عوني عبد الهادي .. سياسي وعروبي مؤسس

عوني عبد الهادي .. سياسي وعروبي مؤسس



هزاع البراي - ينتمي عوني عبد الهادي، إلى الجيل الأول، الذي وضع اللبنة الأساسية للفكر القومي العربي، منذ أواخر القرن التاسع عشر، فقد كان من القلة الذين تمكنوا من الحصول على فرص التعليم الجامعي في الجامعات الغربية، في الوقت الذي عانت فيه المنطقة العربية شرق المتوسط، من الإهمال وغياب المؤسسات التعليمية، إلا ما ندر، وكان له مع مجموعة من المتنورين العرب، دور حاسم في التعريف بالقضية العربية، ومطالب العرب وحقوقهم، في الفترة الأخيرة من عمر الدولة العثمانية، حيث تم حرمانهم من حقوقهم، وإثقال كاهلهم بالضرائب، والتجنيد الإجباري، وإحلال اللغة التركية مكان اللغة العربية، والتنكيل بأحرارهم ومفكريهم، مما مهد لقيام الثورة العربية الكبرى، والتي كان من نتائجها إخراج المنطقة العربية، من سيطرة عسكر الإتحاد والترقي العنصري، وقيام أول حكومة عربية في الحجاز وبلاد الشام، منذ قرون عديدة، وهي الثورة التي أسهم في التوعية لها عوني عبد الهادي وأمثاله من الشباب المتعلم.
تعد مدينة نابلس التي تماهت مع مدينة السلط، مسقط رأس عوني عبد الهادي،وهو الذي ينتمي إلى أسرة عريقة من أسر مدينة نابلس، حيث كانت ولادته عام 1882، وكان الأستاذ سلطان الشياب، صاحب كتاب « رؤساء الديوان الملكي الهاشمي « يشير إلى ما قاله البعض بأن ولادته ربما تكون في عام 1889، لكن معظم المصادر ترجح الرواية الأولى، وقد عاش سنواته الأولى في نابلس، قبل أن ينتقل إلى مدينة بيروت، حيث التحق هناك بالمدرسة، وقد واصل دراسته في هذه المدينة اللبنانية الساحلية، العامرة بالتجارة، وبوجود عدد كبير من الشباب العرب، وتوافد الأجانب والمؤسسات الأجنبية، مما أسهم في توسيع مداركه، وسهل عليه تعلم عدد من اللغات، وبناء ثقافة واعية في سن مبكرة، وبعد أن أنهى المرحلة الابتدائية، واصل دراسة المرحلة المتوسطة التي كان يطلق عليها « الرشيدي « في بيروت، وجزء في مدينته الأصلية نابلس، وقد ساعده هذا التنقل بين المدن العربية، وهو ما يزال طفلاً، أن يدرك أن البلاد العربية، وطن واحد مترامي الأطراف، ولا شك أن تفكيره بالقومية العربية، يرجع جذوره إلى هذه الفترة.
في عام 1905، سافر عوني عبد الهادي، إلى عاصمة الدولة العثمانية اسطنبول، وهاجسه إكمال دراسته بشكل أفضل، وفي تلك المدينة الكبيرة، والناشطة بالحركة على مختلف المستويات، التحق بالمدرسة الإعدادية العثمانية، حيث تمكن عام 1910، من التخرج في المدرسة السلطانية العليا، التي كان يطلق عليها « المكتب الملكي « وخلال وجوده في اسطنبول ارتبط بعلاقات صداقة مع عدد من الشباب العرب، الذين لم يرضوا بما آل إليه حال العرب تحت حكم الدولة العثمانية، وقد توصلوا إلى ضرورة العمل من أجل حرية العرب واستقلالهم، وبعد هذه المرحلة غادر عوني عبد الهادي اسطنبول، وتوجه إلى العاصمة الفرنسية باريس، وكان يدفعه إلى ذلك حلمه في إكمال دراسته الجامعية في فرنسا، وهناك التحق بمعهد ( سان لوي ) وبدأ بدراسة الحقوق.
خلال دراسته في باريس، تواصل مع العرب المتواجدين في فرنسا، وقد عايشوا ما تمتع به الغرب من حرية واستقلال، وحياة متطورة، ونظراً لإدراكهم لواجباتهم الوطنية، قام عوني عبد الهادي مع مجموعة من العرب هناك بتأسيس الجمعية العربية الفتاة، التي سعت إلى التعريف بحقوق العرب، والمطالبة باستقلالهم وحصولهم على حقوقهم في حكم أنفسهم بأنفسهم، كما كان أحد أعضاء اللجنة، التي دعت إلى عقد المؤتمر العربي الأول في باريس، خلال وجوده في باريس. في أعقاب الحرب العالمية الأولى، التقى بالأمير فيصل بن الحسين، وقد حضر معه مؤتمر الصلح الذي عقد في باريس عام 1918، حيث ترأس الأمير فيصل الوفد العربي في هذا المؤتمر الدولي الكبير، لإسماع صوت العرب إلى العالم، وقد كلفه الأمير فيصل بمنصب مدير مكتب حكومة الحجاز في باريس، وشغل أيضاً وظيفة السكرتير الخاص لسمو الأمير فيصل بن الحسين.
