوان وحده يعطيك تصريحا وانت راغب بعدم الدخول..!

***

هل اتاك نبأ المكمورة؟

عندما غادرت قريتي بداية التسعينات إلى الجامعة الأردنية، نجوت من أكثر الأكلات الشعبية في (اقليم!) الشمال وهي المكمورة، نجوت منها وافتقدتها في ذات الوقت، نجوت منها لانه كانت تغريني بالاكل دون هواده، وتبدأ معاناتي معها اذ يجن الليل، ضيق نفس غير عادي، وحرقة معدة، وعطش شديد: من الامثال المشهورة في اقليم الشمال للذي يشرب ماء كثيرا، يقولون (كأنك ماكل مكمورة)، وشبع يدوم لثلاثة ايام.

او كما كان يقول صديقي القادم الى الجامعة الاردنية من لواء الكورة، المكمورة بتعطيك (جرانتي –يعني ضمان) لمدة ثلاث ايام لا تشرب الا الماء، والمكمورة لمن لا يعرف، اكلة محتكرة بالكامل في اقليم الشمال تبدأ بعد عصر الزيتون في شهور تشرين وتنتهي مع اول الصيف، تبدأ مع عصر الزيتون لانها تستهلك –ربما– نصف ثروة الاقليم من زيت الزيتون الصافي.

ومن نعمة الله ان عصر الزيتون يبدأ مع اول الشتاء، وليس الصيف لو كان الوضع كذلك لتعمقت كارثة المكمورة، من غير الممكن ان تستطيع تحمل وجبة غنية كالمكمورة في حرّ الصيف، ربما تقتلك بالضغط والعطش، وهي تعد على نحو رائع بطناجر طويلة على شكل طبقات من الطحين المعجون بكمية كبيرة من البصل.

واذا اعدت بالصواني سميت مطابقة، ويفصل الطبقة عن اختها لحك ضأن او دجاج والاخير اكثر شيوعا في المكمورة المحدثة شأن منسف الدجاج الذي لا يعرفه الا ابناء (اقليم!) الوسط، وقليم الوسط هذا له قصة اخرى مع الاكلات الغنية ففي صيف حار مما اعتادته عمان اوائل التسعينات قادنا الفضول الى عشاء في مطعم اخر شارع الجاردنز قرب دوار المدينة، كان مكتوب عليه متخصص بالمسخن الفلسطيني، وكانت نتيجة هذا العشاء غياب بعذر نحو اسبوع عن الجامعة، (الجرنتي) التي تحدث عنها صديقنا (الكوراوي) عن المكمورة اضربها باثنين في عدد الايام عن المسخن، والمسخن ذلك الوقت قبل عولمة الانترنت-!!- غير معروف بتاتا في اقليم الشمال، وهو قاسم مشترك لابناء اقليم الوسط، وهي اكلة معروفة لا داعي لتفصيلها ومرد شهرتها انها قادمة من فلسطين، وشتات الفلسطينين جعل منها اكلة معروفة حيثما حللت ورحلت في سوريا والاردن ولبنان ودول الخليج.

 تجدها في قائمة الطعام في المطاعم العالمية باسم مسخن فلسطيني على غرار منسف اردني ، واستطرادا زميل لنا ذهب للدراسة في اليابان وذكر ان شاهد في مطعم يسمى مطعم الامم –نيشن رستورانت- وجبة مكتوب عليها منسف اسرائيلي ، لهذه الدولة التي تسرق كل شيئ ونصالحها ، تسرق الماء والارض والتاريخ ،مثلما اراني صديقي السوري راني مرة اعلانا على الانترنت : يقول اكتشف اسرائيل ،اخر الاعلان ، يقول وتختتم الرحلة في ايلات والعقبة ، غبن فوق الاحتلال ،-انتهى الاستطراد-  واخر محطات الاكل الشهي ( القاتل ) كانت في (اقليم!) الجنوب في اواخر التسعينات ، يومها ذهبت مع صديقي المرحوم الشاب يوسف اسماعيل الزمط –رحمة الله عليه – الذي توفي سنة 2001 في حادث سير فضيع مع اثنين من الصيادلة في طلوع البقعة على ما رويت ، ذهبت مع يوسف الذي كان يعمل معنا في ادوية الحكمة الى العقبة وفي طريق العودة كانت دعوة غداء مع احد صيادلة معان  على وجبة خصنا فيها ، تعتبر سمة عامة لاقليم الجنوب ، اذكر اسمها –المجلله- ولا اذكر الكثير عن تفاصيلها تشبه شقيقتيها المكمورة والمسخن بوجود خبز مخلوط مع اللحم واللبن وكان فيها عدس على ما اذكر واشياء اخرى ، الجوع والتعب قادنا يومها لاكل غير عادي من هذه الاكلة الشهية ، انتهى بماسأة في المعدة عادت ذكريات المكمورة والمنسف ، ولكن ( جرانتي) المجللة لك ان تقول تكفيك شهرا على الماء ليس اكثر..

***

هذا كل ما يحضرني عن الاقليم اليوم ، مكمورة الشمال ومسخن الوسط ومجللة الجنوب ، ثلاث اكلات يفصل بينها خط بسيط وتتساوى في مجملها اللحم والخبز المشبع بالطاقة التي لا تتناسب مع واقع غير نشط للانسان المعاصر ، كانت فيما مضى الطاقة المبذولة في العمل والزراعة تحتم اكلات شهية وغنية مثلها ، واليوم لا يحرقها الا الرياضة التي اصبحت ايضا كالحركة نادرة..

* احببت المكمورة حيث ولدت ، واحببت في حلي وترحالي المسخن والمجللة ، وهذا الحب يفرض عليّ ضريبة في كل جوارحي ادفعها وانا راغب،،،!

تعليقات