رحاب.. أقدم كنائس العالم 1 و 2 و 3

رحاب.. أقدم كنائس العالم (1-3)



كتابة وتصوير مفلح العدوان


رحلة نحو أعماق التاريخ..
هذا وصف مقام القدوم إلى رحاب؛ القرية التي تحرس إرثا امتد مئات السنوات على أرضها الطيبة، التي يوجد فيها تحت كل حجر نقش، وخلف أي باب هناك فسيفساء، بينما دروبها مرصوفة على امتداد طبقات من الآثار التي لو قرئت، واكتشفت، لكونت متحفا كاملا يصور مراحل متعددة من تاريخ تطور البشرية.

محطة قوافل

تلك هي رحاب..!

أول وصف لها بأن فيها أقدم كنيسة في العالم، كما أنه على أرضها منثور عقد متكامل من الكنائس التي بنيت على ثراها خلال مراحل متعددة من تاريخها، وقد يصل المكتشف منها إلى أكثر من 23 كنيسة.
ورحاب هي أيضا مركز المسافة المتوسطة للوصل بين بصرى الشام وجرش، حيث كانت ذات زمن مضى محطة على طريق القوافل بين المدينتين، وكانت في مرحلة أخرى محطة للحمام الزاجل، كما أن الراسخين في الذاكرة يعتقدون بأنها واحدة من المدن العشر العتيقة.. وهي كل هذا وأكثر..

الحد الفاصل

تلك هي رحاب التي اتجهت اليها من عمان، وكنت وحيدا على الدرب، لا يرافقني إلا التوق لاستعادة ما قرأت عن القرية الموعود بزيارتها، هناك على مسافة 12 كيلومترا غرب المفرق، حيث ينتظرني الصديق الدكتور هاني عبد الكريم أخو ارشيده، ورئيس البلدية خالد عبد الكريم أخو ارشيده، وكنت مشوقا لهذا اللقاء، فتجاوزت المسافة، وجزت المفرق الى رحاب، وقد كان هناك طريق بديل، عدت بعد زيارتي من خلاله الى بلعما، والزرقاء.
ألقيت التحية على المفرق، وجعلت مسيري بطيئا بعد ذلك، وأنا أتأمل الدرب الى رحاب من هناك، وأستحضر عبقرية قرب تلك القرية من الصحراء، فكنت أسمع أصوات أرواح بني أمية، وتطرق في أذني سنابك خيل معاوية، الذي جعل من هذه الصحراء، وأهلها، سندا له، وجندا معه.

تداعيات المعنى

عندما اقتربت من رحاب طرقت باب ذاكرة المكان هنا، فكنت أرى في القرية، وفي الأمكنة حولها ذاك الحد الفاصل بين جند الشام، وجند الأردن، وكان بريق شمس من عين الرضى يلفني وأنا أدخل رحاب، هذه القرية التي يسمونها أيضا ''رحاب بني حسن'' للتفريق بينها وبين قرى أخرى تحمل ذات الاسم في غير مكان في الأردن، دخلت القرية، وأنا أستعيد في ذهني ما كنت تصفحته في دفاتر التاريخ، وما تأملته فيما يخص معاني اسمها في المعاجم والكتب، ثم كانت جلستي مع أهلها، فازدادت الصورة وضوحا من بساطة وصدق أحاديثهم عن قريتهم التي بها يعتزون، حيث أنهم يشيرون، في سياق معنى الاسم، الى أن رحاب هي الحد الفاصل بين الصحراء والمنطقة الخضراء، وفي الآرامية هي بيت راحوب، وهي الأرض الواسعة والرحبة، ويشير الدكتور عبد القادر الحصان في كتابه ''محافظة المفرق عبر العصور/ دراسات ومسوحات أثرية ميدانية''، حول سبب التسمية بأنه ( ذكر اسم رحاب في ثلاثة أشكال؛ مرة بكسر الراء، وأخرى بفتح الراء، وثالثة بضم الراء، فقد ذكرها ابن شميل بكسر الراء، فرحاب بمعنى اتسع، ورحاب الوادي أي مسايل الماء من جانبيه فيه، والرحاب في الأودية، والواحدة رحبة، وهي مواضع متواطئة يستنقع فيها الماء، وهي أسرع الأرض نباتا، وتكون عند منتهى الوادي، وفي وسطه ''ابن منظور''.. وكذلك ذكرت بضم الراء رحاب..''.
كما أن الباحث محمود سالم رحال في كتابه ''المشترك السامي في أسماء المدن والقرى الأردنية''، يوضح معنى رحاب، حيث يقول: (رحاب: وبالسامي المشترك بمعنى واسع، وتحمل أيضا اسم ارحاب. تقع غرب المفرق.. وبالعربية الرحب الواسع، والجذر الآرامي رحف، رحب: اتسع. والعربي رحب: رحب المكان: اتسع).

