كوثر النشاشيبي .. صوت المحبة في رسائل الشوق !

كوثر النشاشيبي .. صوت المحبة في رسائل الشوق !



هزاع البراري - بقيت الإعلامية كوثر النشاشيبي الصوت الحي، الذي حمل أشواق وأحلام وآمال، من حالت بينهم وبين وطنهم فلسطين ؛جيوش الاحتلال وحقول الألغام والأسلاك الشاكة.
غير أن كوثر النشاشيبي وعبر اذاعة المملكة الاردنية الهاشمية ، قدمت صوتها العابر لكل تلك الحواجز، ليكون صوت الحق الذي لا يغيب، وصدى الصامدين في الأرض المحتلة، وعنواناً لمرحلة طويلة من النضال العربي، عندما كان لا سبيل للتواصل بين الأهل في الضفة الغربية، ومن بين من انتشروا في الضفة الشرقية والدول العربية، إلا من خلال صوتها.
كانت تنقل رسائل الأهل عبر أثير الإذاعة ، حتى منتصف تسعينيات القرن الماضي، فقد كان الصوت الشجي الذي تنتظره الآذان والمهج كل يوم، حتى أصبح هذا الصوت المحمل بأحلام المنتظرين، مكونا أساسيا في أثير كل عائلة، بل غدت ضمير المرسل ولهفة المتلقي، فسكنت القلوب ولم تغادر الذاكرة.
لم تكن رائدة المذيعات الأردنيات، تدرك في طفولتها الحالمة، أنها ستكون الصوت الأشهر عبر أثير الإذاعة الأردنية، منذ تأسيسها ولعقود طويلة من العطاء والتميز، وهي التي بدأت مشوارها باكراً، وكأنها كانت تعد نفسها للرسائل الكبيرة، التي نذرت نفسها لحملها، مهما تطلب ذلك من متاعب، ومن مصاعب نفسية تترك أثرها عميقاً في النفس، فلا بد أنها أدركت بوعي حقيقي، أنها عندما تنقل هذه الرسائل إنما تنقل رسالتها هي، الرافضة للاحتلال، والمؤمنة دائماً بحتمية انتصار الحق، وعودة الأرض والتئام الشمل.
بقيت كوثر النشاشيبي محافظة على نهجها، حتى بعد أن تغيرت المراحل، وصمتت الرسائل وخبا توهج الأثير، حيث شكل غيابها نهاية مرحلة بكل ما حملت من انكسارات وأوجاع وآمال، لتبدأ مرحلة جديدة بكل ما فيها من غموض وتعقيدات، وفقدان واضح للبوصلة.
تعد مدينة القدس الهاجس الذي عايشته طوال عمرها، فهي مسقط الرأس ومربى الطفولة، وذكريات أيام المدرسة، وجوهر القضية العربية الفلسطينية، فقد ولدت النشاشيبي في مدينة القدس، عام 1930 في منزل والدها يعقوب الجاعوني، وقد تعلقت كثيراً بوالدها، الذي أولاها رعاية واهتمام خاصين.
كان والدها يعمل في الشرطة، وقد نشأت كوثر النشاشيبي في حارات البلدة القديمة، حاملة نظرة خاصة للمستقبل، وعندما وصلت للعمر المناسب التحقت بالمدرسة العلوية في القدس، وبعد أن أنهت المرحلة الابتدائية، انتقلت بعدها إلى مدرسة المأمونية لدراسة المرحلة الثانوية، التي أنهتها بنجاح، مما مكنها من الالتحاق بدار المعلمات في القدس، وبعد دراستها في دار المعلمات، تخرجت منها بنجاح عام 1946، وكانت هذه الشهادة تؤهلها لتحصل على وظيفة معلمة في المدارس الثانوية، لكن سحر العمل الإذاعي كان قد ف طموحاتها بعيداً.
بدأت العمل في إذاعة رام الله، من خلال تقديم برامج للأطفال، وكان عملها في الإذاعة غير معلن، أي لا يظهر أسمها الصريح، حتى لا يمنعها والدها أو تتعرض لرفض العائلة، واستمرت تعمل في إذاعة رام الله بهذه الطريقة، حتى تم تأسيس إذاعة عمان، فانتقلت للعمل في إذاعة عمان، حيث كان للشهيد وصفي التل دور في إقناعها بأن تنتقل إلى عمان، وأن تعمل في الإذاعة.
