توفيق أبوالهدى التاجي الفاروقي.. عاصر ثلاثة ملوك توَّج اثنين منهم

يذكر الأستاذ يعقوب العودات»البدوي الملثم»في كتابه»من أعلام الفكر والأدب في فلسطين»أن توفيق أبوالهدى التاجي الفاروقي ينتمي لفرع مدينة الرملة من عائلة التاجي الفاروقي»نسبة إلى الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه»ولكنه ولد في مدينة عكا في عام 1895 م وأكمل دراسته الإبتدائية فيها ثمَّ انتقل إلى بيروت ليكمل دراسته الثانوية في المكتب السلطاني، ومن هناك إنتقل إلى الأستانة»إسطنبول»لأكمال دراسة الحقوق في جامعتها العريقة، ويذكرُ العوداتُ أن الرئيس توفيق أبوالهدى كان أثناء دراسته في إسطنبول من ناشطي الحركة العربية الوطنية وكان من مؤسِّسي»المنتدى الأدبي»الذي أسَّسه الشُبَّان العرب ُالذين كانوا يقيمون في إسطنبول للدراسة أوللعمل في عام 1909م ليمارسوا من خلاله نشاطاتهم الفكرية والسياسية الهادفة إلى تحرير العرب من حكم حزب الاتحاد والترقــِّـي الماسوني الذي تحكـَّـم بالدولة العثمانية في أواخر سنواتها وكانت غالبية قياداته من يهود الدونمة ومن الماسونيين، ويروي العودات أن رئيس المنتدى عبد الكريم الخليل أخفى في غرفة أبوالهدى في نـُزل الطلبة الذي كان يقيم فيه وثائقَ ومراسلات المنتدى، وعندما ألقت حكومة حزب الاتحاد والترقــِّـي الماسونية القبضَ على عبد الكريم الخليل بعد أن اكتشفت نشاطات المنتدى الحقيقية قامت بحملةِ تفتيش في غرف جميع الطلاب العرب في استانبول وكان من بينها غرفة أبوالهدى الذي كان قد وضع الوثائق والمراسلات في حقيبة قديمة مهترئة ووضع فوقها بعض ملابسه التي تحتاج إلى الغسيل، ولما دخلت الشرطة التركية الغرفة سألته عما بداخل الحقيبة فأخرج منها بعض ملابسه المتسخة فصدَّقوه وأكملوا تفتيش الغرفة ثم غادروها، فبادر توفيق أبوالهدى إلى إحراق الوثائق والمراسلات في قبوالعمارة بمساعدة جار أرمني وزوجته، وعندما أراد الشيخ عيد الحميد الزهراوي وكان من زعماء الحركة العربية أن يطمئن على الوثائق أخبره أبوالهدى بإحراقه لها فاطمأنَّ الزهراوي وشكر أبوالهدى على حسن تصرُّفه الذي أنقذ عشرات من شبان الحركة العربية الوطنية من أعواد المشانق لوعثر الاتحاديون عليها، وبعد تخرُّجه في جامعة إسطنبول شغل أبوالهدى منصب السكرتير العام لحكومة الإمارة الأردنية في تعديلٍ آخر جرى في 1/2/1929م، ثمَّ شغل المنصب الوزاري في بضع حكومات، ثمَّ اصبح رئيسا للحكومة، ويُشير المؤرِّخ الأستاذ سليمان الموسى في كتابه الوثائقي»أعلام من الأردن – توفيق أبوالهدى، سعيد المفتي – دراسة في السياسة الأردنية ـ ص 11»إلى أن الرئيس توفيق أبوالهدى التاجي الفاروقي هوصاحب الرقم القياسي في إشغال منصب رئيس الوزراء في الحكومات الأردنية حيث شكـَّـل اثنتي عشرة حكومة في عهد ثلاثة ملوك هم الملك المؤسِّس عبدالله الأول بن الحسين والملك الراحل طلال بن عبدالله والملك الراحل الحسين بن طلال كان أولها في 28/9/1938م في عهد الإمارة وآخرها في 24/10/1954م في عهد المملكة، ويُـسجل للرئيس توفيق أبوالهدى أنه هوالذي أعلن تتويج الملكين الراحلين طلال بن عبد الله»3/9/1951م»ونجله الحسين»2 /5 / 1953 م».

