الحسا: أسرار وادي العذير 1 و 2 و 3

الحسا: أسرار وادي العذير (1-3)



كتابة وتصوير .. مفلح العدوان

كلما عقدت النية على الترحال إلى العقبة، ابتسم لي الجنوب، وصرت أتحين الفرص لأسير ببطء عبر الطريق الصحراوي، وكأن هدفي هو أن أمشي هذا الدرب، لا الوصول إلى منتهاه، وكأنني أريد أن أعيد قراءته مرات عديدة، لأستعيد من خلاله ذاكرة معتقة، كانت لي فيها قصة كتبتها عن كل قرية تسند رأسها الى هذا الطريق..
وأبوح أكثر: هذه المرة، كان الشوق أعمق، وأبلغ، فقد اتجهت بوصلة تفكيري نحو الحسا، ومع ومضة الفكرة، خفق القلب، وزاد النبض، وتداعت صور، وأقبلت حكايات، وتراءت قصص، وتبدت معاناة، وأقبلت الرفقة الطيبة، مع تجليات نقوش التجربة التي كانت لي في هذا المكان، بداية التسعينيات من القرن الماضي، آنذاك كنت أعمل في الفوسفات، في منجم الحسا، وأقمت ثلاث سنوات في الحسا، تلك السنوات التي تركت أعمق الأثر في الروح، وَعَلّمت في الوجدان كثيرا!!
ها أنذا بعد أكثر من خمس عشرة سنة على تلك الأيام أعود الى الحسا محمل بحنين، وبرصيد من الأصدقاء، والأهل لي فيها، ومعهم أيضا ما كان قد نقش في الفكر، والذهن، من تجربة، كانت بقدر ما فيها من التعب، تحمل في مضامينها كثيرا من الإنطباعات الطيبة، الدافئة، الحميمية، حول المكان والإنسان هناك.

أمام اللوحة

الوقت صباحا، والشمس تلوّح لي في سماء الحسا، والطريق الصحراوي أليف يمتد أمامي، بعد أن تركت من سواده، ورائي من عمان، حوالي المئة والثلاثين كيلومترا، وها أنا أمام اللوحة التي تشير الى مناجم الحسا، التي سأكون فيها، إن صعدت نحو الجسر، واتجهت شرقا، أما إن انحرفت نحو الغرب، فسوف أكون في المدينة السكنية لشركة الفوسفات، وإن بقيت متابعا طريقي، نحو الأمام، فسوف أصل بلدة الحسا، ببيوتها البسيطة، وسمرة وجوه أهلها الطيبين.
توقفت قليلا هناك، تأملت امتداد الدرب، ثم انحرفت غربا، نحو مدرسة الفوسفات الثانوية، في المدينة السكنية للفوسفات، حيث كان ينتظرني صديقي الأستاذ احمد زبون الحجايا، مدير المدرسة، والأستاذ سليمان الحجايا، فهما من العشيرة التي تسكن الحسا، والمناطق المحيطة بها، منذ مئات السنين، ولي من هذه العشيرة أصدقاء كثر، بحكم الدراسة الجامعية، وبحكم العمل في الفوسفات، وهناك أيضا وشائج فكرية، وأدبية تربطني بكثير من هؤلاء الأصدقاء، الأحباء، الأحباء.

دروب البوح

كانت البداية لقاء في مدرسة الفوسفات الثانوية للبنين، وترحاب، وكأس شاي، ومخطط للجولة في الحسا، تم ترتيبه مع الأستاذ احمد الزبون، ثم رافقني في الجولة الميدانية، الأستاذ سليمان الحجايا، بينما سبقنا الأستاذ احمد ليرتب لنا مع أهل القرية من يبوح لنا ببعض ذاكرة المكان هناك، حيث والده الشيخ حمد بن زيون الحجايا (أبو حسين)، والنائب الأسبق الشيخ بخيت الحجايا (أبو نهار) .
بعدئذ صار المكان يتكشف طبقة تلو طبقة، مرة من خلال ذاكرة الإنسان، وسيرة البشر في هذه الفضاءات، ومرات أحاديث شائقة عن جغرافية المكان، وتفاصيله، والثروات المحتجبة فيه، وفي مساحات أخرى، حقائق، وتفاصيل، تتجلى من خلال الكتب، والمخطوطات القديمة.
تجولت في الحسا، في غير مكان فيه، ومعي دليلي سليمان رجا الحجايا، حيث وصلت مناجم الحسا، والمدينة السكنية، والبلد القديم، ومحطة القطار، والوادي، وقلعة الحسا، وبركة القلعة، وطريق الحاج المرصوف، والمغائر الأولى التي تم التنقيب فيها عن الفوسفات، والمساجد، والمقابر، وآبار الماء، كل تلك الأمكنة وصلتها، ومعي دليلي قبل أن تكون محطتنا الأخيرة في بيت الشيخ حمد الحجايا (أبو حسين)، وكان عنده الشيخ بخيت الحجايا (أبو نهار)، ليكون للحديث مذاق آخر، ولدروب البوح مسالك متعددة في أكثر من مساحة من تاريخ المكان، والإنسان، وكان هذا التدوين بعد تلك الزيارة للحسا، وتلك الجلسة، اضافة الى مراجع لجأت لها، وأبحاث تم تزويدي بها، ليكون بنيان البوح على ما سيأتي سرده، على هيئة مقامة تليق بذاكرة الحسا، وأصالة الأهل هناك.