عبد الله اليحصبي

يذكر الدكتور أحمد الخطيمي في كتابه ''بلدانيات الأردن'' تحت عنوان رحاب/ أرحاب بأن هذه القرية ذكرت في معجم ما استعجم للبكري بضم أوله على بناء فعال، موضع من عمل حوران، وأنشد كثير:.

سيأتي أمير المؤمنين ودونه
رحاب وأنهار البضيع وجاسم
ثنائي تنميه على ومدحتي
سمام على ركبانهن العمائم

كذلك يذكرها الحموي في معجم
البلدان بالضم من عمل حوران، ويشير الى بيت الشعر السابق لكثير.
كما أشار إليها الدباغ في (بلادنا فلسطين) حيث كتب عن رحاب بأنها: ''تقع في الجهة الغربية من المفرق بانحراف الى الجنوب، ترتفع 915م عن سطح البحر. ولد في رحاب عبد الله بن عامر بن يزيد أبو عمران اليحصبي(8هـ/ 630م- 118هـ/736م)، أحد القراء السبعة، ولي قضاء دمشق في خلافة الوليد بن عبد الملك، وتوفي في دمشق. قال عنه الذهبي مقرىء الشاميين، صدوق في رواية الحديث.
ويشير الباحث المهدي عيد الرواضية في الجزء الأول من مدونة النصوص الجغرافية لمدن الأردن وقراه، الى ما تم ذكره عن رحاب، ثم يضيف، بالرجوع الى غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجوزي، وأعلام الزركلي، قائلا: ''وعدها(المقصود هنا رحاب) عبد الله بن عامر اليحصبي الشامي، وهو مقرىء الشاميين، وأحد القراء السبعة، ضيعة من ضياع البلقاء، قال: ولدت سنة ثمان من الهجرة في البلقاء بضيعة يقال لها رحاب..''.
ويذكر محمد علي الصويركي الكردي في كتاب ''الأردن في أشعار العرب''، بأنه في العصر المملوكي نزل بها (رحاب) السلطان الناصر محمد بن قلاوون (توفي سنة 741هـ/1340م)، وقدم اليه وهو في جموع أمراء دمشق المنشقين معلنين ولاءهم، ودخلوا في طاعة الناصر، وبايعوه بالسلطنة منذ اليوم الذي خرجوا فيه من دمشق، حيث أكرمهم الناصر، ثم قفل راجعا الى أذرعات..).

الرحالة والآثاريون

وإضافة الى ما كتب عن رحاب على المستوى العربي، فقد كان لهذه القرية حضور عند الباحثين والآثاريين والرحالة الأجانب، حيث يرصد الدكتور عبد القادر الحصان بعض تلك الكتابات مشيرا اليها في كتابه حول محافظة المفرق، وهنا يقول حول رحاب: (المواقع الأثرية في بلدة رحاب العريقة أثارت الاهتمام لدى العديد من المهتمين والمختصين في مجال علم الآثار، وقد برز ذلك من خلال العديد من المسوحات والحفريات الأثرية في المنطقة، وقد كان أولها في بداية هذا القرن، فقد زارها الألماني شوماخر عام 1900م وشاهد حصنين الأول روماني، والثاني مملوكي يعود للقرن الرابع عشر، كتب عليه ''الملك الأشرف خليل سنة 693هـ''، كما عثر على نقشين باللغة الإغريقية نشرهما روهر فيما بعد، ثم زار اولبرايت الموقع عام 1931م، وتمكن من التقاط عدد من الكسر الفخارية تعود للعصرين البيزنطي والإسلامي المبكر، كما استطاع التقاط قطع فخارية تعود للعصرين البرونزي المتأخر والحديدي الأول، وعاد اولبرايت في العام التالي 1932م، وزار المنطقة ليجد أرضية فسيفسائية لأحد المساكن الخاصة بالمواطنين والتي تعود لأرضية كنيسة بيزنطية بالإضافة الى العثور على نقشين يعودان لقبري طفلين. هذا وقد تلاه نلسون جلوك بزيارة المنطقة عام 1933م، وقال أنه لا يمكن ربط اسم رحاب ''بيت راحوب'' العاصمة الجنوبية لإحدى الممالك الآرامية وذلك لأنه لم يستطع العثور على قطعة فخار واحدة تعود لعصر أبكر من العصر الروماني''. أول الحفريات الأثرية في رحاب قامت بها دائرة الآثار العامة بإشراف لانكستر هاردنج عام 1936م، واستمرت حتى 1942م''.

