صورة كلوب باشا "بالزي الأردني"


لندن مربط خيلنا ودعابة «أبو حنيك»

كتب عبد العزيز جمعة:- ذات مرَّةٍ في عام 2001 كنت أتحدث مع الصديق أحمد الديين حديثاً عامّا، ولما كان الحديث ذا شجون، وقد كان الزميل الديين يعدُّ لإصدار كتاب «حرب في الصحراء – مذكرات غلوب باشا» عن دار قرطاس، وكان الكتاب مترجماً عن اللغة الإنكليزية، ويراجع تلك الترجمة فارس غلوب نجل القائد الإنكليزي الشهير، وقد جرَّني ذلك الكتاب لبعض الحديث عن غلوب باشا أو جون باجوت غلوب أو «أبو حنيك» كما كان يعرف في الأوساط الأردنية، حيث كان قائداً للجيش الأردني من عام 1939 وحتى عام 1956، ومن ضمن الحديث طرفةٌ تُروى عن أبي فارس أو «أبي حنيك» ملخصها أنه كان حاضراً أحد أعراس البادية، وبطبيعة الحال فإن أهل البادية يقيمون «السامر» في أفراحهم، ويقف أمام السامرين المنتظمين في صف، رجلٌ يسمى «الحاشي» وهو قائد السامر والضابط لحركاته، وكلمة الحاشي هنا ليست بمفهومها كما في منطقة الخليج، إذ إنها في الخليج تعني حوار الناقة / صغير الإبل. ومن أهازيج السمّار عبارةٌ يقول آخرها «لندن مربط خيلنا»، فدعا «أبو حنيك» أحد السمار بعد أن هزج بهذه العبارة، وأعطاه علبة سجائر من نوع «بلايرز» أو من نوع ثلاث خمسات، وكانت علب بعض أنواع السجائر آنذاك حديدية ومربعة الشكل، فأخذها السامر مفتخراً أمام جماعته، ولما أراد تدخين سيجارة وجد العلبة فارغة، فعاد إلى «أبوحنيك» باشا وقال على استحياء، إن العلبة فارغة فلعلك لم تنتبه إلى خلوها من السجائر، ولكن المُهدي قال: إنه يعرف أنها فارغة، وأنه قصد ذلك، فمن يقول كلاماً فارغاً يُهدى شيئاً فارغاً، وبغضّ. النظر عن صحة الواقعة من عدمها، فقد علَّقت على ذلك بالقول: لا السامر ولا غلوب باشا أدركا المعنى المفترض للعبارة، فالسامر بطبيعته الفطرية يعتقد أن العرب من القوة بحيث تكون لندن مربطاً لخيلهم تتناول أعلافها هناك، وهذا المقصد القريب الذي فهمه غلوب باشا بأن الرجل يعني ذلك، وفي اعتقادي أن المبتدع الأول للعبارة ربما كان لا يعي إلا هذا المعنى، وربما أيضاً كان من الوعي بمقدارٍ يسمح لنا بتفسير العبارة على «أن الأمر كله بيد لندن»، حيث إن بريطانيا آنذاك كانت هي الحاكم المستعمر والآمر المسيطر على مقدرات كثيرٍ من البلدان التي بلغت من السعة بحيث قيل إنها الامبراطورية التي لا تغيب الشمس عن أراضيها، وهي بذلك مربط الفرس أو الملاذ الأخير لأتباعها.

على أي حال، في إحدى زياراتي لدار قرطاس، وجدت صاحبها الصديق أحمد الديين يتحدث مع رجل ذي هيئةٍ أجنبية، فقدمنا إلى بعضنا، وقال له: هذا الذي حدثتك عنه، وكان كما يبدو قد تحدث إلى فارس غلوب عن تفسيري لعبارة «لندن مربط خيلنا، وما صاحبها من ملابسات، على أي حال، قال فارس إنه تخريج معقول جداً، كانت هذه هي المرة الأولى التي التقيت فيها فارس غلوب.

المرة الثانية رأيته في معرض الكتاب في مشرف يوقع الكتاب/ مذكرات أبيه، وقلت له بعد أن أخذت نسختي: هل تذكرتني؟ فقال ضاحكاً، نعم، أنت صاحب لندن مربط خيلنا.

أسلم عن قناعة:

المرة الثالثة كانت في عام 2004 في مكتب الأخ الصديق عبدالعزيز السريع الأمين العام لمؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، وقد جاء ليطلعه على مسرحية «1،2،3،4، بم»، وهي تأليف مشترك بين الأستاذ السريع والمرحوم صقر الرشود كتباه عام 1971، وكان المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب عندما كان د. محمد الرميحي أمينه العام، قد كلف فارس غلوب بترجمتها إلى الإنكليزية، ولما كان ذلك العام موعد عقد «دورة ابن زيدون» في قرطبة في أسبانيا، وهناك العديد من الأبحاث بلغات أجنبية، مما استدعى الاستعانة بفارس غلوب ليعمل في المؤسسة للمساعدة في مراجعة الأبحاث الأجنبية، فصرت أراه كل يوم، وكان مسلماً حقيقياً أسلم عن قناعة، وحسبما عرفت منه كان إسلامه وهو في الثامنة عشرة من العمر في مقر الأزهر الشريف، وقال لي إنه كان من أشد المعجبين بالإسلام منذ أن كان في الثانية عشرة، وكنا نقدمه ليؤمنا تقديراً له، وكان شديد الحرص على مواعيد الصلاة.