تداعيات الاسم

يشير أهل القرية الى أن اسم الحسا، مأخوذ من «حسا الماء»، شرب الماء، لتوفر المياه في وادي الحسا، هذا الوادي الذي كان مشهورا عبر التاريخ، ويرتبط الاسم ذاكرة، ووجدانا مع اهل المنطقة باسم وادي العذير، وله ذكريات عتيقة، وأسرار محتجبة، وحكايات متجددة لدى الناس، هناك.. وقد نشأت البلدة، في الأساس، على رأس سيل الحسا، في منطقة الفارعة، وهذا السيل «تكون بدايته من جبل طويل شهاق، أعلى قمة في الجنوب».
ويذكر الباحث ركاد نصير، في كتاب «المعاني اللغوية لأسماء المدن والقرى وأحواضها في المملكة الأردنية الهاشمية» بأن (الحسا: أرض أسفلها غليظ، وأعلاها رمل تمسك ماء المطر فإذا نبث الرمل ظهر الماء باردا عذبا، وكلما نزعت دلواً جمّت أخرى، أو هو الماء تحت الأرض لا يفطن له في الأباطح، فإذا حفر عنه جاش الماء).
بينما يوثق الباحث محمود سالم رحال في كتابه «المشترك السامي في أسماء ومعاني المدن والقرى الأردنية» بأن (الحسا: وبالسامي المشترك بمعنى «المخبأ. الملتجأ. الملاذ». تقع على الخط الصحراوي. والجذر العربي حَشي: تنحى. ابتعد عن الآخرين. والكلمة العربية حشً: مخبأ. مكمن. مأوى. ملتجأ. ملاذ. مفزع. وقاء. ستر. وبالعربية الحسى: السهل من الأرض يستنقع فيه الماء).
ويوضح الدكتور بكر خازر المجالي في كتابه «المسارات العسكرية للثورة العربية الكبرى في الأرض الأردنية» بأن (الحسا هي الأرض المنبسطة التي تتميز برمالها وحجارتها الصغيرة، الأصغر قليلا من الحصى، ترتيب مكونات ما فوق الأرض يأتي أولا على التراب ثم الرمل ثم الحسا ثم الحصا ثم الحجارة ثم الدبش وأخيرا القلاع، والقلعة أساسا هي الحجر الضخم، وأخذ اسم الجزء قلعة، ليطلق على اسم الكل قلعة).

حديث الرحالة

وقد تم المرور على الحسا في كثير من الكتابات التي دونها المؤرخون والجغرافيون والرحالة، حيث أن قد ذكر موقع الحسا، الحميري في «الروض المعطار في خبر الأقطار»، على النحو التالي: (قيل الحساء، موضع في ديار بني أسد، قال بشر ابن أبي خازم:
عفا منهن جزع عريتنات
فصارة فالقوارع فالحساء
والمشهور أن الحساء في طريق مؤتة، وهي المذكورة في شعر عبد الله بن رواحة، إذ قال يخاطب ناقته وهو متوجّه الى مؤتة:
إذا أديتني وحملت رحلي
مسيرة أربع بعد الحساء
فشأنك فأنعمي وخلاك ذمُّ
ولا أرجع الى أهلي ورائي
ومن أهل الحساء عثمان بن شطيبة العامري الحسائي، له:
تسير وتسري ليلها ونهارها
بغاد الى أفق الجلالة رائحِ
وهان عليها أو عليّ جميع ما
أُلاقي وتلقى إذ تلاقى ابن راجح«.
أما البغدادي، في «مراصد الإطلاع»، فيذكرها (بالفتح، والقصر، موضع بالشام، بقرب الكرك». وفي (الدرر الفرائد المنظمة في أخبار الحاج، وطريق مكة المعظمة) للجزيري، يشار الى الحسا بالتالي: «قال: ثم يرحل الى الحسا، فيأخذ اليه في مرحلتين، وهو أول ما بعد، لأن جميع ما قبله قرى عامرة، ذات ماء وأسواق، ومعايش وجلابة، فيرد ماءه.

وللصلاح الصفدي:

قيل الحسا عقبات بالحصا فُرشت
منها محاجر فيها الصبر منهتك
لا يحسب الركب هذا محجرا وعرا
بدا، فما هو إلا للحسا حسك
وله في الحسا أيضا:
سرنا بركب فضَّ ختم الفضا
وضاق حتى لم يجد منفساً
حتّى أكلنا الأرض أكلاً على
ظهر المطايا وحسونا الحِسا «.
وفي موضع آخر يقول الجزيري: «.. وصار الركب ينزل بمنزلة الحسا، بها عيون ماء تجري، ومرج أخضر، ويرد عليهاالجالب للبيع على الوفد بالشعير والدجاج وغيره، ولا يقيم الركب بها».

يحتسون الماء

أما النابلسي، في «الحقيقة والمجاز في الرحلة الى بلاد الشام» فيقول عن الحسا: «ثم بعد طلوع الشمس بنحو نصف ساعة وصلنا الى المنزل المسمى بالحسا، بالحاء والسين المهملتين، وفيه غدران كثيرة من الماء البارد العذب الزلال، وهناك جبال وتلال ووهاد، وقد نزل الحجاج هناك في أماكن متعددة ولعلها سميت بالحسا، لأن الناس يحتسون الماء منها، للمنزل الذي قبلها، فإنه ليس فيه ماء، أو أن أصلها أم الحصا، لكثرة ما يوجد فيها من الحصا، والحجارة الصغار والكبار، فحرّفها الناس بالحسا، فنزلنا هناك في الخيام، وأخذت العين حظها من المنام، ولم نزل هناك الى أن صلينا صلاة الظهر، ثم ركبنا وصعدنا ذلك الصعود، وقطعنا هاتيك العقبة الكوؤد، الى أن وصلنا بعد العصر الى مكان سهل، فبركوا الجمال بالأحمال، وصلينا صلاة العصر، ثم دخل المغرب، فصلينا صلاة المغرب».
وفي تحفة الأدباء وسلوة الغرباء/ رحلة الخياري»، يشار الى الحسا على النحو التالي: «ثم سرنا ندلج ادلاجا، ونلج هاتيك المفاوز ادخالا وإخراجا، حتى طلع الفجر، وثبت للمثوب، فصلينا عند الأسفار، أثناء الطريق، وسألنا الله التيسير، وعدم التعويق، حتى ارتفع النهار، وانتشر ضوء الشمس، كمال الانتشار، فوصلنا مهاداً ووهاداً، وسلكنا أغواراً وأنجاداً، حتى أشرفنا على المنزل المقصود، وهو المسمى بالحسا، فإذا هو في وهدة مخضر الأكناف، والربى، به نبت يصلح مرعى للحيوانات رطبا، وآباً، وبه زهر أحمر يشبه لون الورد حسن المنظر جداً، أخبرني بعض من يعرفه بأن أكله مضرّ للدواب، فتركناه بعد أن رغبنا في لونه وجاوزنا موضعه، ونزلنا بتلال مرتفعة يحيط بها بعض الجبال، وبه عين ماء يردها الحجاج والأعراب ينقلون الميرة من الدقيق والشعير المعبوك، وهو دقيق يخلط بشىء آخر يشبه العدس تعلف به الجمال، وبها الزبيب والتين، وتباع هذه الأشياء رخيصة بحيث بالغ لي بعض من معنا من الشاميين، أنه يباع بهاا لمد المدني بمصرية واحدة».
ويقول عن الحسا بن كبريت في «رحلة الشتاء والصيف»: (ثم أتينا على الحسا من أعمال الكرك، وفيه نهر لطيف وملاقاة). بينما يذكرها لي سترانج في «فلسطين في العهد الإسلامي»، بقوله (إنه مكان في سوريا، قرب الكرك، وأظن أنه اسم لواد). وتحددها مجلة الدارة، ضمن طريق حجاج الشام ومصر، بأن الحسا (تقع بين الكرك ومعان).

