القليعات.. زِقلاب ومرثية الشلال… خفّة لا تخفى على من عرفها..

كتبهامفلح العدوان ، في 29 كانون الثاني 2007 الساعة: 00:14 ص

كتابة وتصوير مفلح العدوان - وألوان ممزوجة بماء بكر، وخضرة هي أرضية المكان، فكل ما جاء بعدها، مرسوم عليه:البشر،والحجر،والدروب،وسمرة الوجوه،وبحّة الأصوات،والذاكرة المختبئة،والريف..الريف بكل نقائه،هناك في ”القليعات”، القرية التي ما زال بوحها على سجيته، محمل بالطيبة وبنقاء السريرة، ولذا فمن يريد أن يكتشفها عليه أن يتعامل مع أهلها، ويستمع لسواليفهم، لأنه لن يجد تاريخ قريتهم مدوّن في الكتب، فهي منسابة ومتداخلة مع الأماكن حولها، تلك التي تدعى قرى الشيخ حسين.
لذلك فإن للقليعات نصيب من كل ما يذكر عن إرث الأماكن المحيطة بها، لكنها تملك خصوصية وزخما من الذاكرة التي تبوح به أحاديث أهلها، فتشكل منها تاريخا موازيا، وخاصا بها، بدءا من اسمها الذي يرجعه أبناؤها في جذره الأول الى القلاعات، نسبة الى المقالع المنتشرة فوق الجبال حول القرية، لكن مع تعاقب الأجيال، والنحت في الاسم استقر ليكون في النهاية على ما هو عليه الآن”القليعات”. وهناك بعض الأحاديث تؤسطر الإسم، وتضفي عليه هالة البطولة، ناسبة إياه إلى قائد روماني قديم يحمل ذات الاسم الذي استعارته منه القليعات.

من بيت الشَعر الى بيت الحجر
حين تبسط القرية كفّ مساحتها..
تتبعها العين الراصدة، لتوثق حدودها الممتدة من جسر وقاص شمالا الى جسر زقلاب جنوبا، ومن قناة الملك عبد الله غربا الى المقالع المرتفعة شرقا، وقد يمتد البصر معها شرقا الى دير أبي سعيد، وغربا حتى يكون العناق مع نهر الأردن، ومع بيارات أهل القرية التي تحرس المكان هناك، ببرتقالها، وليمونها، وعرق الطيبين من أبناء القليعات الذين يتمسكون بالمكان على ضفة النهر هنا، وعيونهم، أبدا، على الضفة الأخرى.
ولعل تلك المساحات التي تشكل روح القرية، ما زال أهلها عندما يتمعنون في ”قواشين” أراضيهم فيها، يرون بعض أسماء الأحواض التي تقوم عليها،ولأسمائها دلالات في وجدانهم، مثل حوض القليعات، وحوض الحمرا، وحوض السطب، وحوض روض أبو مشعل، وغيرها، إنها تحفز ذاكرتهم ليعودوا معها الى ما بعد عام 1948م، حيث بداية فكرة التثبيت على الأرض، والانتقال من فضاء بيت الشعر، والاهتمام بالمواشي، الى الاستقرار في بيت الطين والحجر، والتركيز على فلاحة الأرض وزراعتها.
لقد ارتبط في أذهان الناس في القليعات هذا الاستقرار، أيضا، بتاريخ تسوية الأراضي الذي صار بعد إنجاز قانون سلطة وادي الأردن، الذي عمل على تقسيم الواجهات الجماعية، وتوزيعها على الأفراد.