عندما أنهى دراسته للحقوق في باريس، عاد إلى دمشق ملتحقاً بالحكومة العربية، بإمرة الملك فيصل بن الحسين، حيث تم إسناد منصب وكيل – أمين عام - وزارة الخارجية إليه، وقد كانت لديه معرفة جيدة بالشؤون الدبلوماسية، بالإضافة لإتقانه لعدد من اللغات، منها التركية والفرنسية والإنجليزية، لكن إقامته في دمشق لم تطل، فلقد خسر العرب معركة ميسلون، أمام الجيش الفرنسي الحديث، مما أدى إلى سقوط الحكومة العربية، فغادرها إلى القاهرة عام 1920، وخلال وجوده في القاهرة، دفعه فكره العروبي إلى اللحاق بالأمير عبد الله بن الحسين، الذي وصل معان قادماً من الحجاز، على رأس قوة عسكرية، حيث أنضم إلى الأمير في معان، ووضع نفسه في خدمته، وقد انتقل مع الأمير إلى عمّان، حيث رافقه خلال محادثاته مع الوزير البريطاني « ونستون تشرشل « في القدس عام 1921، وشهد تأسيس إمارة شرق الأردن في عمان في العام نفسه.
بعد إعلان تأسيس الإمارة، كلف القومي العربي رشيد طليع، بتشكيل أول حكومة أردنية، وتم تعيين عوني عبد الهادي رئيساً للديوان الأميري العالي، في الحادي عشر من شهر نيسان عام 1921، وقد استقال من منصبه هذا في شهر تشرين الأول، وعاد إلى مسقط رأسه نابلس، وخلال هذه الفترة، عمل في المحاماة في مدينة القدس، وكانت فلسطين تمر بفترة تحولات كبيرة، وتتعرض لمؤامرة غربية واضحة المعالم، وقد دفعته بنيته الفكرية القومية والوطنية، إلى الالتحاق بالحركة الوطنية الفلسطينية، وكان أحد المشاركين في المؤتمر الإسلامي الذي عقد في القدس، وكان من نشطاء الحركة الوطنية الفلسطينية، وحيث ركز على الفعل السياسي، والتنوير بالمخاطر المحدقة، وسبل مواجهتها بمختلف المسارات، حيث قام بإعادة تأليف حزب الاستقلال الفلسطيني عام 1932، وقد انتخب رئيساً لهذا الحزب، وقد تم اختياره لتمثيل فلسطين في عدد كبير من اللجان الدولية.
في عام 1948 وقعت نكبة فلسطين، التي فقد العرب نتيجتها، الجزء الأكبر من أرض فلسطين، فغادر إثر ذلك فلسطين، وأقام في مدينة دمشق، وعندما أعلن عن توحيد الضفتين، عاد إلى عمّان حيث تم تعيينه مفوضاً وسفيراً للأردن في القاهرة خلال الفترة من 1951 إلى عام 1955، وقد اختير عضواً في مجلس الأعيان الأردني حتى العام 1958، وخلال هذه الفترة، عرف عوني عبد الهادي، بنشاطه وخبرته الواسعة، وإخلاصه وتفانيه في العمل، وعندما كلف دولة سعيد المفتي بتشكيل حكومته الرابعة، عين وزير دولة. بعد ذلك شكل إبراهيم هاشم الحكومة عام 1956، أصبح عوني عبد الهادي وزيراً للخارجية والعدلية – وزارة العدل – وفي فترة شائكة من تاريخ الأردن الحديث.
عندما تم الإعلان عن الإتحاد العربي الهاشمي، بين الأردن والعراق عام 1958، عين عضواً في مجلس الإتحاد، غير أن هذا الإتحاد حل عقب الانقلاب العسكري الدامي، الذي قام في العراق، وكان من شأن ذلك أن ترك أثره الكبير في نفسه، وهو القومي الأصيل، وبعد هذا الحدث بفترة، أحيل عوني عبد الهادي إلى التقاعد، لكنه بقي يعمل بهاجسه القومي العميق، حيث عين رئيساً للشؤون القانونية في جامعة الدول العربية، مما ترتب عليه مغادرته عمان والإقامة في القاهرة.
كان عوني عبد الهادي شخصية عربية بما تعنيه الكلمة من معنى، حيث رأى أن السبيل الوحيد لتحرر العرب، وبناء مستقبلهم يكمن في الوحدة الحقيقية، وكان هذا نهجه الدائم في كل مكان أقام فيه، وفي كل منصب تحمل أمانة مسؤوليته، مما أوجد له مكانة محلية وعربية لافتة، وقد قام خلال حياته بترجمة كتاب « مقدرات تركية تاريخية « من التركية إلى الفرنسية، حيث بقي مقيماً في القاهرة، حتى وفاته في الخامس عشر من شهر آذار عام 1970، وشيع جثمانه ودفن هناك.
hbarari54 @ hotmail.com


تعليقات