سيرة قرية الحسا

تقع الحسا شمال شرق الطفيلة، على مسافة 62كم تقريبا، على الطريق الصحراوي، وهي على مسافة 135كم جنوب عمان. وتتبع الحسا إلى لواء الحسا، في محافظة الطفيلة، وهي من ضمن بلدية الحسا.
الديموغرافيا:
يبلغ عدد سكان الحسا، بحسب آخر تعداد عام للسكان والمساكن عام 2004م، حوالي بـ(7888) ( 3885 ذكور، و 4003 إناث)، يشكلون 1295 أسرة، تقيم في 1608 مساكن.

التربية والتعليم:

توجد في الحسا/ البلد المدارس التالية: مدرسة الحسا الثانوية للبنين، ومدرسة الحسا الأساسية للبنين، ومدرسة الحسا الثانوية للبنات، ومدرسة الحسا الأساسية المختلطة، ومدرسة رملة بنت ابي سفيان المختلطة، ومدرسة رفيدة الأساسية المختلطة، ومدرسة طلحة الأساسية المختلطة، ومدرسة حطين الأساسية المختلطة. أما في الإسكان/الفوسفات، في الحسا، فتوجد المدارس التالية: مدرسة الفوسفات الثانوية للذكور، ومدرسة الفوسفات الأساسية للذكور، ومدرسة ثانوية اسكان البنات، ومدرسة غرناطة الأساسية المختلطة، وروضة الأقصى المختلطة (خاصة).

الصحة:

يوجد في الحسا مركز صحي الحسا الشامل، وعيادة لموظفي شركة الفوسفات، ومركز طبي عسكري (تحت الإنشاء)، و3 صيدليات، و3 أطباء خاصين.

المجتمع المدني:

يوجد في الحسا جمعية البادية للفكر والثقافة والتنمية، وجمعية الأمير هاشم لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، وجمعية الحسا للبيئة ومكافحة التصحر، وفرقة الحسا للسامر والفنون الشعبية، وجمعية الأميرة سلمى الخيرية، وجمعية وادي الحسا التعاونية الزراعية، وجمعية المرأة التعاونية، وجمعية مستخدمي مناجم الفوسفات التعاونية، والصندوق الهاشمي للتنمية الاجتماعية فرع الحسا، ونادي الحسا الرياضي الثقافي، ومركز شابات الحسا، ومركز شباب الحسا.
يوجد في الحسا مقبرتان، والعديد من المساجد، منها: مسجد الاستراحة، ومسجد الحسا الشمالي، ومسجد الترابي، ومسجد عثمان بن عفان، ومسجد ابو بكر الصديق، ومسجد بلال بن رباح، ومسجد أنس بن النضر، ومسجد أنس بن مالك.
ويوجد في الحسا كل الخدمات والبنى التحتية، حيث هي مركز لواء الحسا، وفيها: مديرية زراعة، ومكتب أشغال الحسا، ومحكمة شرعية، ومحكمة صلح (قيد الإنشاء)، ومكتب أحوال مدنية، وشركة الفوسفات، وشركة الكربونات، ومحطة سكة الحديد، وآبار ماء، وسوق تجاري، ومركز اسناد الدفاع المدني لإقليم الجنوب، ومركز انطلاق الدوريات الخارجية، وقيادة الدرك لإقليم الجنوب، وقيادة شرطة أمن اقليم الجنوب.


الحسا: أسرار وادي العذير (2-3)



للبوح بقية.. تداعيات أخرى، في غير مكان في الحسا، ومع ذات الرفقة الطيبة من الذين تمسكوا بقلق التراب هناك، وفضاءات التأمل، وقرص الشمس، وألق التاريخ، وآفاق الذاكرة، كل تلك التفاصيل يسردها الشيخ علي حمد بن زبون الحجايا (أبو حسين)، والنائب الأسبق الشيخ بخيت الحجايا (أبو نهار)، مع عراب هذا اللقاء الأستاذ احمد زبون الحجايا، بينما دليلي ومرافقي في جولتي الميدانية في أمكنة الحسا، فهو الأستاذ سليمان الحجايا. كما أن أمانة الكتابة تقتضي مني أن أذكر هنا الصديق الأستاذ عطا الله الحجايا، رفيق الدراسة الجامعية، والقريب فكرا وثقافة مني، حيث كان هو حلقة الوصل مع أهل الحسا، وإن لم يكن معي في جولتي هذه، وكذلك الدكتور نايل الحجايا الذي كنت أتوق للقائه غير أن التواصل معه كان عبر الهاتف والانترنت، حيث زودني بما تيسر من الإضاءات حول الحسا، ومنها ما سأبدأ به، من شعر حديث حول الحسا، كتبه شعراء من أبناء الحسا، حيث يقول الشاعر المهندس محمد الحجايا:
«وادي الحسا، غنى للسيل أغنية
فأجابه الدفلى والطير والبدنُ
واستيقظت حلل الحنون ضاحكة
ينتابها خجل العذراء لو فطنوا
فيه انتشيت، وفي جنباته ارتسمت
ذكرى الحياة، ومن بيدائه الكفن
لا أرتضي أبدا عن موطني بدلا
حتى يعود الى أعراقه اللبن».
ويقول الشاعر أحمد زبون الحجايا:
«ما رفّ قلبي بالحسا إلا له
شوق يغالب خافقيه بمأدبا
كلا ولا هاجت بعمان الرؤى
إلا ووجد في مؤاب تغلبا».
ويقول أحد القدماء، عن الحسا، شعرا نبطيا:
«وادي الحسا يا بو العيون الصراهيد
تريحوا من قول هاتوا الروايا
فيه الحجايا مثل عقد على جيد
حريبهم يسقوه سم المنايا».

