الزراعات الملحية.. قصة نجاح أردنية قد تعبر بنا إلى بر الأمان الغذائي والمائي

الزراعات الملحية.. قصة نجاح أردنية قد تعبر بنا إلى بر الأمان الغذائي والمائي

نجاح باهر لتجارب الزراعة الملحية في الأردن
∎ مركز البحوث الزراعية يبتكر الكثير من الأساليب ويُطوع التقنيات العالمية مع الظروف المحلية
∎ هل تنقذ الزراعات الملحية الزراعة الأردنية ومياه الشرب العذبة معاً؟
∎ الزراعات الملحية باب جديد وغير مكلف للاستثمارات الموسعة

∎ اللواء - محمد سبتي
فرضت المشاكل المائية في بلدنا وشح الأمطار وقلة المياه الجوفية الكثير من المستجدات, والتي لابد من التعايش معها، وفعل كل ما يلزم للتخلص من هذه الضائقة المائية والتي تؤثر سلبا ليس على الصعيد المحلي فقط بل على صعيد خارجي أيضاً.

وقد سارت بعض الجهات الحكومية اخيرا على درب الابتكار في محاولة للوصول الى طريقة جديدة لتتمكن من الاعتماد على المياه المالحة والأقل جودة في ري بعض المزروعات والمحاصيل في المملكة, من خلال التعاون مع جهات دولية عملت على هذا المشروع منذ اعوام, ويعتبر هذا المشروع من المشاريع الريادية في المنطقة, والتي يمكن ان توفر كميات كبيرة من المياه العذبة التي كانت تستغل في اعمال الزراعة ،وقد أعلنت وزارة المياه والري عن بدء التنسيق مع جهات اجنبية لانجاز هذا المشروع منذ مدة أملا في إنقاذ المزروعات الصيفية.

فهل هناك أي تقدم في هذا المشروع أم أننا "نسمع جعجعة ولا نرى طحناً؟ وهل سيكون لهذا المشروع أثر كبير فعلاً في توفير كميات كبيرة من المياه العذبة التي كانت تروي المزروعات ؟ وما هي تكلفة مثل هذه المشاريع على خزينة الدولة, خاصة ان الجهات البحثية تحتاج إلى موازنات ضخمة؟
مفاجاءات
يقول المهندس مشهور حرب مدير مديرية الاغوار الحنوبية ووادي عربة في سلطة وادي الاردن: أنه كان احد المندوبين الحكوميين الذين ذهبوا الى امارة دبي للاطلاع على تجربة المراكز البحثية هناك, (وكانت المفاجأة كبيرة عندما رأينا انه يمكن ان تتم الزراعة بالاعتماد على مياه البحر التي تحتوي على نسبة املاح كبيرة جدا، وهذا مشروع بحثي احتاج الكثير من الوقت والجهد حتى اصبح هناك الكثير من المزروعات التي يمكن ان تكون ملحية كالاعلاف والنخيل).

وأضاف حرب :ان المفاجأة كانت عندما علمنا ان الدراسات هذه تطبق أيضاً في احد المراكز الحكومية في الأردن, وهو مركز البحوث الزراعية التابع لسلطة وادي الأردن منذ زمن بالتعاون بين كوادر المركز مع مراكز بحوث دولية في سبيل تحقيق تلك الاهداف المرجوة من مثل هذا المشروع.

وذكر حرب :ان مثل هذا المشروع بنجاحاته المحققه وتكلفته القليلة, يمكن أن يعبر بنا وبزراعتنا الى مرحلة أخرى, خاصة ان شح المياه هو العقبة الأكبر في طريق تطوير قطاع الزراعة في المملكة والدافع نحو الاعتماد على الزراعات البعلية والتي تأثرت أيضاً بالانقلاب المناخي وشح الأمطار في السنوات الأخيرة.
مشاريع استثمارية
وبدوره قال نائب مدير مركز البحوث الزراعية والقائم على مشاريع الزراعات الملحية المهندس حسين صالح : إن الأراضي الأردنية ومياهها تنحدر نحو الملوحة، هذا بالاضافة الى شح المياه العذبة نتيجة الضخ الجائر وعدم تجدد المياه الجوفية, وكل هذه العوامل وعوامل اخرى جعلت من الضروري الالتفات الى الزراعات الملحية، والتي انتقلت مؤخراً من مشاريع بحثية الى مشاريع استثمارية ،ففي ظل هذه العناصر: (الأرض المالحة, والمياه المالحة أيضاً) يعتمد المركز على الإدارة الجيدة لهذه الموارد ويُنتج الكثير من المحاصيل العلفية في محافظة معان, حيث تم استثمار 5 آلاف دونم في زراعة الأعلاف, والمشاريع الاستثمارية المشابهة في تزايد مستمر وتطور مستمر وأرباحٍ أيضاً على أرض الواقع ، والآن وفي هذا الوقت تقوم مشاريع الزراعات الملحية في منطقة المفرق وفي الزرقاء وفي الأزرق, وفي مناطق الأغوار أيضا أصبحوا يعتمدون على المياه المالحة.

