كتبهامفلح العدوان ، في 19 حزيران 2007 الساعة: 11:54 ص
سهل حوران..
ونهر اليرموك، وسد الوحدة، والخط الحجازي، ووجوه الناس، وذاكرة تغير البيوت بعد هدمها، كله مختزن في اسم ” ذنيبه”، القرية التي لا يصل إليها إلا من أراد بلوغها، هناك، في أقصى مساحة من شمال الأردن، وفي نقطة هي الأقرب إلى الحدود السورية، وكنت، أنا، هذا المريد.. غادرت عمان، والمبتغى شمالا.. وصلت الرمثا، وألقيت سلاما على أهلها وأنا أتجاوزها، متجها شمال غربها، نحو قرى من سهل حوران، حملت في مجموعها هذا الاسم، وعلى درب واحد مررت عبر الطرة، والشجرة، وعمراوة إلى أن بلغت ذنيبه، وكان ينتظرني هناك نواف أحمد خميس الرفاعي ”أبو بلال”، الذي مشى معي داخل القرية، وفتح لي أبوابها المغلقة، وقرأ لي بعض ما تيسر من سيرتها، هو والطيبون الباقون من رجال القرية، وكبارها. كان البدء حديثا سريعا عن القرية، وحدودها التي يمكن تثبيتها على ما هو مدون في الخارطة، ورأيته على أرض الواقع فمن الشرق هناك الحدود السورية، ومن غرب ذنيبه يمر وادي الشلالة الذي يفصلها عن لواء بني كنانة، أما من الشمال فحدها مع سد الوحدة، وجنوبا منها تقع قرية عمراوة.
المعنى
حديث الاسم ومعناه الخاص بالقرية لم يبدأ من بيت ”أبو بلال”، بل أرجأناه إلى أن التقينا اثنين من كبار القرية العارفين بأسرارها، وهم خزنة ذاكرتها، الأول هو الحاج محمد موسى الربيع”أبو محمود”، والثاني هو الحاج محمد إبراهيم اشتيوي الزعبي ”أبو قاسم”، وكان هناك اتفاق على معنى الاسم بالنسبة لهما والذي ارتبط بجغرافية القرية، وبوجودها على رأس ثلاثة أودية، وكأنها ذنب لها، في موقعها كآخر قرية في لواء الرمثا، كما أنهما يذكران بأنه توجد هناك قرية تحمل ذات الاسم (ذنيبه)، في سوريا أيضا.
سد الوحدة
للمكان تفاصيله التي لا بد من تتبعها، وزيارتها، وقراءة جزء من تفاصيلها من خلال تلك المسميات التي يبدأها كبار القرية من خلال سرد أسماء الأحواض في ذنيبه، وهي حوض شرق الطريق، وحوض أم تينة، وحوض الرباطات، وحوض التكريمة، وحوض الشلاله، وهذا موقعه عند وادي الشلاله، وحوض الحمارات، وحوض الطبقة، وحوض أم النمل، وحوض الدقيق، وحوض أبو السكر، وهذا استملكت جزءا منه الدولة، إضافة إلى استملاك كل من حوض السقي الشرقي، وحوض السقي الشرقي، من أجل إنشاء سد الوحدة على الحدود الأردنية السورية. وبعد سيرة الأحواض، تكون زيارة إلى سد الوحدة، ورؤية بقايا خط سكة الحديد، والنفق الذي كان يمر منه القطار، وهو الآن في الجهة السورية من الحدود، وتحدث الكبار عن محطة الزيزون التي كانت قريبة وفي الجانب السوري، بينما في الجانب الأردني، قريبا منهم فكانت محطة المقارن التي كان يمر من خط القطار، وكانت عندها ”تلتقي الثلاثة انهر: الشريعة الشمالية، والشريعة الجنوبية، ووادي العلانa، وقد كان القطار يمر من هذه المحطة ”في السبعة وستين مرة واحدة كل أسبوع، لكن قبل هيك كان كل يوم يجي ويمر بالمحطة واللي بدو ينزل على حيفا كان يروح بالقطار للعفولة وبعدين يكمل على حيفا”.