الوادي
وهنا أكمل مع وادي الحسا، مشيرا الى ما كتبه الروائي سليمان القوابعة، في الجزء الثاني من كتابه «الطفيلة..تاريخها، وجغرافيتها»، حيث هو يقول عن الحسا «من الأودية الصدعية الممتازة، ذات اتساع يوحي بعنف وقع الانكسار المتفرع من الغرب، طبقات الوادي فوضوية الميل، إذ أنها لا تتبع نظاما معينا، بسبب اختلاف قوة الصدع، وصلابة المناطق، والتأثر بالتعرية المائية. تربته رملية، كلسية، طفل وصلصال، وتشكل طبقات جبل التنور، والطبقات المقابلة لها من الشمال الغربي، أدلة ظاهرة على ذلك، وبعد أن ينتهي وادي الحسا، عند منبعه تنبسط الأرض وتتضح صحراويتها مع أنها كانت تصنع في عصور جيولوجية أحواضا تحولت كائناتها مع الزمن الجيولوجي الثالث الى مخلفات فوسفاتية يكمن فيها عنصر اليورانيوم».
طريق الحاج
وأتابع مع وادي الحسا، حتى أصل القلعة، حيث ستكون محطة كتابتي في هذا البوح في مساحة تحيط بها، لأقرأ تاريخها، بعد أن أعاين الطريق المرصوف، بجانبها، والجسر القديم الصامد في أجزاء منه على وادي الحسا، وهنا أجتزىء، أيضا، من كتاب الطفيلة، ما كتبه القوابعة عن الجسر، وارتباطه بطريق الحج، وفي هذا السياق، يقول أنه «لما كان جنوب الأردن هو منفذ جزيرة العرب، على طريق الشام، فإن منطقة الطفيلة اعتادت أن تمر بها قوافل التجارة قبل الإسلام، ومن خلال (رحلة الصيف)، الى بلاد الشام، التي تعقب (رحلة الشتاء)، في اليمن، حتى أطل الإسلام، فاستقبلت الطفيلة قوافل الحج والتجارة، وقد استفاد العرب والمسلمون من الطريق الروماني (طريق تراجان- هدريان)، الذي يمر من مشارق الطفيلة الشرقية، وشواهده أعمدة ذات نقوش تدل على المسافات وبخط روماني، وكل شاهد منها حجر كلسي صلد بطول 170سم، يرتكز على قاعدة مستطيلة وأمثلتها في العالي، وجنوب التوانه. أما الطريق فهو مرصوف بحجارة معظمها بازلتي، وعلى أطرافه يواجه المسافر أحيانا البرك والآبار، وإن كانت غير كثيرة، ولا ندري هل خضع هذاا لطريق السلطاني king›s high way الى ترميم إسلامي، فقلعة الحسا التي هي بناء إسلامي، لا نعلم بالضبط، هل بنيت على أثر روماني. وجسرها متى بني، وفي عهد من؟ فلم يسعفنا المؤرخون عن إصلاحات في جنوب الأردن، سوى ترميم طريق العقبة كما يروي لنا ذلك المقريزي وأبو الفداء. إن الدكتور الغوانمة يعتقد أن الطريق أو الجسر هو مملوكي وذكرنا-في كتابنا السابق- ان رؤية مادة الجسر تنقلنا في الحال الى طريق تراجان الروماني الذي يجتاز شرقي الطفيلة.. ان التشابه كبير بين طريق جسر الحسا، والطريق الروماني القديم».
قصر البنت
ويشير تقرير حول قلعة الحسا التاريخية، أعده الباحثان عصام صالح النعانعة وسليمان رجا الحجايا، الى أن «قلعة الحسا تقع على بعد 6 كم غرب بلدة الحسا الواقعة على الطريق الصحراوي، ويمكن الوصول اليها عبر طريق معبد وآخر ترابي تغلب عليه الصفة الصحراوية، ويمكن مشاهدة أطلال القلعة على بعد ثلاثة كيلو مترات من منتصف هذه الطريق المارة من خلال الحسا باتجاه الشرق. المكان استخدم في فترات لاحقة زمن الأتراك كمكان للاستراحة وقت الحج، وبنيت الجسور على وادي الحسا، والتي لا تزال أثراها قائمة حتى الآن، بالإضافة الى الطريق المرصوف بالحجارة التي تمر خلال وادي الحسا، لتسهيل مهمة التنقل، وخصوصا في فترة الشتاء. وتعد القلعة من المحطات المهمة منذ القدم على طريق البر الشامي».
ونشير هنا كذلك الى ما كتبه فريدريك ج بيك في كتابه (تاريخ شرقي الأردن وقبائلها)، حيث يشير الى طريق الحج المار في وادي الحسا، بقوله «كان الحجاج يسلكون الطريق الرومانية القديمة المعبدة، ولكن في عهد السلطان سليمان القانوني تبدلت قليلا. والسبب في ذلك هو أن احدى بنات السلطان سليمان، أو سلفه سليم، ذهبت للحج فأعيتها الطريق القديمة لرداءتها، ولاقت من الصعوبات الجمة، بعد المدورة ما جعلتها أن تصمم في عودتها أن تسلك طريقا أخرى، هي التي مد عليها فيما بعد الخط الحديدي الحجازي. ومنذ ذلك الحين صار الحجاج والمسافرون الى الحجاز، يسلكونها، وأصبحت تعرف بطريق البنت، تمييزا لها عن طريق الرصيف أي الطريق الرومانية. بعد ذلك أمر السلطان ببناء الحصون على طول هذه الطريق لحمايتها، ويقع أحد هذه الحصون في وادي الحسا، ولم يزل يعرف بقصر البنت أيضا».
الجسر الحجري
أما الدكتور عبد القادر محمود الحصان، فيسترسل في وصف قلعة الحسا، وما جاورها من مرافق، في كتابه «القلاع والخانات التركية العثمانية على طريق الحاج الشامية في الديار الأردنية»، فيذكر حول الطريق المرصوف والجسر بأنه «يمتد الطريق من الشمال الى الجنوب مسافة 3كم من جهة الغرب للقلعة، ويبعد عنها قرابة 800م، والطريق عبارة عن رصفة من الحجارة البازلتية، وضعت على أطرافها حجارة عادية كلسية منحوتة كأطاريف لتحديد الشارع وحماية الحجارة من الانزلاق ومتوسط عرض الطريق يتراوح ما بين 9-10م، والى الشمال الغربي من القلعة يمر وادي الحسا مما أدى الى بناء الجسر الحجري على بعد 420م، بطول 30م، وعرض 12م، والجسر مدعم بقوسين واحد في المركز وآخر في الوسط وثالث الىالشمال أصغر حجما، وهو مدشن بالحجارة الكلسية المنحوتة على هيئة العقد نصف البرميلي في القلعة، ويبلغ ارتفاعه 3.95 م، أما القوس الأوسط فيبلغ ارتفاعه 215سم، وسعته مترين ويعتبر هذا الجسر معبرا هاما بالإضافة الى اعتباره مصرفا لمياه الوادي العابرة من هنالك ايضا، ويذكر أن (ايدين لي عبد الله باشا) هو الذي بنى الجسر عام 1730-1733م لحماية الركب الشامي من الانزلاقات الطينية».