وأضاف صالح : إن تلك الزراعة تروى من مياه نسبة الاملاح فيها 2500 فما فوق اي ان مياه البحر يمكن أن تفيد في ري تلك المزروعات ،ولهذا سيكون لتلك الزراعات شأنها ليس فقط في الاردن بل في أرجاء العالم العربي كافة وافريقيا وكل المناطق التي تقل فيها كميات المياه العذبة والتي تعاني من ضعف في المنتوج الزراعي المتنوع .

وذكر صالح :ان هناك مشاريع في الاردن في الوقت الحالي لإنتاج الأعلاف تحت المياه المالحة, وانتاج نخيل تحت المياه المالحة, وانتاج نباتات الطاقة تحت المياه المالحة وانتاج الزراعات الخشبية أيضاً ، والكثير من النباتات التي تستطيع التأقلم مع هذا التغيير الذي يقع في التركيبة الجزئية للنباتات.

نجاح باهر
وأضاف صالح: إن المشروع بدأ بحثياً, ثم انتهى بمشاريع استثمارية "والحمد لله " فسوف يكون لتلك الزراعات الملحية الشأن الكبير في المراحل المقبلة حيث سوف تغني عن الزراعات التي تروى بمياه عذبة، كما ان المشروع في الأردن بالتحديد نجح نجاحا باهرا بفضل مهارة كوادره, وبفضل الدراسات والبحوث التي عمل عليها الكثير منهم في سبيل البحث عن حلول مرضية للمشاكل التي تلف بالزراعات المروية في الاردن ،وليكون المواطن قادراً على زراعة المحاصيل التي يرغب دون التفكير بوسائل الري او شح المياه .
احلال
ومن جهته قال المهندس نائل ابو الهيجاء مختص الزراعات الملحية في سلطة وادي الاردن : إن بحوث مشاريع الزراعات الملحية في الاردن سارت بسرعة كبيرة نحو دائرة التطبيق, وقد حصل المراد, وتم العمل على تطبيق تلك النظريات البحثية والتي قام بها مراكز بحوث أردنية ومراكز بحوث اجنبية ،وقد تم استخدام المياه المالحة ذات التركيز الملوحي 2500-15000 وقد أثبتت الاختبارات نجاح تلك المزروعات في الاردن بالتحديد وتوافق تربتها ومناخها مع تلك الزراعات, لهذا سوف تبرز في الأوقات القادمة تلك المشاريع وسوف تحل مكان الكثير من المشاريع الزراعية التقليدية التي تزرع بالمياه العذبة .

وأضاف أبو الهيجاء: إن الكثير من المشاريع أصبحت تقوم على المياه المالحة واهمها زراعة الاعلاف والزراعات العشبية والحقلية والأشجار الحرجية, حتى بعض انواع الخضار،لهذا, الكل يعتقد ان تلك الزراعات سوف تسهم في توفير الامن الغذائي في البلاد .

وذكر أبو الهيجاء : ان سلطة وادي الاردن ومراكز البحوث التابعة لها قضت فترة سنوات طويلة في البحث والتقصي حتى وصلت تلك المراكز الى نتائج بحثية ناجحة والى نتائج فعلية جيدة جدا.

انقلاب
الخبير في قطاع المياه العذبة وائل الشريدة من وزارة المياه قال:انه كان على الحكومة قديما العمل على البحث عن بدائل في ظل انحسار الكثير من الأحواض المائية وعدم تجددها، ولقد برزت تلك المشكلة منذ عشرات السنين، فالمياه العذبة تنضب شيئا فشيئا, وكان لابد ان نعمل لتحقيق حلول لهذه المشاكل التي يمكن أن تؤثر على المجتمعات بشكل كبير لا يمكن لأحد تصوره.

وأضاف الشريدة: إن مشاريع الزراعات الملحية والزراعات المتأقلمة في ظروف جديدة تم العمل بها في الكثير من دول العالم المتقدمة كألمانيا وروسيا حتى اصبح من الممكن تغيير الكثير من الخصائص الجينية للنبتة لتُنتج أينما نريد، وقد حلت تلك البحوث والاجراءات البحثية الكثير من المشاكل في دول كثيرة ومكنتهم من حفظ أمنهم الغذائي واستقرارهم الداخلي ،وحفظ كميات كبيرة من العملة الصعبة.

وذكر الشريدة: ان مهندسي مركز البحوث الزراعي التابع لوزارة المياه وسلطة وادي الاردن قاموا بدورهم على اكمل وجه, حتى اصبح الامر يتوقف على بعض الدراسات التطويرية لتوفير النواقص والاستغناء بتلك الزراعات عن الاستيراد من دول غربية ارادت ذلك ،وهو واثق ان هذه المشاريع ستسبب نقلة نوعية في قطاع الزراعة ليس فقط في الأردن, بل في العالم العربي بأسره حيث ستجعل من أراضيه المالحة القاحلة مزارع شاسعة مترامية الاطراف،اما عن تكلفة هذه المشاريع فإنها تعد قليلة جدا بالمقارنة مع الجدوى الاقتصادية التي تحققها.

التاريخ : 2012/01/24

تعليقات