عبد القادر الحصان

هنا لا بد من الإشارة الى جهود الدكتور عبد القادر الحصان في قرية رحاب، وعمله، واجتهاده، من أجل تثبيت آثارها على الخريطة العالمية، حيث تتضافر جهوده العلمية، والعملية، مع انتمائه، وحرصه، ووعيه، في سبيل أن يقدم هذا التاريخ للعالم بكل الطرق المتاحة له، وهنا في رحاب يتذكره أهل القرية، ويحرصون على أن يعطونه، على الأقل، حقه المعنوي بأنه خير من خدم الآثار الموجودة في رحاب وعمل على الإعلان عنها، والكتابة حولها.

الحدود والأحواض

كان هذا الحديث هو بعض شجون رئيس بلدية رحاب الأستاذ خالد أخو ارشيده الذي تمنى أن تكون هناك عناية أكثر بقرية رحاب، والتركيز على تقديمها سياحيا وآثاريا، بشكل أفضل، وببرامج مدروسة من قبل الدولة، كما أنه أعطى ملامح مختلفة حول رحاب، وكان من المهم، في ذات السياق، أن يعطينا تحديدا جغرافيا لرحاب القرية، وليس البلدية، بسبب خصوصية المنهج الذي نتبعه بإفراد كتابة خاصة عن كل قرية بحدودها الأضيق لتعطى فرصة لأكبر عدد من القرى للكتابة عنها، وهنا يشير خالد اخو ارشيده الى أن قرية رحاب يحدها من الشرق ايدون بني حسن، والمفرق، ومن الغرب الصهاه، ومن الشمال الغربي البويضه والعليمات، وبويضة القلاب، وبويضة المشاقبة، ومن الشمال أم النعام والمنشية، ومن الجنوب القدم (قديما كان اسمها خنيزيره والآن المنيفة)، ثم يرصد مساحة القرية مقدرا إياها بحوالي ثلاثين ألف دونم، ويعطي لمحة عن أحواض رحاب، وأحيائها مشيرا الى أنه يوجد فيها الأحواض والأحياء التالية: ( حوض 13 البلد، وحوض 16 أبو القناوي، وحوض 18 أم نوارة، وحوض 2 الشياح، وحوض 10 الصفر الغربي
وحوض 8 تلعة وزان، وحوض 6 الصفر الشرقي، وحوض 17 القمعة، وحوض 20 حنو زينب، وحوض 9 الحنو، وحوض 14 أبو الرحى، وحوض 3 العوجا، وحوض المطله، وحوض حنو الحصان، وحوض أبو البطم،..).



سيرة قرية

تقع رحاب في غرب المفرق، على مسافة 12 كيلومترا، على الطريق من المفرق الى جرش، وهي تتبع قضاء رحاب، من لواء القصبة في محافظة المفرق، وهي مركز بلدية رحاب الجديدة التي تضم 33 تجمعا سكانيا.

الديموغرافيا:

يبلغ عدد سكان رحاب حوالي 3693 نسمة (1916 ذكورا و 1777 إناثا)، يشكلون 623 أسرة تقيم في 901 مسكنا، ويعملون في الزراعة، والوظائف الحكومية، ومعظم أهل القرية من عشائر بني حسن.

التربية والتعليم:

توجد في قرية رحاب المدارس التالية: مدرسة رحاب الثانوية الشاملة للبنين، ومدرسة رحاب الثانوية الشاملة للبنات، ومدرسة رحاب الأساسية للبنين، ومدرسة رحاب الأساسية للبنات.

الصحة:

يوجد في القرية مركز صحي شامل.

المجتمع المدني

يوجد في القرية المؤسسات التطوعية التالية: جمعية رحاب التعاونية، وجمعية رحاب للتنمية الاجتماعية، وجمعية رحاب لذوي الاحتياجات الخاصة، ومكتب للصندوق الهاشمي.


رحاب.. أقدم كنائس العالم (2-3)




لها تاريخ عريق.. وفيها من الذاكرة صورة تختلط فيها ملامح الآثار، وألوان الموروث الشعبي، ومآذن المساجد، مع نواقيس الكنائس.
فيها من كل هذا وذاك، ولذا فإن ما يتم تقديمه من كتاب تاريخ قرية رحاب، ما هو إلا غيض من فيض، وقليل من كثير يسكن في عمقها، وهو محفوظ في صور أهلها، ومنقوش في قلب ترابها.

