غرناطة.. حاضنة (قبور عبد الله)..مأدبا

ذات الدرب التي تؤدي إليها، من الممكن أن تجد صورة لها في كل القرى على امتداد الأردن، غير أن اسمها لا يتكرر، فهي حاملة اسم حديث بالنسبة لها، لكنه يشي بذاكرة مجد قديم في مكان بعيد من هنا، وهو ”غرناطة”..
يا لهذا الاسم الموحي بشجن عتيق، وبتاريخ عريق، وبحضور أكيد هناك في البعيد، أما هنا، وفي ”غرناطة”، الساكنة قريبا من مأدبا، فلا يكاد عمر لافتة اسمها يتعدى الربع قرن من الزمان..

درب الزوار

لقد كان اسم غرناطة فيما مضى ”قبور عبد الله”، حيث سميت بهذا الاسم بسبب أنه دفن فيها أحد أجداد عشيرة أبو الغنم، واسم هذا الجد هو عبد الله، و”له يرجع فخذ العبد الله من عشيرة أبو الغنم”، ودفن في هذه المقبرة كذلك سالم المفلح والد الشيخ محمد سالم أبو الغنم(أبو بسام)، كما دفن في هذه المقبرة أيضا اخوان سالم المفلح، ولأن هذه القبور موجودة في وسط القرية، فقد كان يطلق عليها منطقة، أو قرية ”قبور عبد الله”.
وإضافة الى هذه القبور، هناك قبور أقدم منها في هذه المقبرة، وأحدها كانت توجد حوله حوطة، ويعتقد القدماء من أهل المنطقة أنه قبر ولي صالح، وكان يتبارك به الزوار، ويأتونه للزيارة، ويذبحون التقدمات من الحلال عنده، ويقومون بطبخها، وإذا كان هناك معهم رجل أو امرأة مريض، فإنهم يقومون بتنويمه ليلة داخل الحوطة لهذا الولي، ويشير كبار القرية الى أن عشيرة الزوايدة من مأدبا كان أفرادها معروفين بزيارتهم لهذا الولي في ”قبور عبد الله”، وكان هناك درب يؤدي الى القرية، ويسلكه الزوار في زيارتهم الى القبور، وهذا الدرب معروف بأنه ”درب الزوار”.
وإن تغيير الإسم من ”قبور عبد الله” الى ”غرناطة” حدث في الثمانينات من القرن الماضي، في عهد المغفور له الملك الحسين بن طلال، حيث تم تغيير اسمها، ومعها أيضا كثير من القرى الأردنية لأسباب اجتماعية في تلك الفترة، وبذلك ثبت اسمها كما هي الآن لتكون ”غرناطة”.

أم زعيريرة

موقع غرناطة في شمال غرب مأدبا، على مسافة حوالي ثمانية كيلومترات من مركز المحافظة حيث تحدها من الشرق قريتا جرينة واللبه، ومن الغرب وادي القرن، ومن الشمال العريش، ومن الجنوب الفيصلية.
وتتوزع القرية على عدة أحواض منها حوض أبو النمل وحوض الربوع وحوض أم زعيريرة (نسبة الى شجر الزعرور الذي كان ينمو فيه)، وحوض العريش.
كما أن ذاكرة ا لقرية تشير الى أنها كانت إحدى نقاط المسح في المنطقة عندما بدأت عملية مسح الأراضي في الأردن، حيث كانت هي مرجع المثلث في المنطقة، وكانت قبور عبد الله هي النقطة المرجع، ”والفراز بدا إفراز الأراضي من عند قبور عبد الله”.

الشوابكة والعمرو

يتحدث عن تفصيلات القرية، وذاكرتها، والناس فيها الحاج عبد الله علي راشد الشوابكة(أبو خالد) من عشيرة الهديب، ومعه المختار علي محمد سلمان العمرو(أبو حسام)، حيث يشيرا الى أن العائلات في القرية هم من الشوابكة، ومن العمرو، وبالنسبة للشوابكة فالعائلات الموجودة في غرناطة هم نواصره، ومرزق، ورحيّل، وهديب، وفي مجموعهم يطلق عليهم اسم المرايحة.
أما عشيرة العمرو، فيقول عنهم المختار أبو حسام أن كثير من بيوتهم في بداية غرناطة من جهة الفيصلية، وأنهم في بداية قدومهم الى هذه المنطقة جاءوا من الكرك، ثم الى المريجمة(مريجمة الشخانبة)، وبعدها استقروا في قرى الشوابكة ومن ضمنها غرناطة.