المضافات
هؤلاء الطيبون الذين يواطنون القرية، يآلف بينهم المكان، حيث القليعات نبضهم المشترك، وإن اختلفت تسميات العائلات، حيث تشير الخارطة الديمغرافية الى أن
العشائر المقيمة فيها هم من العبطات، والعوامرة، وأبو زينه، والدبيس، والعباسية، والخطيب، وغيرهم.
ولقد كان الناس في زمن مضى في القرية، تجمعهم المضافات المنتشرة في القليعات، وترصد الذاكرة فيها عدة مضافات منها مضافة ابراهيم المنيزل، وخلف العطية العامري، وصالح الخطيب، وشمس الجدوع، ونهار أحمد الشهاب الدبيس، وغيرهم.
ويتحدث نواف خلف العامري”أبو عامر”، أحد المُلمين بتاريخ القليعات، ومن أبنائها المخلصين، فيقول: ” كانت القرية تزرع في أزمنة ماضية بالقمح والشعير والفستق والقطن، وكان فيها عيون ماء أهمها عين ماء زقلاب، وفيها مغارة الضبع، وكانت الدكاكين المنتشرة في القليعات، واللي منها دكانة خضر أبو زينة، ودكانة أبو جميل، ودكانة محمود الذيبة، وغيرهم..كما أن الطبابة في القليعات كانت قديما مرتبطة باسم التمرجي أبو جورج اللي كان من بيت لحم”.

ذاكرة السد
عند مدخل القرية من جهة الجنوب..
هناك درب يتجه يمينا، لمن أراد اكتشاف المكان الذي تتعتق فيه سيرة الماء..هذا الدرب أوله بضع قنوات، تم تشييدها من الإسمنت، تتنزل من أعلى المرتفع .. هنا موقع شلال القليعات، حيث كانت فيه مساقط المياه القوية، وجريانه العذب، تحيطه الخضرة، والمناظر الخلابة التي لم يتبق منها إلا بقايا تخطيط قنوات، وذاكرة يستحضرها أهل القليعات بأسى،وبرثاء، بعد أن تغير مجرى الشلال، وجفت مياهه، وصودر حضوره.
قريبا من الشلال، هناك موقع عين ماء زقلاب، حيث كانت نساء القرية تغسل الصوف ”بالدور” على هذه العين، لكن الدرب يبقى ممتدا حتى بعد منطقة الشلال، طريق محفر، قديم ”منذ زمن الإنجليز”، لكنه في النهاية ينفتح على منظر سحري يجمع بين جمال الجغرافيا، وتجمع المياه في سد زقلاب، هذا السد الذي موقعه في وادي زقلاب(جنوب القليعات)، وهذا اسمه القديم والمعروف به لدى الناس، غير أن التسمية الرسمية للسد هي سد شرحبيل بن حسنة، وقد أقيم قريبا منه متنزه قصير ومهمل يحمل ذات الاسم الرسمي للسد.
يتحدث نواف العامري عن إقامة السد وإنشائه قائلا ”ان هذا السد قامت ببنائه شركة انجليزية، كماأن أهل القليعات شاركوا في العمل فيه، وهم يعرفون بعض الأشخاص الذين اشرفوا على البناء، مثل ”سامح السيفي”، وكذلك كانت هناك مساهمة من سلاح الجو في انجاز هذا السد وكان يشرف على هذا العمل من سلاح الجو مهندس من دار العماري”.
وهذا السد يعتبر قمة مائية ترفد قناة الغور الشرقية، وتخزن فيه المياه، كما أن القرية تتذكر كيف كان الحال قبل القناة التي غيرت كثيرا من تداعيات سيرة الماء في القليعات التي كانت تتشكل في بعضها من عين ماء زقلاب، وقناتين للمياه هي قناة المحمولة(الفوقا)، والقناة التحتا، ولم تكن هناك أية مشاكل في المياه ، ولا في الدور وتوزيعه بينهم.

