تلوث البيئة وتضر بصحة الانسان وتضاعف اكلاف الرعاية الصحية.. الخبراء يحذرون من استخدام الجفت والمخلفات البلاستيكية والكاوتشوك في التدفئة

تلوث البيئة وتضر بصحة الانسان وتضاعف اكلاف الرعاية الصحية.. الخبراء يحذرون من استخدام الجفت والمخلفات البلاستيكية والكاوتشوك في التدفئة

كتب ساطع الزغول
منذ ثلاث سنوات مضت والى الآن، دخلت مفردة "جفت الزيتون" حيّز التداول الشعبي في القرى والارياف بعد ان تم اعتماد هذه المادة الناتجة عن عملية عصر الزيتون، والتي هي عبارة عن البذور والقشور ولبّ الثمار كوقود في المنازل، وكبديل للوقود الثقيل بالمصانع في مواجهة الارتفاعات المتوالية لاسعار النفط في الاسواق العالمية، والتي ينعكس تأثيرها على السوق المحلي ومستهلكي الطاقة·
بعض الدول، ومنها تركيا على سبيل المثال، تنبهت الى اهمية الجفت كمادة بديلة لانتاج الطاقة بكلفة محدودة، فعمدت الى استيراده من الخارج، ومن هنا وجد "الجفاتون" الاردنيون في ذلك البلد سوقاً لبضاعتهم التي يبيعونها بواقع تسعين ديناراً للطن الواحد، وهو أمر لفت، وفق ما تداولته وسائل الاعلام المحلية، نظر الحكومة فبدأت التفكير جدياً بمنع تصديره بغية توفيره للمصانع المحلية التي بدأت في استخدامه، شأن الآخرين، كبديل جزئي للوقود الثقيل·
وفي اطار استخدام الجفت كمادة تصديرية تشير التقديرات الى ان 120 الف طن من الثمار تنتج ما يعادل 30 الف طن من هذه المادة، وهو ما يعادل حوالي خمسة وخمسين الف طن من الديزل، مع ملاحظة ان الثروة الوطنية من اشجار الزيتون تبلغ نحو عشرين مليون شجرة تشكل نحو 70% من المساحات المزروعة بالاشجار، ما يعني ان انتاج هذه الاشجار من الثمار والزيت ومخلفات المعاصر، لو احسن استخدامه وتوظيفه بشكل علمي واقتصادي، سيرفد الدخل القومي بمئات الملايين من الدنانير سنوياً وفق تقديرات الخبراء·
الشتاءات الاخيرة شهدت اقبال المواطنين على استخدام مدافئ الحطب نظراً لقلة كلفتها ما يؤدي الى وقوع حوادث الاختناق نتيجة لطبيعة الوقود المستخدم لها كالحطب والجفت اللذين ينتجان كميات كبيرة من الدخان وغازات اول وثاني اكسيد الكربون، حسب ما تؤكده المديرية العامة للدفاع المدني التي تحث مستخدمي هذه المدافئ على ضرورة توفير التدابير الوقائية اللازمة مثل تهوية المنزل بشكل جيد، واطفاء المدافئ عند النوم تلافياً لوقوع حوادث الاختناق·
من الواضح ان اعتماد الناس المتزايد على الجفت لاتقاء البرد جاء من باب تقليل النفقات الخاصة بالمحروقات والتي لم تعد ملائمة لكثير من العائلات كبيرة العدد ومحدودة الدخل، اذ ان ارتفاع اسعار المحروقات اصبح عقبة اساسية تواجه العائلات في ظل محدودية الدخل، وهذا ما دفع سكان المدن والقرى والاريافف في المحافظات والاطراف الى اعتماد الجفت والحطب كوسيلة تدفئة، خاصة في ظل انقطاع الغاز وانعكاساته على انتاج الطاقة كالكهرباء وغيرها، ما يجعل استخدام مدافئ الكهرباء لا يفي بالغرض المطلوب في ظل انقطاعاتها المفاجئة والمتكررة احياناً·
وحسب التقديرات، فإن العائلة الواحدة تحتاج خلال فصل الشتاء الى كمية من الجفت قد تصل الى طنين اثنين، اذا ما اعتمدت الى جانب ذلك على حرق الاخشاب والمواد البلاستيكية واحياناً الاقمشة، وللحصول على ذلك فثمة تسابق على جمع مخلفات ورش الخشب وما يخلفه تقليم الاشجار لاستخدامه كبديل استراتيجي·
استخدام الحطب لغايات التدفئة لا يقتصر على محدودي الدخل والفقراء والمعدمين، وانما للمترفين نصيب فيه حيث يستخدمونه في مدافئهم ويشترونه باسعار "محترمة" حيث يصل طن خشب البلوط الى نحو 300 دينار، وحطب اشجار الزيتون - التي انتهى عمرها الافتراضي - بنحو 200 دينار، وتكون هذه الاخشاب مصنعة وجاهزة للاستخدام وبطول 35 سنتيمتراً للقطعة الواحدة وبقطر يتراوح ما بين 15 - 20 سنتميتراً·
