تيسير السبول فارس الكلمه

تيسير السبول فارس الكلمه


تيسير السبول فارس الكلمه "من زمان ، من تجاويف كهوف الأزلية كان ينساب على مدّ الصحاري العربية ليناً كالحلم ، سحرياً كليالي شهرزاد، يتخطى قمم الكثبان يجتاز الوهاد" (قصيدة أحزان صحراوية)

إذاً كحلم متعجل في ليلة طويلة الأرق ، كصمت جبال الشراه وأسرار ضانا المتوارية بين الشقوق ، ككل الافكار العظيمة ولد تيسير السبول، كشهاب لامع يعبر عتمة الليل ، ففي العام 1939 م أطل على الدنيا من عمق مدينة الجبال الطفيلة ، ولد وعلى جبينه وشم لدولة عظيمة وبحلم على امتداد الزمن ، الوشم الذي أصبح طوق النجاة، ثم استحال طوق النهاية المؤلمة

فلقد كان جنوب الأردن يكتوي بنيران الأحداث التي قوّضت المشروع القومي العربي ، وعرقلت النهضة المبتغاة ، كان الجنوب كما هو دائماً في عمق التأثر وفي مخاض الوجع ، شريكاً وشهيداً ، وشاهداً من الثقات الثقات ، هكذا نشأ تيسير السبول متشرباً تفاصيل النكسات، متألماً بنواتج النكبات المتكررة، فلم يكن مجرد طفل لأسرة مزارعة على حواف المنحدرات وأطراف الصحراء ، فلقد كان أصغر إخوته الخمسة ، وأخواته الأربع ، ولم يحظ بدلال الأخ الصغير ، فكان يشارك أسرته العمل في الزراعة، حتى مع التزامه الدراسة في المدرسة القريبة نسبياً ، فوالده محب للعلم ، سعى إلى تعليم أبنائه في الجامعات ما استطاع الى ذلك.

لم يكن تيسير تلميذاً هامشياً رغم عمق صمته، بل كان محط أنظار معلميه واعجابهم ، محاطاً بمحبة أقرانه ، فهو ذكي وسريع البديهة ، مع شفافية ورهافة حس، أهّلته للمكانة الأدبية الرفيعة التي وصل اليها ، ومع انتقال شقيقه الأكبر المهندس شوكت السبول إلى مدينة الزرقاء الناشطة بالحياة ، حصل على فرصة مرافقته للدراسة في مدارس أفضل حالاً في تلك الفترة ، وقد عايش ظروفاً صعبة وأوضاعاً متقلبة، نتيجة سجن شقيقه لآرائه السياسية كونه ضابطا عسكريا، ورغم كل ما مرّ به الفتى الأردني الجنوبي، في هذه المدينة الغنية بتركيبتها الاجتماعية، إلاّ أنه تمكن من إكمال دراسته الثانوية في كلية الحسين في عمّان، التي كان يأتي إليها يومياً من الزرقاء

وكان مجتهداً ومتفوقاً في دراسته ،حتى انه كان من أوائل محافظة العاصمة في الثانوية العامة ، وقد حصل بفضل ذلك على بعثة لدراسة الفلسفة في الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1957م.

لقد تشبّع تيسير السبول بالأفكار القومية ، ونمت توجهاته العروبية في فترة مبكرة ، لذا لم ترق له الأجواء في الجامعة الأمريكية فتركها ، وفضّل الالتحاق بجامعة دمشق في سوريا ، ودرس فيها الحقوق . وكانت له انتماءاته الحزبية في تلك الفترة ، حيث انتسب لحزب البعث لكنه سرعان ما تركه ثائراً على الانتهازيين والوصوليين من أبناء الحزب ، وقد عبّر عن تحوله هذا، وانتقد استغلال الشعارات من أجل الوصول إلى السلطة، من خلال رواية "أنت منذ اليوم" التي أعقبت حرب حزيران النكسة ، وقد أنهى دراسته الجامعية عام 1962 م ليعود الى الأردن وليدخل بذلك إلى حياته العملية المتقلّبة.

كان قلقا وملولا ، يأخذه المزاج الابداعي أكثر مما تفرضه عليه الحياة الوظيفية ، فالثورة في أعماق نفسه، تجعل منه انساناً كثير المواجع، راغباً في الترحال والتغيير ، فعمل موظفاً في دائرة ضريبة الدخل لفترة ، لم يلبث بعدها ان هجر الوظيفة الحكومية ، فالتحق بمكتب المحامي المعروف صليبا الصناع كمتدرب ، وكعادته لم يكمل مشروعه التدريبي ، فسافر مع زوجته الدكتورة مي اليتيم إلى البحرين للعمل ، وقد انجبت له زوجته طفلين هما عتبة و صبا، ولم يطل بهما المقام في البحرين ، فلقد قررا الانتقال الى السعودية باحثين عن فرصة أفضل في العمل ، ويبدو ان الترحال والاحلام المقطمة قدر لازم حياة هذا المبدع حتى لحظاته الأخيرة.

