هل تنجح الحكومة في روسيا فيما فشلت به في السودان؟



هل تنجح الحكومة في روسيا فيما فشلت به في السودان؟

مشروع زراعة القمح في روسيا بين ارتفاع التكاليف والأمل في الخبرة الروسية
∎ المشروع معلق على شراكة القطاع الخاص الأردني وسط أحاديث عن مشاركة خاصة روسية
∎ المراقبون مشتتون بين خائف من فشل جديد وحالم بنجاح عظيم
∎ هل تعلم الحكومة أن مشروعها في سوتشي سيقوم فوق قبور المجازر الشركسية؟

∎ اللواء - الشؤون المحلية
قبل أعوام عديدة بدأ الحديث عن أراضي السودان لاستغلالها في زراعة القمح، ودخلت تلك الخطط حيز التنفيذ، وتم استئجار الأرض وبقيت دون استغلال حتى استردتها الحكومة السودانية ولم نر أي نتائج لتلك المشاريع بعد أن شعرت حكومة السودان ان الحكومات الاردنية التي تعاقبت على هذا المشروع ليست جادة بما يخص استغلال الأراضي، بالإضافة إلى انتهاء العقد الاستغلالي وعدم تجديده من الحكومة الأردنية، وعل الرغم من ان تلك التجربة كانت فاشلة الى حد بعيد إلا ان الحكومة الاردنية تحاول الآن التوجه إلى روسيا لإقامة مشروع مماثل على الرغم من وجود الكثير من المعوقات.
كلفة أعلى
فحتى من أحاديث مزارعين بسطاء تكتشف ان المشاريع في روسيا ستكون تكلفتها على الحكومة الاردنية كبيرة جداً، ولن يكون لها اي جدوى اقتصادية، وان المشروع قام ''حسب اعتقادات البعض'' دون دراسة وافية، فلماذا نظن ان ما فشل في السودان المجاور لن يتكرر في روسيا القصية رغم أن الأيدي العاملة في السودان ارخص بكثير من الأيدي العاملة في روسيا؟ ففي السودان يتقاضى الخبير 600 دولار اما في روسيا فيتقاضى فيها الخبير الزراعي راتبا شهريا لا يقل عن 2200 دولار أمريكي، أما عن الخدمات الزراعية ففي السودان يقوم بها المزارعون والشركات الصغيرة والمؤسسات الحكومية الداعمة لتلك المشاريع وبأسعار زهيدة، أما في روسيا فيقوم على الخدمات الزراعية شركات خاصة ربحية تعود ملكيتها لحيتان ولأغنياء روسيا، وتقوم نشاطاتهم على تحقيق اكبر هامش ربح ممكن، ولا يستطيع احد الاستغناء عن تلك الشركات وعدم اللجوء لخدماتها، اما اسعار المبيدات والاسمدة والبذور فانها تزيد أضعافاً في روسيا عن السودان، هذا بالإضافة إلى تكاليف المعيشة والنفقات للطاقم الوزاري والخبراء الأردنيين الذي سيقيمون هناك فترة من الزمن في منطقة سوتشي التي سيقام فيها المشروع، وهي منطقة سياحية بالدرجة الأولى وقد تم اختيارها لإقامة الألعاب الاولمبية بعد عام واحد، ''ويذكر ان هذه المنطقة قد شهدت مجازر روسيا القيصرية بحق الشركس المسلمين وفيها مقبرة جماعية ضخمة، وقد احتجت الجاليات الشركسية حول العالم ومنها الأردن على اختيار هذه المنطقة للاولمبيات''، اي أن النفقات ستكون مرتفعة الى درجة لا يمكن تصورها ،هذا بالاضافة الى البدلات والمكافآت وتكاليف السفر للقائمين على هذا المشروع من موظفي وزارة الزراعة، هذا بالإضافة إلى النقل، حيث ان النقل البحري من جمهورية روسيا الاتحادية تكلفته اكبر من النقل البري أو البحري من دولة السودان العربية التي تفصلنا عنها جمهورية مصر العربية أو البحر الأحمر فقط.
أما عن العمالة فقد قال المصدر: ستكون على الاغلب من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة، والرواتب ستكون مرتفعة نوعاً ما ''ليس اقل من 700 دولار في الشهر''، والمعدات الزراعية اللازمة لتلك المشاريع قيمة استئجارها مرتفعة جدا حيث ان فاتورة استئجار حصادة لموسم واحد تتجاوز في بعض الأحيان ثمنها، ولا يستطيع احد شراءها إلا الشركة العاملة في هذا المضمار ''حسب القوانين الروسية''، وكذلك الخبراء الروس يحصلون على رواتب كبيرة، ولن يتم المشروع بدون إشرافهم ''فأهل مكة أدرى بشعابها''، كما لن تتمكن الحكومة الاردنية من اختيار الارض التي ستقيم المشروع عليها، لأن الأراضي لا تعود ملكيتها للحكومة فقط بل ان الكثير من الشركات الزراعية الكبرى شريكة للحكومة في تلك الأراضي، وهؤلاء لن يحولوا دون مصالحهم الاقتصادية، مع العلم ان هناك قطع أراضٍ في المنطقة تترك لسنوات، لأن محاصيلها الزراعية غير مجدية اقتصادياً ومنتجها غير غزير، وحسب المصدر فإن تكلفة هذا المشروع على الحكومة الاردنية بحسبة بسيطة ستكون مرتفعة وجدواه منخفضة، وبالتالي فلربما يكون استمرار شراء القمح اكثر جدوى من زراعته في اراضٍ مستأجرة في روسيا.
توأم
وبعد قراءة أولية لمشروع استئجار أراضي روسيا تجد أنه توأم لمشروع الاستئجار في السودان مع اختلاف التكاليف، ولن يكون له اي جدوى إقتصادية على الصعيد العام، حيث ان تلك المشاريع التي غامرت بها الحكومات الأردنية المتعاقبة، سوف تزيد من الأعباء المالية التي تقع على عاتق خزينة الدولة وسوف تفاقم المشاكل الاقتصادية في البلاد.
خدمات
''اللواء'' اطلعت على أوراق مشروع استئجار الاراضي الزراعية في روسيا وناقشت فيه عدداً من المختصين والمهتمين، حيث أكد مصدر في وزارة الزراعة ، ان الوزارة تعاني من عدم استطاعتها جذب الشركات الأردنية لمشاركتها في هذا المشروع لذا فقد أعلنت شراكتها مع شركات روسية، إلا ان الواقع أن تلك الشركات التي اعتبرتها وزارة الزراعة ''مشاركة'' هي شركات خدمات تحصل على اموالها من المحصول وهي ليست شريكة بل إنها تأخذ نسبة كبيرة من المحصول، ولا تتحمل أية خسائر، فهي تأتي لتقديم الخدمات لكنها تستوفي حقوقها بعد إجراء اللازم، واستكمال المراحل الزراعية
جودة منخفضة
وقد أكدت معلومات وصلتنا من احد القائمين على مشاريع زراعية في منطقة سوتشي لحساب الحكومة الروسية، أن منطقة سوتشي الواقعة على البحر الأسود هي فعلاً من افضل المناطق الزراعية، خاصة في مجال الحبوب لكن ومنذ سنوات تعاني الكثير من المساحات الزراعية فيها من قلة المركبات العضوية الطبيعية في تربتها، لهذا فقد أصبح ناتجها من الحبوب قليلاً جداً وجودته منخفضة بالمقارنة مع السنوات السابقة عدا عن تكاليف التسميد الضخمة.