وفي الوقت الذي يؤكد خبراء بيئيون ان مادة الجفت من الملوثات الضارة على البيئة حيث الرائحة الكريهة المزعجة ما يشكل ضرراً على الصحة والبيئة والسلامة العامة، رغم مكسبها الاقتصادي، يؤكد اطباء مختصون في الامراض الصدرية ان استنشاق الدخان المتصاعد من مدافئ الحطب يحتوي على غازات سامة اذا لم تتوفر التهوية المناسبة للغرفة، داعين المصابين بالامراض التنفسية مثل الداء الرئوي الانسدادي المزمن، ومصابي امراض الربو، والتحسس الى عدم استخدام مدافئ الحطب والكاز والغاز، واستبدالها بمدافئ الكهرباء التي تعد الخيار الوحيد المناسب·
في ذات السياق كتب الصيدلي علي الزغول مقالاً خص به احد المواقع الالكترونية حذر فيه من مخاطر انتشار مدافئ الاخشاب، وخاصة في المناطق الريفية والقروية، اذا ما تعمد مستخدموها دعم الاخشاب بمخلفات المنزل البلاستيكية وما تحتوي من اكياس نايلون واواني بلاستيكية قديمة، وقيام البعض تحت ضغط الفقر والحاجة الى قص اطارات السيارات المستعملة "المشطوبة" وربما الاحذية القديمة وملابس الصوف والنايلون والبوليستر، واستخدامها في المدافئ باعتبارها سريعة الاشتعال، وتزيد من حرارة التدفئة بالداخل، وعند خروجها - عبر البواري - من درجة حرارة عالية، الى درجة حرارة منخفضة في الخارج تتحول هذه الادخنة والابخرة الى غازات سامة، وهذه الغازات سوف تؤثر على البيئة الخارجية للمنزل، وعلى الانسان والحيوان القريب من هذه الابخرة، وتسبب مشاكل في الجهاز التنفسي وبالذات على الرئتين ما يؤدي الى الاصابة بالحساسية والازمة الصدرية، وخلل في دخول الاوكسجين الى الرئتين بالشكل الكافي، وبالتالي ربما تحدث مضاعفات اخرى نتيجة نقص وصول الاوكسجين الى الحويصلات الرئوية، كما ان التعرض الى هذه الغازات والابخرة والجزئيات البلاستيكية على المدى البعيد سوف يدخل الرئة في حالة احتشاء، ومن ثم انتفاخ وضعف وظائفها، وصولاً الى اصابتها بالسرطان على المدى البعيد·
ويرى خبراء بيئيون ان الاضرار الناتجة عن استخدام هذه الوسائل والادوات لانتاج الطاقة تفوق كثيراً الفائدة المؤقتة التي يتحصل عليها المستخدم، ويحمل الدولة تكاليف مضاعفة تأتي في صورة جهود معالجة الاضرار التي نجمت عن هذه الاستخدامات، خاصة ما يتعلق منها بصحة الانسان، مع ما يرافق ذلك من تعطيل الفرد المصاب عن دوره الانتاجي، وتكبيد الجهات الرعائية الصحية مصاريف اضافية لمعالجة الامراض التي اصيب بها·
ولتلافي ذلك فهم يدعون الحكومة الى الاهتمام بمصادر الطاقة البديلة والمتجددة رخيصة التكاليف التي تكون مخرجاتها في متناول ايدي قطاع عريض جداً من المواطنين، ومن اهمها الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، وطاقة الحرارة الجوفية للارض·
وقد استهجن المراقبون تردد الجهات المعنية في الاردن باستثمار هذه المصادر والاكتفاء بالنماذج البحثية والدراسات واستدراج العروض دون الغوص في عمق الموضوع واعتبار ذلك ضرورة حيوية سيادية، ذلك ان اهم ميزات مصادر الطاقة المتجددة انها متوفرة باستمرار، وتعتبر مصدراً رئيسياً للدولة يجنبها الاعتماد على الاخرين، بحيث تجعل قرار توفير الطاقة قراراً وطنياً مستقلاً، وهي طاقة نظيفة لاتؤثر على صحة المواطنين والبيئة، كما ان استخدامها يضمن استمرار تدفقها بعيداً عن التعليمات السياسية، وله مردود اقتصادي كبير للدولة·
ولفت الخبراء الى ان صناعة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح تنمو بشكل سريع، حيث بدأ الكثير من الدول في انتاج كميات لا يستهان بها من الطاقة اذا ما قورنت باحتياج بلد كالاردن، واشاروا، على سبيل المثال، الى ان الولايات المتحدة استطاعت انتاج نحو 354 ميجاوات من الطاقة الشمسية عام 2010، وانتجت اسبانيا ما يقارب 150 ميجاوات، فيما انتجت ايران 17 ميجاوات·· فهل نسمع او نقرأ عن قرار جريء يجعلنا نلج بوابة انتاج الطاقة البديلة او المتجددة بما يوفره ذلك من مكاسب صحية وبيئية واقتصادية وسياسية وسيادية ؟؟

تعليقات