نفرتيتي

هذا مقام العودة إلى التاريخ..
وهنا ستكون الإطلالة على تلك الآثار الموجودة في رحاب، وكذلك على جوانب من إرثها القديم، حيث نبدأ بسرد ما ذكره المطران سليم الصائغ في كتابه ''الآثار المسيحية في الأردن''، عن قرية رحاب، وماضيها الثري، حيث يقول: (.. تاريخها عريق جدا، فقد ورد اسمها في لوائح أسماء المدن التي احتلها فرعون مصر تحوتمس الثالث (1490-1436 ق.م)، وكانت رحاب آنذاك تؤدي الجزية لفراعنة مصر. ولكنها تمردت مع من تمردوا، وخرجت عن طاعة مصر، في عهد أمنحوتب الرابع (أخناتون 1371-1358 ق.م) فرعون مصر الذي لم يكن حازما في الحكم لتأثره بزوجته الجميلة نفرتيتي التي كانت -على ما يعتقد- من أصل سوري. وظلت رحاب حرة حتى السنة الأولى من حكم الفرعون ستي الأول (1317-1301 ق.م) من السلالة التاسعة عشرة).
ويضيف المطران سليم الصائغ في موضع آخر من الكتاب Sad.. وحين انتهاء عصر اضطهاد الكنيسة في مطلع القرن الرابع الميلادي كانت بصرى الشام مركز المقاطعة العربية، وكان عدد من المدن والقرى الأردنية تابعا لأبرشيتها، مثل رحاب بني حسن، وخربة السمراء، وأم الجمال، وسما السرحان، وصبحة وصبحية، وأم القطين، ودير الكهف، وقصر الحلابات.. ألخ، وكانت بصرى أيضا مرجعا لعدد من الأبرشيات الأردنية مثل: جرش، وعمان، وحسبان، ومأدبا).

الاحتلال الساساني

بعد هذا التقديم، يدخل المطران الصائغ في تفصيلات حول آثار رحاب المسيحية، ولكن نظرا إلى كون المعلومات الأحدث والأشمل، في هذا الجانب، قام بتدوينها الدكتور عبد القادر الحصان في جهده المميز والموثق في كتاب ''محافظة المفرق ومحيطها عبر العصور/ دراسات ومسوحات أثرية ميدانية''، فإننا سنعتمد هذا الكتاب في عرض الخريطة التاريخية والأثرية لرحاب، حيث يبدأ الدكتور عبد القادر بوحه العلمي حول رحاب بقوله: (تغوص رحاب عبر رحلة الزمن في أعماق التاريخ، وقد كان لها دور بارز في تطور وارتقاء الحضارة الإنسانية، وذلك عبر تراكمات الحضارة منذ طفولتها وحتى الآن، وذلك راجع لأهمية الموقع الاستراتيجي الذي تتمتع به ومنذ أقدم العصور..)، ثم بعد ذلك يستعرض الدكتور عبد القادر العصور التي لها آثار باقية في رحاب، بدءا من العصر الحجري القديم الأعلى، والعصرين الحجري النحاسي والبرونزي المبكر، كما يمر على فترة الاحتلال الساساني للمنطقة، ويدلل على ذلك من خلال ثلاث كنائس تم تدشينها في هذه المرحلة وهي كنيسة القديس أسطفان عام 620م، وكنيسة القديس بطرس عام 624م، وكنيسة القديس نيقفور قسطنطين عام 623م، ويثبت هنا الملاحظة بأنه (كان يتم تدشين كنيسة كل عامين تقريبا، ويعلل ذلك أن سكان بلدة رحاب كانوا من الساميين والسريان المعارضين للدولة البيزنطية، مما سهل تعاملهم مع الساسانيين الفرس).