بوغاز الحسا
ويكتب الدكتور عبد القادر الحصان، الكتابات التي تناولت الحسا، وأين ورد ذكرها عند المرخين، والجغرافيين، والرحالة، وقد أوردنا جزءا منها سابقا، لكن هنا نذكر ما كتبه أحمد البديري في حوادث دمشق اليومية بأنه «في عام 1156هـ/1743م جاء خبر عن الحاج بأنه غرق في الحسا.. وذهب على ما قيل نصف الحاج.. وقد كان أمير الحاج الشامي عندئذ سليمان باشا العظم». كما ذكر البديري الطريق الضيق بين الحسا والقطرانة، والمسمى باللغة التركية «بوغاز»، ويعني المضيق، وقد كانت تكثر غارات البدو في هذا الممر الإجباري، وكذلك سيول مياه الأمطار، ويذكر الحجاج هذا المضيق شعرا كالتالي:
«بوغاز الحسا ما ينتسى
كلّه أسى رمل وحصا»
كما أشار بيركهارت الى أهمية القلعة والتي كانت قصرا لإبن بالوصا، وهو من ميدان دمشق، والذي يعتبر قائدا مطاعا لكافة قلاع طريق الحج، كما ذكر أهالي الطفيلة الذين يبيعون المؤن للحجاج عند القلعة.
وكذلك ذكر قلعة الحسا الرحالة سويله مزاوغلي عام 1307هـ/1890م حيث قال عنها: «قلعة الحسا: بنيت هذه القلعة من حجر الصلد وهي مربعة الشكل طول ضلعها 30م، ومتهدمة، وفي داخلها بنئر وناعور، والحوض الواقع أمام القلعة أبعاده 25م * 13م، ويتم املاؤه من هذه البئر، وهذا الحوض في غاية القذارة، وطمر قسم منه بالطين، كما أن ماء البئر هذه مُر، ولهذا من الصعوبة بمكان شربه، وعلى الرغم من ذلك فلم يكن لنا بد من شربه، والمحراب (محراب المسجد) الموجود في داخل القلعة حفرت عليه الكتابة التالية:
يا حسين لله معبد
بناه للتقوى وشيد
ملك المسمى المصطفى
سلطاننا من النسل أحمد
في جنة المأوى
دار منورة ومقعد
ولكن هذا الشعر، يرد أكثر صحة، من حيث الوزن والمعنى عندما يرد عند الرحالة موسيل، حيث يورده على النحو التالي:
يا حُسنهُ لله معبد بناه للتقوى وشيد
ملك يمسمى المصطفى
سلطاننا من نسل أحمد
في جنة المأوى له
دار منورة ومقعد
والمقصود هنا بالسلطان هو مصطفى الثاني (1757م-1774م).
وصف القلعة
ويعطي الدكتور عبد القادر الحصان في كتابه تفاصيل عن النظام المعماري المستخدم في القلعة، ووضع البناء فيها، نورد هنا جانبا منه، ووصفا عاما للقلعة، حيث يشير الدكتور الحصان الى أنه «تتخذ القلعة شكلا مربعا غير قائم الزوايا، إذ يبلغ طول الجدار الغربي 24.20م والشرقي الموازي له كذلك، أما الجدارين الشمالي والجنوبي فيبلغ طول كل منهما 24.10م و 23.70م، وهذا الفرق البسيط الواضح يؤثر على زوايا القلعة. وقد شيدت جدران القلعة الخارجية بكتل حجرية جيرية منحوتة ومسمسمة، أما الداخلية فقد كانت غير منحوتة، وغشيمة، في معظمها، مع خلط بعض الحجارة البازلتية القليلة في البناء أيضا. كما يقع الباب الرئيس في وسط الجهة في الجدار الشمالي الذي انهدم بشكل شبه تام، ويعبر بنا الى ممر مسقوف بطول 5.80م وعرض 3.10م، كما يشرف على الساحة المركزية المكشوفة المربعة وطول ضلعها 12.50م، وفي وسط الساحة المفتوحة يوجد بئر ماء بنيت أطرافه بشكل مربع، ويصعد اليه بواسطة درج مكون من سبع درجات، كما يحيط بالساحة المركزية من جميع الجهات تسع غرف في الطابق الأرضي: ثلاث في كل من الجهتين الشرقية والغربية، واثنتان من الجهة الشمالية بمحاذاة المدخل والممر المسقوف وقاعة طويلة تمتد على طول الجدار الجنوبي، أما الدرجات التي تصعد للطابق الثاني فقد اقيمت على يمين ويسار هذه القاعة بارتفاع 12 درجة للجهة الغربية و 13 درجة للجهة الموازية الشرقية. ومن خلال نظرة سريعة للبناء ككل، نلاحظ أن الإرتفاعات الخاصة بالجدران غير متساوية، للهدم الذي حصل فيها، وأعلى نقطة تقع ضمن الجدار الغربي من جهته الشمالية بارتفاع 9.70م. إن معظم الطلاقات الخارجية بسيطة وتخلو من الزينة وضيقة الى حد يمكن مشاهدتها من الخارج وهي عبارة عن مدماك واحد من الحجارة بارتفاع 30 سم، وعرض يتراوح 20-23 سم.. ويلاحظ وجود ستة شبابيك في الجدار الغربي ومن ضمنها الشباك البارز بثلاث فتحات، أما الشبابيك (الطلاقات) الخمس الأخرى، فهي عبارة عن كوة صغيرة، وتقع أربع منها على ارتفاع أربعة أمتار ونصف تقريبا. أما الطلاقة الخامسة فهي مرتفعة وتقع على بعد 9.30م في الجزء الشمالي من الجدار، أي على سطح الطابق الثاني الموازي للسطح العلوي.. أما لجدار الجنوبي للقلعة فهو مشابه من البنية للجدار الغربي مع اختلاف أن الجدار البارز متهدم تاركا فتحة كبيرة في الجدار.. أما جدار القلعة الشرقي فيلاحظ أنه أقلها شأنا من حيث الطلاقات(الشبابيك)، ولا يوجد فيها سقاطة (شباك بارز)..».. ثم يكمل الدكتور الحصان وصفه للطابق الأول، وبعده الطابق الثاني، من القلعة، والطابق الثالث، والبنية التحتية للقلعة، والمرافق الأخرى، ليعطي صورة واضحة عن مكونات قلعة الحسا، غير أننا في زيارتنا للقلعة لاحظنا أنه تم ترميم أجزاء كثيرة منها، خاصة الجدران الخارجية التي كانت مهدمة بحسب ما يوردها الدكتور عبد القادر الحصان، وقد وضع للقلعة بوابة، وتمت فيها بعض أعمال الترميم، كما لاحظنا البركة بجوار القلعة، ولم يتم عليها أية إصلاحات أو ترميم لها.