مدرسة بيت الطين
لم يكن التعليم متاحا في القرية، في الأزمنة الماضية، لكنه تطور، وتشكل على مراحل، هذا بحسب ذاكرة أهل القرية الذين يشيرون إلى أنه في البدء كان التعليم في الكتاتيب، ولم يكن متوفرا في القليعات، فكان الأطفال يتم ارسالهم إلى قرية وقاص حيث الكتاب في بيت الشعر، وكان من أسماء الخطباء هناك الخطيب درويش، والخطيب أبو راشد، كما أنه كان هناك كتاب في قرية تل الأربعين وفيها الخطيب مرشد أبو راشد.
ثم تطور التعليم، وصار الأطفال يذهبون إلى المدرسة التي كانت متوفرة قريبا من معبر الشيخ حسين، وكان هناك المدرسة والمعبر متقابلين، وكان أطفال القليعات يصلون إلى هناك راكبين الدواب، ويتذكرون من الأساتذة في مدرسة الشيخ حسين الابتدائية كل من الاستاذ عبد الرحمن يونس، والاستاذ محمد قدورة.
ويقول أبو عامر ان ”مدرسة القليعات تم بناءها في السبعينات، عند طريق سلطة وادي الأردن، لكن قبل هذه المدرسة، ومنذ الخمسينات كانت هناك في وقاص مدرسة تابعة لوكالة الغوث، بدأت في بيت من الطين”.
ويضيف العامري أنه ”من الشخصيات التي درست عندهم كل من الوزير والروائي الفلسطيني يحيى يخلف، وقاسم الخطيب، وسعادات، وقد قمت، في تلك الفترة، بنشر بعض قصائد يحيى يخلف في مطبوعة ”رسالة الأردن”. وهذه المدرسة لم تبق في القليعات، لأنه تم نقلها بعد فترة إلى قرية وقاص”.

هجرة الى الصريح
النهر يحاذي القرية..
هو نهر الأردن، حيث البيارات بجانبه، وكل درب هناك يعني لأهل القليعات قصة، وحكاية، تعبر عن قداسة المكان، وتعكس صدق معاني تمازج المصيرالأردني الفلسطيني، في مثل هذه القرى على ضفتي النهر.
يقول أهل القليعات ان قريتهم كانت من أولى الحواضن التي استقبلت الأخوة النازحين بعد حرب الثمانية وأربعين، ولم يكن النهر عازلا، بل كان نقطة وصل وتلاحم هناك، ولذا فقد استقر البعض في القرية، وانتقل آخرون الى مناطق أخرى.
بعد عدة سنوات شكل هذا الواقع الجديد وعيا بالمقاومة والتحرير، فكان أن انضم بعض أهل القرية الى حركات المقاومة مثل فتح، ولذا فقد كان جيش الإحتلال الإسرائيلي، بعد حرب حزيران، يقصف القرية والمناطق المحيطة بها بقوة، لضرب المقاومة فيها، ويتحدث أهل القليعات أنه ”بعد السبعة وستين هجر معظم الناس القرية ورحلوا الى إربد، وتحديدا الى قرية الصريح بشكل خاص، وبقوا خلال فترة حرب الاستنزاف، ولم يعودوا إلا بعد أن هدأت الأحوال على المنطقة المتاخمة للقليعات”.
وهذا الحس كان امتدادا للحركات التي كانت أيام الإنتداب الإنجليزي قبل ذلك حيث كان الثوار، يتحركون على ضفتي النهر، لأن العائلات في كلا المنطقتين تتواصل، وتتكامل في حسها الوطني، وهذا يعود الى تواريخ ثورة فلسطين في الستة وثلاثين، وتواريخ أخرى مرتبطة بالمقاومة، والتحرير.