الفترة الإسلامية

ويشير كذلك الدكتور عبد القادر في كتابه إلى الفترة الإسلامية، ويوضح بأنه (في الفترة الإسلامية المبكرة فقد استمرت -رحاب- في وضعها الايجابي، وقد تم تدشين بعض كنائس هذه الفترة مع ترميم وصيانة البعض الآخر مثل كنيسة القديس مينا عام 635م، كما كان لها شأن كبير في تخريج العلماء والمقرئين وعلى رأسهم أحد القراء السبعة عبد الله بن عامر بن زيد أبو عمران اليحصبي، وقد ولي قضاء دمشق في عهد خلافة الوليد بن عبد الملك وآثارها الأموية شاهد على تطورها في تلك الفترة، كما أن المسجد الحالي القائم في شرق البلدة على المرتفع تعود جذوره إلى الفترة الأموية بالإضافة إلى ترميم وصيانة العديد من المواقع البيزنطية السابقة وخاصة البركة الكبيرة).
ويشار أيضا إلى استمرار السكن في رحاب في الفترة العباسية المبكرة، واستمر صمود القرية بعد ذلك حتى مع الزلزال الذي ضرب المنطقة في نهاية الفترة الأموية، والأوبئة، والثورة الأموية المضادة في بداية القرن التاسع الميلادي، كما أنه بقيت رحاب تجدد نفسها، وتحافظ على هويتها في العهد الأيوبي المملوكي، حيث أنه من أهم المعالم المملوكية في القرية المسجد، وبعض النقوش العربية المحاذية له شمال رحاب في منطقة تل رحيبة، وقد تم استخدام الموقع بشكل جزئي في الفترة العثمانية وخاصة منطقة محيط المسجد كمشاتي، غير أن إعادة استخدام الموقع في العصور الحديثة أدى إلى تدمير الكثير من المعالم الأثرية.

أبرشية بصرى الشام

وإذا كانت رحاب مشهورة بكثرة الكنائس فيها، وبعراقتها، فلا بد من رصد لها، وتوضيح طبيعة تلك الكنائس المكتشفة في القرية، وهنا يشير الدكتور عبد القادر الحصان إلى أنه قد (تم الكشف كليا من خلال الحفريات والتنقيب عن ثلاثة عشر كنيسة، وعشرة أخرى من خلال المسوحات الأثرية في بلدة رحاب، وبهذا يكون العدد الإجمالي 23 كنيسة، اثنتان منهما مستملكتان من قبل المواطنين، ومن بين هذه الكنائس تم تأريخ أربعة لفترة الحكم الساساني للمنطقة من عام (614-628م) مما يدل على أن بلدة رحاب آنذاك سلمت من تدمير الجيوش الساسانية، وعلى الأرجح أن يكون السبب في أن سكانها من العرب الساميين والسريان، وذلك لأنهم كانوا يتبعون أبرشية بصرى الشام، ويعارضون في كثير من الأمور الإمبراطورية البيزنطية، أكان ذلك سياسيا أو دينيا ومذهبيا).

كتدرائية تلعة القرية

بسلاسة علمية، وبتدرج منطقي يتم بعد كل تلك التفاصيل رصد الكنائس في رحاب بتواريخها، مع تثبيت العهد الذي دشنت فيه، أو التاريخ الذي تم ترميمها فيه، حيث تكون الخلاصة وفق التسلسل الذي وضعه الدكتور عبد القادر، حيث تكون الكنائس المثبتة في رحاب هي على النحو التالي: كنيسة القديسة مريم العذراء (دشنت في عام 543م، ثم رممت في العام 582م)، وكنيسة القديس باسليليوس (دشنت في عام 594م في عهد أسقف بصرى بوليقتوس)، وكنيسة القديس بولس (دشنت عام 596م في عهد الأسقف بوليقتوس)، وكنيسة القديس صوفيا (بنيت في عام 604م، في عهد الأسقف بوليقتوس)، وكنيسة القديس اسطفانوس (دشنت في عام 621م، في عهد الأسقف بوليقتوس)، ودير القديس نيقفور قسطنطينوس (دشنت بتاريخ 28 شباط 623م، في عهد أسقف بصرى بوليقتوس)، وكنيسة القديس بطرس (دشنت بتاريخ 624م، في عهد الأسقف بوليقتوس)، وكنيسة القديس أشعيا (لم يتم معرفة التاريخ الذي أنشئت فيه، ولكن يرجح أنها دشنت في عهد الأسقف ثيودروس، وهذا يعني أنها دشنت في منتصف العقد الرابع من القرن السابع الميلادي، أي بعد عام 635م)، وكنيسة القديس مينا (دشنت في عام 634م، في عهد الأسقف ثيودورس)، وكتدرائية تلعة القرية (المعطيات المادية تشير الى أنها دشنت في بداية القرن السادس الميلادي)، وكنيسة رحيبة (لم يعرف تاريخ الإنشاء، أو الاسم، وذلك لإعادة الاستخدام في الفترة الأيوبية المملوكية، وعلى الأرجح أن تكون قد دشنت في نهاية العصر البيزنطي، وبداية العهد العربي الإسلامي)، وكنيسة القديس يوحنا المعمدان (دشنت في عام 620م، في عهد الأسقف بوليقتوس). ويشار كذلك إلى أنه قد تم الكشف عن خمسة كنائس أخرى لم يتم التنقيب بها بعد، وفي معظمها تقع ضمن أراضي المواطنين، وأهمها كنيسة وسط البلدة شرق المسجد، وكنيسة خزان سلطة المياه.
ثم بعد كل هذا هناك تفصيلات حول كل كنيسة من هذه الكنائس، من حيث الموقع، والمخطط المعماري، والكتابات المكتشفة فيها، وكل المتعلقات المتاحة لكل كنيسة، ثم طرح لأهم المكتشفات الأثرية في المنطقة، وفي تلك الكنائس، مثل القطع الحجرية الفنية، وقواعد الأعمدة، والتاجيات، وقطع الإفريز، وكسر الجواريش الرحوية، والرخاميات، والأرضيات الفسيفسائية.