ويلتقي معظمُ الذين عايشوا الرئيس توفيق أبوالهدى بمن فيهم الذين كانوا يناصبونه العداء على أنه كان من أنظف من تولى رئاسة الحكومة يدا ً فقد عُرف عنه حرصه الشديد على المال العام، كما عُرف عنه حرصه الشديد على النأي بنفسه عن مال الحكومة ويعزز هذه الصفة الإيجابية أنه عندما توفي إلى رحمة اله تعالى ترك وراءه ديوناً لم يكن قادراً على سدادها وهوالذي كانت الأموال تجري بين يديه بحكم منصبه، وفي تبرير تعاونه مع الإنجليز الذين كانوا يبسطون نفوذهم وسيطرتهم على الأردن بموجب صكِّ الانتداب يُـبرِّر أنصاره أنه كان ينطلق في تعاونه مع الإنجليز من قناعته بأنَّ تعاونه مع الإنجليز كانَ من أجلِ مصلحة الأردن وليس عن عمالةٍ للإنجليز أوخيانةٍ للأردن، كما أنَّ الأمرَ الآخر الذي يتفق عليه معظم الذين عايشوه أنه كان بعيداً عن الأساليب الديمقراطية في تعامله مع الشعب وخاصة مع المعارضين، وأنه كان لا يتورع عن استعمال الشدّة والعنف في مواجهة معارضيه، كما أنه لم يكن ليتورَّعَ عن التدخلِ في الانتخابات النيابية التي كانت تشرف عليها حكوماته لضمان فوز مؤيديه ولضمان إسقاط معارضيه، فقد إتهمت أسبوعية»حول العالم»حكومة أبوالهدى بتحويل الانتخابات التي أشرفت على إجرائها في 16/10/1954م إلى مذبحة سياسية بعد أن أسفر تزوير الانتخابات عن فوز جميع مرشحي الحكومة فيما خسر جميع المرشحين من الأحزاب المعارضة والشخصيات الوطنية، وتبع تزوير الانتخابات قيام حكومة أبوالهدى بشن حملة من الاعتقالات ضد نشطاء من جميع الأحزاب والزج بهم في السجون أوالنفي إلى منفى»الجفر»في صحراء الجنوب.

ولم تقتصر قسوة أبوالهدى على معارضيه فقد كان من ألدِّ خصوم الصحافة، ففي عددها الصادر في 16 / 8 / 1952 م نشرت صحيفة»حول العالم»التي كان يصدرها الأستاذ المحامي صبحي عبد الحليم زيد الكيلاني نقيب الصحفيين خبر إقدام حكومة الرئيس توفيق أبوالهدى على إلغاء إمتياز 6 صحف بقرار واحد وهي :»العصا»لناشرها محمود شركس،»الديار المقدَّسة»لناشرها توفيق طوقان،»صوت الحق»لناشرها حسني عبد الهادي،»الرأي العام»لناشرها خليل العقاد،»النذير»لناشرها مرسي الأشقر،»شباب العرب»لناشرها بشير الحطـَّـاب، ولم تمض أشهر قليلة على قرار إلغاء إمتياز الصحف الست حتى أصدرت حكومة الرئيس توفيق أبوالهدى قرارا بتعطيل جريدة»الحوادث»التي كان يصدرها الأستاذ مسلـَّـم بسيسوبموجب كتاب مراقب المطبوعات العام المؤرخ في 7/10/1952م، ولم تتوقف عدائية الرئيس أبوالهدى للصحافة عند هذا الحد ففي عددها الثاني الصادر في 26/8/1954 م نشرت جريدة»الكفاح الإسلامي»التي كان يصدرها الإخوان المسلمون في الأردن خبر قيام حكومة الرئيس توفيق أبوالهدى بإغلاق خمس صحف حزبية بقرار واحد هي صحيفة الرأي»القوميون العرب»وصحيفة الجبهة»الشيوعيون»وصحيفة الوطن»الشيوعيون»وصحيفة اليقظة»البعثيون»وصحيفة العهد الجديد»الشيوعيون»، ثمَّ أصدرت قرارا لاحقا بإغلاق»الكفاح الإسلامي»لتنضم إلى زميلاتها.

على الصعيد الحزبي كان الرئيس توفيق أبوالهدى ينأى بنفسه عن الإنخراط رسميا في أي حزب، وكان يكتفي بدفع أنصاره إلى العمل الحزبي الرسمي، كما فعل عندما كان غريمه السياسي الرئيس سمير طالب الرفاعي بتشكيل»حزب الأمة»في 7/7/1954م، فشجَّـع أبوالهدى أنصاره على تشكيل»الحزب العربي الدستوري»في 2/4/1956م برئاسة الدكتور مصطفى خليفة العواملة، إلا أن الرئيس أبوالهدى كان في واقع الأمر الزعيم الحقيقي للحزب العربي الدستوري.

التاريخ : 04-06-2011

تعليقات

شكراااااااً جزيلاً
على المعلومااااااات القيمة
‏قال Umzug Wien
باااااااااااااااارك الله بكم
على الطرح القيم