صافوط مرة أخرى..رسالة زكي المخامرة

رسالة طيبة، كلها تواضع، وحرص على التوثيق والمصداقية، وصلت من السيد زكي خليل المخامرة، وهو من الذين أسسوا وساهموا في مسيرة قرية صافوط، وكان رئيسا لمجلس قروي صافوط لفترة طويلة، نحن نوجه له الدعوة لأن يكتب لبوح القرى بعضا من ذاكرته التي تتشابك مع تاريخ صافوط.
في رسالة السيد المخامرة، يشير الى ما اجتهدنا من كتابته حول قرية صافوط، ذات التاريخ الذي نعتز به، ونعتقد أنه لا يمكن أن تتم كتابته من وجهة نظر واحدة، ومن طرف واحد، ولهذا فنحن نؤكد قبل نشر نص الرسالة، أننا ننتظر من كل الخيرين الحريصين على كتابة تاريخ صافوط بكل تفاصيله(ومنهم من ذكرهم السيد المخامرة في رسالته)، أن يزودوننا بما لديهم من وثائق، أو مذكرات، أو كتابة في هذا الاتجاه، بموضوعية، وبعيدا عن الشخصنة، حتى نحقق الهدف، وهذا لا يتأتى إلا بتضافر كل جهود أهل الخير، وأبناء هذه البلدة.
يقول السيد زكي المخامرة في رسالته:
اطلعت على ما نشر في الصفحة الرابعة من العدد رقم 29، من ملحق الأسبوع والصادر بتاريخ 20/1/2007م، وموضوعه ”صافوط..الكنيسة والتل”، وأشارك ما ورد بالمقال من التغير الذي حدث بصافوط بين الأمس واليوم، وما كان هذا التغير الذي حدث إلا بجهود المخلصين، والجنود المجهولين من أبناء صافوط وأبناء الوطن.
لقد ورد بدعوة المشاركة بأن هذه المعلومات حول القرى ستجمع، وسيتم توثيقها. وحتى يكون هذا التوثيق أكثر دقة أقترح أن تؤخذ المعلومة من مواطنين كبار في السن،من أبناء صافوط، وأعمارهم بين 70-80 سنة، من أمثال: نيشان خليل طعيمة، سالم كامل سماوي، مخائيل زكريا سماوي، هاني عيسى النبر، أنور عطاالله عكروش.
وهناك مثقفون مهتمون بتاريخها، من أمثال: الدكتور عوني طعيمة”دكتوراه في الزراعة/أستاذ في الجامعةالأردنية”، الدكتور جورج طريف”دكتوراه في التاريخ/مساعد مدير الإذاعة والتلفزيون”، الدكتور حابس سماوي”دكتوراه في الجغرافيا/أستاذ في الجامعةالأردنية”.
أما السواعد التي بنت صافوط، منذ تأسيسها ولغاية هذا التاريخ، وعملوا بمؤسساتها بصمت، وإنكار الذات، وأظهروا صافوط بهذا المظهر، فأهالي صافوط يعرفونهم.
أتمنى لكم التوفيق في جمع المعلومات عن هذا الوطن الذي نعتز به، ونعتز بقيادته المخلصة).

سيرة قرية

تقع القليعات في محافظة إربد، ضمن لواء الأغوار الشمالية بالقرب من معبر الشيخ حسين، على خط الطول 35 درجة و 52 دقيقة شرقا، ودائرة العرض 32 درجة وخمس دقائق شمالا.
وتعتبر واحدة من مجموعة قرى الشيخ حسين، وتتبع اداريا الى بلدية طبقة فحل.

الديموغرافيا:
يبلغ عدد سكان القليعات حوالي 1500 نسمة، وأغلبهم من العطبات، العامري، الدبيس، العباسية، الخطيب، وغيرهم. ومعظم سكانها يعملون في الزراعة، والوظائف الحكومية.

التربية والتعليم:
توجد في القليعات مدرستين هما مدرسة الملك طلال الثانوية للذكور، ومدرسة القليعات الثانوية للبنات.

الصحة:
يوجد في القريةمركز صحي أولي.

المجتمع المدني:
يوجد في القرية جمعية الشيخ حسين التعاونية، والمنتدى الثقافي، ومركز وادي الأردن الدولي لدراسات التنمية والسلام، كما أنه يوجد في القليعات مجمع رياضي يخدم المناطق المجاورة.

دعوة للمشاركة

هذه الصفحة تؤسس لكتابة متكاملة حول القرى الأردنية، وتطمح لتأسيس موسوعة جادة شاملة. ولن يتأتى هذا بجهد من طرف واحد، فما يكتب قد يحتاج إلى معلومات للإكتمال، أو قصص أخرى لم يلتقطها الكاتب في زيارة واحدة، وهي مفتوحة للإضافة والتعديل قبل أن ترتسم بشكلها النهائي لتكون وثيقة لكل قرية، والأمل بأن تأتي أية إضافات أو تصويبات أو معلومات أخرى من أهل القرى والمهتمين مع اقتراحاتهم، وعلى هذا العنوان:

بوح القرى
ص. ب - 6710
عمان -11118
فاكس- 5600814
بريد الكتروني alqora@jpf.com.jo

تعليقات

‏قال غير معرف…
يا ريت وصف لطريق سد زقلاب من عمان حتی الوصول للسد