عاد تيسير الى عمان عام 1964 أي بعد فترة ليست بالطويلة ، وتمكن هذه المرة من إكمال تدريبه في المحاماة ، بعد ذلك عمد الى افتتاح مكتبه الخاص للمحاماة في مدينة الزرقاء ، لكن ملله وضيقه بكل ما يحيط به، دفعه إلى إغلاق مكتبه والانتقال الى العمل في الاذاعة ، وقد قدم برنامجه الشهير مع الجيل الجديد الذي استمر طيلة حياة تيسير الباقية التي لم تكن طويلة أيضاً.

تفتحت قريحة تيسير السبول الشعرية في أحضان جامعة دمشق ، فكان يقرأ بنهم ، و انطلق في عالم الكتابة عن طريق المجلات والدوريات الادبية في دمشق وبيروت، كمجلة الثقافة ، و الآداب ، و مجلة الأديب .

و بعيد نكسة حزيران توقف عن الكتابة لفترة قصيرة، متأثراً بأجواء الحزن وخيبة الامل ، فلقد صدم بالهزيمة، مدركاً حجم الخسارة وأبعادها ، و قد اعلن عندها موت الشعر ولو مؤقتاً، لتبرز الرواية كمعوّض فني وفكري ، فلقد كتب روايته "أنت منذ اليوم" في أعقاب الخذلان الذي أصابه بعد ما آلت اليه الاوضاع التي خلفتها حرب الأيام الستة ، مستلهماً بذلك سيرته والاحلام الكبيرة المنكسرة ، وما أصاب جيله من ضياع وفقدان للثقة ، لتظهر الرواية عن دار النهار عام 1968 م ، وحازت على جائزة الرواية العربية بعد الهزيمة ، وكان أن صدر له ديوان شعري بعنوان (أحزان صحراوية) عن دار النهار في العام 1968م.

كان تيسير السبول شديد الحساسية والتأثر بالأحداث والانتكاسات المتكررة التي عاشتها الأمة العربية ، والتي عايشها بكل مرارتها ، آلمه ما آلت اليه أحوال العرب ، واستفحال الأعداء في الارض المقدسة . وبعد حرب تشرين الشهيرة وما تبع ذلك من لقاء المصريين والاسرائيليين عند ( خيمة الكيلو 101) أقدم هذا العروبي النبيل و المبدع الكبير، على الانتحار بعيار ناري واضعاً حداً لترحاله المستمر ، عاجزاً بذلك عن احتمال المزيد من المعاناة والخيبات ، ولقد كانت لنهايته هذه، وقع مدوٍ سيبقى في ذاكرتنا مذكرا بحلم الوطن الكبير ، وبألم فقدان مبدع كبير غادرنا بأحزانه الصحراوية الخالدة ، رحل لا لينتهي بل ليبدأ منذ اليوم.



ولد تيسير في مدينة الطفيلة الواقعة جنوب الأردن عام 1939.


حياته وأسرته:

عاش السبول في أسرة متوسطة الحال تتكون من خمسة أولاد وأربع فتيات هو أصغرهم سناً، وكان والده يعمل مزارعاً أسوة بغيره من أسر الطفيلة آنذاك، والذي سعى، رغم ضيق حاله، إلى ضم أبنائه وبناته ضمن صفوف الجامعيين.

شخصيته ودراسته:

تميّز السبول بشخصية قوية وبسرعة البديهة والذكاء والإحساس المرهف، ما جعله محط أنظار أساتذته وأقرانه الذين تنبأوا له بعلوّ الشأن، حيث كان منذ صغره مولعاً بالكتب فانكب على القراءة.

واصل السبول دراسته المتوسطة والثانوية في مدينة الزرقاء بتفوق رغم أجواء القلق والاضطراب والحزن جرّاء سجن أخيه شوكت بسبب آرائه السياسية.

واستطاع السبول وبسبب جَلَده وتفوّقه في الدراسة الثانوية الحصول على منحة دراسية إلى الجامعة الأمريكية في بيروت لدراسة الفلسفة، إلا أن الحياة في تلك الجامعة لم ترق لشاب تشغله قضايا الأمة العربية وما يعج بالعالم العربي من أحداث سياسية.

بداياته الشّعرية:

دفعته الأحداث السياسية إلى ترك الجامعة ودراسة الحقوق في جامعة دمشق، والتي ظهر السبول فيها كشاعر ذي موهبة، ما زاد من اطلاعاته الواسعة على قراءة الكتب والصحف والمجلات اليومية والأسبوعية، لتبدأ مسيرته كشاعر في الكتابة ببعض المجلات والدرويات الشهرية الأدبية في دمشق وبيروت كمجلة الثقافة، والآداب والأديب.

توقف السبول عن الكتابة لفترة وجيزة متأثراً بما يدور حوله من توالد للهزائم والنكسات، إذ باتت تشكل عبئاً عليه يرزح تحتها.

حياته العملية:

عمل السبول موظفاً متنقلاً من وظيفة إلى أخرى وتزوج وأنجب طفلين، عتبة وصبا ثم عمل في الإذاعة الأردنية.


3/9/2011 2:04:14 PM

تعليقات