الحسا: أسرار وادي العذير (3-3)



كتابة وتصوير .. مفلح العدوان

هذه المرة، سيكون الحديث فيه نبض من ذاكرة الناس، وفيض من سيرة المجتمع في الحسا، ليكون مفتاح لما يدور في فلك الأمكنة من أحداث وتفاصيل.. غير أنه وبعد أن تم المرور على تاريخ قلعة الحسا، ومعمارها، لا بد من أن نشير هنا إلى مرفقين مهمين مرتبطين بالقلعة، وهما البئر الموجود في داخل القلعة، وبركة الماء المجاورة للقلعة.
يوضح ملامح هذين المعلمين الدكتور عبد القادر محمود الحصان، في كتابه «القلاع والخانات التركية العثمانية على طريق الحاج الشامية في الديار الأردنية، حيث يقول: «للقلعة مجموعة من المرافق، ويقع على رأٍسها بئر جمع المياه الذي يتوسط القلعة، والمربوط بقناة موصلة للبركة خارج القلعة من الجهة الشرقية، عبر قناة مسقوفة بالشبائح الحجرية على بعد 50م من جهة الجدار الشرقي الخارجية، ويبلغ عرض القناة 25سم، وارتفاعها كذلك، ومسقوفة بالشبائح الحجرية الرقيقة. أما البئر فبني عليه بناء مستطيل الشكل بطول 3م وعرض 2م، وعلى ارتفاع مترين يقع الحوض المزدوج الذي يصعد إليه بدرج مكون من ثمان درجات، ومن خلال ذكر الرحالة سويله مزاوغلي بوجود ناعور لإخراج المياه من البئر العميقة وتحويلها للخارج عبر القناة المذكورة آنفا، مع استخدام البئر للشرب والعين الأخرى للوضوء. وبركة المياه الخارجية تبلغ قياساتها كالتالي: البركة شبه مربعة الشكل بقياس 23م طولا من الشرق إلى الغرب و 22.30م من الشمال إلى الجنوب، مع العلم أن داخل البركة مفعم بالطمي الترابي، وتنمو أشجار الرتم، ونباتات جيلو بداخلها، وعرض جدرانها، تبلغ 75م-80سم وزوايا البركة منحنية للداخل. أما جدرانها فكانت مقصورة بالملاط (القصارة الجدارية)، وللبركة درج بعرض 137سم وينزل إليها عبر 12 درجة.. ولوجود التراب المتراكم بداخلها، لا يمكن معرفة عمقها الحقيقي، ولكن أعمق نقطة فيها الآن 310م».

القلعة/ السجن
من المفيد هنا، عند الإشارة إلى قلعة الحسا، تسليط الضوء على جانب متعلق باستخدام أهل المنطقة لهذه القلعة، وما رسخ في ذاكرتهم من معلومات عرفوها مما توارثوه عن تفاصيلها. وهذا يمكن أن نجده في خاتمة التقرير الذي أعده الباحثان عصام صالح النعناعة وسليمان رجا الحجايا، حول قلعة الحسا، وهو توثيق لجزء من التاريخ الشفوي حول القلعة، وما رسخ من معلومات في الوجدان الشعبي، من خلال حوار الباحثان مع الراوي لهذا التاريخ، السيد عواد عبد الله الرديسات، الذي تجاوز عمره الخامسة والثمانون عاما، والذي أشار في شهادته إلى أنه «سكن القلعة الأتراك الذين كانوا يقومون بالدور المنوط بهم، وهو حماية الحجاج القادمين عبر طريق البر الشامي، وقد سكنوا هذه القلعة حتى بداية الثورة العربية الكبرى. كما أن هذه القلعة كانت منطقة مراقبة، مع وجود أسلحة فردية لدى أفرادها، بهدف حماية الحجاج، وتوجد أماكن لإطلاق النار، وهي قائمة لغاية الآن، كما أنها استخدمت كسجن، حيث أنه احتجزت فيها إحدى نساء قرية الحسا، مع أغنامها، كبديل لأحد المطلوبين من أبناء المنطقة، والتي أطلق سراحها بعد وساطات من شيوخ المنطقة. وقد استغلت هذه القلعة، أحيانا، من قبل السكان المحليين، حيث سكنها عدد من الأفراد مثل المرحوم عيد صالح المراغية لفترة قصيرة، ثم قامت وزارة السياحة بوضع يدها على القلعة، لتقوم بعد ذلك بعمل الصيانة اللازمة من ترميم للجدران، والغرف، ومرفقات القلعة الخارجية».