الدار الكبيرة

يقول الحاج عبد الله الشوابكة (أبو خالد) أن ” الناس كانت تسكن بعيون موسى عشان الميه، وكانت يوم تصيف يطلعوا على هذه المنطقة، وبعدين اتركزوا كل واحد في منطقته، وكان السكن في بيوت الشعر، وفي المغر، وكانت كل عيله إلها مغارة، وأحيانا كانت تسكن أكثر من عيلتين في مغارة واحدة، وهذه المغر موجودة عند قبور عبد الله اللي كان فيها بير رومي قديم، وهو سيح، وكان يسموه بير الدار، لأنه قريب من الدار الكبيرة اللي كان بيها قواطع، وكانت للخزين، وهي لكل الشوابكة، وبناها كان مشترك بين جميع المرابحة بشكل عام”.

محمد المسلماني

الخربة القديمة للقرية كانت توجد في منطقة عراق صالح، وموقعها في الجهة الغربية من القرية، وقد سميت بهذا الاسم نسبة الى عائلة المصالحة في القرية.
وتحتوي الخربة على بيوت تراثية قديمة، وفي باقي القرية هناك بيوت عتيقة أيضا، بعضها منحوت عليها سيوف وكلمات، ومن هذه البيوت القديمة بيت فلاح المرار المصالحة، حيث وجد فوق مدخل البيت نحت لهلال تركي، ونجمة، وسيف، وكتابة ، كما أنه في بيت آخر وهو بيت خير المصالحة وجدت علية، ونحت لأسد نافر في وسط واجهة البيت.
ويقول أبو خالد أن الذي كان يقوم بالبناء في القرية، هو بناء درزي فنان، وينحت في الحجر، وكان اسمه محمد عزيز، غير طائفته في الفترة الأخيرة من عمره، وسمى نفسه محمد المسلماني، وهو الذي بنى معظم بيوت القرية.

مجبر عربي

عندما يتحدث كبار القرية عن الطبابة في غرناطة، وكيف كانت سابقا عندما كان اسمها قبور عبد الله، فإنهم يفتحون صفحات من ذاكرة الطبابة في مأدبا أيضا، إذ أنه معروف في القرية اسم سليم العلي، في أنه ”مجبر عربي محترف وخبير وجبارته تكون ببياض البيض وبشاش منصوري، وما كان يسوّي غير الفكك والكسر ويجبرها، وتنجح بقدرة الله”.
أما بالنسبة لعلاج الأمراض فقد كان أهل القرية يتعالجون ”عند رحمة الدكتور ميشيل المعايعة، وهو معروف كثير عند الختيارية، أما عشان علاج الأطفال فكانوا يودوا عيالهم عند الدكتور نقولا، وهو أقدم طبيب أطفال في مأدبا”.

الدكان

المجلس القروي في القرية تأسس في السبعينات، وكان أول رئيس للمجلس هو المرحوم عواد عبد الرسول الشوابكة (أبو عمار)، أما الدكانة الوحيد في غرناطة فقد كان صاحبها عقاب العقلة، وهو من النواصرة، وكان يوجد فيها البريد، والذي هو عبارة عن تلفون وحيد يخدم أهل القرية.

التبني

لكل قرية حكاية، بعضها يمكن سردها كاملة، وبعض منها يشار إليها من بعيد، لكن لا بد من كتابتها، وفي غرناطة هناك قصة حول التبني، تشير الى علاقة نادرة صارت في زمن مضى، في غرناطة.
تقول الحكاية عن أحد أبناء القرية القدماء، أنه ” ما كان يجيه عيال، وكان أخوه عنده عيال كثار، فلما انولد له طفل جديد، حمله الأخ، وأخذه من عند أمه، ورباه، واعتبره ولده، وكل القرية تعرف أن هذا الطفل صار مثل الابن له، ولكن بعد فترة خلفت الزوجة، وصار له أولاد منها، لكنه بقي ينادى باسم ابن أخيه الذي تبناه، ولما كبر هذا الطفل مع الأولاد الجدد صار جزءا منهم، وصار يضرب مثلا بأبيه الذي رباه بعد أن أخذه من حضن ابنة أخيه ليلة ميلاده ليصبح ابنا له عن طيب خاطر، وكمساعدة لأخيه الذي عنده كثير من الأطفال”.

سيرة قرية

تقع غرناطة إلى الشمال الغربي من مدينة مأدبا، على مسافة حوالي ثمانية كيلومترات من مركز المحافظة. وتتبع إداريا إلى بلدية مأدبا الكبرى، وإلى قضاء جرينة من محافظة مأدبا..
الديموغرافيا: يبلغ عدد سكان غرناطة 1466 نسمة(723 ذكورا و 743 إناثا)، يشكلون 252 أسرة، تقطن في 307 مساكن.
ويعتمد أهل القرية في معيشتهم على الوظيفة الحكومية، والعمل في القوات المسلحة، والزراعة.
التربية والتعليم: يوجد في القرية مدرستان هما مدرسة غرناطة الأساسية للذكور، ومدرسة غرناطة الأساسية للإناث.
الصحة: يوجد في القرية مركز صحي أولي .
المجتمع المدني: توجد في القرية جمعية واحدة هي جمعية سيدات غرناطة التعاونية.

اعداد: مفلح العدوان

2007

تعليقات