الرتم عندما يتساقط ثلجاً !

الرتم عندما يتساقط ثلجاً !



جهاد جبارة - يفتح الشتاء حقائبه,ويبدأ بلملمة الغيمات اللواتي ركبن الريح في سفر امتد لشهور,تعب ساهراً لا يغمض له جفن,منتظراً عودة غيماته كي يقوم بطيّها تمهيداً لإعادة حشرها داخل تلك الحقائب تأهباً للرحيل.
العديد من زهرات الأرض اللواتي تكتظ بهن السهوب,والأودية يخرجن من مساكنهن كي يُلوّحن للشتاء مودعات,باستثناء تلك التي ما أن تلمح أن فصل المطر مُقبل على الرحيل حتى تكتسي بالأبيض الناصع مُذكرة إياه أن غيماته كن عاقرات ولم يُنجبن ثلجاً كهذا الذي ترتديه.
«الرتم»
تلك الشجرة الأسطورية التي لا تُقبل على احتساء الماء لأنها تُدمن العطش في صحارى يندر فيها تساقط المطر,لكن الرتم الذي هاجر وسكن التربة الحنائية الحمراء صار ينتظر المطر بلهفة فصلية منذ أن تذوق أول قطرات غيث,وجاء في الصحاح أن اسم الرتم -بفتح الراء والتاء-مأخوذ من-الرتمة-وهو الخيط الذي يُعقد على الإصبع لتذكير الشخص بأمر يُريد أن يفعله,ودخل الرتم عالم الأساطير التي ما زالت تُروى فالأسطورة العربية الجاهلية تروي -أن الرجل المُرتحل عن بيته كان يعمد إلى شجرة رتم فيعقد غصنين من أغصانها التي تُشابه الخيوط,ولدى رجوعه من سفره يُعرّج على تلك الشجرة فإن وجد أن الغصنين ما زالا مربوطين فإن في ذلك دلالة على أن امرأته بقيت وفية له خلال غيبته ولم تخنه!
هكذا هي الأسطورة,أما الشاعر الجاهلي النابه فيقول:
هل ينفعك اليوم إن همت بهم كثرة ما توصي وتعقاد الرتم
ولعل هذه الشجرة أصرّت على أن تُعرّف بأصولها العربية إلى حد أن اسمها العلمي مأخوذ من اسمها العربي-retama raetam-.
إن من غرائب هذه الشجرة الساحرة أن قطعان الماشية الجوعى لا تُقبل على أكلها,باستثناء الناقة والتي يتفادى الرعاة شرب حليبها إن هي أكثرت من أكل الرتم لأنه يسبب لهم نُعاساً,وخدراً,ودُواراً,كما أن رائحة دخانها إن أحرقت فإنها تسبب كسلاً,وخدراً أيضاً.
«الرتم»
هذه الشجرة المُغرمة بالصوم عن الماء حُباً بالعطش كان يُعتقد أنها لا تسكن سوى المناطق النائية الجافة قليلة الأمطار,لكننا صرنا نجدها قريباً منا وبأعداد تُوحي أن الرتم قرر القيام بهجرة جماعية نحو تخوم المدن!.
jihadjbara@saheelnews.com

تعليقات