بيت رحوب

وقبل الانتهاء من التاريخ القديم لرحاب، نعود إلى ما كتبه المطران سليم الصائغ، حول ما يعتقد من أن رحاب بني حسن هي راحوب الآرامية، وفي هذا السياق يقول المطران الصائغ: (رحاب بني حسن هي أيضا مدينة كتابية، فقد ذكرها سفر صموئيل الثاني (10/6) الذي يروي لنا أن ملك بني عمون قد أرسل واستأجر عشرين ألف راجل من مملكة بيت رحوب ''أي رحاب'' الآرامية المجاورة، ومن أراميي صوبا لكي يدعم جيشه، ويواجه جيش داؤد الذي قدم من أورشليم بقيادة يؤآب، إلا أن يؤآب لم يتمكن من فتح المدينة والسيطرة عليها فعاد إلى أورشليم. ويعتقد الكثيرون من علماء الكتاب المقدس أن رحوب التي ورد ذكرها في سفر العدد (13/21) هي رحاب بني حسن. فعندما أرسل موسى النبي رجالا يستطلعون أرض كنعان، صعدوا واستطلعوا الأرض من برية صين إلى رحوب ''رحاب'' عند مدخل حماة. كذلك يرجح عدد من علماء الآثار أن رحوب التي ورد ذكرها في سفر القضاة (18/28) هي رحاب بني حسن. وقد روى سفر القضاة هجرة بني دان واستيلائهم على لابيش، وكان شعب لابيش هادئا آمنا. فضربه بنو دان بحد السيف وأحرقوا المدينة بالنار، وكانت المدينة في الوادي الذي لبيت رحوب).

رحاب.. أقدم كنائس العالم (3-3)



ما تزال رحاب تشكل نصا جامعا لتكامل الإنسان والمكان، فإلى جانب ما عرف عنها من ذاكرة تشير إلى عمق تاريخها، وعراقة آثارها، هناك حراك اجتماعي يبقى ينبض على خريطة المكان، مشكلا البعد الإنساني الذي يتراكم على مر السنين في القرية، ليتجلى أمام عين الرائي على هيئة معمار اجتماعي إنساني مبني على بنية تحتية قوامها تجليات المكان، وموقعه، وتاريخه، وما لهذا من تأثيرات وتأثرات على هيكلية المجتمع، وما ينتج عنه في بنية الخريطة الاجتماعية لقرية رحاب.

«المسكن عند سيل الزرقا»

نعود إلى ما كتب عن رحاب، وبنيتها الاجتماعية، وهنا نشير في البدء الى ما ذكره الدكتور عبد القادر الحصان في (محافظة المفرق ومحيطها عبر العصور) حيث أنه في مقدمة ما كتبه عن هذه القرية يقول: ''ويبلغ عدد سكانها 2877 نسمة موزعين على 440 أسرة، ويرجعون في جذورهم العشائرية للحراحشة، خزاعلة، زبون، دلابيح، وحياك من آل الحصان، ويوجد في البلدة مركز صحي ومكتب للبريد ومدارس متعددة من المراحل الابتدائية وحتى الثانوية للبنات والبنين''.
ويمكن أن يكون هذا مدخلا لمتابعة التاريخ الشفوي وما يحفظه أهل القرية، ويعرفونه عن قريتهم، وبنيتها، ومعمارها، ومن واطنها على مر المراحل السابقة، وهنا نستكمل ما كان من حديث مع أهل قرية رحاب، خاصة ما ورد على ألسنة كل من رئيس البلدية خالد أخو ارشيده، والدكتور الباحث هاني أخو ارشيده، وبقية من كبار القرية، حيث يتم تفصيل الخريطة الاجتماعية للقرية على نحو أنه يوجد فيها من عشائر بني حسن، كل من الخزاعلة، والحراحشة، والزبون، والخلايلة، والزيود.
وقد ''كانت العشائر في القديم تنتقل من أرض لأرض، وكان في مقاسم عشائرية، وكان المسكن عند سيل الزرقا، وكانت أراضي أخو ارشيده تضم زينات الربوع، المنصوب، الرياشي، طواحين عدوان أخو ارشيده، وغيرها من المناطق في فترة قديمة''، وبعد ذلك في فترة لاحقة تم الاستقرار، وتوزيع الأراضي على العشائر في القرية، والمناطق الأخرى.

