مطاعم الأردن الشعبية.. تذوق التراث

هاشم، البابا، العساف، النجاح.. أسماء لمطاعم شعبية شهيرة تنتشر في أزقة العاصمة عمان القديمة، فرغم تطور الزمن وتبدل طبائع الناس.. ما زالت هذه المطاعم قائمة تلبي رغبات الكثير من المواطنين، الذين تعلقت أفئدتهم بمأكولات المملكة القديمة، آخذة على عاتقها أن تحمل صورة عمان التراثية بشوارعها، ومبانيها الحجرية، وأزقتها ..

أيام زمان

ففي مطعم (هاشم) التراثي لازالت مقاعده المتواضعة تحمل رائحة الشخصيات الوطنية القديمة والشخصيات العربية التي طالما جلست عليها وهي تتناول "حمص وفول" المعلم "محمد الترك وإخوانه"، الذين أسسوا المطعم عام 1956.

وعلى جدران المطعم تشاهد صور القيادات الشعبية الوطنية التي لم تستطيع على ما يبدو أن تحرم نفسها من مأكولات "هاشم" التراثية، وأيضا صور لنجوم حاليين مثل صورة الفنان السوري "عباس النوري" صاحب دور "الحكيم" في مسلسل "باب الحارة" وهو يتناول فول "هاشم" على طاولاته القديمة!!.

اللافت للأمر أيضا هو إقدام الشباب والفتيات على مطعم "هاشم"، وعلى غيره من مطاعم العاصمة القديمة، في محاولة شيقة قد يتمكنوا من خلالها أن يتقمصوا شخصيات الجد "أبو علي" و الخال "أبو العبد" والعم "أبو اللطف"، الذين عايشوا "مطاعم أيام زمان" قبل عشرات السنين.

قصص حصرية

على الرغم من تعاقب السنين ما زالت جدران مطعم "البابا" هي الأخرى مغروسة في قلب البلد القديم، تروي لمرتاديها قصص عمان القديمة، وقصص رجال الأردن القدماء، وقصصا حصرية عن خفايا ساحة المسجد الحسيني، والساحة الهاشمية.

منذ الخمسينات و"البابا" يقدم لزبائنه "البسطاء" الأكلات الشعبية التراثية، المتمثلة في الفول، والحمص، والمسبحة، والفتوش، بالإضافة إلى الفتة، والقدسية، والمتبل.. فهذه الأكلات وغيرها الكثير لم يملها مرتادو "البابا"، فهي بالنسبة لهم تمثل التراث الأصيل، والعشق الأبدي الذي يربطهم بعاصمتهم "الحبيبة" عمان كما يقولون.

ويلفت نظر الزائر للمطعم المواطنون الذين يجلسون على قارعة الشارع الملازم له، والذين لا تخلو طاولاتهم التي يوفرها لهم العاملون هناك، من صحن الحمص ورأس البصل وحبة الفلافل، وكوب من الشاي بالتأكيد.

تذوق التراث

يقول الشاب أحمد، 22 سنة: "الطعام الذي تقدمه تلك المطاعم هو أكل الفقراء، والحمد لله إحنا تعودنا عليه ولازم كل يوم نيجي ناكل من هون".

أما الشاب علي، أحد مرتادي مطعم البابا، فيقول: "المطاعم التراثية المنتشرة في البلد القديم لا تقدم فقط المأكولات الشعبية، وإنما تقدم الهوية والتاريخ وقصص أيام زمان لكل من يرتادها، وأنا حقيقة أفضل المطاعم التراثية على المطاعم الراقية والفخمة، التي لا نتمكن أصلا من الدخول إليها باعتبار أننا فقراء".

الفتاة الجامعية "روعة" والتي ترتاد يوميا هي وصديقاتها المطاعم القديمة، تقول: "أشعر بالسعادة الغامرة أنا وصديقاتي حينما نأتي للمطاعم القديمة المنتشرة في العاصمة عمان، نحن لا نأتي للأكل فقط، وإنما نجيء أيضا لتذوق أيام زمان التي عاشها أجدادنا وآبائنا".

عالم آخر ينتقل إليه الشاب محمد،27 سنة، حينما يزور مطاعم عمان القديمة، فهي برأيه تنسيه همومه اليومية التي لا تفارقه، كما أنها تريحه ولو للحظات من حمى ارتفاع الأسعار التي باتت تخنق جيب المواطن الأردني. 

أما الشاب "عدنان، 28 سنة، فقد اعتاد يوميا على شراء صحن الحمص "التراثي" كما يقول، وذلك ليتمكن من القيام بواجباته اليومية منذ الصباح بكل همة ونشاط.

3 فئات

اللافت للأمر أن كل المطاعم التراثية التي زارتها "عشرينات"، يؤكد العاملون فيها أن هناك طبقتين من الزبائن، الطبقة الأولى هي الفقيرة "المعدمة" التي لا تقوى على الذهاب إلى المطاعم الحديثة ذات الأسعار المرتفعة، أما الطبقة الثانية فهي الطبقة "الغنية" التي تؤم تلك المطاعم كي تعيش ولو للحظات التاريخ والتراث القديم، ولتغير من الروتين الذي تعيشه عند ارتيادها المتكرر للمولات، ومطاعم الوجبات السريعة.

إلى جانب فئة ثالثة تؤم مطاعم "أيام زمان"، وهي فئة السياح الذين يقومون بزيارات سياحية للأردن، فهم يأتون خصيصا إلى تلك المطاعم بحثا عن الحمص والفول التراثي، في محاولة أخرى قد تمكنهم من تذوق العادات والتقاليد الأردنية.

تامر الصمادي – الأردن – عشرينات- 24/3/2008

تعليقات