لقيت خطوتها للعمل الظاهر في الإذاعة معارضة الأهل، لكنها قاومت هذا الرفض وواصلت مسيرتها الناجحة، حيث يعد عام 1965 الانطلاقة الحقيقية لكوثر النشاشيبي عبر أثير الإذاعة الأردنية، حيث صدح صوتها ولمع اسمها في فضاء الوطن، فكانت شاهدة عيان على أحداث مسارات فاصلة في تاريخ المنطقة الحديثة، ومنذ تلك اللحظة دخلت كوثر النشاشيبي كل بيت، وسكنت كل القلوب.
لم تكن كوثر النشاشيبي المذيعة اللامعة والإعلامية البارعة وحسب، بل كانت صاحبة موهبة حقيقية متعددة الجوانب، مثقفة ذات رؤية وطنية منتمية، فلقد كتب عدداً من المقالات، وقامت بتأليف مجموعة مسرحيات ناجحة، وشاركت بالتمثيل في عدد منها، ومن هذه المسرحيات: الأشقياء عام 1979، العز بهدلة 1980، علي بابا والأربعون حرامي 1981، بالإضافة لمشاركتها في عدد من الأعمال الدرامية في الإذاعة والتلفزيون، منها مسلسل « إبراهيم طوقان « ومسلسل « حارة أبو عواد «.
تميزت بإعداد وتقديم البرامج الإذاعية الناجحة، والتي كانت ذات بعد جماهيري، ومن أبرز هذه البرامج، برنامج « رسائل شوق « ذائع الصيت، والذي أدخل كوثر النشاشيبي إلى كل بيت، وجعل لها شعبية لا تضاهى، حيث كانت تقرأ في هذا البرنامج، الرسائل التي يوجهها الأهل إلى ذويهم في الأراضي المحتلة، فقد كانت وسيلة الاتصال المتاحة لمثل هذا التواصل، وقد استمر هذا البرنامج سنوات طويلة.
لم تقف كوثر النشاشيبي عند حدود الشهرة فقط، بل عملت واجتهدت، وعملت بجد طوال خدمتها في الإذاعة، وقدمت سلسلة من البرامج المميزة منها: « لمسة حنان « و» الأسرة « و» ما يطلبه المستمعون « حيث شكلت هذه البرامج عنوان نجاحها وتميزها، وقد اكتسبت خلال عملها في الإذاعة، بالإضافة لخبرتها الحياتية الواسعة، معارف وثقافة واسعة، عبرت عنها من خلال تأليفها كتاب « منار « الذي ضم خبراتها في الحياة والعمل، ليساعد الزوجة في أعمالها البيتية بالشكل الصحيح. وقد ارتبطت بالإعلامي عصمت النشاشيبي، فكان زوجها ورفيقها، والشاهد الأمين على مسيرتها الإعلامية الناجحة، وعلى ما تمتعت به من سمات إنسانية سامية، فقد دعمها في مشوارها الحافل بالصعاب والمتاعب، فكان السند والمعين.
رغم تقاعدها من الإذاعة الأردنية، بقي حضورها حاضراً في أروقةهذه المؤسسة العريقة، وكان أسلوبها وإخلاصها في العمل مثالاً يحتذى، فلقد شكلت وبشكل غير معلن مدرسة في العمل الإذاعي، وقدمت أنموذج الإعلامي الشامل، وهو ما نفتقر له هذه الأيام، وهو ما دفع البعض لتسميتها بـ : أم المذيعين الأردنيين ، والناطقة غير الرسمية باسم المبعدين واللاجئين الفلسطينيين، والرائدة التي فتحت الطريق واسعاً أمام مذيعات وإعلاميات من الأجيال اللاحقة، لدخول هذا الميدان الصعب، وهي بذلك لم تتخل عن واجبها كزوجة وربة بيت وأم حريصة على تربية أبنائها خير تربية.
عانت المذيعة كوثر النشاشيبي في سنواتها الأخيرة، من مرض عضال واجهته بكل شجاعة، وبعد معاناة مريرة مع المرض، توفيت الإعلامية البارزة في الثالث عشر من شهر عام 2004، وترك رحيلها اثراعميقاعننداهلهاومحبيها
ومعجبيها، وبعد فترة قصيرة لحق بها زوجها ورفيق حياتها عصمت النشاشيبي، لكن أثر هذه الإعلامية الكبيرة لم يتوقف بغيابها، مما دفع مركز الإعلاميات العربيات، باعتبار كوثر النشاشيبي واحدة من رائدات العمل الإذاعي في الأردن، ونظراً لمكانتها الكبيرة، وعملها الرائد والمخلص، تم تكريمها على أعلىمستوى حيث منحت وسام الاستقلال من الدرجة الثانية. غابت وبقي عبق صوتها يذكرنا بالعصر الذهبي للإذاعة الأردنية.

hotmail.com @ hbarari54

تعليقات