الشوام والشركس

إن تاريخ القرية القديم يشير إلى أنه كان فيها عائلات شامية مثل دار كشورة، واشرق لبن، والبندقجي، والشربجي، ودار جرن، هناك ذكر حتى الآن الى مطحنة القرية، وكانت شركة بين عبد الكريم أخو ارشيدة وفهد كشورة، وهؤلاء الشوام كان لهم في رحاب دكاكين ومحلات تجارية، ولكن لمسيرة هؤلاء الى رحاب، ومن ثم بعد ذلك الى مناطق أخرى سيرة يذكرها أهل القرية بقولهم أن الشوام ''جاءوا في العشرينات من القرن الماضي، وكان أول مجيئهم للمفرق(الفدين)، بعدين انتقلوا للمنطقة الغربية، كونها منطقة أمان، ويحتموا فيها من الغزو، ومن سطوة الجيش التركي، وهربا من الحروب والتجنيد، وبعدين توجهوا الى رحاب، واستقروا فيها فترة زمنية، وبعد ذلك انتقلوا الى منطقة المدور (غرب رحاب 8 كم)، وبقوا هناك لغاية الخمسينات، ثم انتقلوا الى جرش، وبعضهم رحل الى المفرق، وعمان، لكن بقيت لهم أملاك في المنطقة.
كما أن ذاكرة القرية تشير الى أن الشركس قد سكنوا في رحاب فترة قصيرة، واشتروا أراضي هناك، لكنهم لم يقيموا طويلا، وانتقلوا الى مناطق أخرى، بعد أن أعادوا الأرض الى أهلها في القرية، وانتقلوا بعدها الى جرش.

المغائر والبيوت

قديما كان السكن في بيوت الشعر، الى أن كان الاستقرار، ولكن من المهم الإشارة إلى أنه كان هناك اسغلال للكهوف، والمغائر، والعرقان الموجودة في القرية، وكان تستغل للخزين، وللمواشي، وفي الشتاء يمكن أن يتم اللجوء إليها، ومن تلك المغائر المعروفة مغارة كسورة، والعرق السورية (هذه كان فيها عائلة من سوريا).
أما عند البدء في الاستقرار في بيوت الحجر، فمن المهم توثيق أن أول بيت بني في القرية هو ''دار محمد أخو ارشيده، ومحمد العيطان، وكان هذا عام 1932م''، كذلك دار ثلجي الطوالبة الزبون التي يعتقد أهل القرية أنها ثالث دار بنيت في رحاب، وكان من البنائين المشهورين المعروفين في القرية، والمناطق المجاورة أبو فارس الدرزي،وكانت البيوت في تلك الفترة تبنى من الحجارة والتراب الأحمر، وكذلك الحجر القديم، وبعضها من حجارة الآثار.

المدرسة/ 1934م

يشير تاريخ التعليم في رحاب الى أن مدرسة القرية قد تأسست في عام 1934م، ''وهي تاسع مدرسة في المملكة''، وقد بناها أبناء عشائر بني حسن في المنطقة، وكانوا يجلبون لها الحجارة على ظهور الجمال، ''ومعلم البناء الذي بناها هو من جرش، واسمه حسن الحوامدة''، وكان أول مدير لهذه المدرسة هو المرحوم محمد علي الصايل الحسبان، وهو شقيق معالي إبراهيم الصايل، ووالد اللواء الطبيب ياسين الحسبان.
أما بخصوص العمل الاجتماعي فقد تأسست أول جمعية زراعية تعاونية في رحاب عام 1976م، وكان أول رئيس لها هو عبد الكريم أخو ارشيده، وقد صار مكانها لاحقا مديرية زراعة.
وعند فتح ملف المؤسسات المجتمعية والخدمية في رحاب، فإنه يشار إلى أن أول مجلس قروي تأسس عام 1969م، وكان رئيسه عبد الكريم أخو ارشيده، وأول مجلس بلدي كان عام 1975م، واستمر برئاسته ذات رئيس المجلس القروي السابق، وبقي حتى عام 1981م، بينما أول رئيس منتخب لبلدية رحاب الجديدة فقد كان عام 2007م، وكان خالد عبد الكريم أخو ارشيده.
وفي ذات السياق لا بد من ذكر أن أول تشكل قضاء إداري برحاب كان عام 1992م، وكان أول مدير قضاء هناك هو فاروق حتمل القاضي.