قصائد باللغة الإنكليزية:

أذكر ذات مرة أنه دعاني إلى حضور ندوة في جامعة الكويت في الشويخ، وكان على معرفة بمعظم أساتذة الجامعة، وأذكر أنه تلقى مكالمة، فاستأذن ليخرج من القاعة، وكان يجلس بيني وبين الدكتورة الفاضلة نجمة الخرافي، فلما خرج حدثتني الدكتورة عنه وعن أخلاقه وقيمه، وكيف أنه حارب مع العرب والمسلمين في بلدان عدة، نصرة للحق، ودفعاً للظلم والعدوان، وأنه على خلاف مع أبيه بسبب ذلك، وتأكدت من هذا الخلاف بعد وفاته في حادث مروع في العام نفسه ، حيث أعطتني ابنته سارة بعض القصائد باللغة الإنكليزية، كانت نظمتها والدة فارس في رثائه، ومضمون إحدى القصائد تقول والدته فيه «لعل روحك تتصالح مع روح أبيك في الآخرة بعدما تعذر ذلك في الدنيا».

أريد أن أعمل:

كان رحمه الله سبحانه وتعالى من أشد المناصرين للقضية الفلسطينية، فتزوج سيدة فاضلة من فلسطين، بعد أن صعب عليه التفاهم مع زوجته الأولى الإنكليزية «أم مبارك» ولقد وجه أبحاثه ودراساته العليا إلى مصلحة الحق كما قال ويعني العرب والمسلمين، فكان موضوع أطروحته للماجستير بعنوان «النازية والصهيونية: علاقات واتفاقيات». أما رسالة الدكتوراه التي لم يمهله القدر لإكمالها فكانت عن الحروب الصليبية .

كان حريصاً جدًّا على عمله، يقف على باب مكتبي في المؤسسة ويقول: أريد أن أشتغل، لا شغل عندي اليوم، لا أستطيع الجلوس في مكانٍ من دون أن أعمل، وأذكر أنني قلت له: لحين وصول الأبحاث الأجنبية أرجو أن تعمل لنا ببليوغرافيا عن الأندلس، حيث ستنعقد دورة ابن زيدون في شهر أكتوبر من ذلك العام، فعمل ببليوغرافيا قريبة من الكمال في أيامٍ قليلة.

سألته إن كان يعرف مترجماً جيداً، فقال إن مترجماً إنكليزيًّا يعمل مع الأمم المتحدة في جنوبي العراق سيبيت في الكويت هذه الليلة وهو صديقي بيتر كلارك، ويمكنك المجيء معي إلى فندق شيراتون للتعرف إليه، ذهبت معه للفندق ووجدنا كلارك بانتظارنا ومعه شخصٌ من الشيشان، ثم تحركنا للعشاء في أحد المطاعم الفاخرة بدعوة من السيد فارس، وكان المحامي مبارك سعدون المطوع صديقه ينتظرنا هناك، فصار عددنا خمسة.

وصيته:

التحق فارس بالمؤسسة لشهور قليلة قبل أن تفاجئه سيارةٌ مسرعةٌ وهو يعبر الشارع من مبنى وكالة «كونا»، حيث كان يعمل مستشاراً فيها، إلى مواقف السيارات المحاذية لنادي الكويت الرياضي، وكنت قبلها بيوم قد خرجت من المستشفى بعد إجراء عملية، وبينما أتصفح إحدى الجرائد، وقعت عيني على ذلك النبأ الفاجع. وبعد رحيله تعاملنا في المؤسسة مع كريمته سارة وكثيراً ما أرى فيها ملامحه واهتماماته وطريقة حديثه نفسها.

حسبما علمت فإنه كان قد أوصى أن يدفن في القدس التي ولد فيها عام 1939، فأرسل أصدقاؤه من الكويت جثمانه إلى عمان، وكان من بينهم المحامي مبارك المطوع، ولم تسمح إسرائيل بإدخال جثمانه إلى هناك فدُفن في مقبرة «سحاب» بعمان، ولما زرت عمان ذهبت إلى المقبرة وتلمّست بين القبور إلى أن وجدت قبره، وعلى ما أذكر كتب على النصيبة «فارس غلوب الأيرلندي» أو «الأيرلندي فارس غلوب».

تعليقات

‏قال Unknown
لعنة الله عليه
‏قال غير معرف…
لا ادري كيف يقود ضابط نصراني محتل قوات لتحرير فلسطين عام 1948 وهنا بدأت الخيانه
‏قال غير معرف…
هههههه هي هو خيانة لكن بغباء