إن أحاديث الكبار، ومظهر نهر اليرموك، والسد الذي شاهدته من أقرب نقطة مرتفعة تطل عليه، فتحت بوابات تذكار أنه كانت توجد على نهر اليرموك طاحونتان هما طاحونة القبو، وطاحونة المقارن، وهذه عندها سد الوحدة، أما عيون الماء فلا يوجد إلا عين النبعة، وهي ”عين مصاية قليلة ميتها”..
سيرة الناس
تشير أحاديث كبار القرية إلى أنه توجد في القرية عائلات من الزعبي وربايعة، وعفايفة، ورفاعية، وزيتاوية، ويفصل تتابع الحضور والاستقرار في ذنيبه، الحاج محمد الزعبي قائلا: ”على زمن الأتراك كان الناس ينتقلون من مكان للثاني داخل أراضي الدولة التركية..وأول ناس اجو لذنيبه هم العفايفه، ويقال انهم بتاريخهم القديم اجو للمنطقة قبل مع صلاح الدين، وبعدين مع إبراهيم باشا من مصر، لكن آخر شي لما وصلوا للقرية هان اشترى أول واحد منهم هان واسمه (عبد القادر العفيفي)، وكان لوحده، وبنى في الشفا بالقرية.
واجت بعد هيك عيلة الزعبية، وكنا قبل ما نيجي في عابدين في سوريا، وكانت هذي هي بلد للزعبيه، وهم اصحاب حلال، لكن اجت ثلجه قوية، بعابدين، واخذت الغنم والبقر، ورحلوا إلى سما الروسان، وبعدين إلى خرجا، واستقروا آخر شي بخربة ذنيبه، هذول عيلة الحشاركة من الزعبية، وجدنا اسمه محمد حشرك.. وبعدين اجو الربايعة، وكانوا قبل هيك بسما الروسان، وهم بعضهم يقول انهم مضرية من بني مضر، والبعض يقول انهم عشيرة من عشاير بني هلال من بني ربيعة، واجوا لذنيبه بعد مشكله صارت في سما الروسان.. وبعدين اجت عشيرة الرفاعية، وكانوا قبل هيك بقرية يبلا، عند العبيدات، وصارت مشاكل، واجوا على ذنيبه، وسكنوها..وبعد هيك في بالقرية البردغاوية، وأصلهم من زيتا، اجوا، واشتغلوا بسوريا، واستقروا بعدين بذنيبه..”.
(الكازان)
يرتبط في ذاكرة أهل القرية تاريخها الحديث بما حدث في عام 1972م عندما تهدمت القرية، وسقطت عليها القنابل، بعد معركة جوية فوق سمائها بين الطيران السوري، وطيران العدو الصهيوني، ويفصل بعض من تلك الذاكرة الحاج محمد الربيع ”أبو محمود”، قائلا:” انضربت البلد بالثنين وسبعين(1972م)، وكنا عاملين مجلس قروي جديد، واعترضت الطائرات الإسرائيلية الطيران السوري، ورجعت الطيارات وكانت أربعة، ومحملة صواريخ، ورمت واحد من الصواريخ فأجا عالبلد”. يكمل الحاج محمد الزعبي ”أبو قاسم”، مفصلا القصة لأنه كان رئيسا للمجلس القروي في تلك الفترة، مضيفا بأن ” العملية صارت بين إسرائيل وسوريا، ولما وجدت سوريا إن الجو لصالح إسرائيل انسحبت، وتراجعت، ومنشان هيك كان لازم تخفف حمولتها، فرمت أول (كازان) في الجهة الغربية من القرية، وهزت ذنيبه، واتصدعت البيوت، واللي داره قريبه من هناك اتهدمت، يعني اللي انرموا كازانين، واحد بالوادي، وواحد غربا..واللي انفجر بالقرية، وقع على دار العفافي، (محمود المصطفى العفافي)، ولأن البلد على حفة شفا، تأثرت كثيرا، واتهدمت بيوت، وراح شهداء بهذاك اليوم خمسطعش(15) واحد من القرية”.