الطبابة

العيادة في رحاب تم تأسيسها في السبعينات من القرن الماضي، وقد كانت في بيت مكازي أخو ارشيده، وكان قبل العيادة هناك تمرجي فقط، وهذا في مرحلة الستينات، وكان من أسماء التمرجية الذين يتذكرهم أهل رحاب كل من أبو سليمان التمرجي، وبرجس الزعبي، لكن فيما بعد ذلك، في السبعينات، صار التبرع من اخو ارشيده بالنسبة للعيادة، التي صارت مركزا صحيا شاملا في عام 1980م.

«مياه الحنفيات»

لقد اشتهرت قرية رحاب بالآبار الموجودة فيها، حتى أنه يقال أنه ''كان فيها 1000 بير ماء، وهي آبار جمع، وجزء منها روماني قديم، وكان لهذه الآبار أسماء مثل بير أبو الحلس، وبير أبو حرزه، وبير السعودي، وبير أبو عينين، وبير أبو الليل، وغيرها''.
وفي ذات السياق يتحدث أهل القرية بأن أول منطقة يتم فيها تمديدات مياه ''ووصلت المياه لحنفيات في البيوت'' في المفرق، كانت في رحاب، وهذا في بداية ستينات القرن الماضي، وكانت الداعمه هنا منظمة كير.

الملك عبد الله الأول

مكتوب في ذاكرة القرية أنه قد شهد عام 1946م حضورا للملك عبد الله الأول ابن الحسين في رحاب، حيث شرف القرية يتخييمه فيها لمدة 40 يوما، بحسب ما تحدث به أهل القرية، وأضافوا بأن جلالة الملك تناول الغداء عند محمد أخو ارشيده، وكان برفقته كل من الأمير طلال، والأمير نايف.
ويتحدث كبار رحاب عن مغادرته بعد ذلك الى عمان في اليوم الذي سمع فيه بوفاة الشيخ ماجد بن عدوان.

اتفاقية الصلح

هناك حدث مهم وقديم يتوارد بوجه كبار قرية رحاب عندما يريدون تفصيل تاريخ القرية، حيث يشيرون في أحاديثهم بأنه قد عقد في رحاب، في عام 1920م، أكبر صلح عشائري تشهده المنطقة، إذ أنه في بيت الشيخ مكازي أخو ارشيده تم صلح الشمال مع بني صخر، بحضور الأمير شاكر بن زيد مستشار أمير الأردن لشؤون العشائر.
وقد تم توثيق هذا الصلح في (كتاب الرمثا ولوائها) لفاروق السريجين، كما أنها وردت في مذكرات محمد رسول الكيلاني سنة 1997م، ونورد هنا النص كما هو عند فاروق السريجين تحت عنوان اتفاقية الصلح:
قامت عشيرة بني حسن بالتوسط بين الفرقاء المعنيين بزعامة امكازي اخو ارشيده لإجراء الصلح فيما بينهم، فقام بنو خالد بإجراء الصلح منفردا في الرمثا، وسمحوا فيه بكل شيء، أما الرماثنة وبنو صخر والسرحان فجرت مباحثات أولية بين الشيخ فواز البركات من جهة، وبين مندوب القبائل البدوية الشيخ منصور القاضي، وحضر المباحثات الشيخ سعد العلي البطاينة في قرية رحاب وذلك يوم الاثنين 20 محرم 1339هـ/ 4 تشرين الأول 1920م.
اشترط الرماثنة خلال المباحثات أن تعود الخيل والعدولة مثاني، وكذلك تعود القرضة، وأن يكون الصلح حفار ودفار (أي إنهاء الخصومة بلا قيد ولا شرط)، كما اشترطت القبائل أن يكون الصلح من غباغب بحوران الى الرمثا، ومن جبل الدروز الى الشلالة، بالنسبة للرماثنة، أما بالنسبة لسعد باشا العلي، فاشترطوا عليه أن يكون صلحه عن جبل عجلون كاملا وليس عن نفسه.
وفي يوم الثلاثاء 6 صفر 1339هـ/ 19 تشرين الأول 1920م اجتمعت الأطراف المعنية لإجراء الصلح في مضارب بني حسن في رحاب برئاسة مكازي أخو ارشيده.



تعليقات