«الصَرْ»
ويضاف تفسير لجزء من هذا الرواية الشفوية ما تحدث به، عند لقائه في بيته، الشيخ علي حمد بن زيون الحجايا (أبو حسين)، حول قصة المرأة التي سجنت في القلعة، حيث يقول: «هي مغيظه العجاجرة، تم سجنها من قبل الأتراك، ومعها أغنامها، في القلعة، وجاء الشيخ حمد زبون وغيث ابن هداية، وأخرجوها من السجن هي وغنمها.. وكان في هذيك الأيام، أيام الأتراك، ياخذ الشيخ حمد بن زبون الصَرْ(مبلغ من المال يؤخذ من الدولة التركية لقاء حماية الحجيج)، لحماية الحجاج، من القطرانة الى السلطاني، بينما الشيخ غيث ابن هداية ياخذ الصر، من السلطاني الى الحسا، وبعدين من الحسا جنوب حتى عنيزة كان ياخذ الصَر الشيخ حمد بن عباطه، والشيخ جراده العاقر».

محطة القطار
وللحسا تاريخ يتماهى مع الثورة العربية الكبرى، حيث احتضنت هذه الأرض الطيبة، معارك مهمة، وروتها دماء الشهداء، وسطرت بالمجد كتاب تاريخها. ولكن قبل الدخول في تلك التفاصيل العسكرية، لا بد من وصف لمحطة سكة حديد الحسا، التي كانت ساحة لجانب من تلك المعارك، وهذه المحطة تقع في الحسا على الكيلو 387، على خط حديد الحجاز، ويشير إليها الدكتور بكر خازر المجالي في كتابه «المسارات العسكرية للثورة العربية الكبرى في الأرض الأردنية» بأنها «من محطات الصنف الثاني، تستند إلى قلعة تركية تقع على مسافة 5كم غربا. تسيطر هذه المحطة على مدخل وادي الحسا باتجاه الطفيلة غربا. تعرضت أكثر من مرة لقصف الطائرات الألمانية، وفي 22 حزيران 1918م. هاجمها العرب بعد وصول معلومات عن وجود قوة تركية وقافلة تموين بها، وألحقت خسائر كبيرة بالأتراك، وقد شكلت بداية محور الهجوم الأول على الطفيلة في 4 آذار 1918م».

مفرزة.. ومعركة
ويضيف الدكتور بكر خازر المجالي بعد هذا التقديم، تفاصيل عن العمليات العسكرية في الحسا، مشيرا إلى «مفرزة عربية بقيادة الشريف ناصر بن علي تمركزت في وادي الحسا، نفذت عملياتها ضد خطوط المواصلات التركية، وقامت بهجوم يوم 15 أيار 1918م، على محطة الحسا، فاحتلتها ودمرت جانبا من السكة، ولكن في 15 أيار 1918م هاجمها الترك واستعادوها».. وقد كانت مهمة هذه المفرزة «مهاجمة المواقع التركية في الشمال في الحسا، والقطرانة، وفريفرة. و تدمير قضبان السكك الحديدية وتفجير الجسور والعبارات. ومنع وصول أية إمدادات أو نجدات الى الجنوب خاصة الى معان».
لكن معركة الحسا الشهيرة قامت بها قوات أخرى، غير المفرزة، حيث يوضح الدكتور المجالي بأنه «قد شرعت القوات العربية بتنفيذ خطتها ضد الحسا، هذه التي كان يعسكر فيها ما يلي: سرية مشاة تركية. رشاشات. والمحطة كانت محصنة تماما ومحاطة بالأسلاك الشائكة، وحقول الألغام، وعليه فقد وضعت الخطة العربية كما يلي: الاستطلاع: وتم التنفيذ يوم 22 أيار 1918م من قبل قائد المفرزة راسم سردست ومعه قادة القطاعات. الحركة: تكون صباح 23 أيار 1918م وتحمل القوات المهمات القتالية، وتترك المهمات الإدارية في المعسكر في سيل الحسا. التنفيذ: تقوم المفرزة الأولى بقيادة فريدريك بيك بتدمير الخط من الجهة الجنوبية.تقوم مفرزة التخريب الثانية بتدمير خط السكة من الجهة الشمالية. تتقدم سرية رأسا من الغرب لتهاجم المحطة وتستولي عليها مستفيدة من الطيات الأرضية والمنحدرات غرب المحطة. توضيع الرشاشات على مسافة 500 متر غرب المحطة بالاستفادة من الستر والمرتفعات. توضيع المدفعية خلف سرية الرشاش لقصف المحطة.».
وقد سارت الخطة بشكل جيد، «وما ان وصلت القوات الى مشارف المحطة حتى خرج الأتراك رافعين أيديهم فهاجمتهم القوات غير النظامية وكانت النتائج كما يلي: استسلام 65 تركيا منهم ثلاثة ضباط. الاستيلاء على رشاش. تقدم مفرزتي التخريب وتلغيم منشآت المحطة. أخذ فريدريك بيك جرس المحطة واحتفظ به».
«خَط موفد بيك»
يشير كبار قرية الحسا الى أن الحسا قديما كانت تسميتها مرتبطة بوادي العذير، وهذا مرتبط كذلك بقصة قديمة، عنوانها الضيغم، وكانت ترد اليه الخيل أيام عرار وعمير.. كما أنه في جزء آخر من تاريخ أهل هذه المنطقة، وهنا نحدد مقالنا حول الحجايا، في الحسا، وجرف الدراويش، وعنيزة، والقطرانة، وكثير من المناطق التي يتواجدون فيها، كانوا يقومون على حماية الحاج الشامي، أيام العثمانيين، وكانوا يأخذوا لقاء هذه الحماية «الصَرْ التركي»، كان امتدادهم من القطرانة حتى عنيزة.. وبعد العثمانيين، ولما تأسست الدولة، جاء موفد بيك، وقسم الأراضي، وصار في «خط موفد بيك»، وعليه نقاط محددة، وتحددت على أساسه واجهات العشائر، وصار هناك تحديد شرق خط موفد بيك، وغرب خط موفد بيك، وبحسب هذا الخط، يشير كبار عشيرة الحجايا، بأنه يوجد لهم غرب سكة الحديد أراضي بامتداد حوالي 15 الى 20 كم متر غرب السكة، هي من ضمن أراضي الحجايا في الحسا.