الملك حسين
يتحدث الحاج أبو محمود الربيع أنه كان في القرية عندما سقطت الصواريخ، وأنه أبلغ الدولة عن الحادث، من خلال التلفون الموجود في دكان مصطفى محمد أحمد (أبو معاش)، حيث هناك كان مكتب البريد، والتلفون، وبعد ذلك جاء الإسعاف والدفاع المدني إلى القرية.
كما يضيف بأنه ” اجا الملك حسين(الله يرحمه)، للبلد، ووقف في ساحة دار الناجي، وبوقتها كان صادق الشرع عندنا محتفظ، وكان معه، فقال صادق الشرع:مولاي هذه بلد حدودي، وهي كل بيوتها الآن مهدومة أو آيلة إلى السقوط، فخلينا نعمرها، ووافق الملك، وأصدر أمره: (آمر بتعمير بلدة ذنيبه من جديد..)، وأعطى فترة ستة أشهر لإنهاء التعمير.. وكانوا الناس اللي مهدمه بيوتهم يسكنوا بخيام في الفترة بعد الصواريخ، وصار الإعمار على ثلاث دفعات، وكانت الدفعة الأولى ثمانين(80) نمرة ”.
مراسم الدفن
يتذكر أهل القرية أنه تم لهؤلاء الشهداء مراسم دفن سريعة، بسبب أن جثثهم كانت متفتتة، كما أن بعض البيوت مات فيها أكثر من واحد مثل محمود المصطفى الذين سقط ”الكازان” على بيته، وماتت زوجته وثلاثة أولاد له، ولذلك فإن الملك الحسين الذي استمر على مدار ثلاث سنوات بعد التفجير يزور القرية، عندما حضر إلى ذنيبه أمر لمحمود بسكن وأعطاه سيارة تاكسي ليعمل عليها.
دفاتر الطابو
يتحدث كبار القرية بأن ذنيبه كان تعداد نفوسها في عام 1965م حوالي 300 نسمة، وقبل ذلك في عام 1956م كان عددهم 248 نسمة. أما في الوثائق العثمانية، وكانت تعتبر ذنيبه من ناحية بني جهمة، فيمكن رصد التغير على عدد السكان في فترات متعددة من خلال دفاتر الطابو، حيث أن ذنيبه، كان في مطلع عهد السلطان سليمان القانوني، وبحسب دفتر طابو(430)، عدد سكانها 6 خانة(عائلة)، وفي سنة 950هـ/1543م زاد عدد سكانها بحسب دفتر طابو(401) ليصبح 30 خانة، و2 مجرد(أعزب)، ويوجد فيها إمام مسجد، بينما بعد حوالي نصف قرن، يشير دفتر طابو (99)، في عام 1005 هـ/1596م إلى أن عدد سكان ذنيبه أصبح 23 خانة، 14 مجرد.
سيرة قرية
تقع قرية ذنيبه شمال غرب مدينة الرمثا، وتبعد عن عمان 102كم شمالا، وهي من ضمن بلدية سهل حوران، وتتبع إداريا إلى لواء الرمثا، في محافظة اربد.
الديموغرافيا:
يبلغ عدد سكان ذنيبه2139 نسمة ( 1095 ذكورا و 1044 إناثا) يشكلون 350 أسرة، تقطن في 401 منزل. ويعمل أهالي القرية في الزراعة، أو في الوظائف الحكومية.
التربية والتعليم:
توجد في القرية ثلاث مدارس حكومية هي مدرسة ذنيبه الثانوية للبنين، ومدرسة ذنيبه الثانوية للبنات، ومدرسة حطين الأساسية (التدريس فيها حتى الصف الرابع).
الصحة:
يوجد في ذنيبه مركز صحي أولي.
المجتمع المدني:
توجد في القرية جمعية واحدة هي جمعية ذنيبه الخيرية.
* يوجد في ذنيبه 3 مساجد.
مفلح العدوان
تعليقات