قرين .. البئر والخربة لــمفلح العدوان


صورة

كتابة وتصوير: مفلح العدوان - اسمها يترك أثرا في الذاكرة، ويدخل المتأمل له في عوالم التحليل له بين تداعيات النحت في اللغة، وبين ظلال الدخول في مساحة الأرواح المتقمصة، والمقترنة بعضها ببعض.. كانت هذه أول الإشارات التي لمعت في الذهن عندما تركت الطريق الصحراوي ورائي، وأنا في مسيري نحو الجنوب، بعد معان، حيث اتجهت إلى المريغة، وبعدها كنت في حالة تأمل لقرية قرين التي راودتني تلك الأفكار حولها، وأنا في طريقي اليها، إلى أن وصلتها، واستقبلني فيها الشيخ حسين خلف ابو نوير (ابو عمر)، في بيته الطيب، ومع أهل الأصالة والجود من أبناء قرية قرين، حيث بدأنا الحديث ذا الشجون، حول القرية، وتلك القرى الأخرى القريبة منها، وبدأنا البوح، آنذاك، باالتفصيل حول اسم قرين الذي حرّك أفكاري نحو عوالم مختلفة، ولكن الحديث بين أهل قرين قادني إلى ما مفاده بأن قرين تلفظ أحيانا بأل التعريف، واحيانا اخرى تهمل فيلفظها أهل القرية قرين، بدلا من القرين.

«مقرن وديان»
أكمل تتبع سيرة الاسم، ومعناه، للقرية، التي يقول أهلها بأن أصل التسمية يعود إلى طبيعة موقعها، فهي منسوبة إلى عين ماء القرين، وهذه العين «موجودة على مقرن وديان، وهو التقاء مجموعة اودية، ولذا فقد تم تسمية العين بعين قرين، وعندما تم الاستقرار قريبا من العين، اخذ التجمع السكاني، و بعد ذلك القرية، اسم العين، فصار اسمها قرية قرين، أو القرين.. وقد بنيت القرية على التلة، والسبب هو أن أهالي القرين كانوا يفلحون أراضيهم في الشراة، هنا، فكانت البيوت للسكن في الشتاء، وتستخدم في الصيف للخزين».
ولكن الباحث ركاد نصير في كتابه «المعاني اللغوية لأسماء المدن والقرى وأحواضها في المملكة الأردنية الهاشمية» يورد القرين كحوض من أحواض الشراة الجنوبية في محافظة معان، ويوثق المعنى على النحو التالي: «القرين: القَرن: رأس الجبل، أو الجبل الصغير، أو الحصن».

التوطين
ويقدم للقرية بعض التفاصيل الدكتور محمد حتاملة في «موسوعة الديار الأردنية» حيث يقول «قرين: بلفظ تصغير قرن، وهي قرية تقع بين مرتفعات الشراة في الجزء الغربي من قضاء المريغة، أحد أقضية محافظة معان، وتمر بها طريق العقبة-البتراء. وتقع فلكيا على خط الطول 35 درجة و 29 دقيقة شرقا، ودائرة العرض 30 درجة و 6 دقائق شمالا.. وتعتبر قرين حديثة نسبيا، فقد تم تأسيسها عام 1959م ضمن مشروع لتوطين البدو، حيث تم بناء وحدات سكنية، ومدرسة تعد من أوائل المدارس في المنطقة. وأدى هذا المشروع إلى استقرار بعض العشائر وهي الركيبات وأبو نوير وأبو شلهوب بعد أن كانت تعيش البادية متنقلة من مكان إلى آخر».

الحدود
وأهل قرين يعتمدوا في معيشتهم على تربية الأغنام، وفلاحة الأرض، فالزراعة موسمية في القرية، وهناك قسم منهم يعتمد على الوظائف الحكومية، والخدمة في القوات المسلحة.
ويمكن تحديد موقع قرين، على نحو أنه يحدها من الشرق عين الفوارة، ومن الغرب شارع الرصيف (الطريق الملوكي)، ومن الشمال الصدقة، ومن الجنوب وادي سويمرة. وعند تقسيم، وتسمية أحياء وأحواض قرية قرين، يتم في الأساس اعتماد تدرج البناء لمشروع توطين البدو الذي كان في القرية، وهنا نشير إلى الحي الجنوبي والحي الشمالي، وهما الوحدات التي تكون منها بداية مشروع التوطين للبدو في القرين، هي وحدات البداية، وهناك حوض قرين وفيها موقع البلد القديم، وحوض أم الرجوم، وتلعة أم سمقة.

