أول فريق نسائي لنزع الألغام في الشرق الأوسط أردني

alt

جابر - بترا
بضحكة وعدم اهتمام عزت ريما استجابتها لإعلان نشرته الصحف المحلية للمشاركة في دورة لإزالة الألغام شمال الأردن إلى "النصيب".
واعترفت ريما اللاحم وهي أم لأربعة أطفال من قرية مغير السرحان بمحافظة المفرق، أنها لم تتصور طبيعة العمل عندما تقدمت للدورة، ولكنها تحفزت للعمل والانجاز عندما عرفت إن مكان العمل لتنفيذ المهمة سيكون قريبا من مكان سكنها.
وريما واحدة من ست نساء أردنيات يشكلن أول فريق نسائي لإزالة الألغام في الشرق الأوسط، يعملن في منطقة الرحمات بمحافظة المفرق لإزالة الألغام عن الحدود الأردنية ــ السورية بشكل يدوي، أي في المرحلة التي تشكل عصب إزالة الألغام وأخطرها؛ لأنها تعتمد على الكشف بالماسحات عن أماكن وجود الألغام المضادة للإفراد والمضادة للدبابات وإزالتها، قبل إن تبدأ الكاسحات بالعمل، والكلاب بالتحقق شبه النهائي للمهمة.
"كنا متخوفين في البداية من تشغيل النساء، ولكنهن اثبتن جدارة في هذا العمل"، يقول مسؤول الإزالة اليدوية في جمعية المساعدات الشعبية النرويجية قاسم الصمادي، انه "لا تمييز في العمل بين الرجال والنساء مزيلي الألغام، فكلاهما يزيلان الألغام المضادة للدبابات والألغام المضادة للإفراد".
وصل عدد العاملات في فرق الإزالة إلى ست عشرة عاملة، ولكن العدد انخفض لأسباب منها الزواج، إذ بلغ ست نساء حاليا إضافة إلى ممرضة تعمل على واحدة من سيارات الإسعاف الثلاث في المشروع وسائقة لسيارة إسعاف أخرى تسوقها امرأة لديها رخصة سواقة من الفئة السادسة (محورين).
ويؤكد المستشار الأول في الجمعية النرويجية ياسين المجالي إن المجال مفتوح أمام النساء للعمل في كل قطاعات الإزالة.
ويضيف إن العمل في الكاسحات يحتاج إلى خبرة في الآليات لا تتوافر إلا لمن لديه خبرة عسكرية، إضافة إلى إن العمل فيه يبدأ من الخامسة صباحا وحتى السابعة مساء.
يبدأ عمل مزيلي الألغام البالغ عددهم 165 عاملا عند الساعة السابعة صباحا وينتهي الواحدة بعد الظهر، ويستعملون أدوات الإزالة التي تسبقهم بمسافة مترين لإزالة التراب حول اللغم تمهيدا لإخراجه باليدين ووضعه في صندوق مخصص له.
ويلبس مزيل الألغام ملابس لحماية المناطق الحساسة من جسمه وهي الرأس والصدر والبطن والفخذين، أما القدمان فالحذاء المخصص يحميهما في حال حدوث انفجار بنسبة 70%.
ويشرح الصمادي إن تأثير الانفجار يكون عادة في العصف الذي يرافقه والشظايا الثانوية المتأتية من الحجارة التي تخرج بشكل مخروطي وتضرب الجزء العلوي المغطى، ولذلك فالإصابات في معظمها تكون خدوشا وجروحا سطحية ويعود المزيل إلى العمل بعد يوم أو يومين.
ولا يخلو الأمر من حوادث قاتلة، فقبل شهرين استشهد عمر المقابلة في أثناء إزالته لغما مضادا للدبابات من المنطقة، "كان عمر من امهر مزيلي الألغام واللغم لا شيء غير عادي فيه، ولكنه النصيب"، قال الصمادي.
وحسب إحصائيات الجمعية النرويجية، فقد وقع 63 حادثا، منها خمس حوادث إصابة في الأقدام ولكنها لم تصل إلى حد البتر، واحدة استقرت والأربع الأخريات تحت العلاج.
وتقول الجمعية إن هذه الحوادث قليلة نسبة إلى عدد الألغام التي تم إخراجها والتي تزيد على 92 ألف لغم وتدل على الاحتراف الذي يتمتع به الأردنيون في هذا المجال بعد خمس سنوات من بدء المشروع.
تعترف ريما والابتسامة لا تفارق وجهها وعينيها بأنها شعرت بالرهبة أول الأمر، إلا أنها أضافت: "ما دام الكاشف يعمل بشكل جيد وتم فحصه فلا داعي للقلق، والخطر الذي نواجهه ليس بأكبر من الخطر الذي يواجهه الكهربائي في عمله".
أولاد ريما يخشون عليها من عملها ويقلقون عندما تتأخر عن البيت ولو لمدة ربع ساعة ويطالبونها بترك هذا العمل الخطر، ولكنها مصممة على البقاء فيه حتى انتهاء المشروع مع نهاية العام، لتبدأ رحلة البحث عن عمل من جديد، وفقا لريما.
عمل في مشروع إزالة الألغام شمالي الأردن 190 موظفا، معظمهم من القرى المحيطة بالمشروع، واستطاع بعضهم إيجاد عمل لهم كمدربين في مناطق الألغام في موريتانيا ولاوس، ولكن ريما لا تفكر بهذا الخيار بسبب أولادها، قائلة إن إحدى عضوات الفريق عندها استعداد للعمل في الخارج كمدربة.
ما سيفعله مزيلو الألغام عند انتهاء المشروع بمراحله المختلفة أمر يثير قلق الجمعية النرويجية حسب المجالي، وبخاصة أنهم يتمتعون بضمان اجتماعي وتأمين صحي وليس بنظام ادخار مما يدفعهم إلى سحب مدخراتهم من الضمان الاجتماعي.
"فكرنا في مشروع تأهيل مهني مواز ليعمل المزيلون في مهن يحبون العمل فيها"، يقول المجالي الذي عبر عن أسفه لان الأزمة الاقتصادية العالمية قلصت مساهمات المانحين ولهذا لم يتسن لهذه الفكرة إن تتحقق بعد.
الاتحاد الأوروبي الذي مول مشروع إزالة الألغام يرى إن هذا المشروع يسهم في تحسين حياة أهل المنطقة سواء من ناحية إيجاد فرص عمل لهم في المشروع أو تطهير أراضيهم الزراعية الخصبة من الألغام ليعودوا الى زراعتها، أسوة بجيرانهم على الجانب الشمالي من السياج، وذلك حسب رئيس القسم السياسي في سفارة الاتحاد الأوروبي في عمان يارومير ليفيتشيك.

تعليقات