مشروع زراعة القمح في روسيا / بقية

بدورها قالت المهندسة الزراعية مديرة قسم المشاريع الزراعية في نقابة المهندسين الزراعيين ميلان مدادحة: لا يمكن التعليق على المشروع قبل البدء به، لكن الاعتقاد السائد انه سينجح لأن روسيا بتقنياتها تعتبر من اكبر الدول المصدرة للقمح في العالم، وقمحها من الأكثر جودة، ولا يستطيع احد المقارنة بين السودان وروسيا. فالمشروعان مختلفان، ففي السودان كانت الاردن منفردة، أما في روسيا فالاردن ستقوم بالمشروع بالاشتراك مع إحدى الشركات الروسية الكبرى في هذا المجال .
تكهنات
واضافت مدادحة: إن مجمل المعلومات حول المشروع عبارة عن تكهنات، ولا يمكن تأكيد الافتراضات حول تلك المشاريع في منطقة سوتشي في روسيا، لكن بالنسبة للمصروفات أو النفقات فمن الضروري أن تضبط إلى درجة كبيرة حتى تكون تكلفة القمح والحبوب قليلة على الحكومة الاردنية وليكون للمشروع فائدته على الصعيد المحلي.

وذكرت مدادحة: أن الأردن بحاجة إلى 800 مليون طن سنويا من القمح لتغطية احتياجاته، وإذا نجح هذا المشروع فإنه سيخفف الكثير من الأعباء المالية عن خزينة الدولة، حيث ان تكلفة الزراعة ستقلل من فاتورة استيراد القمح على الدولة الأردنية.

وتعتقد مدادحة ان الحكومة ووزارة الزراعة بالأخص تعلمت الكثير من تجربتها في السودان حيث لن تتكرر تجربة السودان الفاشلة.
لا تعليق
أما اتحاد المزارعين الاردنيين فقد رفض التعليق على ذلك المشروع حتى يتم توضيح كافة جوانبه ومقوماته، حيث ان المشروع تم بالمشاركة مع إحدى الشركات شبه الحكومية الروسية، ويمكن أن يأخذ منحىً جيداً، حيث ان الشركات الروسية مشهود لها بمنتجاتها على الصعيد العالمي، ولا يستطيع احد توجيه اي انتقاد لها قبل رؤية النتيجة.
مزايا
وبدورها قالت رولا مبيضين مديرة القسم الاعلامي في وزارة الزراعة: إن الحكومة الروسية قدمت للحكومة الأردنية قطع أراضٍ تتجاوز مساحتها 250 الف دونم قريبة من ميناء البحر الأسود وهذه من أهم مميزاتها، حيث أن تكاليف الشحن لن تكون كبيرة، والبنية التحتية لقطع الاراضي تلك موجودة منذ زمن، هذا الى جانب مناخها المعتدل وانتاجها الغزير.

وأضافت مبيضين: إن وزير الزراعة المهندس سمير الحباشنة دعا القطاع الخاص والمستثمرين لايجاد صيغة مناسبة وبتشكيل ائتلاف لمشاركة الحكومة بهذا المشروع الوطني، وقد ركز الوزير على هذا الائتلاف، والذي سيحقق النجاح لهذا المشروع، وبعد ايجاد صيغة تشاركية مع القطاع الخاص يمكن الحديث حول بدء العمل في المشروع .

ونفت مبيضين أن تكون وزارة الزراعة ابرمت أي اتفاقيات بخصوص هذا المشروع مع شركات روسية، حيث ان الاتفاقية أبرمت مع الحكومة الروسية فقط وسوف يتم العمل بالمشروع في الوقت الذي ستجد وزارة الزراعة أُذناً صاغية من مستثمرين اردنيين.

وذكرت مبيضين :انه حتى الان لم يتقدم احد من مستثمري القطاع الخاص بأي عروض تشاركية مع وزارة الزراعة في هذا المشروع .

التاريخ : 2011/08/16

تعليقات