كلوب باشا
ومن المواقع المعروفة في القرية كل من الخربة، وهي على تلة مرتفعة، وقصر أبو تايه، وبير أبو سمقة.
وخربة قرين واسعة، ملفتة للنظر، تقع على تلة مطلة على القرية، ومعالمها واضحة، ملفتة، ومعتقة قديمة. اما قصر أبو تايه، فهناك قصص متعددة حوله، منها ما يشير إلى ان الشيخ عودة ابو تايه كان يقيم فيه في مرحلة ماضية. وبخصوص بير أم سمقة، فهو بئر روماني، وعليه جرن (قُف)، ويروى بأن كلوب باشا (أبو حنيك)، كان يتردد على الشيخ صبّاح أبو نوير في المنطقة، وذكر له البير، «فقال كلوب (ودّي أشوفه)، فجابوا له سلم، ونزل، ولما نزل قام الشيخ صبّاح وسحب السلم، فقال ابو حنيك، يا شيخ، ودّك تقتلني هان. فرد عليه الشيخ صبّاح: ودنا تشمت (من شمينتو، وهو الاسمنت، والمقصود صيانة البير) البير، وتطوب الأراضي النا. فوعد كلوب باشا، ونفذ ما وعد به لأهل القرية.

العائلات
أما العائلات الموجودة في قرين، فهي من عشيرة الركيبات، من السليمانيين، وتضم كلا من عائلات: أبو نوير، عيال عيد، عيال قاسم، عيال عيسى، عيال حمدان، الجمعين، أبو شلهوب.
ومن شهداء قرين الذين سجلوا في سجلات الشرف، من شهداء معركة الكرامة فهم الشهيد مطلق سودان، والشهيد خلف عبد الله جلال.

مسيرة صلاح الدين
ترد قرية قرين في هامش من كتاب «تاريخ شرقي الأردن وقبائلها» لفريدريك ج بيك، وفيه يشير الى أن قرين هي ذاتها منطقة القريتين، المكان الذي يرد ذكره عند تتبع مسيرة صلاح الدين الأيوبي من مصر الى دمشق، مرورا بشرق الأردن، ولنثبت هذه المعلومة، نورد ما ورد في المتن، وبعد ما ورد في الهامش داخل الكتاب، حيث يشير الكتاب الى أنه «في أيار عام 1182م (578ه) ودع صلاح الدين الأيوبي مصر الوداع الأخير ورحل عنها الى دمشق. اتخذ صلاح الدين طريق طور سينا وجنوبي شرق الأردن، لأن الصليبيين كانوا مستولين على الساحل من غزة إلى الاسكندرونه. فأخذوا يعدون العدة للخروج عليه في الطريق، بيد أن صلاح الدين الذي لم تخف عليه خافية لم يحل دون عزائمه مكائد الأعداء وغدرهم، احتاط للأمر وتجنب أن يصطدم بهم أثناء سفره. لم يحسن الصليبيون التدبير منذ البدء، فعوضا عن أن يحتلوا رأس الراصد أو الجرباء التي تبعد خمسة عشر ميلا عن شمال غربي معان حيث تتوفر المياه، حشدوا قواهم أولا في بطرا، ثم نقلوها الى جوار الكرك. أثناء ذلك وصل صلاح الدين العقبة ثم تابع السير الى القريتين، ومنها أرسل أثقاله وأحماله مع أخيه تاج الملك بورى بطريق البادية الى الأزرق، وسار هو مع رجاله لاحتلال الجرباء أولا ثم رأس الراصد، وبذلك تمكن من دك البلاد التي حول مونتريال، وشمالا حتى وادي الحسا». وعند هذه الفقرات يكون الهامش الخاص ب»قرين»، ويشار اليها هنا (القرين)، وبمسيرة صلاح الدين من مصر حتى موقع القريتين، حيث يرد في الهامش أنه «بعدما غادر صلاح الدين القاهرة سار الى البويب ثم الجسر (من المحتمل بجوار السويس الحديثة). وبعد مسير خمسة أيام وصل العقبة فمر بعين موسى ووادي الحسا (أو الاحسا)، والسدر (وادي السدر)، وعين جغاملة (بئر جريمل) وبئر ثمد ومنها الى نقب العقبة. سار الجيش من العقبة الى الحمى (حسما) ومما لا شك فيه أن ذلك كان جبل رم لأن المياه الكافيه لسقي جيش لا تتوفر الا فيه. وبعد ذلك واصل سيره الى القريتين ولعلها القرين قرب نقب الشتار. ويزعم البعض أن القريتين هي معان لأنها مؤلفة من قريتين الواحدة بجوار الأخرى. لكن هذا الزعم بعيد عن الصواب لأن معان كانت في ذلك العهد قرية تبعد قليلا عن موقع معان الحديثة من الجهة الشمالية».

تعليقات