المسجد الترابي
كما أنه وفي سياق الحديث عن الاستقرار في الحسا، لا بد من التذكير بأنه كان الحجايا يخزنوا أغراضهم في القلعة، وكانت دائرة حركتهم في هذه المنطقة، كما أنه غرب القلعة هناك خربة صنعاء التي يقال أنه كان حاكم فيها الأمير شهوان (الضيغم).. ويضاف حول سيرة الاستقرار في الحسا، ما يذكره كل من الشيخ علي حمد بن زيون الحجايا (أبو حسين)، والشيخ بخيت الحجايا (أبو نهار) بأن «أول دور انبنت في الحسا كانت في الخمسينات، وأول بيت كان بيت قاسم محمد الحجايا، وكان دور طين، وكان قريب من البير، وبعدين انتشرت الناس قريب من الماء، وبنوا أول مسجد وهو المسجد الترابي، من طين، وأول مدرسة انبنت هي مدرسة الحسا الثانوية في عام 1959م، وأحياء الحسا هي حي المحطة وهو أقدم حي، والحي الشمالي، والحي الغربي، وإسكان الفوسفات»..

«متر الفوسفات بنصف دينار»
ويشار الى أنه قد ساعد في تجمع السكان هنا المشاريع الزراعية لتوطين البدو، وكذلك شركة الفوسفات، حيث أنه كانت أول المناجم عبارة عن مغائر على أطراف القرية الآن، وما زالت باقية هناك خلف المركز الصحي الآن، كان « النقيب بدا بالخمسينات، وبدا الانتاج بالثنين وستين (1962م)، الشغل فيها بالقفاف، ويدوي، وتظهر مقابل لها أقدم كسارتين في المنجم هناك.. كانت المغاير جنب السكة، ويعبي العمال العربايات اللي مرتبطة بالسكة القرية من المغاير، بواسطة خطوط فرعية توصل منها، يعني طرزينه، وكل عرباية حمولتها تقريبا 3 الى 4 متر، ويشترك أكثر من عامل في تعباية كل طرزينة، وكانوا يحاسبوهم على كل متر فوسفات نصف دينار. وأول كسارة كانت بجانب البلد رقم واحد قريب من المغاير، وبعدين صارت قريب منها الكسارة رقم اثنين، والعمال عملوا اضرابات أكثر من مره في المناجم في فترات مختلفة».

الحجايا
أما عن الخريطة الاجتماعية لأهل الحسا، فجميع أهل البلد هم من عشائر الحجايا، بينما المقيمين في إسكان الفوسفات، فهم عبارة عن خليط حضري، من كافة أنحاء الأردن، استقطبتهم شركة مناجم الفوسفات للعمل والإقامة في إسكان خاص بهم.
ومعظم عشائر الحجايا متواجدة في حدود محافظتي الكرك والطفيلة، وقد مررنا على جزء من تاريخهم، وتقسيماتهم، عندما كان هناك زيارات لـ»بوح القرى»، في كل من «القطرانة»، و»محي» و «جرف الدراويش»، وهنا يشير الشيخ علي حمد بن زبون الحجايا (أبو حسين) الى أن الحجايا في الحسا، يمكن تقسيمهم الى العشائر التالية: عشيرة المسعوديين، المراغية، الصواوية، العقار، المحموديين، العليين.
وربما يمكن تلخيص سيرة العشيرة، واستقرارها في المنطقة، بالإشارة هنا الى ما ذكره الروائي سليمان القوابعة، في الجزء الثاني من كتابه (الطفيلة..تاريخها وجغرافيتها)، بأن الحجايا «ينتسبون الى قبيلة شمر التي كانت تتجول في جنوب نجد حتى حايل، وقد نزحوا الى مشارف الأردن، واستقروا في منطقة بين الكرك والطفيلة، وبعد أن اتسعت العشيرة، حدث نزاع عارض بين طرفين منها حول سباق خيول في منطقة ارجام بين الحسا والجرف، ولم يبق منهما إلا جريح هو محمد بن زيد الضيغم، وقد أسعفه وائل بن شعلان العنزي، أحد شيوخ قبيلة الرولة، فحماه، وحافظ عليه، أي كما يقول العوام حجاه، وأنقذه من الموت، فدعي محمد بن زيد بـ(احجية وائل)، أو حجوي، ودعي أعقابه بالحجايا في الحسا والجرف وما جاورهما. تزوج حجوي امرأتين من البلقاء، أحدهما من الكعابنة، والأخرى من السعادنة، وقد خلف ثلاثة أبناء هم محمود (جد المحموديين)، ومناع (جد المناعيين)، وعلي جد (العليين)».


تعليقات

‏قال محمد جروان…
اللللللللللللللللللللللللللله يعطيك العافيه.........كم كنت مشتاقا لأسمع هذه الكلمه.........الحسا.محمد جروان.....رومانيا
‏قال ابن المفـرق
حياكم الله أخوي
‏قال غير معرف…
محمد بن زيد الضيغم
او
محمد بن زيد بن فارس العبيدي
....
مشكورين عالنشر